الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11 - النهضة العربية:
(1)
كان نصارى لبنان قد عرفوا الغرب قبل الحملة الصليبية الأولى بأربعمائة سنة (1)، ثم اتصلوا بملوكه وأسفروا إلى فرساي وعلموا وترجموا وحققوا في: إيطاليا وإسبانيا والنمسا وروسيا وغيرها ولاسيما في رومة مقر الفاتيكان.
وكما كان الفاتيكان أول من أرسى النهضة الأوربية على الثقافة العربية ووفد أتباعه - الذين عرفوا بالكاثوليك تمييزاً لهم من الأرثوذكس والبروتستانت - على الشرق العربي (1219) فقد كانوا أول من أدخل التراث الأوربي إليه لإرساء النهضة العربية عليه، عن طريق مدارسهم ومطابعهم وصحفهم وجامعاتهم ومكتباتهم ومستشفياتهم وجمعياتهم.
وكان لذلك النشاط رد فعل لدى الأرثوذكس فرحل البطريرك مكاريوس الحلبي إلى القسطنطينية وبلغاريا وروسيا (1653) وقد ترجم رحلته من العربية إلى الإنجليزية بلفور، في مجلدين (لندن 1834) وإلى الروسية اللواء جرجس مرقص الدمشقي (1889) ثم أجمع الأرثوذكس العرب على انتخاب البطريرك دوماني العربي خلفاً للبطريرك اليوناني المتوفى (1899) فتعربت الكنائس الأرثوذكسية في أنطاكية وتوابعها وأيدتها روسيا القيصرية وطفقت تنشئ المدارس العربية في الشرق الأدنى وخصت مدرستي القاهرة وبيت جالا بتخريج المعلمين والمعلمات.
ولا وفدت الإرسالية البروتستانية على الشرق العربي استعانت بالمدارس لنشر مذهبها بين الكاثوليك والأرثوذكس عرباً وأرمن. فحرم البطريرك الماروني معاملتها، ولجأ بطريرك الأرمن إلى الباب العالي في شأنها، حتى إذا أصبحت طائفة وطنية نافست في إنشاء المدارس - وما يروى عن فانديك رئيس الرسالة الأمريكية قوله: إني سأنشيء مدرستين في تلك القرية، فلما قيل له إنها لا تتحملهما لصغرها أجاب: سأكتفي بواحدة ولكن اليسوعيين سيلحقون بي لإنشاء الثانية - فشيدت في بيروت أول مدرسة للبنات في الإمبراطورية العثمانية (1830) ومطبعة (1834) والكلية السورية الإنجيلية (1886) وقد تحولت فيما بعد إلى الجامعة
(1) Ristelhuebert، Traditions françaises au Liban، p 7.
الأمريكية ومكنت لها بالمكتبات والمستشفيات والجمعيات والمجلات.
ولحقت البعثة العلمانية، التي فصلت الدين عن الدولة في بلادها، بالغربيين إلى الشرق العربي وزاحمت طوائفه بمدارسها.
ومما انجلى عنه نشاط الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت والعلمانيين: تعريب مذاهب الغرب وفنونه وآدابه وعلومه بلسان عربي مبين، وقد استعانوا فيها بعلماء من العرب. والعناية بالعربية لغة وأدباً «ومن هنا وجدت اللغة العربية موئلاً لها في المدارس الأجنبية والمدارس المسيحية الطائفية، فانتشر تعليم الأدب العربي بين المسيحيين أكبر من انتشاره بين المسلمين (1)» . وإصدار خليل الخوري أول صحيفة عربية باسم حديقة الأخبار، ونهوض بطرس البستاني بأول دائرة معارف عربية (1876) وقيام نهضة عربية في الفن والأدب والعلم والسياسة يطالب أصحابها بإصلاح شامل في الإمبراطورية العثمانية أو الانفصال عنها بتكوين دولة عربية مستقلة.
(ب) وكانت حملة نابليون (1798 - 1801) أولى الحملات الغربية على مصر في تاريخها الحديث، مجهزة ببعثة علمية قوامها علماء أعلام في كل ضرب من ضروب ثقافة ذلك العصر، منها: الأثريون والمهندسون والأطباء والمؤرخون والمستشرقون والمترجمون اللبنانيون والمصريون والسوريون من أمثال: ميخائيل صباغ (1780 - 1816) الذي اتصل بالمستشرقين: دي ساسى، وكاترمير وعمل في المكتبة الوطنية بباريس، وصنف مسابقة البرق والغمام في سعاة الحمام، والرسالة التامة في كلام العامة (نشرها توربيكه، جوتنجن 1866). وإلياس بقطر من مصر (1748 - 1821) أستاذ العربية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس ومصنف المعجم العربي الفرنسي (حققه وزاد عليه أرمان كوسن دي بر سفال، باريس 1829) ونقولا الترك (1763 - 1828) صاحب: حرب بونابرت مع النمسا (باريس 1807) وتملك جمهور الفرنساوية (نشر نصفه الأول - إيمي دي جرانج، متناً وترجمة، باريس 1839) وتاريخ أحمد باشا الجزار (مخطوط) وديوان شعر، وحوادث الزمان في جبل لبنان (مخطوط). وروفائيل زخور
(1757 - 1831) المولود في القاهرة من أصل حلبي وقد علم العربية في باريس ثم جعله محمد على مديراً لمطبعة بولاق، فترجماً في مدرسة الطب، وكان العضو الشرقي الوحيد في المجمع العلمي المصري، وترجم الكثير من الفرنسية والإيطالية بينها: قانون الصباغة في صناعة الحرير المالبرور، وقد أمر نابليون بتأليف المجمع العلمي المصري، وتأسيس مطبعة عربية - كان قد استصفاها من الفاتيكان - الطبع تصريحاته وبلاغاته ومنشوراته،
(1) ساطع الحصري، البلاد العربية والدولة العثمانية، ص 83.
وإصدار ثلاث صحف واحدة منها بالعربية، وإنشاء مكتبة ومتحف ومختبر (معمل) ومصنع ومرصد ومسرح، ويسر للجميع الاطلاع عليها والإفادة منها.
ونشرت بعثته بحوث علمائها ورسومهم وخرائطهم في كتاب: وصف مصر (1809 - 13) ثم حل شمبوليون رموز الكتابة الهيروغليفية بقراءته حجر رشيد (1822) وألف لها أجرومية ومعجماً (1832) فوضع أساس علم الآثار المصرية ومهد السبيل إلى العلماء للتنقيب عن عالم عظيم مفقود (1).
ولم يقتصر أثر تلك البعثة على حملة نابليون بل تجاوزها إلى العصور التي تلتها والدول التي تشبهت بها.
فكانت آخر الحلقات التي تلاقي فيها الشرق والغرب لقاء سيف ودينار واستعمار. وكانت البعثات خاتمة الحلقات التي اتصل منها الشرق بالغرب في الفنون والآداب والعلوم. فوفي الغرب بدينه الثقافي للشرق، أما التراث العربي في الغرب فقد فصلناه في واحد وعشرين فصلاً تفصيلاً تناول ما استوعبه من: كراس ومكتبات ومتاحف ومطابع وجمعيات ومجلات ومجموعات ومؤتمرات وغيرها، مع تراجم المستشرقين وتدوين آثارهم عنه وفضلهم فيه.
(1) الفصل الأول، مهد الحضارة، ص 13.