الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالحاصل أن النحس والشؤم إنما منشؤه وسببه الكفر والمعاصي، أما من كان متقيًا للَّه مطيعًا له في يوم الأربعاء المذكور، فلا نحس ولا شؤم فيه عليه، فمن أراد أن يعرف النحس والشؤم والنكد والبلاء والشقاء على الحقيقة، فليتحقق أن ذلك كله في معصية الله وعدم امتثال أمره، والعلم عند الله تعالى.
•
قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}
.
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَهَدَيْنَاهُمْ} المراد بالهدى فيه هدى الدلالة والبيان والإِرشاد، لا هدى التوفيق والاصطفاء.
والدليل على ذلك قوله تعالى بعده: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} لأنها لو كانت هداية توفيق لما انتقل صاحبها عن الهدى إلى العمى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أي اختاروا الكفر على الإِيمان، وآثروه عليه، وتعوضوه منه.
وهذا المعنى الذي ذكرنا يوضحه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ} فقوله في آية التوبة هذه: {إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ} موافق في المعنى لقوله هنا: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} .
ونظير ذلك في المعنى قوله تعالى: {يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآية.
فلفظة "استحب" في القرآن كثيرًا ما تتعدى بِـ (على)؛ لأنها في معنى اختار وآثر.
وقد قدمنا في سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى} الآية، أن العمى الكفر، وأن المراد بالأعمى في آيات عديدة الكافر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن الهدى يأتي في القرآن بمعناه العام، الذي هو البيان والدلالة والإِرشاد، لا ينافي أن الهدى قد يطلق في القرآن في بعض المواضع على الهدى الخاص الذي هو التوفيق والاصطفاء، كقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} .
فمن إطلاق القرآن الهدى على معناه العام قوله هنا: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بينا لهم طريق الحق وأمرناهم بسلوكها، وطرق الشر ونهيناهم عن سلوكها، على لسان نبينا صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أي اختاروا الكفر على الإِيمان بعد إيضاح الحق لهم.
ومن إطلاقه على معناه العام قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} بدليل قوله بعده: {إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} ؛ لأنه لو كان هدى توفيق لما قال: {وَإِمَّا كَفُورًا (3)} .
ومن إطلاقه على معناه الخاص قوله تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، وقوله تعالى:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} ، وقوله:{وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} .
وبمعرفة هذين الإِطلاقين تتيسر إزالة إشكال قرآني، وهو أنه