الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - مكة:
كانت مكة على صلات تجارية قديمة بسوريا والعراق واليمن ومصر تحولت، بعدها إلى طريق لقوافل الشرق الأدنى، ثم إلى سوق رائجة في القرن السادس للميلاد، وحلت محل ما بار من أسواق الدول العربية. وذلك بحكم موقعها في وسط الطريق التجاري الجديد، وفضل سيادة قريش عليها، وإنشاء حلف الفضول فيها شبه جمهورية تجارية رتبت دوائرها ونظمت تجارتها وفرضت ضرائبها وأمنت أهلها فحفلت سوقها بسلع الدول العربية والحبشة وأفريقيا وفارس والشرق الأقصى، وشاعت فيها الدنانير البيزنطية والدراهم الفارسية والعملة الحميرية، هذا خلا النوق وكانت الوحدة النقدية بين العرب، وسيرت القوافل في رحلتي الشتاء إلى اليمن والصيف إلى الشام (1). وقد رجعت إحداها من غزة، ولم تكن بأكبرها، وفيها ألف بعير ومعها خمسون ألف دينار (2).
وكانت مكة عاصمة الحجاز مدينة دينية وسوقاً تجارية، غلبت عليها الوثنية على أقلية نصرانية ويهودية. وكانت قريش تقطن منها شعابها ويجاورها في أرباضها بعض الأحلاف الملتحقين بالأسر الملكية وجماعات ممن يتعاطون التجارة من سوريا ولبنان وبيزنطية، ويرتزقون بالموسيقى، ويحترفون الطب - وأشهرهم الحارث ابن كلدة خريج جند يسابور - وثمت جالية حبشية أسلم بعضها كبلال مؤذن الرسول. وعند ما اضطهد وأوذي المسلمون نصحهم النبي بالذهاب إلى الحبشة: فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق (3). وقد رحب بهم مليكها وأكرم وفادتهم (615).
وكان اليهود الذين لجأوا إلى الحجاز في القرن الثامن قبل الميلاد ينزلون أخصب الواحات حول مكة في تيماء وفدك ووادي القرى، ويسيطرون على الزراعة والمصارف والتجارة حتى إن قبيلة منهم احتكرت سوق يثرب فاستفزت الأوس والخزرج فيها وقريشاً في مكة فلما جاء الإسلام وضع حداً لسيطرتهم، ثم استن عمر سنة: لا بقاء
(1) قريش: 2.
(2)
الواقدي: كتاب المغازي، ص 198.
(3)
ابن سعد، الطبقات، ج 1، قسم 1، ص 136.
في الجزيرة لغير الإسلام ديناً، فأجلى النصارى واليهود عنها (1).
وتميزت ثقافة الحجاز بطابعه المحلى الصرف التي عبرت عنها بلغة القرآن الكريم: «إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون» (2). ولكن الحجاز كان محاطاً، في العصر الجاهلي، بمؤثرات دينية وفكرية ومادية انعكست على ثقافته: فأهل نجران ينقلون النسيج إلى مكة لستر الكعبة، والأنباط يحملون إليها الحبوب والزيوت والخمور، والغساسنة يفدون عليها فتنزلهم قلب المدينة، واللخميون يضاربون في أسواقها ومصارفها، وجالية من الأحباش مستقرة بها. ثم تنصر ملوك كندة عمال تبابعة اليمن، ومنهم امرؤ القيس الشاعر، وقبائل جذام - وقد ولى أحدها فروة بن عمر الجذامي قيادة جيش الرومان في وقعة مؤتة - وعذرة، وتغلب وبكر ثم بعض القبائل المجاورة. ولكنهم تنصروا على مذهبين قسماهما إلى عرب شرقيين وعرب غربيين فراح كل فريق ينافس الآخر في استمالة الوثنيين إلى شيعته بتشييد الكنائس والأديرة والمدارس لهم. وغلبت الثقافة النسطورية الآرامية - ثم أصبح النساطرة فما بعد همزة وصل بين الثقافتين الهليستينية والعربية - ودخلت الكلمات اللاتينية واليونانية والآرامية اللغة العربية: كقنديل، وبئر، وفدن، وقصر - الذي أعادته إلى إسبانيا الكازار - وتأثرت بالمفردات العبرية: كجبريل، وسورة، وجبار، خلا الإسرائيليات.
أول من زار مكة ووصف مناسك الحج فيها ليبليش (1807) ثم تبعه كثير من المستشرقين، فجابوا الحجاز وكشفوا عن آثاره وأسراره.
(1) البلاذري، فتوح البلدان: 101 و 102.
(2)
الزخرف: 22.