الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
37 - باب قَوْلِهِ: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}
(باب: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164])
7515 -
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى، فَقَالَ مُوسَى: أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ آدَمُ: أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ وَكَلَامِهِ، ثُمَّ تَلُومُنِي عَلَى أَمْر قَدْ قُدِّرَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى".
الحديث الأول:
(بم)؛ أي: بما، فحذفت الألفُ، وفي بعضها:(ثم) بمثلثة.
(فَحَجّ)؛ أي: غلبه في الحُجَّة، وسبق الفرقُ بين هذا وبينَ قصةِ عليٍّ رضي الله عنه لما قال: أنفسُنا بيدِ الله، فقال صلى الله عليه وسلم:" {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54] "؛ أن مناظرةَ آدمَ موسى عليهما السلام كانت في غيرِ دارِ التكليف، فليس فيها إلا تخجيلُ آدم، والجدل في قصةِ عليّ رضي الله عنه في دار التكليف، فصار عليٌّ محجوجًا.
* * *
7516 -
حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، حَدَّثَنَا قتَادَةُ، عَنْ أَنسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُجْمَعُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُونَ: لَوِ اسْتَشْفَعْنَا إِلَى رَبِّنَا، فَيُرِيحُنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ، خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ الْمَلَائِكَةَ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْء، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا، فَيَقُولُ لَهُمْ: لَسْتُ هُنَاكُمْ، فَيَذْكُرُ لَهُمْ خَطِيئتَهُ الَّتِي أَصَابَ".
الثاني:
(خطيئته)؛ أي: قربان الشجرة؛ ومطابقتُه للترجمة: في تمام الحديث، وهو قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام:(عليكُم بموسى)، وسبقَ بطوله.
* * *
7517 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، عَن شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجدِ الْكَعْبَةِ: "إِنَّهُ جَاءَهُ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَهْوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ، فَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ، فَكَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى أتَوْهُ لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَتنامُ عَيْنُهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلَا تنامُ قُلُوبُهُمْ، فَلَمْ يُكَلِّمُوهُ
حَتَّى احْتَمَلُوهُ، فَوَضَعُوهُ عِنْدَ بِئْرِ زَمْزَمَ، فتوَلَّاهُ مِنْهُمْ جِبْرِيلُ، فَشَقَّ جِبْرِيلُ مَا بَيْنَ نَحْرِهِ إِلَى لَبَّتِهِ، حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَدْرِهِ وَجَوْفِهِ، فَغَسَلَهُ مِنْ مَاءَ زَمْزَمَ بِيَدِهِ، حَتَّى أَنْقَى جَوْفَهُ، ثُمَّ أُتِيَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ، فِيهِ تَوْرٌ مِنْ ذَهَبٍ مَحْشُوًّا إِيمَانًا وَحِكْمَةً، فَحَشَا بِهِ صَدْرَهُ وَلَغَادِيدَهُ -يَعْنِي عُرُوقَ حَلْقِهِ- ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَضَرَبَ بابًا مِنْ أَبْوَابِهَا، فَنَادَاهُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مَعِي مُحَمَّد، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ؟ قَالَ: نعمْ، قَالُوا: فَمَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، فَيَسْتَبْشِرُ بِهِ أَهْلُ السَّمَاءِ، لَا يَعْلَمُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِمَا يُرِيدُ اللهُ بِهِ فِي الأَرْضِ حَتَّى يُعْلِمَهُمْ، فَوَجَدَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا آدَمَ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: هَذَا أَبُوكَ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ آدَمُ، وَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا بابنِي، نِعْمَ الاِبْنُ أَنْتَ! فَإِذَا هُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِنَهَرَيْنِ يَطَّرِدَانِ، فَقَالَ: مَا هَذَانِ النَّهَرَانِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ عُنْصُرُهُمَا، ثُمَّ مَضَى بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَإِذَا هُوَ بِنَهَرٍ آخَرَ عَلَيْهِ قَصْرٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ، فَضَرَبَ يَدَهُ فَإِذَا هُوَ مِسْكٌ، قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي خَبَأَ لَكَ رَبُّكَ، ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتْ لَهُ الأُولَى: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالُوا: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نعمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، وَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالَتِ الأُولَى وَالثَّانِيَةُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى الرَّابِعَةِ، فَقَالُوا
لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّادِسَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، كُلُّ سَمَاءٍ فِيهَا أَنْبِيَاءُ قَدْ سَمَّاهُمْ، فَأَوْعَيْتُ مِنْهُمْ: إِدْرِيسَ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَارُونَ فِي الرَّابِعَةِ، وَآخَرَ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ أَحْفَظِ اسْمَهُ، وَإِبْرَاهِيمَ فِي السَّادِسَةِ، وَمُوسَى فِي السَّابِعَةِ بِتَفْضِيلِ كَلَامِ اللهِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ لَمْ أَظُنَّ أَنْ يُرْفَعَ عَلَيَّ أَحَدٌ، ثُمَّ عَلَا بِهِ فَوْقَ ذَلِكَ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، حَتَّى جَاءَ سدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَدَناَ الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ (فتدَلَّى)، حَتَّى كَانَ مِنْهُ {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} ، فَأَوْحَى اللهُ فِيمَا أَوْحَى إِلَيْهِ خَمْسِينَ صَلَاةً عَلَى أُمَّتِكَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، ثُمَّ هَبَطَ حَتَّى بَلَغَ مُوسَى فَاحْتَبَسَهُ مُوسَى، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ رَبُّكَ وَعَنْهُمْ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ: أَنْ نعمْ، إِنْ شِئْتَ، فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ، فَقَالَ وَهْوَ مَكَانَهُ: يَا رَبِّ! خَفِّفْ عَنَّا، فَإِنَّ أُمَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ هَذَا، فَوَضَعَ عَنْهُ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَاحْتَبَسَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُرَدِّدُهُ مُوسَى إِلَى رَبِّهِ حَتَّى صَارَتْ إِلَى خَمْسِ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ احْتَبَسَهُ مُوسَى عِنْدَ الْخَمْسِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! وَاللهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنىَ مِنْ هَذَا فَضَعُفُوا، فترَكُوهُ، فَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا
وَأَبْصَارًا وَأَسْمَاعًا، فَارْجِعْ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ ربُكَ، كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جِبْرِيلَ لِيُشِيرَ عَلَيهِ، وَلَا يَكْرَهُ ذَلِكَ جِبْرِيلُ، فَرَفَعَهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ، فَقَالَ: يَا رَبِّ! إِنَّ أُمَّتِي ضُعَفَاءُ أَجْسَادُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَسْمَاعُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، فَخَفِّفْ عَنَّا، فَقَالَ الْجَبَّارُ: يَا مُحَمَّدُ! قَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، قَالَ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، فَهْيَ خَمْسُونَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهْيَ خَمْسٌ عَلَيْكَ، فَرَجَعَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: كيْفَ فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: خَفَّفَ عَنَّا، أَعْطَانَا بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، قَالَ مُوسَى: قَدْ وَاللهِ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى أَدْنىَ مِنْ ذَلِكَ فترَكُوهُ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَلْيُخَفِّفْ عَنْكَ أَيْضًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مُوسَى! قَدْ وَاللهِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي مِمَّا اخْتَلَفْتُ إِلَيْهِ، قَالَ: فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللهِ، قَالَ: وَاسْتَيْقَظَ وَهْوَ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ".
الثالث:
(عن شَريْكٍ) في روايته أوهامٌ أنكرها العلماءُ، وقالوا: خلطَ فيها بأشياء من تقديمٍ وتأخيرٍ، ووضعٍ للأنبياء في غيرِ مواضِعهم في السموات، وقد خالفَه الحفاظِ الثقاتِ عن أنس؛ كرواية قتادةَ عنه، وروايةِ ثابتٍ في "مسلم" عنه، فليتمسكْ براوية هذين الإمامين؛ فمنها: قوله: (قبل أن يوحي إليه)، وهو باطل؛ إذ لا خلاف أن الإسراءَ بعدَ النبوة، وأن فرضَ الصلوات حينئذ؛ كذا قاله ابنُ حزم،
وأوله غيرُه بأن المراد: قبل أن يوحي إليه في شأن الصلاة، أو الإسراء، أو نحو ذلك، والتزمَ الشيخُ شهابُ الدين أبو شامةَ أنه قبلَ الوحي على ظاهره؛ لأن الإسراء كان مرتين: قبل النبوة، وبعدها، ومنها: قوله: (ودنا الجبار)، وعائشةُ تروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الذي دنا فتدلى جبريلُ، وأجابَ ابنُ الجوزيِّ: بأن هذا كان منامًا، وحكمُه حكم غير حكم اليقظة، وهو عجيب؛ فإن رؤيا الأنبياء وحي.
قال (ك): وقولُ جبريلَ في جواب بوّاب السماء إذ قال: (أبعث؟: نعم)، صريحٌ في أنه كان بعدَه.
(أيهم هو) كان عندَه صلى الله عليه وسلم رجلان.
قال (ك): قيل: إنهما حمزة، وجعفر رضي الله عنهما.
(هو خَيْرُهُمْ)؛ أي: مطلوبُك هو خَيْرُ هؤلاء.
(خُذُوا خَيْرَهُمْ)؛ أي: المعروجَ به إلى السماء.
(وكانت)؛ أي: هذه الرؤيا، أو هذه القصة في:(تلك الليلة) لم يقع شيء آخر فيها؛ فإن قيل: ثبت في الروايات الأُخرى أن الإسراء كان في اليقظة؛ قيل: إن قلنا بالتعدد، فظاهر، أو باتحاده، فيمكن أن يقال: كان أول الأمر وآخره في النوم؛ إذ ليس فيه ما يدلُّ على كونه نائمًا في القصة كلها.
(فرغ) بالتشديد.
(محشوًا إيمانًا وحكمة) المرادُ بالحشو بهما، مع أنهما مَعْنيان
لا يوصفان بذلك: أن الطستَ كان فيه شيءٌ يحصل به كمالُهما، فالمرادُ: سببهما مجازًا، ونصب محشوًا على الحال من طست، وهو وإن كان نكرة؛ لكن تخصص بالوصف، وهو: من ذهب، أو حال من الضمير في الجار والمجرور؛ لأن التقدير: كائنٌ (من ذهب)، أو مصنوعٌ من ذهب، فنقل الضمير من الوصف لمتعلّقه، وهو الجار والمجرور، ورواه البخاري في (باب الإسراء) بالجر على الصفة، ونصب إيمانًا وحكمةً على التمييز.
(لَغاديده) جمع لغدود، أو لغديد -بمعجمة ومهملتين-، وهي لحمةٌ عند اللَّهوات، ويقال لها أيضًا: لغد، والجمعُ لغاد.
(يَطَّرِدان): يجريان.
(عنصُرُهما) بضم الصاد وفتحها: أصلهما، وهو مرفوع البدلية.
(أذْفَر) بمعجمة وفاء وراء؛ أي: جيدٌ إلى الغاية، شديد ذكاء الريحِ، والذَّفَرُ -بالتحريك - يقع على الطَّيِّب، والكريهِ، ويفرَّق بينَهما بما يضاف إليه، ويوصَف به.
(وإبراهيم في السادسة) هو من الأوهام؛ فالذي مرّ في أواخر (كتاب الفضائل): أن موسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة.
قال (ن): إن كان الإسراء مرتين، فلا إشكالَ، أو مرة واحدة، فلعله وجدَه في السادسة، ثم ارتقى هو أيضًا إلى السابعة.
(بتفضيل)؛ أي: بسبب؛ أي: له فضلُ كلام الله تعالى.
(دنا) قيل: مجازٌ عن قربه المعنويِّ، وظهورِ عظيمِ منزلته عند الله تعالى.
(فتدلَّى)؛ أي: طلب زيادة القرب.
(قابَ قوسينِ) هو منه صلى الله عليه وسلم: عبارةٌ عن لطف المحلِّ، وإيضاحِ المعرفة، ومن الله تعالى: إجابتُه، وترفيعُ درجته إليه؛ والقابُ: ما بينَ القوس والسِّيَةِ -بكسر المهملة وخفة الياء-، وهي ما عطف من طرفها، ولكل قوسٍ قابانِ، فقيل: أصلُه: قابي قوس.
قال (خ): ليس في هذا الكتاب أبشعُ منه مذاقًا؛ لقوله: (ودنا فتدلَّى)؛ فإن الدنوَّ يوجب تحديدَ المسافة، والتدلِّي يوجب التشبيهَ بالمخلوق الذي تعلق من فوق إلى أسفل، ولقوله:(وهو مكانه)؛ لكن إذا اعتبر الناظر [أول الحديث بآخره](1)، لا يُشكل عليه؛ فإنه كان في الرؤيا، فبعضها مثل ضرب؛ ليتأوّل على الوجه الذي يجب أن يُصرف إليه معنى التعبير في مثله، ثم إن القصة إنما حكاها أنسٌ رضي الله عنه بعبارته من تلقاءِ نفسه، لم يعزُها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن شُريكًا كثيرُ التفرد بمناكير، لا يتابعه عليها سائر الرواة، ثم إنهم أَوَّلوا التدلِّيَ بتدلِّي جبريلَ بعدَ الارتفاع، حتى رآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم متدلِّيًا كما رآه مرتفعًا، أو تدلَّى محمدٌ صلى الله عليه وسلم شاكرًا لربه عز وجل على كرامته، ولم يثبتْ في
(1) ما بين معكوفتين من "أعلام الحديث"(4/ 1254)، و"الكواكب الدراري"(25/ 207).
شيء صريحًا أن التدلَّيَ مضافٌ إلى الله تعالى، ثم أَوَّلُوا مكانَه بمكانِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
(عهد إليك)، أي: أمرك، أو أوصى إليك.
(راودت)، أي: طلبت، وأرادت.
(وأبدانًا) ذكره بعدَ الأجساد يدلُّ على تغايرهما؛ فالبدنُ من الجسد ما سوى الرأسِ، والأطرافِ.
(يلتفت) في بعضها: (يتلفَّتُ).
(عند الخامسة)؛ أي: المرة الخامسة؛ فإن قيل: إذا خفف كلَّ مرةٍ عشرةً، وفي الآخرةِ خمسٌ، تكون هذه سادسةً؛ قيل: ليس فيه حصرٌ، وربما خفف بمرة واحدة خمسَ عشرةَ، أو أراد به: عند تمام الخامسة.
(لا يبدَّل) لا يعترض بهذا على النسخ؛ فإنه ليس بتبدُّلٍ، بل بيانًا لانتهاء الحكم.
(أُمّ الكتاب) هو اللوح المحفوظ.
(قد والله راودت) لم تدخل (قد) إلا على الفعل، لكن فُصل بالقسم لتأكيده، وجوابُ القسم محذوف؛ أي: واللهِ لقدْ راودتُ.
(أختلف) مضارع، وفي بعضها بلفظ الماضي؛ أي: ترددت، وذهبت، ورجعت.
(فاستيقظَ) بلفظ الغائب، وفي بعضها بالمتكلم، وفيه التفاتٌ.