الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الكلام على قوله تعالى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ، وغير ذلك من المواضع.
•
قوله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)}
.
وصف نفسه جل وعلا في هذه الآية الكريمة، بالعلو والعظمة، وهما من الصفات الجامعة كما قدمنا في سورة الأعراف، في الكلام على قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من وصفه تعالى نفسه بهاتين الصفتين الجامعتين المتضمنتين لكل كمال وجلال، جاء مثله في آيات أحْر، كقوله تعالى:{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} ، وقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)} ، وقوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9)} ، وقوله تعالى:{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
•
.
قرأ هذا الحرف عامة السبعة غير نافع والكسائي {تَكَادُ} بالتاء الفوقية؛ لأن السماوات مؤنثة، وقرأه نافع والكسائي {يَكَادُ} بالياء التحتية، لأن تأنيث السماوات غير حقيقي.
وقرأه عامة السبعة غير أبي عمرو، وشعبة عن عاصم {يَتَفَطَّرْنَ} بتاء مثناة فوقية مفتوحة بعد الياء وفتح الطاء المشددة، مضارع تفطر، أي تشقق.
وقرأه أبو عمرو وشعبة عن عاصم (ينفطرن) بنون ساكنة بعد
الياء وكسر الطاء المخففة، مضارع انفطرت، كقوله:{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)} أي انشقت.
وقوله: (تكاد) مضارع كاد، التي هي فعل مقاربة، ومعلوم أنها تعمل في المبتدأ والخبر، ومعنى كونها فعل مقاربة أنها تدل على قرب اتصاف المبتدأ بالخبر.
وإذًا، فمعنى الآية: أن السماوات قاربت أن تتصف بالتفطر، على القراءة الأولى، والانفطار، على القراءة الثانية.
واعلم أن سبب مقاربة السماوات للتفطر في هذه الآية الكريمة، فيه للعلماء وجهان كلاهما يدل له قرآن:
الوجه الأول: أن المعنى تكاد السماوات يتفطرن خوفًا من الله، وهيبة وإجلالًا، ويدل لهذا الوجه قوله تعالى قبله:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)} ؛ لأن علوه وعظمته سبَّب للسماوات ذلك الخوف والهيبة والإِجلال، حتى كادت تتفطر.
وعلى هذا الوجه فقوله بعده: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} مناسبته لما قبله واضحة؛ لأن المعنى: أن السماوات في غاية الخوف منه تعالى والهيبة والإِجلال له، وكذلك سكانها من الملائكة فهم يسبحون بحمد ربهم أي ينزهونه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله، مع إثباتهم له كل كمال وجلال، خوفًا منه وهيبة وإجلالًا، كما قال تعالى:{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} ، وقال تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50)} .
فهم لشدة خوفهم من الله، وإجلالهم له يسبحون بحمد ربهم، ويخافون على أهل الأرض، ولذا يستغفرون لهم خوفًا عليهم من سخط الله وعقابه.
ويستأنس لهذا الوجه بقوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى قوله: {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} ؛ لأن الإِشفاق الخوف.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} يعني لخصوص الذين آمنوا وتابوا إلى الله واتبعوا سبيله، كما أوضحه تعالى بقوله:{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} .
فقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا} يوضح المراد من قوله: {لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} .
ويزيد ذلك إيضاحًا قوله تعالى عنهم، إنهم يقولون في استغفارهم للمؤمنين:{فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} ؛ لأن ذلك يدل دلالة واضحة على عدم استغفارهم للكفار.
الوجه الثاني: أن المعنى {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ} من شدة عظم الفرية التي افتراها الكفار على خالق السماوات والأرض جل وعلا، من كونه اتخذ ولدًا، سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، وهذا الوجه جاء موضحًا في سورة مريم في قوله تعالى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)} كما قدمنا إيضاحه.
وغاية ما في هذا الوجه أن آية الشورى هذه فيها إجمال في سبب تفطر السماوات، وقد جاء ذلك موضحًا في آية مريم المذكورة.
وكلا الوجهين حق.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} فيه للعلماء أوجه:
قيل: (يتفطرن)، أي السماوات، (من فوقهن) أي الأرضين. ولا يخفى بعد هذا القول، كما ترى.
وقال بعضهم: (من فوقهن) أي كل سماء تتفطر فوق التي تليها.
وقال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت لم قال: {مِنْ فَوْقِهِنَّ} قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السماوات، وهي العرش والكرسي، وصفوف الملائكة المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من آثار ملكوته العظمى، فلذلك قال:{يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ} أي يبتدئ الانفطار من جهتهن الفوقانية.
أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذي تحت السموات، فكان القياس أن يقال: يتفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في جهة الفوق، كأنه قيل: يكدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن، دع الجهة التي تحتهن.
ونظيره في المبالغة قوله عز وجل: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} فجعل الحميم مؤثرًا في أجزائهم الباطنة. اهـ. محل الغرض منه.