الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعراء المشهورون
وقال ابن رشيق في العمدة: المشاهير من الشعراء أكثر من أن يُحَاطَ بهم عددا، ومنهم مشاهير قد طارت أسماؤهم، وسار شعرهم، وكثر ذكرهم، حتى غلبوا على سائر من كان في زمانهم، ولكل أحد منهم طائفة تُفَضِّلُه وتتعصَّب له، وقلما تجتمع على واحد إلا ما رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم في امرىء القيس أنه أشعر الشعراء وقائدهم إلى النار (يعني شعراء الجاهلية والمشركين) .
قال دِعْبِل بن علي الخُزاعي: ولا يقود قوما إلا أميرهم.
وقال عمر بن الخطاب للعباس بن عبد المطلب وقد سأله عن الشعراء امرؤ القيس سابقهم، خَسَف لهم عين الشعر، فافتقر عن معان عور أصح بصرا.
قال عبد الكريم: خسف لهم من الخَسِيف وهي البئر التي حُفِرت في حجارة، فخرج منها ماء كثير، وقوله: افْتقر أي فَتح وهو من الفقير، وهو فم القناة.
وقوله: عن معنان عُور يريد أن امرأ القيس من اليمن، وأن أهل اليمن ليست لهم فصاحة نزار، فجعل لهم معاني عورا فتح امرؤ القيس أصح بصر فإن امرأ القيس يماني النسب نزاري الدار والمنشأ.
وفَضَّله علي رضي الله عنه بأن قال: رأيته أحسنَهم نادرة، وأسبقَهم بادرة، وأنه لم يقل لرغبة ولا لرهبة.
وقد قال العلماء بالشعر: إن امرأ القيس لم يتقدم الشعراء لأنه قال ما لم يقولوا ولكنه سبق إلى أشياء فاستحسنها الشعراء، واتَّبَعوه فيها لأنه أول من لطَّف المعاني، ومن استوقف على الطلول، ووصف النساء بالظباء والمَهَا والبَيْض، وشبه الخيل بالعِقْبانِ والعصي، وفَرَق بين النسيب وما سواه من القصيدة، وقرب مأخذ الكلام فَقَيَّد الأوَابِد وأجاد الاستعارة والتشبيه.
وحكى محمد بن سلام الجمحي أن سائلا سأل الفرزدق مَنْ أَشْعَرُ الناس فقال: ذو القروح.
وسئل لبيد: من أشعر الناس فقال: الملك الضِّلِّيل، قيل: ثم مَنْ قال: الشاب القتيل.
قيل: ثم من قال: الشيخ أبو عَقيل (يعني نفسه) .
وكان الحُذَّاق يقولون: الفحول في الجاهلية ثلاثة وفي الإسلام ثلاثة متشابهون: زهير والفرزدق، والنابغة والأخطل، والأعشى وجرير.
وكان خلف الأحمر يقول: أجمعهم الأعشى.
وقال أبو عمرو بن العلاء: مَثَلُه مثل البازي، يضرب كبير الطير وصغيره.
وكان أبو الخطاب الأخفش يُقدِّمه جدا، لا يقدِّم عليه أحدا.
وحكى الأصْمعيّ عن ابن أبي طرفة: كفاك من الشُّعَراء أربعة: زهير إذا رَغِب، والنابغة إذا رهب، والأعشى إذا طَرِب، وعنترة إذا كَلِب، وزاد قوم وجرير إذا غضب.
وقيل لكُثَيِّر أو لنُصَيْب: من أشعر العرب فقال: امرؤُ القيس إذا رَكِبَ، وزهير إذا رَغِب، والنابغة إذا رَهِب، والأعشى إذا شَرِب.
وكان أبو بكر رضي الله عنه يقدم النابغة ويقول: هو أحسنهم شعرا، وأعذبهم بحرا، وأبعدهم قَعْراً.
وقال محمد بن أبي الخطاب في كتابه الموسوم بجمهرة أشعار العرب: إن أبا عُبَيدة قال: أصحابُ السبع التي تسمى السِّمط: امرؤُ القيس، وزُهير، والنابغة والأعشى، ولَبيد، وعمرو، وطَرَفة.
قال: وقال المفضَل: من زعم أن في السبع التي تسمى السِّمْط لأحد غير هؤلاء فقد أبطل.
وأسقطا من أصحاب المعلقة عنترة والحارث بن حلزة، وأثبتا الأعشى والنابغة.
وكانت المعلقات تسمى المُذَهَّباتُ، وذلك أنها اختيرت من سائر الشعر، فكتبت في القُبَاطِيّ بماء الذهب، وعلِّقت على الكعبة فلذلك يقال: مُذَهَّبة فلان إذا كانت أجود شعره.
ذكر ذلك غيرُ واحد من العلماء.
وقيل: بل كان الملك إذا استجيدت قصيدة يقول: عَلِّقوا لنا هذه لتكون في خزانته
وقال الجُمحي: سأل عكرمة بن جرير أباه جريرا: مَنْ أشعر الناس قال: أعَن الجاهلية تَسألني أم الإسلام قال: ما أردت إلا الإسلام، فإذْ ذكرتَ الجاهلية فأخْبِرني عن أهلها.
قال: زهير شاعرهم، قال: قلت: فالإسلام قال: الفرزدق نَبْعة الشعر، قلت: والأخطل قال: يجيد مدح الملوك، ويصيب صفة الخمر، قلت: فما تركتَ لنفسك قال: دعني فإني نحرت الشعر نحرا.
وسئل الفرزدق مرة: من أشعر العرب فقال: بشر بن أبي خازم، قيل له: بماذا قال: بقوله:
(ثوى في مَلْحَدٍ لا بد منه
…
كفى بالموت نأيا واغترابا) // الوافر // ثم سئل جرير، فقال: بِشر بن أبي خازم، قيل له: بماذا قال: بقوله:
(رهين بِلًى وكلُّ فَتًى سيْبَلَى
…
فَشُقِّي الجيبَ وانْتَحبي انتحابا) // الوافر // فتفقا على بِشْر بن أبي خازم كما ترى.
وكتب الحجاجُ بنُ يوسف إلى قُتيبة بن مسلم يسألُه عن أشعر الشعراء في الجاهلية، وأشعر شعراء وقته، فقال: أشعرُ الجاهلية امرؤ القيس، وأَضْربَهُم مثلا طَرَفَة وأما شعراء الوقت فالفرزدق أفخرُهم، وجريرٌ أهجاهم، والأخطلُ أوصفهم.
وأما الحُطَيئة فسُئِل: مَنْ أشعر الناس فقال: أبو دؤاد حيث يقول:
(لا أعُدّ الإقتار عُدْماً ولكن
…
فقد من قد رزئته الإعدام) // الخفيف // وهو وإن كان فحلا قديما، وكان امرؤ القيس يتوكأ عليه، ويَرْوِي شعره، فلم يقل فيه أحد من النُّقَاد مقالَة الحطيئة.
وسأله ابن عباس مرة أخرى فقال: الذي يقول:
(ومَنْ يجعل المعروف من دون عِرْضِه
…
يفره ومن لا يتق الشتم يشتم) // الطويل // وليس الذي يقول:
(ولستَ بِمُسْتبِقٍ أخا لا تلمه
…
على شعث، أي الرجال المهذب) // الطويل // ولكن الضَّراعة أفسدته كما أفسدت جَرْولاً، والله لولا الجشع لكنت أشعر الماضين.
وأما الباقون فلا شك أني أشعرهم.
قال ابن عباس: كذلك أنت يا أبا مُلَيكة.
زعم ابن أبي الخطاب أن أبا عمرو يقول: أشعر الناس أربعة: امرؤ القيس، والنابغة، وطَرَفة، ومهلهل.
قال: وقال المفضل: سئل الفرزدق فقال: امرؤ القيس أشعر الناس وقال جرير: النابغة أشعر الناس، وقال الأخطل: الأعشى أشعر الناس.
وقال ابن أحمر: زهير أشعر الناس.
وقال ذو الرُّمة: لَبيد أشعر الناس.
وقال نَضْر بن شُمَيْل: طَرَفة أشعر الناس، وقال الكُمَيْت: عمرو بن كلثوم أشعر الناس، وهذا يدلك على اختلاف الأهواء وقلة الاتِّفَاق.
وكان ابن أبي إسحاق، وهو عالم ناقد، ومقدم مشهور، يقول: أشعر الجاهلية مُرَقِّش الأكبر، وأشعر الإسلاميين كُثَيِّر.
وهذا غُلوّ مُفْرِط، غير أنهم مُجْمِعون على أنه أَوَّلُ من أطال المدح.
وسأل عبدُ الملك بن مَروان الأخطلَ: مَنْ أشعر الناس فقال: العبد العَجْلاني، يعني ابن مُقْبل، قال: بم ذاك قال: وجدتُه في بَطْحَاء الشعر والشعراء على الجَرْفين، قال: أعرف له ذلك كرها.
وقيل لنُصَيْب مرة من: أشعر العرب فقال: أخو تميم يعني عَلْقَمة بن عَبَدة، وقيل: أَوْس بن حَجَر.
وليس لأحد من الشعراء بعد امرىء القيس ما لزهير والنابغة والأعشى في
النُّفُوس، والذي أتت به الرواية عن يونس بن حبيب الضبي النحوي أن علماء البَصْرَةِ كانوا يقدمون امرأ القيس، وأن أهل الكوفة كانوا يقدمون الأعشى، وأن أهل الحجاز والبادية كانوا يقدمون زهيرا والنابغة، وكان أهل العالية لا يعدلون بالنابغة أحدا كما أن أهل الحجاز لا يعدلون بزهير أحدا.
ثم قال محمد بن سلَاّم يرفعه عن عبد الله بن عباس أنه قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنشِدْنِي لأشعر شعرائكم، قلت، ومَنْ هو يا أمير المؤمنين قال: زهير، قلت: وكان كذلك قال: كان لا يُعَاظِل بين الكلام ولا يتبع حُوشِيّة، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه.
ثم قال ابن سلَاّم: قال أهل النظر: كان زهير أحصفَهم شعرا، وأبعدَهم من سُخْف، وأجمَعهم لكثير من المعاني في قليل من المنطق.
وأما النابغة فقال مَنْ يحتج له: كان أحسنَهم ديباجةَ شعر، وأكثَرهم رَوْنَقَ كلام وأجْزَلَهم بيتا كان شعرُه كلاما ليس فيه تكلف.
وزعم أصحاب الأعشى أنه أكثرهم عروضا، وأذهبهم في فنون الشعر، وأكثرهم طويلة جيدة مدحا وهجاء وفخرا وصفة.
وقال بعض مُتَقَدِّمي العلماء: الأعشى أشعر الأربعة، قيل له: فأين الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأَ القيس بيده لواءُ الشعر فقال: بهذا الخبر صحَّ للأعشى ما قلت، وذلك أنه ما من حامل لواء إلا على أمير، فامرؤ القيس حامل اللواء والأعشى الأمير.
وسئِل حسان بن ثابت رضي الله عنه مَنْ أشعر الناس فقال: أرَاحِلاً أم حيا قيل: بل حيا قال: أشعر الناس حيا هذيل.
قال محمد بن سلام الجمحي: وأشعر هُذَيْل أبو ذؤيب غير مُدافَع.
وحكى الجُمَحِيّ قال: أخبرني عمرو بن مُعاذ المعري قال: في التوراة مكتوب أبو ذؤيب مؤلف زورا، وكان اسم الشاعر بالسريانية (مؤلف زورا) ،
فأخبرت بذلك بعضَ أصحاب العربية، وهو كثير بن إسحاق فأعجب منه، وقال: بلغني ذلك.
وقال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: أفصح الشعراء ألسنا وأعربهم أهل السَّرَوات وهن ثلاث، وهي الجبال المطَّلة على تِهامة مما يلي اليمن فأولها هُذيل وهي تلي الرمل من تهامة ثم عليه السراة الوسطى وقد شركتهم ثقيف في ناحية منها، ثم سَرَاة الأزد، أزد شَنُوءة وهم بنو الحارث بن كعب بن الحارث بن نَصْر بن الأزْد.
وقال أبو عمرو أيضا: أفصح الناس عُلْيا تميم وسُفْلى قيس.
وقال أبو زيد: أفصح الناس سافلةُ العالية، وعالية السافلة، يعني عَجُز هوازن وأهل العالية أهل المدينة ومن حولها ومن يليها ودنا منها، ولغتهم ليست بتلك عنده.
وقوم يرون تقدمة الشعر لليمن في الجاهلية بامرىء القيس، وفي الإسلام بحسَّان ابن ثابت، وفي المولدين بالحسن بن هانىء وأصحابه.
وأشعرُ أهل المَدِر بإجماع من الناس والاتفاق حسان بن ثابت.
وقال أبو عمرو بن العلاء: ختم الشعر بذي الرُّمة، والرجز برؤْبة العجاج.
وزعم يونس: أن العجَّاج أشْعَرُ أهل الرجز والقصيدة، وقال: إنما هو كلام وأجودهم كلاما أشعرهم.
والعجَّاج ليس في شعْره شيء يستطيع أحد أن يقول: لو كان مكانه غيره لكان أجود.
وذكر أنه صنع أُرجَوزَته:
(قد جَبَر الدين الإله فجبر) // الرجز // في نحو من مائتي بيت، وهي موقوفة مقيدة، ولو أطلقت قوافيها وساعد فيها الوزن لكانت منصوبة كلها.
وقال أبو عبيدة: إنما كان الشاعر يقول من الرجز البيتين والثلاثة ونحو ذلك إذا حارب، أو شاتم، أو فاخر حتى كان العجَّاج أول من أطاله وقَصَّدَه، وشَبَّب فيه، وذكر الديار واستوقف الركاب عليها، واستوصف ما فيها، وبكى على الشَّباب، ووصف