الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الغُنَاء، بالمد والضم، فلا أعلمه في العربية.
وهذه اللغات التي ذكرنا في مادة "غني" كنت تلقيتها في أول شبابي في درس من دروس الفقه، لقننيها شيخي الكبير أحمد الأفرم بن محمد المختار الجكني، وذكر لي بيتي رجز في ذلك لبعض أفاضل علماء القطر وهما قوله:
وضد فقر كإلى، وكسحاب
…
النفع، والمطرب أيضًا ككتاب
وكفتى إقامة، وكهنا
…
جمع لغنية لما به الغنى
•
قوله تعالى: {هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)}
.
الإِشارة في قوله: {هَذَا هُدًى} راجعة للقرآن العظيم المعبر عنه بآيات الله في قوله: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ} ، وقوله:{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ} الآية، وقوله:{يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيهِ} ، وقوله:{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيئًا} .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن هذا القرآن هدى، وأن من كفر بآياته له العذاب الأليم، جاء موضحًا في غير هذا الموضع.
أما كون القرآن هدى، فقد ذكره تعالى في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)} ، وقوله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} ، وقوله تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} ، وقوله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ، وقوله: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيبَ
فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)}، وقوله تعالى:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وأما كون من كفر بالقرآن يحصل له بسبب ذلك العذاب الأليم، فقد جاء موضحًا في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} الآية، وقوله تعالى:{وَقَدْ آتَينَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101)} ، وقوله تعالى:{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)} ، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.
وقد قدمنا في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ} الآية، وغير ذلك من المواضع، أن الهدى يطلق في القرآن إطلاقًا عامًّا بمعنى أن الهدى هو البيان والإِرشاد وإيضاح الحق، كقوله:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَينَاهُمْ} أي بينا لهم الحق وأوضحناه وأرشدناهم إليه وإن لم يتبعوه، وكقوله:{هُدًى لِلنَّاسِ} ، وقوله هنا:{هَذَا هُدًى} ، وأنه يطلق أيضًا في القرآن بمعناه الخاص وهو التفضل بالتوفيق إلى طريق الحق والاصطفاء، كقوله:{هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)} ، وقوله:{قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} ، وقوله:{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، إلى غير ذلك من الآيات.
وقد أوضحنا في سورة فصلت أن معرفة إطلاقي الهدى المذكورَين، يزول بها الإِشكال الواقع في آيات من كتاب الله.
والهدى مصدر هداه، على غير قياس، وهو هنا من جنس النعت بالمصدر، وبينا فيما مضى مرارًا أن تنزيل المصدر منزلة الوصف إما على حذف مضاف، وإما على المبالغة.
وعلى الأول، فالمعنى: هذا القرآن ذو هدى، أي يحصل بسببه الهدى لمن اتبعه، كقوله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} .
وعلى الثاني، فالمعنى: أن المراد المبالغة في اتصاف القرآن بالهدى حتَّى أطلق عليه أنَّه هو نفس الهدى.
وقوله في هذه الآية الكريمة: (لهم عذاب من رجز أليم)، أصح القولين فيه أن المراد بالرجز العذاب، ولا تكرار في الآية؛ لأن العذاب أنواع متفاوتة، والمعنى: لهم عذاب من جنس العذاب الأليم، والأليم معناه المؤلم، أي الموصوف بشدة الألم وفظاعته.
والتحقيق إن شاء الله: أن العرب تطلق الفعيل وصفًا بمعنى المُفْعِل، فما يذكر عن الأصمعي من أنَّه أنكر ذلك إن صح عنه فهو غلط منه، لأن إطلاق الفعيل بمعنى المُفْعِل معروف في القرآن العظيم وفي كلام العرب، ومن إطلاقه في القرآن العظيم قوله تعالى:{عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي مؤلم، وقوله تعالى:{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي مبدعهما، وقوله تعالى:{إِنْ هُوَ إلا نَذِيرٌ لَكُمْ} الآية، أي منذر لكم، ونظير ذلك من كلام العرب قول عمرو بن معد يكرب:
أمن ريحانة الداعي السميع
…
يؤرقني وأصحابي هجوع
فقوله: "الداعي السميع" يعني الداعي المُسْمِع. وقوله أيضًا:
وخيل قد دلفت لها بِخَيلٍ
…
تحية بينهم ضرب وجيع
أي موجع. وقول غيلان بن عقبة:
ويرفع من صدور شمردلات
…
يصك وجوهها وهج أليم
أي مؤلم.