الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكل شيء خلا من الناس يقال له أقوى، فالرجل إذا كان في الخلاء قيل له: أقوى. والدار إذا خلت من أهلها قيل لها: أقوت.
ومنه قول نابغة ذبيان:
يا دار مية بالعلياء فالسند
…
أقوت وطال عليها سالف الأبد
وقول عنترة:
حُيِّيت من طلل تقادم عهده
…
أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
وقيل: (للمقوين): أي للجائعين. وقيل غير ذلك، والذي عليه الجمهور هو ما ذكرنا.
•
قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)}
.
قد قدمنا الكلام عليه في أول سورة النجم.
•
قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)}
.
أخبر الله تعالى في هذه الآية الكريمة، وأكد إخباره بأن هذا القرآن العظيم هو حق اليقين، وأمر نبيه بعد ذلك بأن يسبح باسم ربه العظيم.
وهذا الذي تضمنته هذه الآية ذكره الله جل علا في آخر سورة الحاقة في قوله في وصفه للقرآن: {وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)} ، والحق هو اليقين.
وقد قدمنا أن إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين
أسلوب عربي، وذكرنا كثرة وروده في القرآن وفي كلام العرب، ومنه في القرآن قوله تعالى:{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} والدار هي الآخرة، وقوله {وَمَكْرَ السَّيِّئِ} والمكر هو السيء، بدليل قوله بعده:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهِ} ، وقوله:{مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)} والحبل هو الوريد، وقوله:{شَهْرُ رَمَضَانَ} والشهر هو رمضان.
ونظير ذلك من كلام العرب قول امرئ القيس:
كبكر المقاناة البياض بصفرة
…
غذاها نمير الماء غير المحلل
والبكر هي المقاناة.
وقول عنترة:
ومشك سابغة هتكت فروجها
…
بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
لأن مراده بالمشك هنا الدرع نفسها، بدليل قوله: هتكت فروجها، يعني الدرع، وإن كان أصل المشك لغة السير الذي تشد به الدرع؛ لأن السير لا تمكن إرادته في بيت عنترة هذا، خلافًا لما ظنه صاحب تاج العروس، بل مراد عنترة بالمشك: الدرع، وأضافه إلى السابغة التي هي الدرع كما ذكرنا، وإلى هذا يشير ما ذكروه في باب العَلَم، وعقده في الخلاصة بقوله:
وإن يكونا مفردين فأضف
…
حتمًا وإلا أتبع الذي ردف
لأن الإِضافة المذكورة من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظين، وقد بينا في كتابنا "دفع إبهام الاضطراب عن آيات الكتاب" أن قوله في الخلاصة:
ولا يضاف اسم لما به اتحد
…
معنى وأول موهمًا إذا ورد
أن الذي يظهر لنا من استقراء القرآن والعربية أن ذلك أسلوب عربي، وأن الاختلاف بين اللفظين كاف في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، وأنه لا حاجة إلى التأويل مع كثرة ورود ذلك في القرآن والعربية.
ويدل له تصريحهم بلزوم إضافة الاسم إلى اللقب إن كانا مفردين نحو سعيد كرز؛ لأن ما لا بد له من تأويل لا يمكن أن يكون هو اللازم كما ترى، فكونه أسلوبًا أظهر.
وقوله: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)} التسبيح: أصله الإِبعاد عن السوء، وتسبيح الله تنزيهه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، وذلك التنزيه واجب له في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
والظاهر أن الباء في قوله {بِاسْمِ رَبِّكَ} داخلة على المفعول، وقد قدمنا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى:{وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} أدلة كثيرة من القرآن وغيره على دخول الباء على المفعول الذي يتعدى إليه الفعل بنفسه، كقوله:{وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} ، والمعنى: وهزي جذع النخلة، وقوله:{وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} أي إلحادًا، إلى آخر ما قدمنا من الآدلة الكثيرة.
وعليه، فالمعنى: سبح اسم ربك العظيم، كما يوضحه قوله في الأعلى:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)} .
وقال القرطبي: الاسم هنا بمعنى المسمى، أي سبح ربك، وإطلاق الاسم بمعنى المسمى معروف في كلام العرب، ومنه قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما
…
ومن يبك حولًا كاملًا فقد اعتذر
ولا يلزم في نظري أن الاسم بمعنى المسمى هنا؛ لإِمكان كون المراد نفس الاسم؛ لأن أسماء الله ألحد فيها قوم ونزهها آخرون عن كل ما لا يليق، ووصفها الله بأنها بالغة غاية الحسن، وفي ذلك أكمل تنزيه لها؛ لأنها مشتملة على صفاته الكريمة، وذلك في قوله:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} ، وقوله تعالى:{أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} .
ولسنا نريد أن نذكر كلام المتكلمين في الاسم والمسمى، هل الاسم هو المسمى أو لا؟ لأن مرادنا هنا بيان معنى الآية، والعلم عند الله تعالى.