الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غالبهم، والغلبة نوعان: غلبة بالحجة والبيان، وهي ثابتة لجميع الرسل، وغلبة بالسيف والسنان، وهي ثابتة لمن أمر بالقتال منهم دون من لم يؤمر به.
وقد دلت هذه الآية الكريمة، وأمثالها من الآيات كقوله تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} أنه لن يقتل نبي في جهاد قط؛ لأن المقتول ليس بغالب؛ لأن القتل قِسْم مقابل للغلبة، كما بينه تعالى في قوله:{وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ} الآية، وقال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا} الآية، وقد نفى عن المنصور كونه مغلوبًا نفيًا باتًا في قوله تعالى:{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} .
وبهذا تعلم أن الرسل الذين جاء في القرآن أنهم قتلوا، كقوله تعالى:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87)} ، وقوله تعالى:{قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ} ليسوا مقتولين في جهاد، وأن نائب الفاعل في قوله تعالى:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ} ، على قراءة (قُتِل) بالبناء للمفعول، هو (ربيون) لا ضمير النبي.
وقد أوضحنا هذا غاية الإِيضاح بالآيات القرآنية في سورة آل عمران في الكلام على قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} ، وذكرنا بعضه في الصافات في الكلام على قوله تعالى:{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)} .
•
.
وردت هذه الآية الكريمة بلفظ الخبر، والمراد بها الإِنشاء، وهذا النهي البليغ، والزجر العظيم، عن موالاة أعداء الله، وإيراد الإِنشاء بلفظ الخبر أقوى وأوكد من إيراده بلفظ الإِنشاء، كما هو معلوم في محله.
ومعنى قوله: {يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} : أي: يحبون ويوالون أعداء الله ورسوله.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي والزجر العظيم عن موالاة أعداء الله جاء موضحًا في آيات أخر، كقوله تعالى:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَينَنَا وَبَينَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} ، وقوله تعالى: ({مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُمْ} ، وقوله تعالى:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} ، وقوله تعالى:{وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} الآية، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ} ، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {لَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} زعم بعضهم أنها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، قائلًا: إنه قتل أباه كافرًا يوم بدر أو يوم أُحد. وقيل: نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أُبي المنافق المشهور، وزعم من قاله: أن عبد الله استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قتل أبيه عبد الله بن أبي فنهاه. وقيل: نزلت في أبي بكر، وزعم من قاله: أن أباه أبا قحافة سب النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل إسلامه فضربه ابنه أبو بكر حتى سقط.
لا يستحق السلب إلا بقول الإمام: إنه له، إذ لو كان استحقاقه له بمجرد القتل لما كان لمنع معاذ بن عفراء وجه، مع أن النبي صرح بأنه قتله مع معاذ بن عمرو، ولجعله بينهما.
ومنها: ما رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، عن عوف بن مالك قال: قتل رجل من حمير رجلًا من العدو، فأراد سلبه، فمنعة خالد بن الوليد، وكان واليًا عليهم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عوف بن مالك فأخبره؛ فقال لخالد: ما منعك أن تعطيه سلبه؟ قال: استكثرته يا رسول الله. قال: ادفعه إليه، فمر خالد بعوف فجر بردائه، ثم قال: هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فاستغضب فقال: لا تعطه يا خالد، لا تعطه يا خالد، هل أنتم تاركون لي أمرائي، إنما مثلكم ومثلهم، كمثل رجل استرعى إبلًا، أو غنمًا فرعاها، ثم تحين سقيها فأودرها حوضًا فشرعت فيه، فشربت صفوه، وتركت كدره، فصفوه لكم، وكدره عليهم.
وفي رواية عند مسلم أيضًا: عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: خرجت مع من خرج مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من اليمن، وساق الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، غير أنه قال في الحديث: قال عوف بن مالك: فقلت: يا خالد، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل، قال: بلى، ولكني استكثرته، هذا لفظ مسلم في صحيحه.
وفي رواية عن عوف أيضًا، عند الإمام أحمد وأبي داود قال: خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي من أهل اليمن، ومضينا فلقينا جموع الروم، وفيهم رجل على فرس له،