الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
32 - باب قَوْلِ الله تَعَالَى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} ، وَلَمْ يَقُلْ: مَاذَا خَلَقَ رَبُّكُمْ
؟
وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإِذْنِهِ} .
وَقَالَ مَسْرُوقٌ: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِذَا تَكَلَّمَ اللهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ شَيْئًا، فَإِذَا {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} ، وَسَكَنَ الصَّوْتُ، عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، وَناَدَوْا:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} .
وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَحْشُرُ اللهُ الْعِبَادَ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ".
(باب: قول الله عز وجل: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23])
غرضه من الآية؛ بل من الباب كله: إثباتُ كلام الله تعالى القائم بذاته تعالى، وفى ليلُه: أنه قال: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23]، ولم يقل: ماذا خلقَ ربُّكم، وفيه: ردٌّ لقول المعتزلة: إنه متكلم بمعنى: خالقُ الكلامِ في اللوح المحفوظ -مثلًا-؛ وكذا الآية الثانية، ففيها:{إلا بِإِذْنِهِ} [البقرة: 225]؛ أي: بقولِه وكلامِه.
(وقال مَسْرُوق) موصول في (خلق أفعال العباد).
(فُزِّع)؛ أي: أُزيل الخوفُ، فالتفعيلُ للإزالةِ والسَّلْب.
(وسكن الصوت)؛ أي: المخلوقُ لإسماع أهلِ السماوات؛ إذ الدلائلُ القاطعةُ قائمةٌ على تنزيهه تعالى عن الصوت؛ لاستلزامه الحدوثَ؛ لأنه من الموجودات السيّالة غير القارّة، وفائدة السؤال بعدَ سماعهم: أنهم سمعوا قولًا، ولم يفهموا معناه كما ينبغي لأجل فزعِهم.
(ويذكر عن جابر) علَّقه في (باب الرحلة في العلم) بصيغة الجزم، ووصله أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وهو في "الأدب المفرد" للبخاري مطولًا.
قال (ك): جابرٌ أحدُ المكْثِرين، ومع كثرة روايته، وعلوّ مرتبته، رحل إلى الشام لحديثٍ واحدٍ يسمعه من عبدِ الله بنِ أُنيسٍ الجُهَنيِّ. قال: وأما الحديثُ المرحولُ لأجله، فقيل: هو: "يَحْشُرُ اللهُ العِبَادَ"، إلى آخره، وقيل: ومن تتمته بيانُ المقاصد، وهو ما معناه: أنه لا يدخل أحدٌ الجنةَ، وأحدٌ من أهلِ النارِ يطلبُه بمظلمةٍ، ولا يدخل أحدٌ النارَ، وأحدٌ من أهل الجنة يطلبه بمظلمة؛ حتى اللطمة. ومرَّ شيء منها في (كتاب المظالم).
وقال (ط): هو حديثُ الستر على المسلِم، مرّ في (كتاب العلم) في (باب الخروج في طلب العلم).
(فيناديهم)؛ أي: يقول، وبه يطابق الترجمة.
(بصوت)؛ أي: مخلوقٍ غيرِ قائمٍ به.
قال (ع): المعنى: يجعل مَلَكًا ينادي، أو بخلقِ صوتٍ يسمعُه الناس، فالله تعالى منزهٌ كلامُه عن أن يكون بحرفٍ أو صوتٍ.
وقال أبو العباس القرطبي: هذا الحديث والذي قبله غيرُ صحيحين، فكلاهما معلَّق مقطوع، والأولُ موقوفٌ، فلا يُعتمد عليهما في كونه تعالى متكلمًا بصوتٍ، فقد قامت الأدلةُ القاطعةُ على تنزيهِ كلامِه تعالى عن الحروف، والصوتِ. انتهى.
وفيما قاله من عدم الصحة نظر! فقد تقدم أن حديث مَسْرُوق موصولٌ في (أفعال العباد)، فتعين ما قاله (ع) من التأويل.
(يسمعه مَنْ بَعُد) السرُّ في كونه خارقًا للعادة، وإن كان في سائر الأصوات التفاوتُ بين القريب والبعيد ظاهرٌ؛ ليعلم أنّ المسموع من كلام الله تعالى؛ كما أن موسى عليه الصلاة والسلام كان يسمع من جميع الجهات بذلك.
(أنا الملك)؛ أي: لا مَلِكَ إلا أنا.
(أنا الديَّان)؛ أي: لا مجازيَ إلا أنا، واستفادةُ الحصر من تقريب الخبر، وفي هذا اللفظ الإشارةُ إلى الصفات السبعة: الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام؛ ليمكن المجازاة على الكليات والجزئيات قولًا وفعلًا.
* * *
7481 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ" قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ: "صَفَوَانٍ، يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ، فَـ {إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .
قَالَ عَلِيٌّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا. قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ عَلِيٌّ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: نعمْ، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ:{فُزِّعَ} ؟. قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو، فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا أَمْ لَا، قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ قِرَاءَتُنَا.
الحديث الأول:
(عليّ)؛ أي: ابنُ المدينيِّ.
(عمرٌو)؛ أي: ابنُ دينار.
(ضربت الملائكة)؛ أي: تحركوا متواضعين خاضعين.
(خُضْعانًا) جمع خاضع، وقال (خ): مصدرٌ كغُفران، ويروى بالكسر كوِجْدان، وكأن الصوتَ الحاصلَ من ضرب أجنحتهم صوتُ السلسلةِ الحديدِ المضروبةِ على الحجرِ الأملسِ.
(غيره)؛ أي: غير سفيان.
(ينفذُهم)؛ أي: زاد لفظ الإنفاذ؛ أي: ينفذ الله تعالى ذلكَ الأمر والقول إلى الملائكة، وفي بعضها من النفوذ؛ أي: ينفذ ذلك إليهم، أو عليهم، ويحتمل أن يريد: أن غيرَ سفيانَ قال: صفَوان -بفتح الفاء-، فيكون اختلاف الطريقين في الفتح والسكون، ويكون لفظ:(ينفذهم) مشتركًا فيه الطريقان.
(قال علي) إلى آخره؛ أي: إنه بلفظ التحديث، لا بالعنعنة كما في الطريق الأولى.
(قال عمرو: سمعت) يُشعر بأن كلامه كان على وجه الاستفهامِ من سفيان.
(نعم)؛ أي: قال سفيان: نعم.
(يرفعه)؛ أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: (فرغ) بالراء والمعجمة؛ أي: لم يبق منه شيء، وقراءته ولم يكن مسموعًا قطعًا لعله يروي جوازَ القراءة بدون السماع إذا كان المعنى صحيحًا. وسبق في (سورة الحجر).
* * *
7482 -
حَدَّثَنَا يَحْيَىَ بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ مَا أَذِنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم -
يتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ"، وَقَالَ صَاحِبٌ لَهُ: يُرِيدُ أَنْ يَجْهَرَ بِهِ.
الثاني:
(أَذِنَ) بكسر المعجمة؛ أي: استمع، واستماعُ الله مجازٌ عن تقريبِه القارئَ، وإجزالِ ثوابه، وقبولِ قراءته.
(لشيء) في بعضها: (لنبيٍّ).
(وقال صحابٌ له) لعل المراد: صاحبٌ لأبي هريرة.
(يجهر به)؛ أي: المراد بالتغني: الجهرُ به بتحسينِ الصوت، وقال ابنُ عُيَيْنة: المرادُ: الاستغناء عن الناس، وقيل: المراد بالنبي: الجنس، وبالقرآن: القراءة، ومر في (فضائل القرآن)، وكأن البخاري فهم من الأذن: القول، لا الاستماع؛ بدليل أنه أدخله في هذا الباب.
* * *
7483 -
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللهُ: يَا آدَمُ! فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، فَيُنَادَى بِصَوْتٍ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ".
الثالث:
(فَيُنَادَى) مبني للمفعول.
(بعثًا)؛ أي: طائفةً شأنُهم أن يُبعثوا إلى النار، وتمامُه: قال: