الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَيكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)، وقوله تعالى:{مَا يُقَالُ لَكَ إلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} الآية، وقوله تعالى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
•
قوله تعالى: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}
.
التحقيق إن شاء الله، أن معنى الآية الكريمة: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في دار الدنيا، فما أدري أأخرج من مسقط رأسي أو أقتل كما فعل ببعض الأنبياء، وما أدري ما ينالني من الحوادث والأمور في تحمل أعباء الرسالة، وما أدري ما يفعل بكم، أيخسف بكم، أو تنزل عليكم حجارة من السماء، ونحو ذلك.
وهذا هو اختيار ابن جرير وغير واحد من المحققين.
وهذا المعنى في هذه الآية دلت عليه آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} الآية، وقوله تعالى أمرًا له صلى الله عليه وسلم:{قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيبَ} الآية.
وبهذا تعلم أن ما يروى عن ابن عبَّاس وأنس وغيرهما من أن المراد: {مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} أي في الآخرة، فهو خلاف التحقيق، كما سترى إيضاحه إن شاء الله.
فقد روي عن ابن عبَّاس وأنس وقَتَادة والضحاك وعكرمة والحسن في أحد قوليه أنَّه لما نزل قوله تعالى: {مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا
بِكُمْ} هو فرح المشركون واليهود والمنافقون، وقالوا: كيف نتبع نبيًّا لا يدري ما يفعل به ولا بنا، وأنه لا فضل له علينا، ولولا أنَّه ابتدع الذي يقوله من عند نفسه، لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزلت:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فنسخت هذه الآية، وقالت الصحابة: هنيئًا لك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لقد بين لك الله ما يفعل بك فليت شعرنا ما هو فاعل بنا، فنزلت:{لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} الآية، ونزلت:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)} .
فالظاهر أن هذا كله خلاف التحقيق، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجهل مصيره يوم القيامة؛ لعصمته صلوات الله وسلامه عليه، وقد قال له الله تعالى:{وَلَلْآخِرَةُ خَيرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)} ، وأن قوله:{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ} في أمور الدنيا كما قدمنا.
فإن قيل: قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أم العلاء الأنصارية ما يدل على أن قوله: {مَا يُفْعَلُ بِي} أي في الآخرة، فإن حديثها في قصة وفاة عثمان بن مظعون رضي الله عنه عندهم، ودخول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيه أنَّها قالت: رحمة الله عليك أبا السائب، شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل، تعني عثمان بن مظعون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وما يدريك أن الله أكرمه؟ فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :"أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي" الحديث.