الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، الوارد ذكرهم في القرآن الكريم، وعدم التَّفرقة بينهم
فمن ركائز الإيمان، ومن الأسس الَّتي تقوم عليها الدَّعوة إلى الله، وجوبُ الاعتقاد والتَّصديقِ بجميع الأنبياء والمرسلين، الَّذين جاءت أسماؤهم في كتاب الله، وإنزالهم منزلةً واحدة في مقام النُّبوة والرِّسالة، وعدم التَّفرقة بينهم، أو النَّيل من بعضهم، قال تعالى:
فهذا أمرٌ صريح بوجوب الإيمان وعدم التَّفرقة بينهم -صلوات اله عليهم جميعاً-، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك أيضاً في قوله تعالى:
قال الإمام ابن كثير:
"فالمؤمنون يؤمنون بأنَّ الله واحدٌ أحدٌ فردٌ صمد، لا إله غيرُه، ولا ربَّ سواه، ويُصدِّقون بجميع الأنبياء والرُّسل، والكتب المنزلة من السَّماء على عباد الله المرسلين والأنبياء، لا يُفرِّقون بين أحدٍ منهم، فيؤمنون ببعضٍ ويكفرون ببعضٍ، بل الجميع عندهم صادقون بارُّون راشدون مهديُّون هادون إلى سبيل الخير، وإن كان بعضُهم ينسخ شريعةَ بعضٍ بإذن الله، حتّّى يُنسخ الجميعُ بشرع محمَّد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين، الَّذي تقوم الساعة على شريعته، ولا تزال طائفة من أمَّته على الحقِّ ظاهرين".
وبَيَّنَ القرآن الكريم أنَّ الله توعَّد كلَّ من يكفر بالله ورسله، ويفرق بينه -سبحانه- وبينهم في الإيمان ببعض والكفر ببعض، كما فعل اليهود -عليهم لعنة الله- حينما آمنوا بجميع الأنبياء إلا عيسى ومحمداً عليهما السلام وكإيمان النَّصارى بجميع الأنبياء إلا محمَّداً صلى الله عليه وسلم ويتَّخذون في هذا عقيدةً ومنهجاً وسبيلاً، فأولئك وغيرهم ممَّن يؤمنون بالبعض ويكفرون بالبعض، قد حكم الله عليهم بالكفر، وأعدَّ لهم عذاباً مُّهيناً. قال تعالى:
{إِنَّ الَّذينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} [النساء:150 - 151] أمَّا المؤمنون الَّذين أكرمهم الله بالإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، فقد أخبر الله بشأنهم في نفس الآيات:
وينبغي على أتباع الدِّيانات، وخاصَّةً اليهود والنَّصارى: أن يكُفُّوا ألسنتهم عن الخوض في التَّفرقة بين النَّبِيِّين، والنَّيل منهم ووصفهم بصفات لا تَليق بآحاد الناس، فضلاً عن المرسلين، كما ذُكر ذلك فيما يزعمون أنَّه الكتابُ المقدَّس، سواء في أسفار "العهد القديم"، "التَّوراة" أو "العهد الجديد": الأناجيل، حيث ألصقوا ببعض الأنبياء -زوراً وبهتاناً- تهمة ارتكاب الكبائر، مما يتنافى وعصمتهم وحفظ الله لهم، وتفضيلَهم على الخلق جميعاً، قال تعالى:
{تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة:253].
فالتَّفاضل بينهم شأنٌ يخصُّ الله تعالى، فهو -سبحانه- يعلم قدر كلٍّ منهم ومنزلته وفضله، قال تعالى:
{وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} [الإسراء:55].
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التَّفاضل الَّذي تمليه العصبيَّة الحمقاء والخصومة الحاقدة، فقد جاء في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: استبَّ رجلٌ من المسلمين، ورجلٌ من اليهود، فقال اليهوديُّ في قَسم يُقسمه: لا، والَّذي اصطفى موسى على العالمين! فرفع المسلمُ يده فلطم بها وجهَ اليهوديِّ، فقال: أيْ خبيثُ، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ فجاء اليهوديُّ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فاشتكى على المسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تفضلوني على الأنبياء
…
الحديث)) رواه الشَّيخان.
فالمراد بذلك النَّهيُ الَّذي يمليه التَّعصب المذموم، ولقد ذكر القرآن الكريم أنَّ الرسل هم أفضل الخلق، قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران:33 - 34].
وأنَّ الله سبحانه وتعالى فضَّل أولي العزم من الرُّسل، على سائر الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35].
وهم المذكورون في قوله تعالى:
ومحمد صلى الله عليه وسلم أفضلُ أولي العزم، قال تعالى:
وقد ذكر صلى الله عليه وسلم الأمورَ الَّتي اختصه اللهُ بها، وفُضِّل من خلالها على جميع الأنبياء والمُرسلين، ممَّا سنوضِّحه في الأدلَّة التَّالية:
أ- روي عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ كلُّ نبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عامَّةً)) رواه الشيخان.
ب- روي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أكرمُ وَلَدِ آدَمَ على رَبِّي، ولا فخرَ))، وفي روايةٍ أخرى لابن عبَّاس رضي الله عنهما:((أَنَا أكرمُ الأوَّلينَ والآخِرينَ، ولا فَخر)).
وروي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ)) أخرجه الإمام مسلم.
ج- روي عن واثلة بن الأسقع -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ)) أخرجه الشَّيخان.
فهذه الأحاديث الصَّحيحة، تنبئ عن مكانة الرَّسول صلى الله عليه وسلم وعن فضله على سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى كافَّة الخلق أجمعين، ومن أراد المزيد فليرجع إلى "الشفا بتعريف حقوق المصطفى، للقاضي عياض"، ومع هذه المكانة العالية والمنزلة الرَّفيعة؛ فإنَّ أدب الرَّسول صلى الله عليه وسلم وتواضعَه، جعله يأمر المسلمين، أن لا يرفعوا منزلته على منزلة أحدٍ من الأنبياء غيرِه، فقال صلى الله عليه وسلم:((لا تُفضِّلوني على يُونُسَ بن متّى، ولا تُفَضِّلوا بينَ الأنبياءِ، ولا تُخَيِّروُني عَلَى مُوسَى)).
فالنهي عن التَّفاضل موجَّهٌ في حقِّ النُّبوَّة والرِّسالة، إذ إنَّ مقام الأنبياء والمرسلين في النُّبوَّة واحدٌ، وإنَّما التَّفاضل بأمورٍ أخرى زائدةٍ عليها، يمنحها الله لأنبيائه ورسله، حيث يخُصُّ سبحانه وتعالى بها نبيَّاً دون آخر.
ولقد ذكر القرآنُ الكريمُ، ما اختصَّ به اللهُ كلَّ نبيٍّ ورسولٍ من معجزات ومقامات وأحوالٍ، يُفاضل اللهُ بها بينهم.