الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ} الآية، وذكرنا طرفًا من ذلك في سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)} .
•
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ}
الآية.
ما تضمنته هذه الآية الكريمة، من تحقيق معنى لا إله إلا الله، قد قدمنا إيضاحه بالآيات القرآنية، في سورة الفاتحة، في الكلام على قوله تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} .
•
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}
.
أظهر الأقوال في الآية الكريمة، أن المراد بالقول: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من وحي الكتاب والسنة. ومن إطلاق القول على القرآن قولُه تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} الآية، وقوله تعالى:{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أي يقدمون الأحسن الذي هو أشد حُسنًا، على الأحْسَن الذي هو دونه في الحُسن، ويقدمون الأحسن مطلقًا على الحسن. ويدل لهذا آيات من كتاب الله.
أما الدليل على أن القول الأحسن المتبع ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم من الوحي، فهو في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى:{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} ، وقوله تعالى لموسى يأمره بالأخذ بأحسن ما في التوراة:{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} .
وأما كون القرآن فيه الأحسن والحسن، فقد دلت عليه آيات من كتابه.
واعلم أولًا أنه لا شك في أن الواجب أحسن من المندوب، وأن المندوب أحسن من مطلق الحسن، فإذا سمعوا مثلًا قوله تعالى:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} قدموا فعل الخير الواجب على فعل الخير المندوب، وقدموا هذا الأخير على مطلق الحسن الذي هو الجائز، ولذا كان الجزاء بخصوص الأحسن الذي هو الواجب والمندوب، لا على مطلق الحسن، كما قال تعالى:{وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} ، وقال تعالى:{وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)} ، كما قدمنا إيضاحه في سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} ، وبينا هناك دلالة الآيات على أن المباح حسن، كما قال صاحب المراقي:
ما ربنا لم ينه عنه حسن
…
وغيره القبيح والمستهجن
ومن أمثلة الترغيب في الأخذ بالأحسن وأفضليته، مع جواز الأخذ بالحسن قوله تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} فالأمر في قوله: {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ، واللَّه لا يأمر إلا بحسن؛ فدل ذلك على أن الانتقام حسن، ولكن الله بين أن العفو والصبر خير منه وأحسن في قوله:{وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126)} . وأمثال ذلك كثيرة في القرآن، كقوله تعالى في إباحة الانتقام:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} ، مع أنه بين أن الصبر والغفران خير منه، في قوله بعده:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} ، وكقوله في جواز الانتقام:{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} مع أنه
أشار إلى أن العفو خير منه، وأنه من صفاته جل وعلا مع كمال قدرته، وذلك في قوله بعده:{إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)} ، وكقوله جل وعلا مثنيًا على من تصدق فأبدى صدقته:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} ، ثم بين أن إخفاءها وإيتاءها الفقراء خير من إبدائها الذي مدحه بالفعل الجامد، الذي هو لإنشاء المدح، الذي هو نعم، في قوله:{إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} .
وكقوله في نصف الصداق اللازم للزوجة بالطلاق قبل الدخول: (فنصف ما فرضتم)، ولا شك أن أخذ كل واحد من الزوجين النصف حسن؛ لأن الله شرعه في كتابه في قوله:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ، مع أنه رغب كل واحد منهما أن يعفو للآخر عن نصفه، وبين أن ذلك أقرب للتقوى، وذلك في قوله بعده:{وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} .
وقد قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ، ثم أرشد إلى الأحسن بقوله:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ، وقال تعالى:{وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ، ثم أرشد إلى الأحسن في قوله:{فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} .
واعلم أن في هذه الآية الكريمة أقوالًا غير الذي اخترنا.
منها ما روي عن ابن عباس في معنى {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} ، قال:"هو الرجل يسمع الحسن والقبيح، فيتحدث بالحسن، وينكف عن القبيح فلا يتحدث به".
وقيل: يستمعون القرآن وغيره، فيتبعون القرآن.