الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتحدث معه وشرب قهوته. وكانت الحسان أكثر الناس أخذاً بجاه السفراء وإسراعاً إليهم وإفادة من سخائهم: فعرض سليمان سفير تركيا على إحداهن التسرى على الطريقة التركية، ولا لم تكن هذه العادة معروفة في فرنسا فقد تحظاها حتى مغادرته باريس. وعلق رضا بك سفير فارس غيرها فأسلمت وتزوج بها ورزقت منه بوليد.
وذاعت أنباء سفراء الشرق، في بلاط فرنسا، وأسرارهم ومغامراتهم فعمد الأدباء إلى تسجيلها والنسج حولها والنظم فيها، ومما قاله الشاعر رونيه: هلموا كباراً وصغاراً انظروا سفير دولة بني عثمان، فقد وصل من تركيا وجاءنا من بلاد العرب بالنوادر والطرائف. ولم يكن الشاعر مبالغاً في قوله، فإن سليمان القانوني كان يبعث إلى ملوك أوربا بهدايا لم يعرفوا لها شبيهاً؛ كالخوخ والدمقس والأرجوان والملابس الموشاة بالذهب وضروب من الطيب
يتطيب الأمراء بها ليدفعوا عنهم نتن المجدفين (1). وأقبل الأدباء على الشرق بأديانه وأبطاله وقصصه فجعلوها غذاء للمسرح الفرنسى قرناً كاملاً. وتأثر به كبارهم من القرن السابع عشر حتى القرن التاسع عشر، ومن لم يكتب فيه عيب عليه تقاعده فعل فولتير ببوسييه.
فهل اقتصرت الثقافة الإسلامية على أوربا؟
10 - إلى الهند:
ولما كان الدين هو لب الحياة الدينية في الهند، فقد عنى الرهبان البوذيون بالعلوم التي تعاون عليه، فازدهرت، في الجزء الغربي من الهند، وعلى اثر غزوة الإسكندر العمارة الفارسية والنحت اليوناني. وقامت، بفضل نزوح جموع من السوريين واليونان والعراقيين في القرنين الأول والثاني للميلاد، ثقافة يونانية بكترية طول ثلاثمائة عام اشتملت على: علم الفلك لتحديد أيام الأعياد والقرابين، وعلم الرياضيات لحساب عمليات الملك المعقدة، فكانت الأعداد والنظام العشري والصفر، ثم تلتها علوم الكيميا والطب، ومتعدد الصناعات من مختلف المعادن، وأسهم العرب الذين نزلوا بمليبار ونشروا الإسلام بين أهلها في شتى مرافق حياتها، فروجوا تداول النقود العربية إلى جانب النقود اليونانية والصينية والتونسية والفارسية
(1) A - Bonard، Conferencia، Juillet 1935.
واخترعوا حروفاً خاصة لنطق بعض الألفاظ الدينية نطقاً صحيحاً منها: الرحمن، والقرآن، ومحمد، والصلاة، والصوم
…
إذ خلت اللغة المليبارية من حروف: ح، ص، ف إلخ
…
خلو العربية من بعض الحروف المليبارية. وأدخلوا مفردات عربية وفيرة في اللغة المليبارية: كمنسب - المنصف، وكرار - القرار، وجكتان - الشيطان، وكستي - القسط، ورسيد - الرصيد. وقد اعترف الدستور الهندي بأربع عشرة لغة هندية محلية إحداها المليبارية.
واحتفظوا بالعربية لغة بينهم ومن أغانيهم الشعبية في الزواج:
الله حسبي، وهو نعم الوكيل الله
آمنة الزهرية أم خير عروس محمد
وأخرى ومطلعها:
طه طه طه رسول الله سموات بعلاها
فاه فاه فاه بوحى الله شافعنا محمد
واعتز الهنود بورود بعض مفردات لغتهم في القرآن الكريم: كمسك، وكافور، وزنجبيل - وقد ترجم القرآن إلى السندية عبد الله بن عمر العراق بأمر راجا مهروك، ثم ترجع إلى الأردية في القرن التاسع عشر - وباستخدام اللغة العربية الكلمات الهندية الدالة على الأحجار الكريمة والمعادن والأفاوية والعقاقير والأصباغ والحيوان والطير. كما دخلت كلمات عربية اللغات الهندية منها: صابون، وجلد، وقميص، وحكيم، وطلاق، وولدان.
ولئن لم يكن فاتحو الهند عرباً فقد دخلوا في الإسلام واقتبسوا منه حضارته وشجعوا، على مزجها بثقافتها، فاشتهر في بلاط محمود الغزنوي: الفردوسي الذي أهداه الشاهنامه. ولما لم يجزل عطاءه - وكان الغزنوي سنياً يؤثر العربية على الفارسية - هجاه وفر إلى بغداد. والعتبي، والبيروني. وقرب أكبر المؤرخين وأغدق على الشعراء وجعل الفارسية لغة بلاطه، وأمر المترجمين فنقلوا إليها روائع الثقافة الهندية، ورعي الموسيقى فاصطنعها المتصوفون في حلقاتهم وأطلقوا على آلاتها أسماء فارسية، مثل: الرباب والسارود والطوس، وغيرها.
وشجع خلفاؤه الرسم والنحت فتطور الرسم في زمن جهان كير من الأشخاص إلى الطبيعة مناظر وحيواناً وطيراً، واشتمل على تزيين الكتب السنسكريتية والفارسية والأردية والعربية. واستدعي شاه جهان أساتذة النحت الإيطاليين لتعليم الهنود تطعيم المرمر بفسيفساء من الأحجار الكريمة.
أما التعليم فقد كان جله مدعاة للزينة والوجاهة، ومما كتبه السلطان أورنجزيب إلى أستاذه في العربية قوله: كنت تنكب على تعليمي اللغة العربية قراءة وكتابة. والحق إني شاكر لك ما سببته لى من مضيعة لوقتي في لغة تتطلب اثني عشر عاماً لكي يجيدها الطالب.
على أن رعاية هؤلاء السلاطين لفن العمارة لم يفقها رعاية، فقد مزجوا بين التزيين الهندي والفارسي والشكل العربي وعهدوا بها إلى كبار المهندسين العالميين، وجاءوا بمهرة الصناع من بغداد والآستانة وبلاد الشام، فأقاموا في الهند مساجد وقصوراً لا مثيل لها في الشرق والغرب، وأضرحة وحصوناً فريدة في نوعها، أشهرها: منار قطب، وضريح هميون، ومسجد الجمعة، ومسجد اللؤلؤة، ومجموعات القصور التي شادها شاه جهان، وفي أحدها عرش الطاووس الشهير. ثم القبر الذي شيده شاه جهان لزوجته ممتاز محل. وقد وضع تصميمه ثلاثة من المهندسين: أستاذ عيسى الفارسي، وجير ونيموفير ونيو الإيطالي، وأوستن دي بوردو الفرنسي. وأطلق عليه تاج محل.
وانحصرت الكتب في المعاهد الإسلامية من القرن الحادي عشر إلى أوائل الثالث عشر للميلاد في: الكشاف للزمخشري، وعوارف المعارف للسهروردي، ومقامات الحريري، وشاهنامة الفردوسي، والقانون لابن سينا. ثم اتسعت في نهاية القرن الرابع عشر لكتب: النحو والأدب والمنطق والتفسير والحديث والفقه والتصوف والطب.
ونشر الهنود: شرح القرآن للفيضي، وآخر لعبد الحكيم، وسلم العلوم المحب الله، والفتاوى للشيخ نظام، وتحفة المجاهدين لزين الدين، والجواهر لمحمد غوث.
وصنف شاه ولي الله كتاب حجة الله البالغة فعد من أمهات الكتب في الفلسفة
الإسلامية. وألف إقبال، بالإنجليزية، تحديد التفكير الديني في الإسلام فبلغ به مبلغ إحياء العلوم للغزالي، وحجة الله البالغة لشاه ولي الله.
وبلغت المدارس الإسلامية في الهند - خلا مدارس المساجد والزوايا، وكراسي اللغة العربية والثقافة الإسلامية، التي سيفصلها الفصل الخاص بالاستشراق الإنجليزي - 118 مدرسة. ومن أشهر مراكز التعليم الإسلامي:
دار العلوم (1870) وفي مكتبتها 100 ألف كتاب عربي وفارسي واردي. خلا مخطوطات القرآن النادرة، وقد كتب أحدها في القرن الأول الهجري، ويقوم أساتذتها بترجمة المؤلفات العربية والفارسية إلى الأردية.
جامعة عليجرة (مدرسة 1875 ثم تحولت إلى جامعة 1881) وتجمع بين المسلمين والهندوس وتسهم الحكومة في ميزانيتها.
مظاهر العلوم (أواخر القرن التاسع عشر) تعنى بالشريعة، وتضم مكتبتها مجموعة نفيسة من الكتب العربية والفارسية والمخطوطات النادرة.
الجامعة الملية الإسلامية، والتعليم فيها بالأردية.
ندوة العلماء في لكنهو، وهي مدرسة للعلوم الدينية والتاريخ باللغات المختلفة.
الجامعة العثمانية (1918) وقد ضمت إليها دائرة المعارف العثمانية (المؤلفة عام 1888) بفضل ريع وقف عليها ومنح الحكومة، على يد نفر من العلماء بينهم المستشرقون، لإحياء تراث الشرق باقتناء أمهات مصنفاته وتحقيقها ونشرها فجمعت عدداً وفيراً من المخطوطات النادرة والأفلام المصغرة والترجمات الدقيقة في مكتبات أوربا وروسيا وإيران وتركيا والبلدان العربية والهند. وقد نشرت، خلال سبعين سنة، 170 كتاباً تؤلف في مجموعها 370 مجلداً منها: المنتظم لابن الجوزي (6 مجلدات) ومفتاح السعادة لطاشي كوبر زاده (3 مجلدات) وكتاب المعاني الكبير لابن قتيبة (3 مجلدات) وجمهرة اللغة لابن دريد (4 مجلدات) وكتاب المعتبر لابن ملكه البغدادي (3 مجلدات) ومعرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن لابن خالويه، والسنن الكبرى للبيهي (10 مجلدات) وكنز العمال لعلى المتقي (16 مجلداً) وتهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني (12 مجلداً) والجرح والتعديل لابن أبي