الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ. فَقَالَ «أَلَيْسَ بِذِى الْحِجَّةِ» . قُلْنَا بَلَى. قَالَ «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا. لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ» .
باب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ
ــ
النووي: في هذا التشبيه دليل علي استحباب ضرب الأمثال وإلحاق النظير بالنظير قياسا. قوله (ليبلغ الشاهد) أي الحاضر في المجلس الغائب عنه وهو علي صيغة الأمر فالغين مكسورة وظاهر الأمر الوجوب فعلم منه أن التبليغ واجب والمراد منه إما تبليغ المذكور وهو أن دماءكم إلي آخره وإما تبليغ جميع أحكام الشريعة والغائب مفعول ليبلغ والظاهر أن إلي فيه مقدر أي إلي الغائب. قوله (منه) صلة لأفعال التفضيل. فإن قلت صلته كالمضاف إليه فكيف جاز الفصل بينهما بلفظ له، قلت جاز لأن في الظرف سعة كما جاز الفصل بين المضاف والمضاف إليه به. قال الشاعر:
فرشني بخير لا أكونن ومد حتي كناحت يوما صخرة بعسيل
وقد يفصل أيضا بينهما بغير الظرف إذا لم يكن أجنبيا من كل وجه. قال ابن بطال ناقلا عن المهلب كما هو قاعدته في النقل عنه: فيه من الفقه أن العالم واجب عليه تبليغ العلم لمن لم يبلغه ويبينه لمن لا يفهمه وهو الميثاق الذي أخذه الله تعالي علي العلماء «لتبيينه للناس ولا تكتمونه» وفيه أنه قد يأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدمه إلا أن ذلك يكون في الأقل لأن رب موضوعة للتقليل وعسي موضوعة للإطماع وليست لتحقيق الشيء وفيه أن حامل الحديث يجوز أن يؤخذ عنه وإن كان جاهلا بمعناه وهو مأجور في تبليغه محسوب في زمرة العلماء وفيه أن ما كان حراما يجب علي العالم أن يؤكد حرمته ويغلظ عليه بأبلغ ما يجد كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم في التشبيهات وفيه جواز القعود علي ظهور الدواب إذا احتيج إلي ذلك وإنما خطب علي البعير ليسمع الناس وإنما أمسك إنسان بخطامه ليتفرغ للحديث ولا يشتغل بإمساكه (باب العلم قبل القول والعمل) يعني أن الشيء يعلم أولا ثم يقال ويعمل به فالعلم مقدم عليهما بالذات وكذا مقدم عليهما بالشرف لأنه عمل القلب وهو أشرف أعضاء البدن. قال ابن بطال: العمل لا يكون إلا مقصودا به
اللَّهُ) فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ - وَرَّثُوا الْعِلْمَ - مَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ، وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ بِهِ عِلْماً سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وَقَالَ (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَاّ الْعَالِمُونَ)(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَابِ السَّعِيرِ). وَقَالَ (هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). وَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» . وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ
ــ
معني متقدما وذلك المعني هو علم ما وعد الله عليه من الثواب. قوله (فبدأ بالعلم) حيث قال «فاعلم أنه لا اله إلا الله واستغفر لذنبك» والاستغفار إشارة إلي القول: والعمل ويعلم من الآية أن التوحيد مما يجب العلم به ولا يجوز فيه التقليد ومذهب أكثر المتكلمين أن إيمان المقلد في أصول الدين غير صحيح وقال محيي السنة: يجب علي كل مكلف معرفة علم الأصول ولا يسمع فيه التقليد لظهور دلائله قوله (أن العلماء) بفتح أن وروي بكسرها علي تقدير باب هذه الجملة أو علي سبيل الحكاية قوله (ورثوا) بفتح الواو وتشديد الراء المفتوحة والمكسورة وبفتح الواو وكسر الراء المخففة (أخذ) أي من ميراث النبوة (بحظ وافر) أي كثير كامل. قوله (علما) إنما نكر ليتناول أنواع العلوم الدينية ليندرج فيه القليل والكثير. و (سهل الله له) أي في الآخرة أو المراد وفقه الله تعالي للأعمال الصالحة فيوصله بها إلي الجنة أو سهل عليه ما يزيد به علمه لأنه أيضا من طرق الجنة بل أقربها ومن لفظ وأن العلماء إلي ههنا ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم وذكره البخاري تعليقا لأنه ليس بشرطه قوله (أو نعقل) أي نعلم وحذف مفعول نعقل لأنه كالفعل اللازم فمعناه لو كنا من العلماء لما كنا من أهل النار. قوله: (يفقه) أي يفهمه إذ الفقه الفهم ويحتمل أن يراد به المعني الاصطلاحي أي الفهم للأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية وفي بعض الروايات يفهمه. قوله (بالتعلم) وفي بعضها بالتعليم أي ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم علي سبيل
عَلَى هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى قَفَاهُ ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّى أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تُجِيزُوا عَلَىَّ لأَنْفَذْتُهَاوَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) حُكَمَاءَ فُقَهَاءَ. وَيُقَالُ الرَّبَّانِىُّ الَّذِى يُرَبِّى النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ
ــ
التعلم والتعليم فيفهم منه أن العلم لا يطلق إلا علي علم الشريعة ولهذا لو أوصي رجل للعلماء لا يصرف إلا علي أصحاب الحديث والتفسير والفقه وهذا يحتمل أن يكون من كلام البخاري. قوله (أبو ذر) بتشديد الراء هو الصحابي الجليل جندب بن جنادة بضم الجيم فيهما القرشي الغفاري اسم وهو رابع أربعة وحديث إسلامه وإقامته عند زمزم مشهور يروي مائتي حديث وواحدا وثمانين. روي البخاري عنه أربعة عشر حديثا ومر ذكره في باب المعاصي من أمر الجاهلية. قوله (الصمصامة) الجوهري: الصمصام والصمصامة السيف الصارم الذي لا ينثني و (هذه) هي إشارة إلي القفا والقفا مؤخر العنق يذكر ويؤنث. و (أنفذ) بضم الهمزة والدال المنقطة أي ظننت أني أقدر علي إنفاذ كلمة أي تبليغها. و (تجيزوا) أي الصمصامة (علي) أي علي قفاي فإن قلت لو لامتناع الثاني لا امتناع الأول علي المشهور فمعناه انتفاء الإنفاذ لانتفاء الوضع وليس المعني عليه. قلت هو مثل لم لم يخف الله لم يعصه يعني يكون الحكم ثابتا علي تقدير النقيض بالطريق الأولي فالمراد أن الإنفاذ حاصل علي تقدير الوضع فعلي تقدير عدم الوضع حصوله أولي أو أن لو ههنا لمجرد الشرطية يعني حكما حكم أن من غير أن يلاحظ الامتناع وفيه بيان لفضيلة التعلم والتعليم. قوله (ربانيين) منسوب إلي الرب وأصله ربيون فزيد الألف والنون للتوكيد والمبالغة في النسبة وسموا ربانيين لأنهم منسوبون إلي الرب تعالي كأنهم لإخلاصهم أنفسهم لله تعالي وشدة قلقهم بربهم لا ينسون إلا إلي الرب أو لأنهم يربون العلم أي يقومون به يقال لكل من قام بإصلاح شيء وإتمامه قد ربه يربه. قوله: (حكماء) جمع حكيم والحكمة صحة القول والعقد والفعل وقيل الحكمة الفقه في الدين وقيل الحكمة معرفة الأشياء علي ما هي. و (الفقهاء) جمع الفقيه والفقه الفهم لغة والعلم بالأحكام الشرعية العملية اصطلاحا وفي بعضها حلماء جمع حليم باللام والحلم هو الطمأنينة عند الغضب وفي بعضها علماء وهو من باب ذكر الخاص بعد العام والظاهر أن حلماء فقهاء تفسير للربننيين. قوله (لصغار العلم قبل كباره) أي بجزئياته قبل كلياته وبفروعه قبل أصوله أو بمقدماته قبل مقاصده ولفظ ويقال هو من