الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذنوب، هو أن ضمير الفصل بين المسند والمسند إليه في قوله:{أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)} يدل على ذلك كما هو معلوم في محله.
وأما الأمر الثاني، وهو توكيده تعالى أنه هو الغفور الرحيم، فإنه أكد ذلك هنا بحرف الاستفتاح الذي هو (ألا)، وحرف التوكيد الذي هو (إنَّ).
وقد أوضح ذلك في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)} ، وقوله تعالى:{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} الآية، وقوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} ، وقوله في الكفار:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} ، وقوله في الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة:{أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)} والآيات بمثل ذلك كثيرة.
فنرجو الله جلا وعلا الكريم الرؤوف الغفور الرحيم، أن يغفر لنا جميع ذنوبنا، ويتجاوز عن جميع سيئاتنا، ويدخلنا جنته على ما كان منا، ويغفر لإِخواننا المسلمين. إنه غفور رحيم.
•
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)}
.
قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي أشركوا معه شركاء يعبدونهم من دونه، كما أوضح تعالى ذلك في قوله:{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} ، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}، وقو له تعالى:{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)} ، وقوله تعالى:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي يخوفكم أولياءه، وقوله تعالى:{فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ} الآية.
وقد وبخهم تعالى على اتخاذهم الشيطان وذريته أولياء من دونه تعالى في قوله: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)} .
وقد أمر جل وعلا باتباع هذا القرآن العظيم، ناهيًا عن اتباع الأولياء المُتَّخَذين من دونه تعالى، في أول سورة الأعراف في قوله تعالى:{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)} .
وقد علمت من الآيات المذكورة أن أولياء الكفار الذين اتخذوهم وعبدوهم من دون الله نوعان:
الأول منهما: الشياطين، ومعنى عبادتهم للشيطان طاعتهم له فيما يزين لهم من الكفر والمعاصي، فشركهم به شرك طاعة، والآيات الدالة على عبادتهم للشياطين بالمعنى المذكور كثيرة كقوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} الآية، وقوله تعالى عن إبراهيم:{يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} الآية، وقوله تعالى:{إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117)} أي وما يعبدون إلَّا شيطانًا مريدًا، وقوله تعالى:{قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)} ، وقوله تعالى:{إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)} ، وقوله
تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} ، إلى غير ذلك من الآيات.
والنوع الثاني: هو الأوثان، كما بين ذلك تعالى بقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} الآية.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} أي رقيب عليهم، حافظ عليهم كل ما يعملونه من الكفر والمعاصي، وفي أوله اتخاذهم الأولياء يعبدونهم من دون الله.
وفي الآية تهديد لكل مشرك.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)} .
أي لست يا محمد بموكل عليهم تهدي من شئت هدايته منهم، بل إنما أنت نذير فحسب، وقد بلغت ونصحت، والوكيلُ عليهم هو الله الذي يهدي من يشاء منهم ويضل من يشاء، كما قال تعالى:{إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12)} ، وقال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)} ، وقال تعالى:{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)} ، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق في قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)} ، وما جرى مجراه من الآيات، ليس منسوخًا بآية السيف، والعلم عند الله تعالى.