الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب مَنْ سَأَلَ وَهْوَ قَائِمٌ عَالِماً جَالِساً
124 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه
ــ
أصل عظيم وهو وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع وإن كان بعضه لا تظهر حكمته للعقول ولا يفهمه أكثر الناس وقد لا يفهمونه كلهم كالقدر وموضع الدلالة قتل الغلام وخرق السفينة فإن صورتيهما صورة المنكر وكان صحيحاً في نفس الأمر له حكمة بينة لكنها لا تظهر للخلق فإذا أعلمهم الله تعالى بها علموها ولهذا قال وما فعلته عن أمري وفيه أنواع أخر من الأصول والفروع وأقول سبق التنبيه على بعضها في باب ما ذكر في ذهاب موسى. قال ابن بطال: وفيه أصل وهو ما تعبد الله تعالى به خلقه من شريعته يجب أن يكون حجة على العقول ولا تكون العقول حجة عليه ألا ترى أن إنكار موسى كان صواباً في الظاهر وكان غير ملوم فيه فلما بين الخضر وجه ذلك صار الصواب الذي ظهر لموسى من إنكاره خطأ والخطأ الذي ظهر له من فعل الخضر صواباً وهذه حجة قاطعة في أنه يجب التسليم لله تعالى في دينه ولرسوله في سنته واتهام العقول إذا قصرت عن إدراك وجه الحكمة فيه. وقوله تعالى (وما فعلته عن أمري) يدل على أنه فعله بالوحي فلا يجوز لأحد غيره أن يقتل نفساً لما يتوقع وقوعه منها لأن الحدود لا تجب إلا بعد الوقوع وكذا لا يقطع على فعل أحد قبل بلوغه لأنه إخبار عن الغيب وكذا الإخبار عن أخذ الملك السفينة وعن استخراج الكنز للغلامين لأن هذا كله لا يدرك إلا بالوحي وفيه حجة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام والله أعلم (باب من سأل وهو قائم عالماً) قوله (عالماً) مفعول سأل وهو قائم حال من الفاعل. قوله (عثمان) هو ابن محمد بن إبراهيم بن خوستي بالخاء المعجمة المنقوطة المضمومة والواو المخففة والسين المهملة الساكنة والمثناة الفوقانية ثم التحتانية أبو الحسن المشهور بابن أبي شيبة. و (جرير) هو بفتح الجيم وبالراء المكررة ابن عبد الحميد أبو عبد الله و (منصور) هو ابن المعتمر بن عبد الله بن ربيعة بضم الراء وشدة المثناة التحتانية أبو عتاب بالمهملة وبالمثناة الفوقانية. و (أبي وائل) هو شقيق بفتح المعجمة وبالقافين ابن سلمة الحضري قال إبراهيم النخعي ما من قرية إلا وفيها من يدفع عن أهلها به وإني لأرجو أن يكون أبوائل منهم تقدموا في باب من جعل لأهل العلم أياماً والرجال كلهم كوفيون و (أبي موسى) هو عبد الله بن قيس الأشعري صاحب الهجرات الثلاث من اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ومنها إلى الحبشة ومنها إلى المدينة تقدم في باب أي الإسلام أفضل. قوله (إلى النبي صلى الله عليه وسلم) فإن قلت جاء متعد بنفسه فلم عدى بكلمة الانتهاء قلت للإشعار بأن المقصود بيان
وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْقِتَالُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا يُقَاتِلُ غَضَباً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً. فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَاسَهُ - قَالَ وَمَا رَفَعَ إِلَيْهِ رَاسَهُ إِلَاّ أَنَّهُ كَانَ قَائِماً - فَقَالَ «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل
ــ
انتهاء المجيء إليه. قوله (غضبا) الغضب هو حالة تحصل عند غليان دم القلب لإرادة اإنتقام والحمية هي المحافظة على الحرام وقيل هو الأنفة والغيرة والمحاماة عن العشير والأول إشارة إلى مقتضى القوة الغضبية والثاني إلى مقتضى القوة الشهوانية أو الأول لأجل دفع المضرة والثاني لأجل جلب المنفعة قوله (فرفع) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أي إلى السائل و (إلا أنه كان قائما) استثناء مفرغ وأن مع الاسم والخبر في تقدير مصدر الخبر أي ما رفع لأمر من الأمور الالقام الرجل. قوله (كلمة الله) أي دعوته إلى الاسلام و (هي) فصل أو مبتدأ وفيها تأكيد فضل كلمة الله في العلو وأنها المختصة به دون سائر الكلام. فان قلت السؤال عن ماهية القتال والجواب ليس عنها بل عن المقاتل. قلت فيه الجواب وزيادة أو أن القتال ممعنى اسم الفاعل أي المقاتل بقرينة لفظ فان أحدنا وما أن قلنا أنه عام للعالم ولغيره فظاهر وأن قلنا أنه لغيره فذلك إذا لم يعتبر معنى الوصية فيه إذ صرحوا بنفي الفرق بين العالم وغيره عند اعتبارها. الزمخشرى في قوله تعالى >> بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون << فان قلت كيف جاء بما الذي لغير أولى العلم مع قوله قانتون قلت هو كقوله سبحان ما سخر كن لنا أو تقول ضمير فهو راجع إلى القتال الذي في ضمن قاتل أي فقتاله قتال في سبيل الله. فان قلت فمن قاتل لطلب ثواب الآخرة أو لطلب رضا الله فهل هو في سبيل الله. قلت نعم لأن طلب إعلاء كلمة الله وطلب الثواب والرضا كلها متلازمة وحاصل الجواب أن القتال في سبيل الله قتال منشؤه القوة العقلية لا القوة الغضبية أو الشهوانية وإنحضار القوى الإنسانية في هذه الثلاث مذكورة في موضعه قال ابن بطال جواب النبي صلى الله عليه وسلم بغير لفظ سؤاله والله اعلم من أجل الغضب والحمية قد يكونان لله تعالى وهو كلام مشترك فجاوبه به النبي صلى الله عليه وسلم بالمعنى لا باللفظ الذي سأله به السائل إرادة إفهامه وخشية التباس الجواب عليه لو قسم له وجوه الغضب والحمية وهذا من جوامع الكلم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم. النووي: فيه بيان أن الأعمال إنما تحسب بالنيات الصالحة وان الفضل الذي ورد في المجاهدين يختص بمن قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى وفيه أنه لأبأس أن يكون المستفتى