الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الإمام، وهؤلاء الخوارج من الإيمان، وعلى الأوّل: الدين هو طاعة الإمام، وعلى الثّاني: الدين هو الإسلام.
قال المهلب: يمكن أن يكون هذا الحديث في قوم قد عرفهم صلى الله عليه وسلم بالوحي أنهم يموتون قبل التوبة، وقد خرجوا ببدعتهم وسوء تأويلهم إلى الكشف، وأمّا الذين قتلهم عليّ رضي الله عنه؛ يعني: الخوارج، فربما يؤدِّي تأويلهم إلى الكفر، وربما لا يؤدِّي إليه.
* * *
58 - باب قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} ، وَأَنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ وَقَوْلَهُمْ يُوزَنُ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْقُسْطَاسُ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ، وَيُقَالُ: الْقِسْطُ: مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ، وَهْوَ الْعَادِلُ، وَأَمَّا الْقَاسِطُ: فَهْوَ الْجَائِرُ.
(باب: قول الله عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47])
الموازين: جمع ميزان، ووصفُها بالقسط، وهو العدل؛ لأن المصدر يوصف به المفرد، والمثنى، والجمع بلفظ واحد؛ أي: العادلات، أو ذوات القسط؛ كما قاله الزجَّاج، وهي، وإن كانت ميزانًا واحدة؛ لكن جُمعت باعتبار العباد، وأنواع الموزونات.
(ليوم)؛ أي: في يوم؛ قال أهل السُّنَّة: الميزانُ جسمٌ محسوسٌ
ذو لسانٍ وكِفَّتين، والله تعالى يجعلُ الأعمالَ والأقوالَ كالأعيانِ موزونةً، أو توزن صحفُها، وقيل: هي ميزانٌ كميزان الشِّعْر، وفائدتُها: إظهارُ العدل، والمبالغةُ في الإنصاف؛ قطعًا لأعذار العباد.
(مجاهد)؛ أي: ابن جَبْر -بفتح الجيم وسكون الموحدة- المكيُّ المفسِّرُ.
(القِسطاس)؛ أي: في قوله تعالى: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 182].
(بالرومية)؛ أي: بلغة الروم، ففيه: وقوعُ المُعرّب في القرآن، وأمّا قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2]، فلا ينافيه ألفاظٌ نادرةٌ، أو أن وضعَ العرب وافقَ وضعَهم، والمسألة مشهورة في الأصول، وقد حررتها في "شرح ألفيتي في الأصول".
(ويقال: القسط: مصدر المقسط) انتقد بأن مصدر المقسط الإقساط؛ لأنه رباعي، وأُجيب: بأن ذلك في الجاري على فعله، والمراد هنا: إنّما هو المصدر المحذوف الزوائد؛ كالقدر مصدر قدّرت، فما حذف زوائده من مصدر المزيد، رُدَّ إلى أصله، وذلك كثير في كلامهم، والمقسط هو العادل؛ قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: 42]، والقاسط: الظالم؛ قال تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15].
قال (ك): فإن قلت: المزيدُ لا بدَّ أن يكون من جنس المزيد.
قلت: إمّا أن يكون المقسِط من القِسْط -بالكسر-، وإما يكون [من] القَسْط -بالفتح- الّذي هو بمعنى الجَور، والهمزةُ للسلبِ والإزالةِ.
* * *
7563 -
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ".
(كلمتان) من إطلاق الكلمةِ على الكلام، وهو مجاز شائُع؛ كقولك: كلمة الشّهادة.
(حبيبتان)؛ أي: محبوبتان؛ فَعيل بمعنى مفعول، لا بمعنى فاعل، والمرادُ: محبوبٌ قائلُها، ومحبةُ الله تعالى للعبد: إرادةُ إيصالِ الخيرِ له؛ لكن قياسَ فَعيل بمعنى مفعول: أن لا تدخل فيه تاء التأنيث، وجوابه: إمّا بأن ذلك كثير لازم، أو أن وجوب ذلك حالَ الإفراد، لا حال التثنية، أو التأنيثُ لمناسبة (خفيفتان) و (ثقيلتان)، وهما فَعيل بمعنى فاعل، أو التاء لنقل اللّفظ من الوصفية إلى الاسمية، وقد يقال: هي فيما لم يقع بعد نحو: خذ ذبيحتك للشاةِ
الّتي لم تُذْبَح؛ فإذا وقع عليها الفعلُ، فهي ذَبيحٌ.
(إلى الرّحمن) خصص به دون سائر الأسماء؛ لأن المقصود من الحديث: بيانُ سَعَةِ رحمةِ الله تعالى على عباده؛ حيث يجازي على العمل القليل بالثواب الكثير، وفيه: فضيلةٌ عظيمةٌ للكلمتين؛ سبقت آخر (كتاب الدعوات)، وهي أن من قال:"سبحانَ اللهِ وبحمدِه في يومٍ مِئَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاه، وِإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ".
(خفيفتان) الإشارةُ بالخفة والثقل إلى قلةِ العمل، وكثرةِ الثّواب، وفي الحديثِ من البديع: السجعُ، والمنهيُّ عنه في السجع: ما يُراد به إبطالُ حق، ونحوه؛ كسجع الكهان، والمقابلةُ بين الخفيفة والثقيلة، ويسمى: الطباق، وختم به كما افتتح "الجامع" بالنية، الأوّل للإخلاص، والثّاني أن كتابه الّذي صنَّفه يرجو أنه من العمل الّذي يوزن له يوم القيامة، ويجازى به، وأنه وضعه قسطًا، وميزانًا يرجع إليه، وذلك سهلٌ على من سَهَّلَه الله تعالى عليه.
(سبحان الله وبحمده، سبحان اللهِ العظيم) هما المخبر عنهما بأنهما كلمتان خفيفتان، فهما مبتدأ، و (كلمتان) خبر مقدَّم، وما بينهما صفةٌ للخبر، وإنما قدم الخبر؛ لقصد تشويق السامع إلى المبتدأ؛ كما قال:
ثَلَاثَةٌ تُشْرِقُ الدُّنْيَا بِبَهْجَتِهَا
…
شَمْسُ الضُّحَى وَأَبُو إِسْحَاقَ وَالقَمَرُ
قال السَّكَّاكي: فكونُ التقديم يفيدُ التشويق حقُّه تطويلُ الكلام في الخبر، وإلا لم يحسن ذلك، وذلك لأنه كلما كثر التشويق بالتطويل؛ بذكر أوصافه الجارية، ازدَادَ شوقُ السامع إلى المبتدأ، و (سبحان): مصدرٌ لازم النصب بإضمار الفعل، وهو عَلَمٌ على التسبيح، علم جنس للمعنى، وإنّما أُضيف، مع كونه علمًا، بتقدير تنكيره، ثمّ إضافته، ومعنى التسبيح: التنزيه؛ أي: أنزِّهُ اللهَ تعالى عما لا يليق به، وقوله:(وبحمده): الواو فيه للحال، والتقديرُ: وأُسبحه متلبِّسًا بحمدي له؛ من أجل توفيقه لي للتسبيح ونحوه، أو قوله:(وبحمده): وبحمده عطفُ جملة على جملة؛ أي: أُسبحه، وأتلبس بحمدِه.
والمختارُ في تعريف الحمد: أنه الثناءُ على الجميل الاختياري على وجه التعظيم، وسبقَ أن الإشارةَ بسبحانَ اللهِ: إلى جميع صفاته تعالى السلبية، المسماة بصفات الجلال، وبالحمد: إلى صفاته الوجودية، وهي الكمالات المسماة بصفات الإكرام؛ كما قال تعالى:{ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] ورتبا على النظم الطبيعي، وهو إثبات التخلية عن النقصان، ثمّ التحلية بالكمال.
وفيه نكتةٌ أُخرى، وهي: أنه ذكر أولًا اسمَ الله الّذي هو اسمُ الذات المقدسةِ الجامعةِ لجميع الصفات العُلْيا، والأسماء الحسنى، ثمّ وصفه بالعظيم الشاملِ لسلبِ ما لا يليق به، وإثباتِ ما يليق؛ إذ هذا
بمعنى العظمة المطلقة، وأمّا تكرارُ التسبيح، فللإشعار بتنزيهه على الإطلاق، وبأن التسبيح ليس إلا متلبسًا بالحمد؛ ليعلم أن الكمال له، نفيًا وإثباتًا معًا جميعًا، أو لأن الاعتناء بشأن التنزيه أكثر من الاعتناء بالتحميد لكثرة المخالفين فيه قال تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، ولهذا ورد في القرآن بعبارات مختلفة: بالمصدر: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} [الإسراء: 1]، وبالماضي:{سَبَّحَ لِلَّهِ} [الحديد: 1]، وبالمضارع:{يُسَبِّحُ لِلَّهِ} [الجمعة: 1]، وبالأمر:{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، أو لأن التنزيهات ممّا تُدركه عقولنا؛ بخلاف كمالاته؛ فإن العقول قاصرة عن إدراك حقيقتها؛ كما قاله بعضُ المتكلمين.
وبالجملة: فهذا من جوامع الكلم، وفيه امتثالٌ لقوله تعالى:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} [الحجر: 98]، وتأويلٌ له، وما كان مندوبًا إليه في أواخر المجالس ختم البخاريّ به؛ كمجلس عِلمٍ خُتم، ولا ينافي قولنا هذا ما ذكرناه أوَّلًا في المناسبة: أنه افتتح ببدء الوحي، وأنه انتهى إلى ما به الابتداء؛ فإن الختم بهذا الباب ليس مقصودًا بالذات؛ بل هو لإرادة أن يكون آخر كلامه تسبيحًا وتحميدًا؛ كما أنه ذكر حديث النية أوَّلًا إرادةً لبيان إخلاصه فيه، وفيه الإشعارُ بما كان عليه البخاريُّ في أول أمره وآخره، رحمه الله تعالى، ورضي الله عنه، وعن علماء المسلمين.
والحمدُ لله وحدَه، وصلى الله على سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين (1).
* * *
(1) جاء في آخر النسخة الخطية لمكتبة فيض الله والمشار إليها بـ (الأصل) ما نصه: "آخر كتاب "اللامع الصبيح في شرح الجامع الصّحيح" كتبه لنفسِه، ولمن شاء الله تعالى من بعده، فقيرُ عفوِ مولاه الكريم الغني، العبدُ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ أحمدَ المقدسيُّ الشَّافعيُّ المقرئُ، خادمُ السنة الشريفة النبوية -على صاحبها أفضلُ الصّلاة والسلام-، غفر الله تعالى له، ولوالديه، ولجميع المسلمين، ولمن دعا لهم بالمغفرة والرّحمة، آمين، في يوم الإثنين المبارك، الرّابع والعشرين من شهر رمضان العظيم قدرُه من شهور سنة سبعٍ وسبعين وثمان مئة.
والحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيدنا محمّد، وآله وأصحابه أجمعين، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا دائمًا أبدًا إلى يوم الدِّين، وحسبُنا الله تعالى ونعم الوكيلُ".
وجاء في آخر النسخة الخطية لمكتبة فاتح باشا بتركيا، والمشار إليها بـ (ت) ما نصه: "وافق الفراغ من تكملة هذا الجزء المبارك يوم الجمعة المبارك الموافق لثامن عشر من شهر رجب الفرد المحرم سنة (889 هـ) على يد الفقير إلى الله تعالى، الراجي منه العفو والغفران، والفضل والكرم والإحسان، مترحمًا على مؤلفه شيخ الاسلام، وراجيًا للاجتماع به في دار السّلام، في زمرة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، علي بن حسن بن علي بن أحمد بن نعيم [
…
] الأزهري الشّافعيّ، غفر الله له ولوالديه، ولمن كان السبب فيه، ولكل المسلمين، آمين".