المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب كتابة العلم - الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري - جـ ٢

[الكرماني، شمس الدين]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب العلم

- ‌باب فَضْلِ الْعِلْمِ

- ‌بابٌ من سُئِل عِلماً

- ‌باب من رفع صوته بالعلم

- ‌باب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا

- ‌باب طَرْحِ الإِمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ

- ‌باب مَا جَاءَ فِى الْعِلْمِ

- ‌باب مَا يُذْكَرُ فِى الْمُنَاوَلَةِ

- ‌باب من قعدَ حيث ينتهي بهِ المجلِسُ

- ‌باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «رُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»

- ‌باب الْعِلْمُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ

- ‌باب مَا كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ

- ‌ بابٌ من جعل لأهل العلم أياَمًا معلومة

- ‌باب مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِى الدِّينِ

- ‌باب الفهم في العلم

- ‌باب الاِغْتِبَاطِ فِى الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ

- ‌باب مَا ذُكِرَ فِى ذَهَابِ مُوسَى صلى الله عليه وسلم فِى الْبَحْرِ إِلَى الْخَضِرِ

- ‌باب قَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ»

- ‌باب متى يصحُّ سماعُ الصّغير

- ‌باب الْخُرُوجِ فِى طَلَبِ الْعِلْمِ

- ‌باب فضل من عَلِمَ وعلَّم:

- ‌باب رَفْعِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ

- ‌بابُ فَضلِ العِلم:

- ‌بابُ الفُتْيَا وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا

- ‌بَابُ مَنْ أَجَابَ الفُتْيَا بِإِشَارَةِ اليَدِ وَالرَّاسِ

- ‌باب تَحْرِيضِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ

- ‌بَابُ الرِّحْلَةِ فِي المَسْأَلَةِ النَّازِلَةِ وَتَعْلِيمِ أَهْلِهِ

- ‌بَابُ التَّنَاوُبِ فِي العِلْمِ

- ‌باب الْغَضَبِ فِى الْمَوْعِظَةِ وَالتَّعْلِيمِ إِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ

- ‌بَابُ مَنْ بَرَكَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ الإِمَامِ

- ‌باب مَنْ أَعَادَ الْحَدِيثَ ثَلَاثاً لِيُفْهَمَ عَنْهُ

- ‌ بَابُ تَعْلِيمِ الرَّجُلِ أَمَتَهُ وَأَهْلَهُ

- ‌بَابُ عِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ وَتَعْلِيمِهِنَّ

- ‌بَابُ الحِرْصِ عَلَى الحَدِيثِ

- ‌باب كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ

- ‌باب هل يجعل للنساء يوم على حدة في العلم

- ‌باب من سمع شيئا فراجعه حتى يعرفه

- ‌باب لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ

- ‌باب إِثْمِ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌باب كتابة العلم

- ‌باب العلم والعظة بالليل

- ‌باب السمر بالعلم

- ‌باب حفظ العلم

- ‌باب الإنصات للعلماء

- ‌باب مَا يُسْتَحَبُّ لِلْعَالِمِ إِذَا سُئِلَ أَىُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَيَكِلُ الْعِلْمَ إِلَى اللَّهِ

- ‌باب مَنْ سَأَلَ وَهْوَ قَائِمٌ عَالِماً جَالِساً

- ‌باب السؤال والفتيا عند رمي الجمار

- ‌باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَاّ قَلِيلاً)

- ‌باب مَنْ تَرَكَ بَعْضَ الاِخْتِيَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَقْصُرَ فَهْمُ بَعْضِ النَّاسِ عَنْهُ فَيَقَعُوا فِى أَشَدَّ مِنْهُ

- ‌باب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لَا يَفْهَمُوا

- ‌باب الْحَيَاءِ فِى الْعِلْمِ

- ‌باب من استحيا فأمر غيره بالسؤال

- ‌باب ذكر العلم والفتيا في المسجد

- ‌باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله

- ‌كتاب الوضوء

- ‌باب مَا جَاءَ فِى الْوُضُوءِ

- ‌باب لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ

- ‌باب فَضْلِ الْوُضُوءِ، وَالْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ

- ‌باب لَا يَتَوَضَّأُ مِنَ الشَّكِّ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ

- ‌باب التَّخْفِيفِ فِى الْوُضُوءِ

- ‌باب إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ

- ‌باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة

- ‌باب التسمية على كل حال وعند الوقاع

- ‌باب مَا يَقُولُ عِنْدَ الْخَلَاءِ

- ‌باب وضع الماء عند الخلاء

- ‌باب لَا تُسْتَقْبَلُ الْقِبْلَةُ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ إِلَاّ عِنْدَ الْبِنَاءِ جِدَارٍ أَوْ نَحْوِهِ

- ‌باب من تبرز على لبنتين

- ‌باب خروج النساء إلى البراز

- ‌باب التبرز في البيوت

- ‌باب الاستنجاء بالماء

- ‌باب من حمل معه الماء لطهوره

- ‌باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء

- ‌باب النهي عن الاستنجاء باليمين

- ‌باب لَا يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ

- ‌باب الاستنجاء بالحجارة

- ‌باب لَا يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ

- ‌باب الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً

- ‌باب الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ

- ‌باب الْوُضُوءِ ثَلَاثاً ثَلَاثاً

- ‌باب الاِسْتِنْثَارِ فِى الْوُضُوءِ

- ‌باب الاستجمار وترا

- ‌باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين

- ‌باب الْمَضْمَضَةِ فِى الْوُضُوءِ

- ‌باب غَسْلِ الأَعْقَابِ

- ‌باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين

الفصل: ‌باب كتابة العلم

‌باب كتابة العلم

111 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ أَبِى جُحَيْفَةَ قَالَ قُلْتُ لِعَلِىٍّ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ قَالَ

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم هو المخبر عن الله تعالى وهو ما كان مخبرا للناس عنه إلا في الدنيا لا في القبر ولهذا يقال مدة نبوته عليه السلام ثلاث وعشرون سنة على أنا لو التزمنا إطلاق لفظ الصحابي عليه لجاز وهذا أحسن وأولى، فإن قلت الحديث المسموع منه في المنام هل هو حجة يستدل ويحتج بها، قلت لا إذ يشترط في الاستدلال به أن يكون الراوي ضابطا عند السماع والنوم ليس حال الضبط ((باب كتابة العلم)) قوله ((ابن سلام)) أي محمد أبو عبدالله بن سلام البيكندي قال المقدسي في الكمال سلام بتخفيف اللام وقد يشدده من لا يعرف وقال الدارقطني هو التشديد لا بالتخفيف مر في كتاب الإيمان، قوله - ((وكيع)) - بفتح الواو وكسر الكاف وبالعين المهملة ابن الجراح بالجيم المفتوحة وبالراء مشددة وبالمهملة الرأسي بضم الراء وفتح الهمزة وبالسين المهملة من تابعي التابعين بالكوفة أصله من نيسابور أو سمرقند أو أصبهان قال حماد بن زيد لو شئت لقلت وكيع أرجح من سفيان وقال الإمام أحمد ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع ما رأيته شك في حديث إلا يوما واحدا ولا رأيت معه كتابا قط ولا رفعة وقال هو أحب إلى من يحيى بن سعيد، فقيل له كيف، قال كان وكيع صديقا لحفص بن غياث فلما ولى القضاء هجره وكيع وكان يحيى صديقا لمعاذ بن معاذ فولى القضاء ببغداد فلم يهجره يحيى وقال ابن معين ما رأيت أفضل من وكيع وكان يفتي بقول أبي حنيفة رضي الله عنه وكان قد سمع منه شيئا كثيرا مات منصرفا من الحج يوم عاشوراء سنة سبع وتسعين مائة، قوله - ((سفيان)) - يحتمل أن يراد به الثوري ويحتمل أن يراد به ابن عيينة لأن وكيعا يروي عنهما وهما يرويان عن مطرف ولا قدح بهذا الالتباس في الإسناد لأن أيا كان منهما فهو أمام حافظ ضابط عدل مشهور على شرط البخاري ولذا يروي لهما في الجامع كثيرا لكن قال الغساني في كتاب التقييد هذا الحديث محفوظ عن ابن عيينة ولم ينبه عليه البخاري قال وقد رواه يزيد العدني بالمهملتين المفتوحتين والنون عن الثوري أيضا وتقدم ذكرهما مرارا، قوله - ((مطرف)) -بضم الميم وفتح المهملة وكسر الراء المشددة وبالفاء ابن طريف بالمهملة المفتوحة أبو بكر الكوفي قال ما يسرني أني كذبت كذبة وأن لي الدنيا كلها وقال داود بن علية ما أعرف عربيا ولا أعجميا أفضل من مطرف مات سنة إحدى أو اثنتين وأربعين ومائة، قوله - ((الشعبي)) -بفتح الشين أبو عمر وعامر الكوفي التابعي الجليل مر في باب

ص: 118

لَا، إِلَاّ كِتَابُ اللَّهِ، أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ، أَوْ مَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ قُلْتُ فَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ قَالَ الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ.

112 -

حَدَّثَنَا

ــ

المسلم من سلم المسلمون، قوله - ((أبو جحيفة)) -بضم الجيم وفتح المهملة وسكون المثناة التحتانية وبالفاء وهب بن عبدالله السوائي بضم المهملة وتخفيف الواو وبالمد الكوفي الصحابي روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وأربعين حديثا ذكر البخاري منها أربعة وكان على رضي الله عنه يكرم أبا جحيفة ويسميه وهب الخير ووهب الله وكان يحبه ويثق به وجعله على بيت المال بالكوفة توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو لم يبلغ الحلم ومات بها سنة اثنتين وسبعين رضي الله عنه، قوله- ((هل عندهم)) -الخطاب لعلي رضي الله عنه والجمع للتعظيم أو لإرادته مع سائر أهل البيت أو للالتفات من خطاب المفرد إلى خطاب الجمع على مذهب من قال من علماء المعاني يكون مثله التفاتا وذلك كقوله تعالى ((يا أيها النبي إذا طلقتم النساء)) إذ لا فرق بين أن يكون الانتقال حقيقة أو تقديرا عند الجمهور، قوله - ((كتاب)) - أي مكتوب من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما سأله ذلك لأن الشيعة كانوا يزعمون أنه صلى الله عليه وسلم خص أهل بيته لاسيما عليا بأسرار من علم الوحي لم يذكرها لغيره أو لأنه كان يرى فيه علما أو تحقيقا لا يجده عند غيره، قوله - ((لا)) - أي لا كتاب عندنا إلا كتاب الله وكتاب مرفوع وأعطيه بصيغة المجهول وبفتح الياء والمفعول الأول هو مفعول ما لم يسم فاعله والثاني الضمير والمراد من الفهم المفهوم أي ما يفهم من فحوى الكلام ويدرك من بواطن المعاني التي هي غير الظاهر من نصه كوجوه الأقيسة والمفاهيم وسائر الاستنباطات ولا شك أن الناس متفاوتون فيه، - ((الصحيفة)) - أي الكتاب وكانت معلقة بقبضة سيفه إما احتياطيا وأما استظهارا وإما لكونه منفردا بسماع ذلك والظاهر أن سبب اقتران الصحيفة بالسيف الإشعار بأن مصالح الدين ليست بالسيف وحده بل بالقتل تارة وبالدية تارة وبالعفو أخرى فلا يوضع السيف في موضع الندى بل يوضع كل في موضعه، فإن قلت الاستثناء متصل أم لا، قلت متصل لأن المفهوم من الكتاب كتاب أيضا لأن المفاهيم توابع للمناطق، قوله - ((فما في هذه)) - وفي بعضها وما، وهي استفهامية بخلاف المذكورة أولا فإنها موصولة، قوله - ((العقل)) - أي الدية وإنما سميت به لأن الإبل كانت تعقل أي تشد بفناء دار ولي المقتول والمراد أحكامها ومقاديرها وأصنافها وأسنانها، قوله- ((فكاك)) - بكسر الفاء هو ما ينفك به وأفتكه بمعنى أي خلصه و- ((الأسير)) - بمعنى المأسور من أسره إذا شده بالإسار وهو القد

ص: 119

أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِى سَلَمَةَ عَنْ أَبِى

ــ

بكسر القاف وبالمهملة لأنهم كانوا يشدون الأسير بالقد وسمي كل أخيذ أسيراً وإن لم يشد به والمقصود أن فيها حكمه والترغيب في تخليصه وأنه من أنواع البر الذي ينبغي أن يهتم به. قوله (وأن لا يقتل مسلم بكافر) وفي بعضها ولا يقتل فإن قلت كيف جاز عطف الجملة على المفرد. قلت هو مثل قوله تعالى (فيه آياتٌ بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً) أي فيها حكم العقل وحكم حرمة قصاص المسلم بالذمي وفيه دليل على أن المسلم لا يقتل بالذمي قصاصاً وعليه مالك والشافعي وأحمد وذهب الحنفية إلى القصاص لما روى عبد الرحمن السلماني أن رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل قال القاضي البيضاوي أنه منقطع لا احتجاج به ثم أنه خطأ إذا قيل إن القاتل كان عمرو بن أمية وقد عاش بعد الرسول صلى الله عليه وسلم سنين ومتروك بالإجماع لأنه روى أن الكافر كان رسولاً فيكون مستأمناً لا ذمياً وأن المستأمن لا يقتل به المسلم وفاقاً ثم إن صح فهو منسوخ لأنه كان قبل الفتح وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم الفتح في خطبة خطبها على درج البيت الشريف ولا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده. قال ومعنى كلامه رضي الله عنه أنه ليس عنده شيء سوى القرآن وأنه صلى الله عليه وسلم لم يخص بالتبليغ والإرشاد قوماً دون قوم وإنما وقع التفاوت من قبل الفهم واستعداد الاستنباط واستثنى ما في الصحيفة احتياطاً لاحتمال أن يكون فيها مالاً يكون عند غيره فيكون منفرداً بالعلم به. قال وقيل كان فيها من الأحكام غير ما ذكر هنا ولعله لم يذكر جملة ما فيها إذ التفصيل لم يكن مقصوداً حينئذٍ أو ذكره ولم يحفظه الراوي قال ابن بطال فيه ما يقطع بدعة المتشيعة المدعين على علي رضي الله عنه أنه الوصي وأنه المخصوص بعلم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرفه غيره حيث قال ما عنده إلا ما عند الناس من كتاب الله ثم أحال على الفهم الذي الناس فيه على درجاتهم ولم يخص نفسه بشيء غير ما هو ممكن في غيره. وأقول وفيه إرشاد إلى أن للعالم الفهم أن يستخرج من القرآن بفهمه ما لم يكن منقولاً عن المفسرين لكن بشرط موافقته الأصول الشرعية وفيه إباحة كتابة الأحكام وتقييدها وفيه جواز السؤال من الإمام فيما يتعلق بخاصته قال البخاري رضي الله عنه (حدثنا أبو نعيم) بضم النون وفتح المهملة وسكون الياء الفضل بفتح الفاء وسكون المعجمة (ابن دكين) بضم الدال المهملة وفتح الكاف وبالياء الساكنة وبالنون وهو لقب واسمه عمرو وكان مزاحاً مع فقهه وفضله ودينه وأمانته وإتقانه وحفظه مر في باب فضل من استبرأ لدينه. قوله (شيبان) بفتح المعجمة بن عبد الرحمن أبو معاوية النحوي البصري

ص: 120

هُرَيْرَةَ أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلاً مِنْ بَنِى لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ، فَخَطَبَ فَقَالَ «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْقَتْلَ - أَوِ الْفِيلَ شَكَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ قَبْلِى، وَلَا تَحِلُّ لأَحَدٍ

ــ

التميمي المؤدب مات ببغداد ودفن بمقبرة الخيزران أو في باب التين سنة أربع وستين ومائة في خلافة المهدي حدث عنه الإمام أبو حنيفة وعلى بن الجعد وبين وفاتهما تسع وسبعون سنة، قوله - ((يحيى)) -أي ابن أبي كثير بفتح الكاف وبالمثلثة أبو نصر اليماني البصري كان من العباد مات سنة تسع وعشرين أو اثنتين وثلاثين ومائة، قوله - ((أبي سلمة)) - بالمهملة واللام المفتوحتين عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف كان وجهه كدينار هرقلي مر في كتاب الوحي، قوله- ((خزاعة)) - بضم المعجمة وبالزاي حي من الأزد سموا بذلك لأن الأزد لما خرجت من مكة وتفرقت في البلاد تخلفت عنهم خزاعة وأقامت بها ومعنى خزع فلان عن أصحابه أي تخلف عنهم، قوله - ((منهم)) - أي من خزاعة قتل بنو ليث ذلك الخزاعي- ((فأخبره)) - بصيغة المجهول والراحلة هي الناقة التي تصلح لأن ترحل ويقال الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى- ((والفتك)) - بالفاء والكاف سفك الدماء على غفلة وفي بعضها بدله القتل بالقاف واللام، قوله- ((أو الفيل)) -الذي أرسله الله على أصحابه طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل حين وصلوا إلى بطن الوادي قريبين من مكة، قوله - ((واجعلوه)) -أي قال أبو تميم للسامعين اجعلوا هذا اللفظ على الشك وفي بعضها قال أبو عبدالله أي البخاري اجعلوه على الشك فعلى الأول هو مقول أبي نعيم وعلى الثاني مقول المؤلف وأما غير أبي نعيم فجازم بلفظ الفيل بالفاء واللام من غير ترديد بينه وبين ما في إحدى النسختين، قوله - ((سلط)) - بالمعروف والمؤمنين بالياء وبالمجهول والمؤمنون بالواو وفي بعضها بدل عليها عليهم أي على أهل مكة، قوله - ((ألا وإنها)) - فإن قلت ألا لها صدر الكلام فما المعطوف عليه بالواو والمناسب أن يقال بدون الواو ونحو ((ألا إنهم هم المفسدون)) ، قلت هو عطف على مقدر أي ألا إن الله حبس عنها الفيل وإنها لم تحل لأحد ومعنى حلال مكة حلال القتال فيها، فإن قلت لم لقلب المضارع ماضيا ولفظ بعدي للاستقبال فكيف يجتمعان والظاهر ما في سائر النسخ من لا تحل بكلمة لا، قلت معناه

ص: 121

بَعْدِى أَلَا وَإِنَّهَا حَلَّتْ لِى سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِى هَذِهِ حَرَامٌ، لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إِلَاّ لِمُنْشِدٍ، فَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ، وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ أَهْلُ الْقَتِيلِ». فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ

ــ

لم يحل الله في الماضي بالحل في المستقبل، قوله - ((ساعتي هذه)) - أي في ساعتي التي أتكلم فيها وهي بعد الفتح و- ((حرام)) - خبر لقوله إنها فإن قلت ما دال الخبر ليس مطابقا للمبتدأ، قلت لفظ حرام وأن كان في الأصل صفة مشبهة لكنه اضمحل وصفته لغلبة الاسمية عليه فتساوى التذكير والتأنيث فيه أو أنه مصدر يستوي فيه التذكير والتأنيث والتثنية والجمع، قوله - ((لا يختلي)) - أي لا يحز يقال اختليته أي حززته وقطعته وذكر الشوك دال على منع قطع سائر الأشجار بالطريق الأولى - ((ولا يعضد)) -أي لا يقطع، و - ((ساقطتها)) -أي ما سقط فيها بغفلة المالك أي اللقطة، و - ((لمنشد)) - أي لمعرف وأما طالبها فيقال له ناشد لا منشد، قال في شرح السنة: المؤذي من الشوك كالعوسج لا بأس بقطعه كالحيوان المؤذي فيكون من باب تخصيص الحديث بالقياس وكذا لا بأس بقطع اليابس كما في الصيد الميت وأما لقطتها فقيل ليس لواجدها غير التعريف أبدا ولا يملكها بحال ولا يتصدق بها إلى أن يظفر بصاحبها بخلاف لقطة سائر البقاع وهو أظهر قولي الشافعي وذهب مالك والأكثرون إلى أنه لا فرق بين لقطة الحل والحرم وقالوا معنى إلا لمنشد أنه يعرفها كما يعرفها في سائر البقاع حولا كاملا حتى لا يتوهم أنه إذا نادى عليها وقت الموسم فلم يظهر مالكها جاز تملكها، وأقول هذا لا يناسب المقام لأن الكلام ورد في الفضائل المختصة بمكة وحينئذ لا يبقى الاختصاص ويجوز عند الشافعي رعي البهائم في كلا الحرم خلافا لأبي حنيفة وأحمد رضي الله عنهم. قوله - ((فمن قتل)) - بضم القاف فإن قلت المقتول كيف يكون بخير النظرين، قلت المراد أهله أطلق عليه ذلك لأنه هو السبب له، الخطابي فيه حذف وتقديره من قتل له قتيل وسائر الروايات تدل عليه، وقال أيضا والأكثر على إباحة الشوك ويشبه أن يكون المحظور منه الشوك الذي ترعاه الإبل وهو مارق منه دون الشوك الصلب الذي لا ترعاه فيكون بمنزلة الحطب ونحوه قوله - ((يعقل)) - مشتق من العقل وهو الدية، يقال عقلته أي أعطيته ديته، و - ((أهل القتيل)) - مفعول ما لم يسم فاعله و- ((يقاد)) - بالقاف والقود القصاص يقال أقدت القاتل بالمقتول إذا اقتصصت منه ومفعول ما لم يسم فاعله ضمير فيه راجع إلى المقتول فإن قلت هل يجوز

ص: 122

الْيَمَنِ فَقَالَ اكْتُبْ لِى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ «اكْتُبُوا لأَبِى فُلَانٍ» . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَاّ الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِى بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا. فَقَالَ

ــ

الاقتصاص في الحرم، قلت جاز عند الشافعي وأما لفظ الحديث فلا ينفي ولا يثبت ولا بد من حمل لفظ القتل على العمد العدوان حتى يتصور القصاص فيه، فإن قلت إذا جاز القصاص في الحرم فلم أنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على خزاعة إذ ما كان سبب الخطبة إلا الرد فعلهم، قلت لعلهم قتلوا غير القاتل من بني ليث على ما هو عادة الجاهلية، فإن قلت الذي أحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يحل لأحد بعده لجواز القصاص لنا فيه والقتال مع الكفار لو تحصنوا والعياذ بالله بالحرم وجواز كل قتل وقتال بحق كما جاز له ذلك وامتناع القتل والقتال بغير الحق كما كان ممتنعا عليه قلت الجواب ما قال الشافعي أن معناه التحريم نصب القتال عليهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا أمكن إصلاح الحال بدون ذلك بخلاف ما إذا تحصنوا في بلد آخر فإنه يجوز قتالهم على كل حال بكل شيء والله أعلم وفي بعض النسخ يفاد بالفاء يقال أفدت المال أي أعطيته وفي بعضها يفادى يقال فاداه وفداه أي أعطى فداءه، فإن قلت فيلزم التكرار سواء كان من الأجوف أو من الناقص أي هو بمعنى يعقل بعينه، قلت فعلى هذا التقدير يخصص العقل بالدية التي تتحملها العاقلة وهي دية القتل الخطأ وفداء بدية يتحملها الجاني، فإن قلت فهل هو من باب تنازع الفعلين على لفظ الأهل، قلت نعم قالوا وفيه أي على التقدير القاف حجة للشافعي في أن الولي بالخيار بين القصاص وبين أخذ الدية وأن له إجبار الجاني على أي الأمرين شاء وقال مالك ليس للولي إلا القتل أو العفو وليس له دية إلا برضا الجاني وقال أهل العراق ليس له إلا القصاص فإن ترك حقه منه لم يكن له أن يأخذ الدية وفيه أيضا دلالة لمن يقول القاتل عمدا يجب عليه أحد الأمرين الدية والقصاص وهو أحد قولي الشافعي والثاني أن الواجب القصاص لا غير وإنما تجب الدية بدله بالاختيار، قوله - ((لأبي فلان أي لأبي شاه)) - بالشين المعجمة وبالهاء في الوقف وفي الدرج ولا يقال بالتاء قالوا ولا يعرف اسم أبي شاه هذا وإنما يعرف بكنيته وهو كلي يمني وقيل للبخاري أي شيء كتب له قال هذه خطبة، قوله - ((رجل من قريش)) - أي العباس- ((إلا الاذخر)) -بكسر الهمزة وسكون المعجمة وكسر الخاء المنقطة هو نبت معروف طيب الرائحة، قوله- ((بيوتنا)) -لأنه يسقف به البيت فوق الخشب وقبورنا لأنه يسد به فرج اللحد المتخللة بين اللبنات فإن قلت ليس في كلام العباس ما يستثني الاذخر منه فما المستثنى منه، قلت مثله ليس مستثنى بل هو تلقين بالاستثناء

ص: 123

النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم «إِلَاّ الإِذْخِرَ، إِلَاّ الإِذْخِرَ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يُقَالُ يُقَادُ بِالْقَافِ. فَقِيلَ لأَبِى عَبْدِ اللَّهِ أَىُّ شَىْءٍ كَتَبَ لَهُ قَالَ كَتَبَ لَهُ هَذِهِ الْخُطْبَةَ.

113 -

حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ أَخْبَرَنِى

ــ

فكأنه قال قل يا رسول الله لا يختلي شوكها ولا يعضد شجرها إلا الادخر وأما الواقع في لفظ صلى الله عليه وسلم فهو ظاهر أنه استثناء من كلامه السابق، فإن قلت كيف جاز وشرط الاستثناء الاتصال بالمستثنى منه وهنا قد وقع الفاصلة، قلت جار الفصل عند ابن عباس فلعل أباه أيضا جوز ذلك أو الفصل كان يسيرا وهو جائز اتفاقا ولئن سلمنا عدم الجواز فيقدر تكرار لفظ لا يختلي شوكها فيكون استثناء من المعاد لا من الأول وفي بعضها إلا الاذخر مرتين فالثاني تأكيد للأول، فإن قلت هل هو حجة لمن جوز أفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد وجوز تفويض الحكم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أوحي إليه في الحال باستثناء الاذخر وتخصيصه من العموم أو أوحي إليه قبل ذلك أنه إن طلب أحد استثناء شيء منه فاستثنه أو لما علم أنه محتاج إليه استثنى بحكم الضرورات تبيح المحظورات قال ابن بطال: فيه إباحة كتابة العلم وكره قوم كتابة العلم لأنها سبب لضياع الحفظ والحديث حجة عليهم ومن الحجة أيضا ما اتفقوا عليه من كتابة المصحف الذي هو أصل العلم وكان للنبي صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون الوحي وقال الشعبي إذا سمعت شيئا فاكتبه ولو في الحائط، أقول محل الخلاف كتابة غير المصحف ما اتفقوا عليه لا يكون من الحجة عليهم وفي صحيح مسلم لا تكتبوا عني غير القرآن ثم أجمع المسلمون على جوازها بل على استحبابها وأجابوا عن هذا الحديث بأنه في حق من يوثق بحفظه ولا يخاف اتكاله على الكتابة ونحو الحديث أبي شاه من لا يوثق بحفظه أو بأنه كان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما أمن ذلك بسبب اشتهار القرآن أذن في الكتابة أو بأن النهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ أو أنه نهى تنزيه أو أنه منسوخ، قال البخاري رضي الله عنه ((حدثنا على بن عبدالله)) - أي ابن المديني الإمام وكان ابن عيينة يقول مع أنه شيخه تعلمت منه أكثر مما تعلم مني وكان يسميه جنة الوادي مر في

ص: 124

وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ عَنْ أَخِيهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثاً عَنْهُ مِنِّى، إِلَاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

ــ

باب الفهم في العلم، قوله - ((سفيان)) -بالحركات ثلاث فيه، ابن عيينة بضم العين تصغير العين تقدم في أول الكتاب، قوله - ((عمرو)) -هو بالواو ابن دينار أبو محمد المكي الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة التابعي أحد الأئمة المجتهدين أصحاب المذاهب، الأثرم بفتح الهمزة وسكون المثلثة وبالمهملة مشتقا من الثرم بالتحريك وهي سقوط الثنية قال ابن عيينة حديث أسمعه منه أحب إلي من عشرين من غيره مات سنة ست وعشرين ومائة وإنما قال أخبرني لأنه لا شريك له في السماع عند الأخبار له والفرق بين الأخبار والتحديث مر مرارا عند من يفرق بينهما، قوله - ((وهب)) -بفتح الواو وسكون الهاء - ((ابن منبه)) -بضم الميم وفتح النون وكسر الموحدة الشديدة ابن كامل الصنعائي التابعي الجليل المشهور بمعرفة الكتب الماضية قال قرأت من كتب الله تعالى اثنتين وتسعين كتابا وهو من أبناء فرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن وقيل أصله من هراء مات سنة أربع عشرة ومائة، قوله - ((أخيه)) - أي همام بفتح الهاء وشدة الميم ابن منبه وهو أيضا تابعي وكان أكبر من وهب توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة مر في باب حسن إسلام المرء وهؤلاء تابعيون من أهل الفرس يروي بعضهم عن بعض لأن أبا عمرو أيضا فارسي قوله - ((أكثر)) - بالنصب ويحتمل الرفع أيضا وهو أفعل التفضيل وجاز وقوع الفاصل بينه وبين لفظ من لأنها ليست أجنبية، و - ((عبدالله بن عمرو)) - هو ابن العاص الصحابي الجليل سبق في باب المسلم من سلم المسلمون وإنما قلت الرواية عنه مع كثرة ما حمل لأنه سكن مصر وكان الواردون إليها قليلا بخلاف أبي هريرة رضي الله فإن استوطن المدينة وهي مقصد المسلمين من كل جهة، فإن قلت- ((إلا ما كان)) - أهو استثناء متصل أم منقطع، قلت يحتمل الانقطاع أي لكن الذي كان من عبدالله أي الكتابة لم يكن مني والخبر محذوف بقرينة باقي الكلام سواء يلزمه منه كونه أكثر حديثا إذ العادة جارية على أن شخصين إذا لازما شيخا مثلا وسمعنا منه الأحاديث يكون الكاتب أكثر حديثا من غيره ويحتمل الاتصال نظرا إلى المعنى إذ حدثنا وقع تمييزا والتمييز كالمحكوم عليه فكأنه قال ما أحد حديثه أكثر من حديثي إلا أحاديث حصلت من عبدالله وفي بعض الروايات ما كان أحد أكثر حديثا عنه مني إلا عبدالله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب، فإن قلت فعل الصحابي كيف دل على جواز الكتابة الذي هو المقصود من الباب، قلت إن قلنا أن قول الصحابي وفعله حجة فظاهر وإلا فالاستدلال

ص: 125

فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ

114 -

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِى ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا اشْتَدَّ بِالنَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ قَالَ «ائْتُونِى بِكِتَابٍ أَكْتُبُ لَكُمْ كِتَاباً لَا تَضِلُّوا بَعْدَهُ» . قَالَ عُمَرُ إِنَّ النَّبِىَّ

ــ

إنما بتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم كتابته، قوله - ((تابعه)) - أي تابع وهبا معمر وهي متابعة ناقصة سهلة المأخذ حيث ذكر المتابع عليه يعني هماما ثم يحتمل أن يكون بين البخاري وبين معمر الرجال المذكورون بينهم ويحتمل أن يكون غيرهم كما يحتمل أن يكون من باب التعليق عن معمر، قوله - ((معمر)) - بفتح الميمين وسكون المهملة بينهما - ((ابن راشد)) - مر في كتاب الوحي وهمام هو الذي تقدم ذكره آنفا أخو وهب وفائدة المتابعة التقوية، قوله - ((حدثنا يحيى بن سليمان)) -بن يحيى بن سعيد الجعفي الكوفي أبو سعيد سكن مصر ومات بها سنة سبع أو ثمان وثلاثين ومائتين، قوله - ((ابن وهب)) -عبدالله بن وهب بن مسلم المصري أبو محمد مر في باب من يرد الله به خيرا، قوله - ((يونس)) - بن يزيد القرشي الأبلي مولى معاوية، و - ((ابن شهاب)) - أي الزهري وقد حفظ القرآن في ثمانين ليلة قال الشافعي لولاه لذهبت السنن من المدينة، و- ((عبيدالله بن عبدالله)) - بن عتبة بن مسعود أبو عبدالله الفقيه الأعمى المدني أحد الفقهاء السبعة بالمدينة تقدموا في كتاب الوحي رضي الله عنهم، قوله- ((بكتاب)) - فإن قلت حق الظاهر أن يقال ائتوني بما يكتب به الشيء كالقلم والدواة، قلت هو من باب الحذف أي ائتوني بأدوات الكتاب أي الكتابة إذ الكتاب والكتابة بمعنى واحد وذلك نحو - ((واسئل القرية)) - أو أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه نحو الكاغد والكتف، فإن قلت ما معنى أكتب ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أميا قلت الأمي من لا يحسن الكتابة لا من لا يقدر على الكتابة وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب بيده أو من باب المجاز أي أمر بالكتابة نحو كما الخليفة الكعبة أي أمر بالكسوة - ((وأكتب)) - مجزوم جوابا للأمر ويجوز الرفع بالاستئناف، قوله - ((لن تضلوا)) - وفي بعضها لا تضلوا بكسر الضاد، الجوهري: الضلالة ضد الرشاد وضللت بفتح اللام أضل بكسر الضاد وهي الفصيحة وأما الغالبة يقولون ضللت بالكسر أضل بالفتح وجاء يضل بالكسر بمعنى ضاع وهلك فإن قلت لا تضلوا

ص: 126

صلى الله عليه وسلم غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَنَا كِتَابُ اللَّهِ حَسْبُنَا فَاخْتَلَفُوا وَكَثُرَ اللَّغَطُ. قَالَ «قُومُوا عَنِّى، وَلَا يَنْبَغِى عِنْدِى التَّنَازُعُ» . فَخَرَجَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ كِتَابِهِ.

ــ

نهي أو نفي، قلت نفي وقد حذف النون لأنه بدل من جواب الأمر وقد جوز بعضهم تعدد جواب الأمر من غير حرف العطف، قوله - ((حسبنا)) - أي كافينا وهو خبر مبتدأ محذوف، و - ((اللغط)) -بفتح اللام وبالمعجمة ساكنة ومفتوحة هو الصوت والجلبة، قوله- ((قوموا عني)) -أي قوموا مبتعدين عني وهو مستعمل باللام أيضا نحو - ((قوموا لله قانتين)) -وبالي نحو ((إذا قمتم إلى الصلاة)) وبالباء نحو قام بأمر كذا وبغير صلة نحو قام زيد وتختلف المعاني بحسب الصلات لتضمن كل صلة معنى يناسبها، قوله - ((عندي)) - وفي بعضها عني أي عن جهتي، و- ((الرزية)) - المصيبة يقال رزأته رزية أي أصابته مصيبة ويجوز تشديد الياء بالإدغام رزية، قوله - ((حال)) -أي حجز أي صار حاجزا، الخطابي: هذا يتأول على وجهين أحدهما أنه أراد أن يكتب اسم الخليفة بعده لئلا يختلف الناس ولا يتنازعوا فيؤديهم ذلك إلى الضلال والآخر أنه صلى الله عليه وسلم قد هم أن يكتب لهم كتابا يرتفع معه الاختلاف بعده في أحكام الدين شفقة على أمته وتخفيفا عنهم فلما رأى اختلاف الصحابة في ذلك قال قوموا من عندي وتركهم على ما هم عليه ووجه ما ذهب إليه عمر رضي الله عنه أنه لو زال الاختلاف بأن ينص على كل شيء باسمه لعدم الاجتهاد في طلب الحق ولا ستوى الناس ولبطلت فضيلة العلماء على غيرهم، فإن قيل كيف يجوز لعمر أن يعترض على ما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الدين ولا يسرع إلى قبوله أفتراه خاف أن يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير الحق أو يجري على لسانه الباطل حاشاه عن ذلك قلنا لا يجوز على عمر أن يتوهم الغلط على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يظن به التهمة في حال من الأحوال إلا أنه لما نظر قد أكمل الله الدين وتمم شرائعه وقد غلب الوجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضلته الوفاة وهو بشر يعتريه من الآلام ما يعتري البشر أشفق أن يكون ذلك القول من نوع ما يتكلم به المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد به المنافقون سبيلا إلى تلبيس أمر الدين وقد كان أيضا صلى الله عليه وسلم يرى الرأي في الأمر فيراجعه أصحابه في ذلك إلى أن يعزم الله له على شيء كما راجعوه يوم الحديبية فيما كتب بينه وبين قريش فإذا أمر بشيء أمر عزم لم يراجع فيه ولم يخالف

ص: 127