الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأندلس. وبعد نزول البرتغاليين بسبتة بدا الأثر العربي المغربي على القصر الملكي في شنتمره، وقصر فرناندو دوق باجه، والجناح الشرقي في القصر الملكي بشنتمره والقصر الملكي في يابره، وفي برج بيليم. ثم تأثرت العمارة البرتغالية بالفن العربي من تركيا والعراق ومصر، فلاح على الجناح الجديد من قصر بنا في شنتمره، والقاعة العربية بقصر البولسا في بورتو، وميدان الثيران في لشبونة، ومتحف الركائب الملكية.
4 - من صقلية وإيطاليا:
وأفادت صقلية وهي المشرفة على مناطق مدنيات ثلاث: الغربية والأفريقية والشرقية من فنون وآداب وعلوم الفينيقيين والمصريين واليونان والرومان والبيزنطيين والعرب، وازدهرت الثقافة العربية فيها فشاهد ابن حوقل فيها نحو 300 مسجد و 300 من معلمي المدارس (970) واشتهر من علمائها: الشيخ أبو القاسم ابن القطاع (المتوفى 515 هـ) صاحب الأفعال وتصاريفها، وتاريخ صقلية، والشافي في على القوافي، والملح البصرية، وطبقات الشعراء. وابن ظفر (المتوفى 568 هـ) مؤلف كتاب الاشتراك اللغوي والاستنباط المعنوى، وينبوع الحياة في التفسير، وأعلام النبوة. وسلوان المطاع (وقد ترجمه ميشيل أماري، فلورنسا 1851) ومن كتابها: أبو الحسن الكلبي، وابن مكي، والرقباني. ومن شعرائها: عمار بن منصور الكلي، وعبد الرحمن بن أبي العباس، وعيسى بن عبد المنعم، وعبد الجبار بن حمديس (وقد ترجم ديوانه سكيابا ريللي، رومة 1897) كما كان الحميدي أشهر مؤرخي ميورقه. وظلت تلك الثقافة مزدهرة حتى بعد أن أجلى النورمان العرب عنها (1057 - 1308) فغزاها روجه الأول، المعروف عند العرب برجار، غزوات متواصلة في جماعة من القرصان، ولما استولى عليها (1060 - 1091) وجد فيها خمسة شعوب، لكل منها لغته ومذهبه وشريعته فآثر العرب واعتمد عليهم في جيشه، وفي إدارة دولته، وضم فلاسفتهم وأطباءهم ومنجميهم إلى بلاطه في بالرمو. وقد جعله شرقيا أكثر منه غربياً، وأطلق لهم الحرية في إقامة شعائرهم، وأضاف شارة محمد إلى شارة المسيح في ضرب نقوده واضعاً على
إحدى صفحتها: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ومن أقدم الوثائق الأوربية المكتوبة على الورق أمر إداري أصدرته باللغتين اليونانية والعربية زوجة روجه الأول (1109).
وخلف روجه الثاني أباه (1101) ثم تلقب بملك الصقليتين (1130 - 1154) وسار على خطاه، فارتدي ملابس شيوخ المسلمين وكتب على حلة التتويج عبارة بالخط الكوفي والتاريخ الهجري (528 هـ أي 1134 م) وصك نقوداً تحمل تاريحاً ونقشاً عربيين (1138) وشيد المباني على الطراز العربي، وزين سقف كاتدرائية بالرمو بالنقوش الكوفية، واستقدم النساجين اليونان واليهود من كورنثه وطيبة إلى بالرمو، وأسكنهم أحد قصورها (1997) وعاون على تأسيس مدرسة الطب في سالرنو - وقيل إن مؤسسها أربعة: لاتيني ويوناني ومسلم ويهودي (1150) - وقصر مهنة الطب على الذين ترخص لهم الدولة مزاولته وترك للعرب واليهود حريتهم الدينية واستقلالهم الثقافي؛ فأطلق عليه خصومه الملك الوثني. في حين عاب شاعر على الشعراء أن يحطوا من قدر أنفسهم بمدح الكفار. وعقد لواء أسطوله لجورجي الأنطاكي فمكنه من بعض مدن شمالي أفريقيا، وحمل على جنوب إيطاليا بجيوش ومهندسي حصار عربا. ونزل الشريف الإدريسي (المتوفى 1180) على الملك، فألفي العرب قد خلفوا في صقليه مصانع وقصوراً ومنازل ومساجد وفنادق وحمامات وحوانيت، وأعجب بر وجه فذكره بالملك المعظم رجار المعتز بالله .. ووصف عدله وهمته وتوسعه في العلوم الرياضية وغيرها
…
وإنجازه وهو نائم ما لم ينجزه غيره من الرجال وهم أيقاظ، فاتهم الفقهاء الأدريسي في دينه وأهمل مؤرخوهر ذكره. وكلفه الملك تصنيف كتاب في صفة الأرض فبعث الإدريسي نفراً من العلماء يصاحبهم الرسامون في شتى الأنحاء وجعل يسجل ما يتلقاه منهم حتى فرغ منه وأساه كتاب روجاري (1154) ثم أضاف إليه أجزاء وأطلق عليه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (وقد طبعت خلاصته مع إحدى وسبعين خريطه في رومه سنة 1592، وترجم قسما منه إلى اللاتينية جبرائيل الصهيوني ويوحنا الحصروني وطبع في باريس عام 1619 ثم تعددت ترجماته وطبعاته).
ولم يتميز عهد غليوم الأول، الملقب بالشرير (1154 - 1166) إلا بثورة
المسلمين على النصاري، وضياع سلطان النورمان في شمالى أفريقيا أما في الناحية الثقافية فقد ترجم يوجين البارمي كتاب العين إلى اللاتينية، وعاون على ترجمة المجسطي من النص اليوناني إلى اللاتينية (1160) وكليلة ودمنة من العربية إلى اليونانية (1169).
وفي عهد غليوم الثاني الملقب بالصالح (1166 - 1189) اشهر الإنجليزي توماس براون Brown الذي ذكرته الوثائق العربية باسم القاضي برون (1170) ثم رجع إلى وظيفته في وزارة الخزانة البريطانية. وارتحل ابن جبير إلى صقليه (1187) فوصف غليوم بقوله: «وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة، واستعمال المسلمين، وهو كثير الثقة بهم، وساكن إليهم في أحواله، والمهم من أشغاله، حتى إن الناظر في مطبخه رجل من المسلمين، وعليهم قائد منهم، ووزراؤه وحجابه الفتيان
…
وهو يتشبه في الانغماس في نعيم الملك، وترتيب قوانينه، ووضع أساليبه، وتقسيم مراتب رجاله، وتفخيم أبهة الملك، وإظهار زينته بالملوك المسلمين ومن عجيب شأنه المتحدث به أنه يقرأ ويكتب بالعربية، وشعاره على ما أعلمنا به أحد المختصين به: الحمد لله، حق حمده (1).
ولم يخلف غليوم الثاني فاختير للعرش تانكرد وهو ابن غير شرعي لأحد أبناء روجه الثاني (1189) حتى إذا تزوج هنرى السادس إمبراطور ألمانيا من ابنة عمه غليوم الثاني طالب بعرش صقلية وتوج في بالرمو (1194) وخلفه بعد وفاته (1197) لابنه فردريك الثاني. فتوجه البابا أينوسيت الثالث، وكان وصياً عليه، ملكاً على صقلية (1198) وزوجه من كونستانس الأرغونية (1209) وأمده بالمال لاسترجاع ألمانيا فتوج إمبراطوراً في أخن (1215) وبعد وفاة زوجته (1222) تزوج إيزابلا وارثة عرش القدس (1225) وأضاف إلى ألقابه لقب ملك القدس ثم حرمه البابا غريغوريوس (1227) لتسويفه في الحملة الصليبية فقام بها وما زال محروماً (1228) ووقع مع الكامل أغرب معاهدة المدى عشر سنوات (1229)(2).
ومال إلى المسلمين بعد رجوعه فأحسن وفادتهم في مجمع الأمراء الألمان بفريولي (1232) وشاركهم الاحتفاء بأحد أعيادهم على مرأى من الأساقفة الذين يعرفون
(1) رحلة ابن جبير، طبعة مصر، ص 308.
(2)
الفصل الثالث، الحملات الصليبية، ص 63.
أنه لم يبن في حياته كلها إلا كنيسة واحدة. وخرج ابنه هنرى عليه فزجه في السجن (1234) وفيه انتحر (1242) واحتل دير مونتي كاسينو وطرد رهبانه فكرر البابا حرمانه (1239) ولا حارب البابوية قضت عليه وكسته مسوح الرهبان حتى وفاته (1250) وقد أوصى لابنه كنراد بعرش الإمبراطورية وعين مانفرد ابنه غير الشرعي نائباً عن الإمبراطور في إيطاليا.
كان فردريك الثاني يتحدث بتسع لغات ويكتب بسبع وينظم باللاتينية شعراً أثنى عليه دانتي فولد الشعر الإيطالي في بلاطه في أبوليا متأثراً بالغزل العربي وناحيا نحو شعراء الفروسية والتشبيب في بروفانس. ولطالما طوف الإمبراطور بحاشيته في إيطاليا فنشرت الشعر بين أرجائها. وقرأ الإمبراطور بنفسه أمهات التراث الإنساني. وأنشأ مكتبة للترجمة أقام عليه ميخائيل سكوت (1220 - 1236) فبلغت منقولاته من المراجع اليونانية والعربية إلى اللاتينية ثلاثمائة مجلد في: الفلسفة، والطبيعيات، والرياضيات، والكيميا، والطب والحجامة. وأدى عجز المترجمين في مكتبي طليطلة وصقلية عن إيجاد مفردات لاتينية للمعاني العربية إلى دخول مفردات عربية وفيرة في اللاتينية، وجعل بعض الترجمات أقل أمانة وإبانة وأحفل أخطاء وخلطاً حتى توفر عليها المستشرقون فيما بعد وأصلحوها، منها: تعبير الأحلام لابن سيرين ترجمه ليون توزيوس من بيزا ونشره دراكسل (ليبزيج 1925) وترجمة تيودور الأنطاكي رسالة في حفظ الصحة وهي تلخيص سر الأسرار المنسوب خطأ إلى أرسطو، ورسالة عربية في تربية البزاة، فكانت مع رسالة أخرى فارسية نواة كتاب صنفه فردريك نفسه لابنه مانفرد بعنوان: القنص بالطير، في 589 صفحة مزدانة بمئات من الرسوم في ستة أجزاء (نشر الجزءين الأولين شنايدر في ليبزيج، 1798 وترجمة إلى الألمانية شوبفر، برلين 1896) وبعد أن أحل رجال القانون محل رجال الدين أصدر في مالي الكتاب الأعظم (1231) وهو أول مجموعة منظمة للقوانين بعد جوستينيان (1). إلا أن أعظم مآثره هو إنشاؤه جامعة نابولي (1224) بمرسوم ملكي، ووقفه الأموال الطائلة على أساتذتها وطلابها، وجعله منقولات مكتب الترجمة كمصنفات أرسطو، وابن رشد كتباً مدرسية لها. واستدعاؤه
(1) E. Kantorowics، Kaiser Friedrich II، Berlin 1913.
يعقوب الأناضولي (المولود في باريس 1194) للتدريس والترجمة فترجم إلى العبرية المجسطي ومختصر المجسطي لابن رشد (ولا تعرف له إلا هذه الترجمة العبرية) وشرح ابن رشد على مقولات أرسطو، وشرحه على الإيساغوجي لبورفيريوس والفرغاني. ثم أرسل نسخاً من الترجمات مع بعثة على رأسها ميخائيل سكوت إلى جامعات إيطاليا وباريس وأكسفورد، فتفشت فلسفة ابن رشد في معظمها. وتناول جامعة بولونيا بحمايته وأصلح مدرسة سالرنو - وقد جاءت في كتب العرب باسم سالرنه - ووسعها ووهبها نسخة من الطب العربي (1) وأمر بتشريح الجثث فيها.
كما كان يحتفى في بلاطه بعلماء الشرق الأدني، وممن زاروه ليوناردو فيبوناتشي الذي قدم له بعد عودته من مصر رسالتين في حل معادلات الدرجة الأولى والثانية (1225) ويرسل بالأسئلة العلمية والفلسفية إليهم فعله مع ابن سبعين العالم المتصوف وكان قد اتهم بدينه وفر من الأندلس إلى شمالى أفريقيا فأرسل إليه فردريك الثاني يستفتيه في بعض المسائل الفلسفية، فأجابه بكتاب عنوانه: الأجوبة عن الأسئلة الصقلية، في 49 صفحة (منه نسخة خطية في أكسفورد) فلقب به فيلسوف صقلية. وقد ذكر عنه المستشرق أماري أحاديث طريفة ورأي البابا في فلسفته.
وسار ابنه منفرد - الذي أشرف على ترجمة كتاب التفاحة وقد ضاع أصله العربي - وخليفته شارل دانجو، وآل هوهنسجتين على نهج فردريك الثاني فظلت الصلوات الخمس تقام في معسكر لوكرا (1266) وقربوا العلماء والشعراء وأغدقوا على أهل الفن والمترجمين فترجم الطبيب فرج بن سالم الصقلى في نابولي كتاب الحاوي للرازي (1279) وما زالت إحدي نسخه في المكتبة الوطنية بباريس. وقد طبع في البندقية عام 1542 وستراسبورج 1532 وآخر طبعة سنة 1903 وتقويم الأبدان لابن جزله (ستراسبورج 1532) والطب التجريبي لجالينوس بترجمة حنين بن إسحق، وكتاب الجراحة لابن ماسويه. وترجم ناتان هاماتي السنتي، في رومة، كتاب الحكم (1279 - 1282) وجعلوا من العربية - على الرغم من أن صقلية كانت ملتقى الثقافتين اليونانية والعربية والعلماء
(1) نشر سلفاتوري دي رنتسي - Salvatore deRenzi مجموعة مدرسة سالرنو الطبية، في خمسة أجزاء (نابولي، 1852 - 59).
الذين ينقلونهما إلى اللاتينية - لغة ثقافتهم، وقد عاونهم على نشرها، كونهم يملكون جنوب إيطاليا، واشتراك إيطاليا - البندقية وجنوى - في الحملات الصليبية سعياً وراء التجارة، واقتصارها منذ الحملة الرابعة على قطف ثمارها فعقدت مع سلاطين مصر معاهدات لقاء امتيازات عادت على الفريقين بثروات طائلة حاربا في سبيلها البرتغاليين معاً، مما جعل العربية ضرورة لتجارة المدن البحرية ولغة المعاملات والعقود والمعاهدات بين جنوة والبندقية وبين مصر ولبنان، وبين تونس وبين بيزا (1265) حتى سقوط القسطنطينية (1454) فأضيفت التركية إلى العربية. وهكذا كان ملوك صقلية وأمراؤها عرباً في ثقافتهم وأساليب حياتهم (1) وتزينت نساؤها بزينة المسلمات من ثياب حرير وتخضيب وتعطر، كما خلف العرب في صقلية وجنوب إيطاليا: مصنع الحياكة في قصر بالرمو الذي ظل يجهز الأسر الملكية في أوربا بالبزات الرسمية حقبة من الزمن، وفن تجليد الكتب على النمط العربي، وما زال الطراز الإسلامي على قصر لازيزا (العزيز) وسقف معبد بولا تينا، وقصور ملوك النورمان المزدانة بالنقوش العربية. وتعاون العرب واليونان في ترصيع كنائس بالرمو، ودير مونريال، وكنيسة سيغالو بالفسيفساء (1148). هذا خلا ما خلفوه في اللغة الإيطالية مثل: قرمز، كافور، زعفران، أكسير، جزية، صك، رزمة، قنطار، دار الصناعة، ورياح الموسم. ومن أسماء الأمكنة: قلعة النساء، قلعة الجن، مرسى الميناء، منزل الأمير. وسائر أسماء آلات الطرب.
وقد أفاد الصقليون والإيطاليون من الفن القصصي الذي أمدهم العرب به، فجاء كتاب كليلة ودمنه لهم كما جاء كتاب ألف ليلة وليلة للفرنسيين فيما بعد، معينة من الإيحاء ومثلاً رائعاً في الاحتذاء، وعلى غراره صنفوا: الطراز الأول المحادثات الحيوان الفلسفية الأدبية، وحكومة الحكومات، والأمثلة الأدبية للحيوانات المتفاهمة الخ.
وانتشرت فلسفة ابن رشد انتشاراً كاد يجعلها الطراز العصري بين مختلف طبقات رجال الدين في إيطاليا (1240) وصادفت لدى الناشئة قبولا عده بترارك ازدراء باليونانية واللاتينية فلم تأبه له إذ كانت ترى من مفاخرها التثقف بالثقافة
(1) Dozy et de Goeje، Description de l'Afrique et de l'Espagne par Edrici، p 3.