الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
35 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} ، {لَقَوْلٌ فَصْلٌ}: حَق، {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}: بِاللَّعِبِ
(باب: قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} [الفتح: 15])
قوله: (فصل)؛ أي: من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} [الطارق: 13]؛ أي: لحقٌّ، وما هو باللعب.
* * *
7491 -
حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ، يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ".
الحديث الأول:
(يؤذيني) هو من المتشابِه؛ وكذا اليدُ، والدهرُ؛ فإما أن تفوّض، وإما أن تؤوّلَ بأن المراد من الإيذاء: النسبةُ إليه ما لا يليق به، وباليد: القدرة، وبالدهر: المُدَهّر مقلِّب الدهور، والقرينةُ -بعد الدلائل العقلية على تنزيهه من كونه نفس الزمان-: لفظ: أُقلِّب الليلَ والنهارَ؛ إذ هو كالمبيِّنِ للمقصودِ منه، وفي بعض الروايات بالنصب،
أي: أنا ثابت في الدهر باق فيه، ومثل هذا الحديث يسمى القُدْسِيّ، والقصدُ منه: إسنادُ القولِ إليه. وسبقَ في (سورة الجاثية)، وفي (كتاب الأدب).
قال (خ): كانوا يضيفون المصائبَ إلى الدهر، وهم فرقتان: دهريةٌ، ويعترفون بالله تعالى؛ لكن ينزهونه عن نسبة المكارِه إليه، وكلاهما يسبُّ الدهر، ويقولون: تَبًّا له، ونحوَه، فقال تعالى: لا تَسُبُّوه على أنه هو الفاعل؛ فإن الله تعالى هو الفاعل؛ فإذا سببتم الذي أنزلَ بكم المكارَه، رجع إلى الله تعالى، ومعناه: أنا مُصَرِّفُه.
* * *
7492 -
حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَقُولُ اللهُ عز وجل: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي، وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَلِلصَّائِم فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخَلُوفُ فَم الصَّائِم أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِنْ رِيح الْمِسْكِ".
الثاني:
(حدثنا الأعمش) في نسخة: (عن سفيان عن الأعمش)، وهو صحيح؛ لأن أبا نُعيم سمع منه، ومن السفيانَيْنِ عنه.
(الصومُ لي) الطاعاتُ، وإن كانت كلُّها لله تعالى، إلا أن الصومَ لم يُعبد به غيرُ الله تعالى؛ بخلاف عبادةِ الكفار بالسجودِ والصدقةِ
ونحوهما تقرُّبًا لآلهتهم، وله أجوبةٌ أُخرى سبقت في (الصوم)، وسبق شرحُه هناك.
* * *
7493 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَى رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ! أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى، يَا رَبِّ! وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ".
الثالث:
(فنادى ربه)؛ أي: قال له، وبه يوافق الترجمة. وسبق مبسوطًا في (الغسل) في (باب من اغتسل عريانًا).
* * *
7494 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الأَغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَتَنَزَّلُ رَبُنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ ".
الرابع:
(ينزل) في بعضها: (يتنزل)، وهذا من المتشابه؛ لأنه تعالى منزهٌ عن الحركة، والجهة، والمكان؛ فإما التفويضُ، وإما التأويلُ بنزول مَلَكِ الرحمةِ ونحوِه. سبق في (كتاب الدعوات) في (باب الدعاء نصف الليل).
* * *
7495 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ: أَنَّ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
7496 -
وَبِهَذَا الإسْنَادِ: "قَالَ اللهُ: أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ".
الخامس:
(نحن الآخِرون)؛ أي: في الدنيا.
(السابِقون)؛ أي: في الآخرة، ووجهُ ذكره هنا: ما سبق مراتٍ أن أبا هريرة سمعَه مع الذي بعدَه، فنقله كما سمعه، أو أنه كان في أول صحيفة بعضِ الرواة عن أبي هريرة بالإسناد، فرووه كذلك؛ ولهذا قال بعده:(وبهذا الإسناد)، ثم ذكر المقصود.
(أنفقْ)؛ أي: على عباد الله.
(أُنفقْ عليك)؛ أي: أُعطيك خَلَفَهُ؛ بل أكثرَ منه أضعافًا مضاعفة.
يحكى عن بعض الصوفية: أنه تصدق برغيفين محتاجًا إليهما، فبعث إليه بعضُ أصحابه بسفرة، وفيها إدامٌ، وثمانيةَ عشرَ رغيفًا، فقال لحاملها: أين الرغيفانِ الآخران؟ قال: كنتُ محتاجًا، فأخذتهما في الطريق منها، فقيل له: بم عرفتَ أنها كانت عشرين؟ قال: من قوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160].
* * *
7497 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَالَ:"هَذِهِ خَدِيجَةُ، أَتَتْكَ بِإِناءٍ فِيه طَعَامٌ -أَوْ- إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلَامَ، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ".
السادس:
(عن أبي هريرة، فقال) فيه اختصارٌ من الحديث السابق في (مناقب الصحابة)؛ قال: (أتى جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله! هذه خديجةُ قد أتت معها إناءٌ فيه إدامٌ، أو طعام، أو شراب
…
) إلى آخره، وعلى كل حال، فالحديثُ موقوف.
قلت: بل مُرْسَلُ صحابي؛ لأن مثلَه لا يقولهُ أبو هريرة من قِبَلِ نفسِه، أما قولُه في هذه الرواية:(أو إناء)، فالمراد به: أنه أطلق الإناء، ولم يذكر ما فيه؛ بخلاف الذي قبله، فإن فيه التقييد بأن فيه طعامًا، ولم يوجد في بعض النسخ الثاني، وفي بعضها بدله: (أو
إدام)، وبالجملة فالشكُّ من الراوي.
(أو شراب) بالرفع والجر.
(قَصَب) هو قصبُ الدُّرِّ المُجَوَّف، وقيل: اصطلاحُ الجوهريين أن يقولوا: قصبٌ من الدُّرِّ، وقصبٌ من الجوهر؛ لخيطٍ منه، وفيه -أيضًا- إشارةٌ إلى قصب سبقِها في الإسلام.
(صَخَب) بمهملة ثم معجمة مفتوحتين: صياحٌ ولغط.
(نَصَب) هو التعبُ. ووجهُ مطابقته للترجمة: الإقراء؛ إذ معناه: التسليمُ عليها.
* * *
7498 -
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"قَالَ اللهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ".
(لعبادي) الإضافةُ للتشريف؛ أي: المخلِصين، وفي بعضها:(لِعبَادي الصالحين). مرَّ في (سورة تنزيل السجدة).
* * *
7499 -
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الأَحْوَلُ: أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ: أَنَّهُ سَمعَ ابْنَ عَبَّاسٍ
يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: "اللَّهُمَّ! لَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَبقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ! لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ".
الثامن:
سبق في (باب التهجد)، وأنه من جوامع الكلم.
* * *
7500 -
حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونس بنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَنِي، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَلَكِنْ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نفسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللهُ فِيَّ بِأَمْرٍ
يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} ، الْعَشْرَ الآيَاتَ.
التاسع:
(سَمِعْتُ عُرْوَةَ) إلى آخره؛ قال الزهري: وكلٌّ من الأئمةِ المذكورينَ حدَّثني بعضًا من حديث الإفك عن عائشةَ.
(يتكلم) هو محلُّ الترجمة، وسبق بطوله في (الشهادات).
* * *
7501 -
حَدَّثَنَا قتيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ اللهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلَا تَكْتبوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا، فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةٍ".
العاشر:
(فلا تكتبوها) المراد: ما لم يصرّ عليه؛ مثل: الخطرات، والوساوس التي لا ثباتَ لها؛ فإن من عزمَ على معصية، ولو بعدَ عشرين سنة، وأصرَّ على فعلها، عصى في الحال؛ كما قاله بعضُ العلماء، وفي الحقيقة لا ينافي هذا ما في الحديث؛ لأنه لم يكتب عليه
السيئة التي أرادها؛ بل المكتوبُ شيء آخرُ، وهو التصميمُ والإصرارُ، لا نفسُ السيئة.
(من أجلي)؛ أي: امتثالًا لحكمي، وخالصًا لي، وتكتب له حسنة؛ لأن تركَ المعصية طاعةٌ، وتركَ الشرِّ خيرٌ.
(فكتبوها له حسنةً)؛ أي: لأنّ القصدَ إلى الحسنةِ حسنةٌ، وهو عملٌ من الأعمال القلبية.
(إلى سبع مئة)؛ أي: منتهيًا إليها، والله تعالى يضاعف لمن يشاء. مرّ في (الرقائق) في (باب مَنْ هَمَّ بحسنة).
* * *
7502 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَلَقَ اللهُ الْخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَ: مَهْ؟ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، يَا رَبِّ! قَالَ: فَذَلِكِ لَكِ"، ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} ؟
الحادي عشر:
(مَهْ) كلمةُ رَدْعٍ وزَجْرٍ أو استفهامٍ، فقُلبت ألفُها هاء. سبق أولَ (الأدب).
قال مُغُلْطاي: فإن قيل: الفاءُ في (فقال) تقتضي كونَ قولِ الله تعالى عقيبَ الرحم، فيكون حادثًا، قلنا: لما دلَّ الدليل على قدمه، وجب حملُه على معنى إفهامه إياها، أو قاله مَلَكٌ لها بأمره تعالى؛ قال: وقول الرحم: مَهْ، توجُّهه إلى الله تعالى محالٌ؛ فوجب توجُّهه إلى من عاذت الرحمُ بالله تعالى من قطعه.
قال (ك): منشأُ الكلامِ الأول قلةُ عقلِه، ومنشأُ الثاني: فسادُ نقله.
* * *
7503 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ زيدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: مُطِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "قَالَ اللهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِي".
الثاني عشر:
(كافرٌ بي)؛ أي: من قال: مُطِرْنا بِنَوْءِ كَذَا.
(ومؤمنٌ بي)؛ أي: من قال: مُطِرْنا بفضلِ الله ورحمتِه.
* * *
7504 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ".
الثالث عشر:
(لقائي)؛ أي: الموت، تقدم في (الرقائق)، وتمامه: فقالت عائشة، أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموتَ؛ فقال: "لَيْسَ ذَلِكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إذَا حَضَرَهُ المَوْتُ، بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللهِ وَكَرَامَتِهِ؛ فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، وَالكافِرُ إِذَا حَضَرَهُ، بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَعُقُوبَتِهِ؛ فَكَرِهَ لِقَاءَ اللهِ".
* * *
7505 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ اللهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي".
الرابع عشر:
(أنا عندَ ظنِّ عبدي بي)؛ أي: إن كان مستظهِرًا برحمتي وفضلي؛ فأرحَمُه بالفضل.
* * *
7506 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ: فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ، وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَأَمَرَ
اللهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، فَغَفَرَ لَهُ".
الخامس عشر:
(فَحَرِّقُوهُ) من باب الالتفات، والأصلُ: فحرقوني. سبق في (كتاب الأنبياء) أربع مرات.
* * *
7507 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَذْنَبَ ذَنْبًا-، فَقَالَ: رَبِّ! أَذْنبتُ -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ-، فَاغْفِرْ لِي، فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا -أَوْ: أَذْنَبَ ذَنْبًا-، فَقَالَ: رَبِّ! أَذْنبتُ -أَوْ: أَصَبْتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا -وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا- قَالَ: قَالَ: رَبِّ! أَصَبْتُ -أَوْ: أَذْنبتُ- آخَرَ، فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي -ثَلَاثًا-، فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ".
السادس عشر:
(فأغفره)؛ أي: الذنب.
(أَعَلِمَ)(1) بهمزة استفهام، وفعلٍ ماضٍ.
(ويأخذ به)؛ أي: يعاقبه، وفيه: قبولُ التوبة، وإن تكررت الذنوب.
* * *
7508 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي، حَدَّثَنَا قتادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا فِيمَنْ سَلَفَ -أَوْ: فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ-، قَالَ كَلِمَةً -يَعْنِي: أَعْطَاهُ اللهُ مَالًا وَوَلَدًا-، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ -أَوْ: لَمْ يَبْتَئِزْ- عِنْدَ اللهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرِ اللهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي -أَوْ قَالَ: فَاسْحَكُونِي-، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا"، فَقَالَ نبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ: وَرَبِّي، فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَقَالَ اللهُ عز وجل: كُنْ، فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ، قَالَ اللهُ: أَيْ عَبْدِي! مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ؟ قَالَ: مَخَافتكَ -أَوْ: فَرَقٌ مِنْكَ- قَالَ: فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ
(1)"أعلم" ليس في الأصل.
رَحِمَهُ عِنْدَهَا"، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى: "فَمَا تَلَافَاهُ غَيْرُهَا". فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ، غَيْرَ أنَّهُ زَادَ فِيهِ: "أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ"، أَوْ كَمَا حَدَّثَ.
حَدَّثَنَا مُوسَى: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: "لَمْ يَبْتَئِرْ"، وَقَالَ خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ وَقَالَ: "لَمْ يَبْتَئِزْ"، فَسَّرَهُ قتادَةُ: لَمْ يَدَّخِرْ.
السابع عشر:
(فِيمَنْ سَلَفَ)؛ أي: في جملتهم.
(أعطاه الله)؛ أي: هو تفسير لكلمة، وهو تفسير لقوله:(رجلًا).
(أَيَّ أبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟) قال أبو البقاء: الصوابُ نصب (أيّ) على أنه خبر (كنت)، وقُدّم لكونه استفهامًا.
(خَيْرَ أبٍ) الجيدُ نصبُه على تقدير: كنتَ؛ ليوافقَ الجواب، ويجوزُ الرفعُ على معنى: أنت خيرُ.
(يَبْتَئِرْ) يفتعل، من بَأَرَ -بالموحدة-؛ أي: لم يخبأ، وقيل: لم يحم، ولم يعد.
قال في "المطالع": وقع للبخاري في (التوحيد): لم يبتئر، أو يبتئز -في الراء والزاي-، وفي بعضها:(لم يأتبر)؛ أي: لم يقدّم، وعندَ الأصيلي:(ينتبر) بالنون؛ أي: لم يقدم لنفسه ذخيرة، ويروى:(ينتهر) بالهاء.