الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من الاستدلال بخلق النوعين، أعني الذكر والأنثى من النطفة، جاء موضحًا في غير هذا الموضع، وأنه يستدل به على أمرين، هما: قدرة الله على البعث، وأنه ما خلق الإنسان إلَّا ليكلفه ويجازيه، وقد جمع الأمرين قوله تعالى:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَينِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) أَلَيسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} ، فذكر دلالة ذلك على البعث في قوله:{أَلَيسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)} ، وذكر أنه ما خلقه ليهمله من التكليف والجزاء، منكرًا على من ظن ذلك بقوله:{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)} أي مهملًا من التكليف والجزاء.
وقد قدمنا بعض الكلام على هذا في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (54)} .
•
قوله تعالى: {وَأَنَّ عَلَيهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)}
.
قد قدمنا الآيات الموضحة له، وأحلنا عليها مرارًا كثيرة.
•
قوله تعالى: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)}
.
قد قدمنا الآيات الموضحة لما أهلك به عادًا، والآيات الموضحة لما أهلك به ثمود، في سورة فصلت في قوله تعالى في الكلام في شأن عاد:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} الآية، وقوله في شأن ثمود:{فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} الآية.
• تعالى: {وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)} .
قوله: (وقوم نوح) معطوف على قوله: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)} أي: وأهلك قوم نوح، ولم يبين هنا كيفية إهلاكهم، ولكنه بين ذلك في مواضع أخر من كتابه، كقوله تعالى:{وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ} الآية، وقوله تعالى:{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)} ، وقوله تعالى:{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)} ، وقوله تعالى:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} ، وقوله تعالى:{وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27)} . والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من كون قوم نوح أظلم وأطغى، أي أشد ظلمًا وطغيانًا من غيرهم، قد بينه تعالى في آيات أخر، كقوله تعالى:{قَال رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إلا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)} ، وقوله تعالى:{قَال نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إلا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)} إلى قوله: {وَقَدْ أَضَلُّوأ كَثِيرًا} ، وقوله تعالى:{إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إلا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)} ، وقوله:{وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيهِ مَلأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} .
ومن أعظم الأدلة على ذلك قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِينَ عَامًا} ؛ لأن قومًا لم يتأثروا بدعوة نبي كريم ناصح في هذا الزمن الطويل، لا شك أنهم أظلم الناس وأطغاهم.