الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ"، فَنَبَذَهُ وَقَالَ:"إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا"، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
(خواتيم)؛ أي: اتخذ كل واحد خاتمًا، فهو من مقابلة الجمع بالجمع على سبيل التوزيع.
(اتخذت) في بعضها: (أخذت). مرّ في (كتاب اللباس).
* * *
5 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ وَالتَّنَازُعِ في العِلْمِ، وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَالْبِدَعِ؛ لقَوْلِه تَعَالَى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ}
(باب: ما يُكره من التعمُّقِ والغُلُوِّ)
هو مجاوزةُ الحدِّ.
(والبدع) وهي ما ليس له أصلٌ من كتاب ولا سُنَّة.
7299 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُوَاصِلُوا"، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: "إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ، إِنِّي
أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِيِني"، فَلَمْ يَنْتَهُوا عَنِ الْوِصَالِ، قَالَ: فَوَاصَلَ بِهِمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَيْنِ أَوْ لَيْلَتَيْنِ، ثُمَّ رَأَوُا الْهِلَالَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ تَأَخَّرَ الْهِلَالُ لَزِدْتُكُمْ"، كَالْمُنَكِّلِ لَهُمْ.
الحديث الأول:
سبق في (الصيام) وغيره.
* * *
7300 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى مِنْبَرٍ مِنْ آجُرٍّ، وَعَلَيْهِ سَيْفٌ فِيهِ صَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا عِنْدَنَا مِنْ كِتَابٍ يُقْرَأُ إِلَّا كِتَابُ اللهِ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا أَسْنَانُ الإِبِلِ، وَإِذَا فِيهَا:"الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ عَيْرٍ إِلَى كَذَا، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنة اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا"، وَإِذَا فِيهِ:"ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا"، وَإِذَا فِيهَا:"مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا".
الثاني:
(مِنْ آجُرٍّ) بالمد وضم الجيم وتشديد الراء، مُعرّب.
(وأسنان الإبل)؛ أي: إبل الديات؛ لاختلافها في الخطأ، وشبهِ العمد، والعمدِ.
(عَيْر) بفتح المهملة وسكون الياء: موضع، أو جبل. سبق شرحه آخر (الحج)، وفي (باب حرم المدينة).
(حَدَثًا)؛ أي: بدعة أو ظلمًا.
(لعنة) هي هنا: البعدُ عن الجنة أولَ الأمر؛ بخلاف لعنةِ الكفار؛ فإنها مطلقًا.
(صَرْفًا): فريضة.
(عَدْلًا): نافلة، وقيل بالعكس.
(ذِمَّة)؛ أي: أمان؛ أي: تأمين المسلمِ الكافرَ.
(أدناهم)؛ أي: من عبدٍ أو امرأةٍ.
(أخفرَ)؛ أي: نقضَ.
(والى)؛ أي: نسبَ نفسَه؛ كانتمائه إلى غير أبيه، أو لغيرِ مُعْتِقِه، وذلك لِما فيه من كفرِ النعمة، وتضييع حقِّ الإرث، والولاء، والعقل، وقطع الرحم ونحوه.
(بغير إذن) ليس بقيد؛ بل خرج مخرجَ الغالب، وأما مناسبته للترجمة، فلعله استناد من قول علي رضي الله عنه تبكيت من تنطع في الكلام، وجاء:(بغيرِ ما في الكتاب والسُّنَّة).
* * *
7301 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: صَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا تَرَخَّصَ وَتنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَحَمِدَ اللهَ ثُمَّ قَالَ:"مَا بَالُ أَقْوَام يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءَ أَصْنَعُهُ؟ فَوَاللهِ إِنِّي أَعْلَمُهُمْ بِاللهِ، وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً".
الثالث:
(مسلم) يحتمل أنه ابنُ صُبيح، أو البطين؛ فكلاهما يروي عن مَسْرُوق، وعنهما الأعمشُ.
(تَرَخَّص)؛ أي: تسهَّل فيه؛ كالإفطار في بعض الأيام، والصوم في بعضها في غير رمضان، والتزوج، ونحو ذلك.
(وتنزَّهَ عنه قومٌ) بأن سردوا الصومَ، واختاروا العزوبةَ.
(إني لأعلمُهم) إشارة للقوة العلمية.
(وأشدُّهم له خشيةً)؛ أي: أتقاهم، إشارة للقوة العملية؛ أي: يتوهمون أن رغبتهم عما فعلتُه أفضلُ لهم عند الله تعالى، وليس كذلك؛ إذ أنا أعلمُهم بالأصل، وأولاهم بالعمل، وسبق في (الأدب) في (باب من لم يواجه الناس بالعتاب).
* * *
7302 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ، عَنْ نَافِعِ بْنِ
عُمَرَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا، أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، لَمَّا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ بَنِي تَمِيم، أَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: إِنَّمَا أَرَدْتَ خِلَافِي، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ خِلَافَكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَنَزَلَتْ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} إلى قَوْلِهِ {عَظِيمٌ} ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَكَانَ عُمَرُ بَعْدُ -وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ - إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ، لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.
الرابع:
(أحدهما)؛ أي: عُمر.
(بالأقْرَع بنِ حَابِس)؛ أي: بأن يكون أميرًا.
(وأشار الآخر)؛ أي: أَبو بكر.
(بغيره)؛ أي: بالقَعْقَاع -بقافين مفتوحتين وسكون المهملة الأولى- ابن مَعْبَدِ بنِ زُرَارَة، وهما كانا يطلبان الإمارة؛ والحديثُ مُرْسَل؛ لأن ابنَ أبي مُليكةَ تابعي. ومرّ في (سورة الحجرات).
(عن أبيه) يريد: جدَّه أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فسماه أبًا؛ والجملةُ اعتراضية؛ لأن قوله له: (إذا حدث
…
) إلى آخره متعلق بقوله: (فكان عُمر).
(كأخي السِّرار) أي: صاحب المُسَارَرَة.
قال (ك): وقال أَبو العباس النحويُّ: أي: كالسرار، و (أخي) صِلَة، والمراد: يخفض صوته كالمسارِرِ، وفي "الفائق": لو أريد بأخي السرار المساررُ، كان له وجهٌ، والكاف على هذا في محل نصب على الحال، وعلى الأول صفةٌ لمصدرٍ محذوف.
(حتى يستفهمه) قال الزمخشري: الضمير في (يسمعه) راجع للكاف إذا جُعلت صفةً للمصدر، و (لا يسمعه) منصوب المحل بمنزلة الكاف على الوصفية، وإذا جُعلت حالًا، كان الضمير لها أيضًا، إلا إن قدر مضاف محذوف؛ كقولك: سمع صوته؛ حذف الصوت، وأُقيم الضميرُ مقامه، ولا يجوز أن يجعل لا يسمعه حالًا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن المعنى: يصير خلْفًا؛ أي: ركيكًا، انتهى.
* * *
7303 -
حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ: "مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: قُلْتُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ فَقَالَ:"مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ"، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ: قُولِي إِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ فِي مَقَامِكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ، فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"إِنَّكُنَّ لأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فلْيُصَلِّ لِلنَّاسِ"، فقَالَتْ حَفْصَةُ لِعَائِشَةَ: مَا كُنْتُ
لأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا.
الخامس:
(مروا)؛ أي: قولوا، فأطلق الخاصُّ على العامِّ، وفي الأصولِ خلافٌ في أن الأمر بالأمر بالشيء أمرٌ به أم لا؟.
(ففعلت)؛ أي: قالت.
(صواحب يوسف)؛ أي: أَنْتُنَّ تُشَوِّشْنَ عليَّ كما يُشَوِّشْنَ على يوسفَ.
(كنت) بتاء الخطاب أو التكلم، سبق في (الصلاة).
* * *
7304 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْب، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِرٌ إِلَى عَاصِم بْنِ عَدِيٍّ، فَقَالَ: أَرَأَيتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَيَقْتُلُهُ، أَتَقْتُلُونَهُ بِهِ؟ سَلْ لِي، يَا عَاصِمُ! رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلهُ، فَكَرِهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَ، فَرَجَعَ عَاصِمٌ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ الْمَسَائِلَ، فَقَالَ عُوَيْمِرٌ: وَاللهِ لآتِيَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ خَلْفَ عَاصِمٍ، فَقَالَ لَهُ:"قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فِيكُمْ قُرْآنًا"، فَدَعَا بِهِمَا، فتقَدَّمَا، فَتَلَاعَنَا، ثُمَّ قَالَ عُوَيْمِرٌ: كَذَبْتُ عَلَيْهَا، يَا رَسُولَ اللهِ! إِنْ أَمْسَكْتُهَا، فَفَارَقَهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفِرَاقِهَا، فَجَرَتِ السُّنَّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ،
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا مِثْلَ وَحَرَةٍ فَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ كَذَبَ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أَحْسِبُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا"، فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الأَمْرِ الْمَكْرُوهِ.
السادس:
(خلف عاصم)؛ أي: بعد رجوعه. وسبق في (اللعان).
* * *
7305 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ النَّصْرِيُّ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِم ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ ذَلِكَ فَدَخَلْتُ عَلَى مَالِكٍ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: انْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ، أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ فَأَذِنَ لَهُمَا، قَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ الظَّالِمِ، اسْتَبَّا، فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ، فَقَالَ: اتَّئِدُوا، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ"، يُرِيدُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ؟ قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاس، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ،
هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي مُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، إِنَّ اللهَ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَالِ بِشَيء لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ:{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ} الآيَةَ، فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَاللهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ، حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللهِ، فَعَمِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حَيَاتَهُ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ: أَنْشُدُكُمَا اللهَ، هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ نبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتُمَا حِينَئِذٍ -وَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ- تَزْعُمَانِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ فِيهَا كَذَا، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ فِيهَا صَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللهُ أَبَا بَكْرٍ، فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأبي بَكْرٍ، فَقَبَضْتُهَا سَنتَيْنِ أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمْرُكُمَا جَمِيعٌ، جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَأَتَانِي هَذَا يَسْألُنِي نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا، عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ تَعْمَلَانِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا، وَإلَّا فَلَا تُكَلِّمَانِي فِيهَا، فَقُلْتُمَا:
ادْفَعْهَا إِلَيْنَا بِذَلِكَ، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ، أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللهِ، هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالَا: نَعَمْ، قَالَ: أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَوَالَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لَا أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إلَيَّ، فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهَا.
السابع:
(الظالم) إنما جاز للعباس مثلُ هذا القول؛ لأن عليًّا كولده، وللوالدِ ما ليس لغيره، أو هي كلمة لا يراد بها حقيقتُها، أو الظلمُ هو وضعُ الشيء في غير موضعه، أعمُّ من الصغيرةِ، والمباحةِ التي لا تليق بمثله عُرفًا، وقيل: يؤوّل بتقدير محذوف؛ أي: الظالم، أو كالظالم إن لم ينصفْ.
قال المَازَرِيّ: هذا اللفظ لا يليق بالعباس، وحاشا عليًّا من الظلم، فهو سهو من الرواة، وإن كان لا بُدَّ من صحته، فيؤوّل بأن العباس تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغةً في الزجر، وَرَدْعًا لما يعتقد أنه مخطئ فيه، ولذا لم ينكره أحدٌ من الصحابة، لا الخليفةُ، ولا غيرُه، مع تشدّدهم في إنكار المنكَر، وما ذاك إلا أنهم فهموا بقرينة الحال أنه لا يريدُ الحقيقة. وسبقَ مبسوطًا في (الجهاد) في (قصة فَدَك).
* * *