الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصالح المصلح، والمفسد الفاجر، فقد ظن ظنًا قبيحًا جديرًا بالإِنكار.
وقد بين جل وعلا هذا المعنى، في غير هذا الموضع، وذم حكم من يحكم به، وذلك في قوله تعالى في سورة الجاثية:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} .
•
قوله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}
.
قوله تعالى: (كتاب) خبر مبتدأ محذوف، أي هذا كتاب، وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أنزل هذا الكتاب، معظمًا نفسه جل وعلا، بصيغة الجمع، وأنه كتاب مبارك، وأن مِنْ حِكَم إنزاله أن يتدبر الناس آياته، أي يتفهموها ويتعقلوها ويمعنوا النظر فيها، حتى يفهموا ما فيها من أنواع الهدى، وأن يتذكر أولوا الألباب، أي يتعظ أصحاب العقول السليمة من شوائب الاختلال.
وكل ما ذكره في هذه الآية الكريمة جاء واضحًا في آيات أخر.
أما كونه جل وعلا، هو الذي أنزل هذا القرآن، فقد ذكره في آيات كثيرة، كقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} ، وقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} ، وقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} ، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وأما كون هذا الكتاب مباركًا، فقد ذكره في آيات من كتابه، كقوله تعالى:{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} الآية،
وقوله تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (155)} . والمبارك كثير البركات، من خير الدنيا والآخرة.
ونرجو الله القريب المجيب، إذ وفقنا لخدمة هذا الكتاب المبارك، أن يجعلنا مباركين أينما كنا، وأن يبارك لنا وعلينا، وأن يشملنا لبركاته العظيمة في الدنيا والآخرة، وأن يعم جميع إخواننا المسلمين الذين يأتمرون بأوامره بالبركات والخيرات، في الدنيا والآخرة، إنه قريب مجيب.
وأما كون تدبر آياته، من حِكَم إنزاله، فقد أشار إليه في بعض الآيات، بالتحضيض على تدبره، وتوبيخ من لم يتدبره، كقوله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} ، وقوله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} ، وقوله تعالى:{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68)} .
وأما كونُ تذكُّر أولي الألباب، مِنْ حِكَم إنزاله، فقد ذكره في غير هذا الموضع، مقترنًا ببعض الحكم الأخرى، التي لم تذكر في آية ص هذه، كقوله تعالى في سورة إبراهيم:{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} . فقد بين في هذه الآية الكريمة أن تذكر أولي الألباب من حكم إنزاله، مبينًا منها حكمتين أخريين من حكم إنزاله، وهما إنذار الناس به، وتحقيق معنى لا إله إلا الله.
وكون إنذار الناس وتذكر أولي الألباب، من حكم إنزاله، ذكره في قوله تعالى:{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)} لأن اللام في قوله: (لتنذر)، متعلقة بقوله:(أنزل)، والذكرى اسم مصدر بمعنى التذكير، والمؤمنون في الآية لا يخفى أنهم هم أولوا الألباب.
وذكر حكمة الإِنذار في آيات كثيرة، كقوله:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)} ، وقوله تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} ، وقوله تعالى:{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} الآية، وقوله تعالى:{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} الآية.
وذكر في آيات أخر، أن من حكم إنزاله الإِنذار والتبشير معًا، كقوله تعالى:{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)} ، وقوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ} الآية.
وبين جل وعلا أن من حكم إنزاله أن يبين صلى الله عليه وسلم للناس ما أنزل إليهم، ولأجل أن يتفكروا، وذلك قوله تعالى:{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44)} .
وقد قدمنا مرارًا كون لعلّ من حروف التعليل.
وذكر حكمة التبيين المذكورة مع حكمة الهدى والرحمة، في قوله تعالى:{وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64)} .
وبين أن من حكم إنزاله تثبيت المؤمنين، والهدى والبشرى للمسلمين، في قوله تعالى:{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)} .
وبين أن من حكم إنزاله إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يحكم بين الناس بما أراه الله، وذلك في قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} الآية.