الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ} قرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام عن ابن عامر في إحدى الروايتين بتسهيل الهمزة الثانية، والرواية المشهورة التي بها الأداء عن ورش عن نافع إبدال الثانية ألفًا مشبعًا مدها لسكون النون بعدها، وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وهشام عن ابن عامر في الرواية الأخرى بتحقيق الهمزتين، وقالون وأبو عمرو وهشام بألف الإِدخال بين الهمزتين، والباقون بدونها.
•
.
قرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير ابن كثير: (قدَّرنا) بتشديد الدال، وقرأه ابن كثير بتخفيفها، وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية الكريمة قد يكون فيها وجهان أو أكثر من التفسير، ويكون كل ذلك صحيحًا، وكله يشهد له قرآن، فنذكر الجميع وأدلته من القرآن، ومن ذلك هذه الآية الكريمة.
وإيضاح ذلك أن في قوله: {قَدَّرْنَا} وجهين من التفسير، وفيما تتعلق به {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ} وجهان أيضًا.
فقال بعض العلماء، وهو اختيار ابن جرير: إن قوله: {قَدَّرْنَا بَينَكُمُ الْمَوْتَ} أي قدرنا لموتكم آجالًا مختلفة وأعمارًا متفاوتة، فمنكم من يموت صغيرًا ومنكم من يموت شابًّا ومنكم من يموت شيخًا.
وهذا المعنى دلت عليه آيات كثيرة من كتاب الله، كقوله تعالى:{ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} ، وقوله تعالى:{ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)} ،
وقوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتَابٍ} ، وقوله تعالى:{وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} .
وقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)} أي ما نحن بمغلوبين، والعرب تقول: سبقه على كذا أي غلبه عليه وأعجزه عن إدراكه، أي وما نحن بمغلوبين على ما قدرنا من آجالكم وحددناه من أعماركم، فلا يقدر أحد أن يقدم أجلًا أخرناه ولا يؤخر أجلًا قدمناه.
وهذا المعنى دلت عليه آيات كثيرة، كقوله تعالى:{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)} ، وقوله تعالى:{إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ} الآية، وقوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} ، إلى غير من الآيات.
وعلى هذا القول، فقوله تعالى:{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالكُمْ} ليس متعلقًا بِـ "مسبوقين"، بل بقوله تعالى:{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَينَكُمُ الْمَوْتَ} ، والمعنى: نحن قدرنا بينكم الموت (على أن نبدل أمثالكم) أي نبدل من الذين ماتوا أمثالًا لهم نوجدهم، وعلى هذا، فمعنى تبديل أمثالهم إيجاد آخرين من ذرية أولئك الذين ماتوا.
وهذا المعنى تشهد له آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (133)} ، إلى غير ذلك من الآيات.
وهذا التفسير هو اختيار ابن جرير، وقراءة (قدَّرنا) بالتشديد مناسبة لهذا الوجه، وكذلك لفظة (بينكم).
الوجه الثاني: أن (قدَّرنا) بمعنى قضينا وكتبنا، أي كتبنا الموت وقدرناه على جميع الخلق.
وهذا الوجه تشهد له آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} ، وقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} ، وقوله تعالى:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} .
وعلى هذا القول، فقوله:{عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ} متعلق بِـ "مسبوقين"، أي ما نحن بمغلوبين، والمعنى: وما نحن بمغلوبين على أن نبدل أمثالكم إن أهلكناكم لو شئنا، فنحن قادرون على إهلاككم، ولا يوجد أحد يغلبنا ويمنعنا من خلق أمثالكم بدلًا منكم.
وهذا المعنى تشهد له آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)} ، وقوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ} ، وقوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)} ، وقوله تعالى:{وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالكُمْ (38)} ، وقد قدمنا هذا في سورة النساء في الكلام على قوله تعالى:{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ} الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61)} ، فيه للعلماء أقوال متقاربة.
قال بعضهم: ننشئكم بعد إهلاككم فيما لا تعلمونه من الصور والهيئات، كأن ننشئكم قردة وخنازير، كما فعلنا ببعض المجرمين قبلكم.
وقال بعضهم: ننشئكم فيما لا تعلمونه من الصفات، فنغير صفاتكم، ونجمِّل المؤمنين ببياض الوجوه، ونقبِّح الكافرين بسواد الوجوه، وزرقة العيون.
إلى غير ذلك من الأقوال.