الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)} ، وقوله تعالى:{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ (50)} ، وقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَينَ يَدَي رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (57)} .
فقوله تعالى: {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى} أي نبعثهم من قبورهم أحياء كما أخرجنا تلك الثمرات بعد عدمها، وأحيينا بإخراجها ذلك البلد الميت، وقوله تعالى:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)} يعني تخرجون من قبوركم أحياء بعد الموت، وقوله تعالى:{وَأَحْيَينَا بِهِ بَلْدَةً مَيتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)} إلى غير ذلك من الآيات.
•
قوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيكَ بِالْحَقِّ}
.
أشار جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى آيات هذا القرآن العظيم، وبين لنبيه أنه يتلوها عليه متلبسة بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وما ذكره جل وعلا في آية الجاثية هذه، ذكره في آيات أخر بلفظه، كقوله تعالى في البقرة:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)} ، وقوله تعالى في آل عمران:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالمِينَ (108)} .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {تِلْكَ} بمعنى هذه.
ومن أساليب اللغة العربية إطلاق الإشارة إلى البعيد على الإِشارة إلى القريب، كقوله:{ذَلِكَ الْكِتَابُ} بمعنى هذا الكتاب، كما حكاه البخاري عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، ومن شواهده قول خفاف بن ندبة السلمي:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها
…
فعمدًا على عيني تيممت مالكا
أقول له والرمح يأطر متنه
…
تأمل خفافًا إنني أنا ذالكا
يعني أنا هذا.
وقد أوضحنا هذا المبحث وذكرنا أوجهه في كتابنا (دفع إبهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في أول سورة البقرة.
وقوله تعالى: {نَتْلُوهَا} أي نقرؤها عليك.
وأسند جل وعلا تلاوتها إلى نفسه؛ لأنها كلامه الذي أنزله على رسوله بواسطة الملك، وأمر الملك أن يتلوه عليه مبلغًا عنه جل وعلا.
ونظير ذلك قوله تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَينَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ (19)} .
فقوله: (فإذا قرأناه) أي قرأه عليك الملك المرسل به من قبلنا مبلغًا عنا، وسمعته منه، (فاتبع قرآنه) أي فاتبع قراءته واقرأه كما سمعته يقرؤه.
وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيكَ وَحْيُهُ} .
وسماعه - صلى الله عليه وسلم - القرآن من الملك المبلغ عن الله كلام الله وفهمه له هو معنى تنزله إياه على قلبه في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} ، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعَالمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)}.
وقوله تعالى في هذه الآية: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} يعني آياته الشرعية الدينية.
واعلم أن لفظ "الآية" يطلق في اللغة العربية إطلاقين، وفي القرآن العظيم إطلاقين أيضًا.
أما إطلاقاه في اللغة العربية:
فالأول منهما وهو المشهور في كلام العرب: فهو إطلاق الآية بمعنى العلامة، وهذا مستفيض في كلام العرب، ومنه قول نابغة ذبيان:
توهمت آيات لها فعرفتها
…
لستة أعوام وذا العام سابع
ثم بين أن مراده بالآيات علامات الدار في قوله بعده:
رماد ككحل العين لأْيًا أُبِينُه
…
وَنُؤْيٌ كجِذْمِ الحوض أثلم خاشع
وأما الثاني منهما: فهو إطلاق الآية بمعنى الجماعة، يقولون: جاء القوم بآيتهم أي بجماعتهم.
ومنه قول برج بن مسهر:
خرجنا من النقبين لاحي مثلنا
…
بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا
وقوله: "بآيتنا" يعني بجماعتنا.
وأما إطلاقاه في القرآن العظيم:
فالأول منهما: إطلاق الآية على الآية الشرعية الدينية، كآيات هذا القرآن العظيم، ومنه قوله هنا:{تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيكَ بِالْحَقِّ} الآية.
وأما الثاني منهما: فهو إطلاق الآية على الآية الكونية القدرية، كقوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)} .
أما الآية الكونية القدرية فهي بمعنى الآية اللغوية التي هي العلامة؛ لأن الآيات الكونية علامات قاطعة على أن خالقها هو الرب المعبود وحده.
وأما الآية الشرعية الدينية، فقال بعض العلماء: إنها أيضًا من الآية التي هي العلامة؛ لأن آيات هذا القرآن العظيم علامات على صدق من جاء بها، لما تضمنته من برهان الإِعجاز، أو لأن فيها علامات يعرف بها مبدأ الآيات ومنتهاها.
وقال بعض العلماء: إنها من الآية بمعنى الجماعة، لتضمنها جملة وجماعة من كلمات القرآن وحروفه.
واختار غير واحد أن أصل الآية أيَيَة، بفتح الهمزة وفتح الياءين بعدها، فاجتمع في الياءين موجبا إعلال؛ لأن كلًّا منهما متحركة حركة أصلية بعد فتح متصل، كما أشار له في الخلاصة بقوله:
من ياءٍ أو واوٍ بتحريك أُصِلْ
…
ألفًا ابدل بعد فتح متصل
إن حرك التالي
…
إلخ.
والمعروف في علم التصريف، أنه إن اجتمع موجبا إعلال في كلمة واحدة، فالأكثر في اللغة العربية تصحيح الأول منهما وإعلال الثاني بإبداله ألفًا، كالهوى والنوى والطوى والشوى، وربما صحح الثاني وأعل الأول، كغاية وراية وآية، على الأصح من أقوال عديدة،
ومعلوم أن إعلالهما لا يصح، ولهذا أشار في الخلاصة بقوله:
وإن لحرفين ذا الاعلال استحق
…
صحح أولٌ وعكس قد يحق
ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أن من كفر بالله وبآيات الله ولم يؤمن بذلك مع ظهور الأدلة والبراهين على لزوم الإِيمان بالله وآياته، أنه يستبعد أن يؤمن بشيء آخر، لأنه لو كان يؤمن بحديث لآمن بالله وبآياته لظهور الأدلة على ذلك، وأن من لم يؤمن بآيات الله متوعد بالويل، وأنه أفاك أثيم، والأفاك: كثير الإِفك وهو أسوأ الكذب، والأثيم: هو مرتكب الإِثم بقلبه وجوارحه، فهو مجرم بقلبه ولسانه وجوارحه = قد ذكره تعالى في غير هذا الموضع، فتوعد المكذبين لهذا القرآن بالويل يوم القيامة، وبين استبعاد إيمانهم بأي حديث بعد أن لم يؤمنوا بهذا القرآن، وذلك بقوله في آخر المرسلات:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} ، فقوله تعالى:{وَيلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)} كقوله هنا: {وَيلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)} .
وقد كرر تعالى وعيد المكذبين بالويل في سورة المرسلات كما هو معلوم، وقوله في آخر المرسلات:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)} كقوله هنا في الجاثية: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} .
ومعلوم أن الإيمان بالله على الوجه الصحيح يستلزم الإِيمان بآياته، وأن الإِيمان بآياته كذلك يستلزم الإِيمان به تعالى.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} يدل على أن من يسمع القرآن يتلى ثم يصر على الكفر والمعاصي في حالة كونه متكبرًا عن الانقياد إلى الحق الذي تضمنته آيات القرآن كأنه لم يسمع آيات الله، له البشارة يوم القيامة بالعذاب الأليم وهو الخلود في النار.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة جاء موضحًا في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في لقمان:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)} ، وقوله تعالى في الحج:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)} ، وقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَال آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)} ، فقوله تعالى عنهم:{مَاذَا قَال آنِفًا} يدل على أنهم ما كانوا يبالون بما يتلو عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الآيات والهدى.
وقد ذكرنا كثيرًا من الآيات المتعلقة بهذا المبحث في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ} الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} خففت فيه لفظة (كأن)، ومعلوم أن (كأن) إذا خففت كان اسمها مقدرًا وهو ضمير الشأن والجملة خبرها، كما قال في الخلاصة:
وخففت كأن أيضًا فَنُوي
…
منصوبها وثابتًا أيضًا رُوي
وقد قدمنا في أول سورة الكهف، أن البشارة تطلق غالبًا على الإِخبار بما يسر، وأنها ربما أطلقت في القرآن وفي كلام العرب على الإِخبار بما يسوء أيضًا، وأوضحنا ذلك بشواهده العربية.
وقوله في هذه الآية الكريمة: {وَيلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)} .
قال بعض العلماء: (ويل) واد في جهنم.
والأظهر أن لفظة (ويل) كلمة عذاب وهلاك، وأنها مصدر لا لفظ له من فعله
(1)
، وأن المسوغ للابتداء بها مع أنها نكرة كونها في معرض الدعاء عليهم بالهلاك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} .
قرأه نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمص عن عاصم:(يؤمنون) بياء الغيبة.
وقرأه ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وشعبة عن عاصم:(تؤمنون) بتاء الخطاب.
وقرأه ورش عن نافع، والسوسي عن أبي عمرو:(يومنون) بإبدال الهمزة واوًا وصلًا ووقفًا.
وقرأه حمزة بإبدال الهمزة واوًا في الوقف دون الوصل.
والباقون بتحقيق الهمزة مطلقًا.
(1)
هذا سبق قلم من الشيخ، صوابه: لا فعل له من لفظه.