الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى:
{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران:67].
وقد نفى القرآنُ الكريمُ نفياً قاطعاً، صلةَ أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام باليهوديَّة أو النَّصرانيَّة، وساق حُجَّة ودليلاً عقلياً على ذلك، وهو نزول التَّوراة والإنجيل من بعده عليه الصلاة والسلام قال تعالى:
حقيقة ما بين يدي أهل الكتاب -اليهود والنصارى- من التوراة والإنجيل الآن وما ينبغي أن يكون عليه موقف المسلمين من كل منهما
.
تحدَّث القرآن الكريم باستفاضةٍ عن أهل الكتاب، وعمَّا بين أيديهم من الكتب، ونتناول في هذا المبحث ثلاثَ مراحل تتابعت وتطوَّرت، على الكتب السَّماويَّة، وذلك على النَّحو التَّالي:
المرحلة الأولى:
تلك المرحلة الَّتي تلقَّى فيها نبيَّا الله موسى وعيسى عليهما السلام الوحيَ من الله، فتنزلت التَّوراةُ على موسى، والإنجيلُ على عيسى، وكانا كلاماً من الله خالصاً، لم يُخالطْه كلامٌ من أيِّ الرَّسولين، ولم تمتدَّ إليهما يدٌ بالتَّغيير أو التَّحريف، وظلَّ ذلك في حياتهما، وإبَّانَ بِعثتهما وردحاً من الزَّمن، وقد ذكر القرآن الكريم أنَّ التَّوراة والإنجيل، كشأن الكتب السماويَّة، هي كلام الله المنزل على رسله، تأييداً لهم وتأكيداً على رسالتهم، قال تعالى:
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ
يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:184].
وقال تعالى:
{وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [البقرة:53].
فالكتاب هو التَّوراة، وسمَّاه الله فرقاناً؛ لأنَّه فرق بين الحقِّ والباطل، فاجتمع مع القرآن الكريم في هذا الاسم، قال تعالى:
{تَبَارَكَ الَّذي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1].
قال تعالى:
فهذا وصفٌ للتَّوراة، وبيان: أنَّ الرَّبَّانيِّين والأحبار قد أُمروا بالمحافظة عليها، وكانوا شهداء أنَّها من كلام الله، وليست من كلام موسى عليه السلام، وكذلك الشَّأنُ في الإنجيل المنزَّل على عيسى عليه السلام؛ فهو كلامُ الله، لا دخل له فيه بزيادة حرف أو نقصانه، قال تعالى:
وبَيَّنَ القرآن الكريم أنَّ عيسى عليه السلام بجانب نزول الإنجيل عليه، كان على علم بالتَّوراة الَّتي أنزلت على موسى، قال تعالى:
{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ} [آل عمران:48].
ولقد امتنَّ الله وتفضل عليه واختصَّه بما جاء في قوله تعالى:
فهذه بعضٌ من آياتٍ كثيرة، توضِّحُ أنَّ التَّوراة والإنجيل المنزَّلين على موسى وعيسى عليهما السلام هما من كلام الله، ولا دخلَ لهما فيهما إلا بالبلاغ والبيان.
وقد بيَّن القرآنُ الكريم أنَّ أهل الكتاب، لو حافظوا على ما تَحتَ أيديهم من كلام الله، وآمنوا بما أُنزل على محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لتبدَّلت أحوالُهم ولعمَّ البِشرُ والخيرُ الإنسانيَّةَ كلَّها، قال تعالى:
وقد أنصف القرآن الكريم بعضاً من أهل الكتاب، ظلُّوا على الحقِّ وتمسَّكوا به وعرفوا الحقيقة، فالتزموا بها ولم يتناولوا ما أُُنزل على موسى وعيسى عليهما السلام بما تناوله غيرهم، وهؤلاءِ وإن كانوا قلَّةً من بين أهل الكتاب، إلا أنَّه لا يخلو منهم عصرٌ من العصور، قال تعالى عن بعض أهل الكتاب الَّذين ظلُّوا على الحقِّ:
هذه هي المرحلة الأولى الَّتي نزلت فيها التَّوراة والإنجيل، وقد وضَّح القرآنُ الكريم معالمَ وملامح هذه المرحلة، ونوجزها في النقاط التَّالية:
أولاً: إنَّ التَّوراة والإنجيل في هذه الفترة، ولا سيما في حياة الرَّسولين كانتا وحياً وكلاماً من الله، شأنها شأن جميع الكتب المنزلة ومنها القرآن الكريم.
ثانياً: لم يدَّعِ أحدٌ من النَّبيِّين أنَّ ما بين أيديهما من التَّوراة والإنجيل، هو من كلامهما.
ثالثاً: أنَّ أتباع الرَّسولين من الحواريِّين كانوا يعرفون حقَّ المعرفة أنَّ التَّوراة والإنجيل، من كلام الله، وأُخذ عليهم الميثاق بذلك، قال تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران:187].
رابعاً: أنَّه في هذه المرحلة، كان الإسلام هو الصبغةُ الَّتي اصطبغ بها أهلُ الكتاب، قال تعالى:
{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:52 - 53].
خامساً: خلت التَّوراة والإنجيل في هذه الفترة، من كل ما يُسيءُ إلى ذات الله سبحانه وتعالى أو الانتقاص من قدر الأنبياء والمرسلين أو الافتراء عليهم.
سادساً: تضمَّنت التَّوراة والإنجيل بين ثناياهما، بيانَ صفاتِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم والتَّبشير ببعثته، وأخذ الله العهد على أتباعهما، قال تعالى:
{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسول النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
…
} اليَّة [الأعراف:156 - 157].
وقال تعالى:
سابعاً: هذه المرحلةُ لم تدم طويلاً، إذ إنَّها انتهت بانتهاء حياة موسى ورفع عيسى عليهما السلام، هذا بجانب أنَّ الله تعالى لم يتكفَّل بحفظ التَّوراة والإنجيل، كما تكفَّل بحفظ القرآن الكريم، وكلِّ ما يتصل به من السُّنَّة النَّبويَّة واللُّغة العربيَّة.
فامتدت الأيدي للتَّوراة والإنجيل بالتَّغيير والتَّحريف، كما سنوضحه في المبحث التَّالي.