الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(صوابًا)؛ أي: في قوله تعالى: {لَا يَتَكَلَّمُونَ} الآية [النبأ: 38]؛ أي: قال حَقًّا في الدنيا، وعملَ به، فإنه يؤذَنُ له يوم القيامة بالتكلُّم، ووجه ذكرِ البخاري ذلك: أن عادته أنه إذا ذكر آيةً مناسبة للمقصود، يذكر معها بعضَ ما يتعلَّق بتلك السورة التي فيها الآية من تفسيرٍ ونحوِه على سبيل التبعية.
* * *
40 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}
وَقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} .
وَقَوْلهِ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} .
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} وَلَئِنْ سَألتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ وَمَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ. فَذَلِكَ إِيمَانُهُمْ وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ.
وَمَا ذُكِرَ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَأكْسَابِهِمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَا تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا بِالْحَقِّ: بِالرِّسَالَةِ وَالْعَذَابِ،
{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} : الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ، وَإِنَّا لَهُ حَافِظُونَ: عِنْدَنَا، {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}: الْقُرْآنُ، {وَصَدَّقَ بِهِ}: الْمُؤْمِنُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: هَذَا الَّذِي أَعْطَيْتَنِي عَمِلْتُ بِمَا فِيهِ.
(باب: قول الله عز وجل: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} الآية [البقرة: 22])
قوله: {إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106])؛ أي: ما يذكر شيئًا يريد به إيمانًا إلَّا ومعه ما يقتضي أن يكون مشركًا، فلا يكون مؤمنًا، وهذا أحسن من قول (ك): إن الإيمانَ الممتنعَ اجتماعُه مع الكفر الإيمانُ بجميع ما يجبُ الإيمان به؛ أما الإيمانُ بالله تعالى، فيجتمعُ بأنواعٍ من الكفر، وقال عِكْرِمَةُ المفسرُ: إيمانُهم قولُهم: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، وكفرُهم عبادتُهم غيرَهُ.
(وما ذكر في خلق أفعال العباد) عطفٌ على ما أُضيف إليه باب، وهو: قول الله تعالى: والكسبُ للعبد، قيل: إن كان مرادُ البخاري بالترجمة ذكرَ نفي الشريك عن الله تعالى، فكان المناسبُ ذكره في (كتاب التوحيد)؛ وجوابه: أن قصدَه: بيانُ أن أفعال العباد بخلقِ الله تعالى؛ إذ لو كانت أفعالهم بخلقهم، لكانوا شركاء لله تعالى، وأندادًا له في الخلق، ولهذا عطف وما ذكر عليه.
وفيه: الردُّ على الجهمية؛ حيث قالوا: لا قدرةَ للعبد أصلًا، وعلى المعتزلة؛ حيث قالوا: لا دخلَ لقدرة الله تعالى فيها، إذ المذهبُ الحقُّ: أنْ لا جبرَ، ولا قدر، ولكن أمر الله تعالى بين
الأمرين؛ أي: بخلق الله تعالى، وكسب العبد، وهو قول الأشعرية.
لا يقال: فعلُ العبد إن كان بقدرته، فهو القدرُ الذي يقوله المعتزلة، أو لا، فهو الجبر، ولا واسطةَ بين النفي والإثبات؛ لأنا نقول: للعبد قدرة، فلا جبر، وبها يفرق بين النازل من المنارة، والساقط منها، ولكنْ لا تأثير لها؛ بل الفعلُ واقعٌ بقدرة الله تعالى، وتأثير قدرته فيه بعد تأثير إقداره العبدَ عليه، وهو المسمى بالكسب.
فإن قيل: القدرةُ صفةٌ تؤثر على وفق الإرادة، فإذا نفيتَ التأثيرَ عنها، فقد نفيتَ القدرةَ؛ لانتفاء الملزومِ بانتفاء اللازم؛ قيل: التعريفُ غيرُ جامعٍ؛ لخروج القدرة الحادثةِ عنه؛ بل التعريفُ الجامعُ صفةٌ يترتَّب عليها الفعلُ أو التركُ عادةً.
(ننزل الملائكة) بالنون، ونصب (الملائكة)، فهو استشهاد لكون نزول الملائكة بخلق الله تعالى، وبالمثناة المفتوحة والرفع، فهو لكونِ نزولهم بكسبِهم.
(الصادقين)؛ أي: الأنبياء المبلغين للرسالة، وقرينةُ تفسيرهم به: قوله تعالى قبلَه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ} [آل عمران: 81]، والقصدُ: أنه لبيان الكسب؛ حيث أسند الفعل إليهم، والميثاق ونحوه.
(وصدق به) هو الكسبُ -أيضًا-؛ حيث أُضيف التصديقُ للمؤمن، لا سيما وقد أضاف العمل إلى نفسه؛ حيث قال: عملت.
واعلم أن للكسب جهتين أثبتهما بالآيات، وقد اجتمع في كثير
من الآيات؛ نحو: {وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 15].
* * *
7520 -
حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شرَحْبِيلَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهْوَ خَلَقَكَ"، قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخَافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ؟ قَالَ: "ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ".
(مخافة أن يَطْعَمَ معك) جرى على الغالب، فلا أثر لمفهومه؛ إذ شرطُ العمل بالمفهوم: أن لا يكون خرج مخرج الغالب، ولا بيانًا للواقع؛ نحو:{لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: 130]، ثم لا شكَّ أنه إذا انضمَّ إليه قلةُ الوثوق بأن الله تعالى هو الرزاق، كان أعظم؛ وكذا الزنا بزوجة الجار؛ فإنه زِنًا، وإبطالٌ لما أوصى الله تعالى به من حفظِ حقوق الجيران، فبدأ بالشرك؛ لأنه أعظمُ الذنوب، ثم ثَنَّى بالقتل؛ لأنه محوٌ للتوحيد، ولم يكتفِ بكونه قتلًا؛ حتى جمعَ بينَه وبينَ وصفِ الولادة، وظلمِ مَنْ لا يعقل، وعلَّتهُ البخلُ؛ فلذلك خصَّه بالذكر من بين أنواع القتل.
(حَلِيلَة) بفتح المهملة؛ أي: الزوجة.
* * *