الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طبقات الشعراء
ثم قال ابن رشيق في باب آخر: طبقاتُ الشعراء أربع: جاهلي قديم، ومُخَضْرَم - وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام - وإسلامي، ومُحْدَث ثم صار المحدثون طبقات أولى، وثانية على التدريج هكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا فليعلم المتأخِّرُ مقدارَ ما بقي له من الشعر فيتصفح أشعارَ مَنْ قبله، لينظرَ كم بين الْمُخَضْرَم والجاهلي وبين الإسلامي والمُخضْرَم، وأن للمحْدَث الأول فضلا عمن بعده دونهم في المنزلة، ففي الجاهليين والإسلاميين مَنْ ذهب بكل حلاوة وَرشَاقَةٍ، وسبق إلى كل طَلاوة ولَبَاقة.
قال أبو الحسن الأخفش: يقال: ماء خَضْرَم، إذا تناهى في الكثرة والسعة، فمنه سُمِّي الرجل الذي شهد الجاهلية والإسلام مُخَضْرَماً، كأنه استوفى الأَمْرَين.
قال: ويقال أُذُنٌ مخضرمة، إذا كانت مقطوعة، فكأنه انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام.
وحكى ابن قتيبة عن الأصمعي قال: أَسْلَم قومٌ في الجاهلية على إبل قطعوا آذانها فسمي كل من أدرك الجاهلية والإسلام مُخَضرَماً، وزعم أنه لا يكون مُخَضْرَماً حتى يكون إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أدركه كبيرا فلم يسلم.
قال ابن رشيق: وهذا عندي خَطَأ لأن النابغة الجَعدي ولَبِيداً قد وقع عليهما هذا الاسم.
فأما علي بن الحسن، كُراع، فقد حكى: شاعر مُحَضْرَم (بحاء غير معجمة) مأخوذ من الحضرمة وهي الخَلْطُ لأنه خلط الجاهلية والإسلام.
وقالوا الشعراء أربعة: شاعر خِنْذِيذ، وهو الذي يجمع إلى جَوْدَةِ شعره روايةَ الجيِّد من شعر غيره وسئل رؤبة عن الفحول فقال: هم الرُّوَاة.
وشاعر مُفْلِق وهو الذي لا رِوَاية له إلا أنه مُجَوِّد كالخِنْذيذ في شعره.
وشاعر فقط وهو فوق الرديء بدرجة وشُعرور وهو لا شيء.
قال بعض الشعراء:
(يا رابعَ الشعراء كيف هجوتَنِي
…
وزعمت أني مفْحَم لا أنطق) // الكامل // وقيل بل هم: شاعر مُفْلِق، وشاعر مُطبق، وشُوَيْعِر، وشُعرور، والمُفلق: الذي يأتي في شعره بالفَلْقِ وهو العَجَب، وقيل: الداهية.
قال الأصمعي: الشُّوَيْعِر مثل محمد بن حُمران بن أبي حُمران، سماه بذلك
امرؤ القيس ومثل عبد العزيز المعروف بالشُّوَيْعِر.
قال الجاحظ: والشويعر أيضا عبد ياليل من بني سعد بن ليث، وقيل: اسمه ربيعة بن عثمان، وقال بعضهم: شاعر وشُويعر وشُعرور.
قال العبدي في شاعر يُدْعَى المفوَّف من بني ضَبَّة ثم من بني خَمِيس:
(ألا تنهى سراة بني خميس
…
شُوَيْعِرَها فُوَيْلِتَةَ الأفاعي) // الوافر // فسماه شويعرا.
وفَالِتة الأفاعي: دُوَيِبّة فوق الخنفساء فصغَّرها أيضا تحقيرا له.
وزعم الحاتمي أن النابغةَ سُئِل: من أشعر الناس فقال: من استُجيد جيده، وأضحك رديه (وهذا كلام يستحيل مثله عن النابغة، لأنه إذا أضحك رَدِيّه) كان من سفلة الشعراء إلا أن يكون ذلك في الهجاء خاصة.
وقال الحطيئة:
(الشِّعْرُ صعب وطويل سلمه
…
والشعر لا يستطيعه مَن يظلمه)
(إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
…
زلت به إلى الحَضيضِ قدمُه)
(يريد أن يعربه فيعجمه) // الرجز // وقال بعضهم:
(الشعراء فاعلمن أربعة
…
فشاعر لا يُرتجى لمنفعه)
(وشاعر ينشد وسط المَعْمَعة
…
وشاعر آخر لا يُجْرى معه)
(وشاعر يقالُ خمر في دعه) // الرجز // قال ابن رشيق: إنما سمي الشاعر شاعرا، لأنه يشعر بما لا يشعر به غيره.
قال ابن خَالَوَيْه في شرح الدريدية: يقال أنشدته مقلَّدات الشعراء أي أبياتهم الطنانة المستحسنة.
ويقول آخرون: إن المقلَّد من الشعر ما كان اسم الممدوح فيه مذكورا في
قافيته. ويقال: هذا البيتُ عُقْر هذه القصيدة، أي أجود بيت فيها كما يقال هذا بيت طنان.
وفي المقصور والممدود للقالي قال أبو عبيدة في قول النابغة الذبياني:
(يصد الشاعر الثُّنْيَانُ عني
…
صُدُودَ البَكْر عن قَرْمٍ هجان) // الوافر // قال: الثُّنيان الذي هو شاعر، وأبوه شاعر ككعب بن زهير، وعبد الرحمن بن حسان، ورُؤْبة بن العَجَّاج.
وقال أبو عمرو الشيباني: الثُّنْيَان الذي يُسْتَثْنَى، فيقال: ما في القوم أشعر من فلان إلا فلان، ففلان المستثنى هو الأفضل الأشعر.
وقال الأصمعي.
الثُّنيان. الذي تثنى عليه الخناصر في العدد لأنه أول.
وقال ابن هشام: هو الذي يُسْتَثنى من الشعراء لأنه دونهم، وقال غيره: الثُّنيان: الضعيف.
وقال القالي: الثُّنيان عندي: الذي يُسْتَثنى من القوم رفيعا أو ضعيفا، فيقال للدون والضعيف: ثُنْيان، وللرفيع والشاعر: ثُنْيان.
وقال القالي في المقصور والممدود: حدثنا أبو بكر بن دريد، قال: ذكر أبو عبيدة وأحسب الأصمعي قد ذكره أيضا قال: لَقِيَت السِّعلاة حسانَ بن ثابت في بعضُ طُرُقَاتِ المدينة وهو غلام، قبل أن يقول الشعر فبركت على صدره، وقالت: أنت الذي يرجو قومك أن تكون شاعرهم قال: نعم، قالت: فأنشدني ثلاثة أبيات على روي واحد، وإلا قتلتك فقال:
(إذا ما تَرَعْرعَ فينا الغُلَامُ
…
فما إنْ يُقالُ له من هوه) // المتقارب // (فقالت: ثَنِّه، فقال) :
(إذا لم يَسُدْ قبل شَدِّ الإزار
…
فَذلكَ فينا الذي لا هُوَهْ) // المتقارب //