الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى كل حال، فالآية تدل على خطاب الكفار بفروع الإِسلام. أعني امتثال أوامره واجتناب نواهيه.
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من كونهم مخاطبين بذلك، وأنهم يعذبون على الكفر، ويعذبون على المعاصي، جاء موضحًا في آيات أخر، كقوله تعالى عنهم مقررًا له:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)} .
فصرح تعالى عنهم، مقررًا له، أن من الأسباب التي سلكتهم في سقر، أي أدخلتهم النار، عدم الصلاة، وعدم إطعام المسكين، وعَدَّ ذلك مع الكفر بسبب التكذيب بيوم الدين.
ونظير ذلك قوله تعالى: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} ، ثم بين سبب ذلك فقال:{إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)} الآية، إلى غير ذلك من الآيات.
•
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)}
.
الأجر جزاء العمل، وجزاء عمل الذين آمنوا وعملوا الصالحات هو نعيم الجنة، وذلك الجزاء (غير ممنون) أي غير مقطوع، فالممنون اسم مفعول مَنَّهُ بمعنى قطعه، ومنه قول لبيد بن ربيعة في معلقته:
لمعفر فهدٍ تنازع شِلْوَهُ
…
غُبْسٌ كواسِبُ ما يمن طعامها
فقوله: ما يمن طعامها، أي ما يقطع.
وقول ذي الأصبع:
إني لعمرك ما بابي بذي غلق
…
على الصديق ولا خيري بممْنونِ
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن أجرهم غير ممنون، نص الله تعالى عليه في آيات أخر من كتابه، كقوله تعالى في آخر سورة الانشقاق:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)} ، وقوله تعالى في سورة التين:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)} ، وقوله تعالى في سورة هود:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)} .
فقوله: (غير مجذوذ) أي مقطوع؛ وبه تعلم أن (غير مجذوذ) و (غير ممنون) معناهما واحد.
وقوله تعالى في ص: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)} أي ما له من انتهاء ولا انقطاع، وقوله في النحل:{مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} .
وهذا الذي ذكرنا هو الذي عليه الجمهور، خلافًا لمن قال: إن معنى (غير ممنون) غير ممنون عليهم به، وعليه، فالمن في الآية من جنس المن المذكور في قوله تعالى:{لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} .
ومن قال: إن معنى (غير ممنون) غير منقوص، محتجًا بأن العرب تطلق الممنون على المنقوص، قالوا: ومنه قول زهير:
فضل الجياد على الخيل البِطاء فلا
…
يعطي بذلك مَمْنونًا ولا نَزِقَا
فقوله: "ممنونًا" أي منقوصًا.
وهذا وإن صح لغة، فالأظهر أنه ليس معنى الآية، بل معناها هو ما قدمنا. والعلم عند الله تعالى.