الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لصريح القرآن، لا أساس لها، ولا يصح سند شيء منها، كما جزم به ابن العربي وغير واحد من المحققين.
فالعجب كل العجب من مسلم يخالف نص القرآن الصريح بلا مستند كتاب ولا سنة صحيحة.
•
قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا}
.
معنى قوله: (يفرق) أي يفصل ويبين، ويكتب في الليلة المباركة، التي هي ليلة القدر، {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} أي ذي حكمة بالغة؛ لأن كل ما يفعله الله مشتمل على أنواع الحكم الباهرة.
وقال بعضهم: {حَكِيمٍ} أي محكم، لا تغيير فيه ولا تبديل.
وكلا الأمرين حق؛ لأن ما سبق في علم الله لا يتغير ولا يتبدل؛ ولأن جميع أفعاله في غاية الحكمة، وهي في الاصطلاح: وضع الأمور في مواضعها وإيقاعها في مواقعها.
وإيضاح معنى الآية أن الله تبارك وتعالى في كل ليلة قدر من السنة يبين للملائكة ويكتب لهم بالتفصيل والإِيضاح جميع ما يقع في تلك السنة، إلى ليلة القدر من السنة الجديدة.
فتبين في ذلك الآجال والأرزاق، والفقر والغنى، والخصب والجدب، والصحة والمرض، والحروب والزلازل، وجميع ما يقع في تلك السنة كائنًا ما كان.
قال الزمخشري في الكشاف: ومعنى (يفرق): يفصل ويكتب
كل أمر حكيم من أرزاق العباد وآجالهم، وجميع أمورهم فيها، إلى الأخرى القابلة، إلى أن قال: فتدفع نسخة الأرزاق إلى ميكائيل، ونسخة الحروب إلى جبرائيل، وكذلك الزلازل والصواعق والخسف، ونسخة الأعمال إلى إسماعيل صاحب سماء الدنيا وهو ملك عظيم، ونسخة المصائب إلى ملك الموت. اهـ محل الغرض منه بلفظه.
ومرادنا بيان معنى الآية، لا التزام صحة دفع النسخ المذكورة للملائكة المذكورين؛ لأنا لم نعلم له مستندًا.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، يدل أيضًا على أن الليلة المباركة هي ليلة القدر، فهو بيان قرآني آخر.
وإيضاح ذلك أن معنى قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيلَةِ الْقَدْرِ (1)} أي في ليلة التقدير لجميع أمور السنة، من رزق، وموت وحياة وولادة، ومرض وصحة، وخصب وجدب، وغير ذلك من جميع أمور السنة.
قال بعضهم: حتى إن الرجل لينكح ويتصرف في أموره ويولد له، وقد خرج اسمه في الموتى في تلك السنة.
وعلى هذا التفسير الصحيح لليلة القدر، فالتقدير المذكور هو بعينه المراد بقوله:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} .
وقد قدمنا في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالى: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيهِ} أن قَدَر، بفتحِ الدال مخففًا، يقدُر ويقدِر، بالكسر والضم، كيضرِب وينصُر، قدرًا، بمعنى قدَّر تقديرًا، وأن ثعلبًا أنشد لذلك قول الشاعر:
فليست عشيات الحمى برواجع
…
لنا أبدًا ما أورق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى
…
تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
وبينا هناك، أن ذلك هو معنى ليلة القدر؛ لأن الله يقدر فيها وقائع السنة.
وبينا أن ذلك هو معنى قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} ، وأوضحنا هناك أن القَدَر بفتح الدال، والقَدْر بسكونها، هما ما يقدره الله من قضائه، ومنه قول هدبة بن الخشرم:
ألا يا لقومي للنوائب والقدر
…
وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدرى
واعلم أن قول من قال: إنما سميت ليلة القدر لعظمها وشرفها على غيرها من الليالي، من قولهم: فلان ذو قدر، أي ذو شرف ومكانة رفيعة، لا ينافي القول الأول؛ لاتصافها بالأمرين معًا، وصحةِ وصفها بكل منهما، كما أوضحنا مثله مرارًا.
واختلف العلماء في إعراب قوله: {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا} :
قال بعضهم: هو مصدر منكر في موضع الحال، أي أنزلناه في حال كوننا آمرين به.
وممن قال بهذا الأخفش.
وقال بعضهم: هو ما ناب عن المطلق من قوله: {أَنْزَلْنَاهُ} ، وجعل (أمرًا) بمعنى: إنزالًا.
وممن قال به المبرد.
وقال بعضهم: هو ما ناب عن المطلق من (يفرق)، فجعل (أمرًا) بمعنى فرقًا، أو فرقًا بمعنى (أمرًا).
وممن قال بهذا الفراء والزجاج.