الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخلقِ الجماد، وفيه نوعٌ من الترقِّي في الخساسة، ونوع من التنزُّلِ في الإلزام.
* * *
57 - باب قِرَاءَةِ الْفَاجِرِ وَالْمُنَافِقِ، وَأَصْوَاتُهُمْ وَتِلَاوَتُهُمْ لَا تُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ
(باب: قراءة الفاجر والمنافق)
عطف المنافق على الفاجر، مع أن المراد به المنافق؛ بقرينة جعله قسيمًا للمؤمن في الحديث، ومقابلًا له من العطف التفسيري.
(لا يجاوز) خبر المبتدأ، وهو:(تلاوتُهم)، وأمّا جمعُ الضمير، فهو حكايةٌ عن لفظ الحديث، وفي بعضها زيادة:(وأصواتهم)، والحنجرةُ: الحلقوم، وهو مجرى النّفَس؛ كما أن المري مجرى الطّعام والشراب.
7560 -
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، حَدَّثَنَا أَنَسٌ، عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لَا يَقْرَأُ كَالتَّمْرَةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا".
الحديث الأوّل:
(كَالأُتْرُجَّةِ) قيل: [بنون قبل الجيم](1)، وتدغَمُ فتشدَّدُ الجيمُ، وتُرُنْجَة لغةٌ ثالثة، قالوا: هي أفضلُ الثمار لخواصَّ فيها: كبرُ جرمِها، وحسنُ منظرِها، وطيبُ طعمِها، ولينُ ملمسِها، ولونُها يَسُرُّ الناظرين، وأكلُها يفيدُ بعد الالتذاذ طيبَ النكهة، ودباغَ المعدة، وقوةَ الهضم، واشتراكَ الحواس الأربعة: البصر، والذوق، والشم، واللمس في الاحتظاء بها، ثمّ إن أجزاءها تنقسم على طبائع، فقشرُها حارٌّ يابس، وجرمُها حارٌّ رطبٌ، وحماضُها باردٌ يابسٌ، وبزرُها حارٌّ مجفّفٌ.
(الحنظلة) معروفة.
وحاصله: أن المؤمن إمّا مخلص، أو منافق، وعلى التقديرين، إمّا أن يقرأ، أو لا، والطعم هو بالنسبة إلى نفسه، والريح بالنسبة إلى السامع؛ نعم، وقع في آخر (فضائل القرآن):(كالحنظلة، طعمُها مر، وريحُها مر)، وهنا قال:(لا ريحَ لها)، ووجهُ الجمع: أن القصدَ: لا ريحَ لها نافعٌ، ولو كان لها ريحٌ مضرٌّ، وما لا نفعَ له كالعَدَمِ.
* * *
7561 -
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ (ح) وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونس، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَني يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ:
(1) ما بين معكوفتين بياضٌ في الأصل، والمثبت من "ت".
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: سَأَلَ أُنَاسٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْكُهَّانِ، فَقَالَ:"إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِشَيْءٍ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْحَقِّ، يَخْطَفُهَا الْجنِّيُّ، فَيُقَرْقِرُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ كَقَرْقَرَةِ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ".
الثّاني:
(عن الكُهَّان)؛ أي: عن حالهم.
(فيقرها) في أكثر النسخ: (فيقرقرها)، وقَرَّهُ: إذا صبَّ فيه الماء، وقرّ: إذا صوّت، وقرّت الدجاجة: قطعت صوتها، وقرّ الكلام في أُذنه، وأقره: إذا سارّه، وصَبَّه؛ وأورده (ش):(يقرقرها)، وقال: كذا هنا يقرقر بالتكرير، وأصل القر: ترديد الكلام في أُذن المخاطب، حتّى يفهم، فإن رددته قلت: قرقرت، وقيل: القرقرة: الوضع في الأُذنَ بالصوت، والقَرُّ: الوضعُ بلا صوت؛ فالروايتان مشعرتان بأن الوضع في أذن الكُهان تارة بلا صوت، وأُخرى بصوت.
(الدجاجة) بتثليث الدال، ورواه الإسماعيلي: الزجاجة -بالزاي-؛ أي: كصوتها إذا صب فيها الماء، وكأنه اعتبره برواية القارورة، وقد سبقت في (بدء الخلق)؛ وكذا صوَّبه (خ)، وقال غيره: يكون إضافتُه إلى الدجاجة إضافةً إلى الفاعل، وإلى الزجاجة إضافة للمفعول؛ نحو:{بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ} [سبأ: 33]؛ لكن قال الدارقطني: صَحَّفَ الإسماعيلي في
هذا، والصوابُ: الدجاجة.
قال (خ): وقصدُه صلى الله عليه وسلم: نفيُ ما يتعاطونه من علم الغيب؛ أي: ليس قولهم بشيء صحيح يعتمد عليه؛ كما يعتمد على أخبار الأنبياء -عليهم الصّلاة والسلام-، وإصابة الكُهان في بعض الأحيان إنّما هو لأن الجنيَّ يلقي إليه الكلمة التي يسمعها استِراقًا، فيزيدُها بالأكاذيب يقيسها عليه، والكُهانُ: قومٌ لهم أذهانٌ حادَّة، ونفوسٌ شريرة، وطبائعُ ناريَّة، فالجنُّ تُلقي إليهم؛ لما بينهم من المناسبة، وسبق الحديثُ آخر (كتاب الأدب)، ووجهُ مطابقته للترجمة: مشابهةُ الكاهنِ بالمنافقِ من حيث إنّه لا ينتفع بالكلمة الصادقة؛ لغلبة الكذب عليه، ولفسادِ حاله؛ كما لا ينتفع المنافقُ بقراءته؛ لفساد عقيدته، وانضمامِ خبثه إليها.
* * *
7562 -
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، يُحَدِّثُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَؤُنَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقهِ"، قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ، قَالَ:"سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ"، أَوْ قَالَ:"التَّسْبِيدُ".
الثّالث:
(قِبَل) بكسر القاف؛ أي: جهة.
(المشرق)؛ أي: مشرق مدينة النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ كنجدٍ وما بعدَه.
(فُوقِهِ) بضم الفاء: هو موضعُ الوترِ من السهم، والطريقُ الأوّل: ما عاد على فوقه؛ أي: مضى، ولم يرجع.
(سيماهم) بكسر المهملة مقصورًا وممدودًا؛ أي: علامتهم.
(التحليق)؛ أي: إزالةُ الشعر، وإنّما كان هذا علامتَهم، وإن كان غيرُهم يحلق رأسَه أيضًا: أن هؤلاء جعلوا الحلقَ علامةً لهم دائمًا، وزمن الصّحابة إنّما كانوا يحلقون في نسك، أو حاجة، ويحتمل أن المراد بالتحليق: حلق الرّأس واللحية، وجميع الشعور، أو أن المراد: الإفراط في القتل، أو في مخالفة الدين.
(أو قال: التسبيد) بمهملة وموحدة، وهو استئصالُ الشعر، وقيل: تركُ التدهين، وغسل الرّأس، ويروى:(التسبيت) بالتاء المثناة آخره بدل الدال.
قال جعفر الطيالسيُّ: قلت لأحمدَ: ما التسبيتُ؟ قال: الحلقُ الشديد؛ نسبة إلى النعالِ السبتية.
واعلم أن هذا لا ينافي ما سبقَ في (باب علامات النبوة): أن علامتهم رجل أسودُ، إحدى عضديه مثلُ ثدي المرأة؛ لإمكان أَنَّ كُلًّا منهم علامة، أو هؤلاء طائفة أُخرى، وتقدم في (باب استتابة المرتدين) في حقهم، ويتمارى: يشكُّ في الفُوقِةِ، هل علّق بها شيءٌ من الدم؟ فإيمانُهم مشكوك، وهنا قال: يمرقون من الدِّين، ثمّ لا يعودون إليه أبدًا؛ لأن السهم لا يعود إلى فُوقِهِ بنفسه قط، فيحتمل أن المراد بهم: الخوارجُ