الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صابئي اعتنق الإسلام، وقد أصلح كتب بطليموس واهتدى إلى الكثير من المبادئ فعد أعظم الفلكيين المسلمين وبلغ بحساب المثلثات الغاية.
(ج) علماء الهند
، وكان لتشجيع العباسيين أثره في تدعيم العلاقات الثقافية بين الإسلام والهند. فوفد على المنصور رحالة من الهند (حوالي 771) بمقالتين: الأولى في الرياضيات، وبنقلها دخلت الأعداد والنظام العشري والصفر الحساب العربي - وكان الراهب سفيروس سوبخت رئيس دير قنسرين قد ترجم وشرح كتاب التحاليل لأرسطو وصنف رسائل في الفلك والجغرافيا فذكر الأرقام الهندية لأول مرة (662) - التي عرفتها أوربا فيما بعد بالأرقام العربية. والثانية السند هند، وهي في الفلك فنقلها الغزاري، وهو أول مسلم وضع زيجا استند إليه الخوارزمي في زيجه الشهير، ثم نقحه مسلمة المجريطي. ونزح نفر من علماء الهند إلى بغداد أشهرهم: منكه، وابن دهن، فنقلا مع غيرهما عن السنسكريتية: أقدم موسوعتين في الطب لسوشوترا وتارا كا، وكتبا في أمراض النساء، والطب البيطري والسموم والجراحة، ومصنفات في الفلك والموسيقى والكيميا الصناعية، مثل: التقطير والتبخير واللحام وإنتاج الضوء بغير حرارة، فأربت مترجماتهم على ثلاثين كتاباً. واستهوت الهند علماء المسلمين رحالة وجغرافيين ومؤرخين من أمثال: ابن حوقل، وابن خرداذبة، وسليمان العراقي، والينبوعي، والبيروني، وابن بطوطه، والسمرقندي، والمعبري، فوصفوا ما فيها من صناعة الصياغة والصباغة والعاج والبارود والأسمنت. وما زال كتاب البيروني: تحقيق ماللهند خير ما كتب عن ثقافتها بعد نحو ألف سنة. ونقلت أحاديث وفيرة عن الهند وجزيرة سرنديب (سيلان) ومليبار في كتب الأحجار كأزهار الأفكار للتيفاشي، ورسائل القزويني، وكتب الدمشقي، والأكفافي، وغيرهم فدخلت اللغة العربية مفردات سنسكريتية عديدة للدلالة على الأحجار الكريمة والأفاويه والعقاقير والأصباغ والنبات والفواكه والحيوان، وتأثر الأدب العربي بأدب الهند في الأمثال والحكم والقصص والتصوف.
(د) الشعوبية
، ومعظمها فارسي الأصل، عكفت على التأليف أكثر مما أخذت بالترجمة وكانت فئات: أقلها تنقم على العرب إضعافهم لغاتها وأديانها واستئثارهم بالسلطنة والثروة من دونها فسعت إلى التشكيك والإلحاد، وأغلبها قبلت
الإسلام دينا والعربية لغة فأرادت التمكين لهما بما لديها من ثقافة، وبعضها طمعت في عطايا العظماء فنقلت وصنفت. وقد تجاوز فضل الإسلام في إظهار العبقريات المنوعة لأصول متعددة من الشرق الأدنى إلى آسيا وأفريقيا وبعض أوربا والشرق الأقصى فمن علماء اللغة: سيبويه، ومن الشعراء: أبو نواس، وابن الرومي، ومن الأطباء: على الطبري، والرازي، ومن العلماء: الجاحظ، والبيروني، ومن الفلاسفة: الفارابي، وابن سيناء، وأول علماء الاجتماع: ابن خلدون، وأعظم الجغرافيين ياقوت الحموي وغيرهم كثير. على حين انحصرت الترجمة من الفارسية بابن المقفع (المتوفى 757) ناقل تاريخ الفرس وكليلة ودمنة - ولما فقد أصله السنسكريتي وترجمته بالفهلوية أصبحت الترجمة العربية أصلاً ترجم إلى نحو أربعين لغة - وابنه محمد مترجم أربعة كتب يونانية الأصل من الفارسية إلى العربية وآل نوبخت وبعض المتشبهين بهم فما زاد ما نقلوه على عشرين كتابة في التاريخ والسير والأدب والحكم.
وهكذا نقل النقلة عن اليونانية والسريانية والهندية والفارسية، أمهات كتب الطب والفلك والرياضة والكيميا والجغرافيا والأدب - ما خلا الأدب اليوناني الذي اكتفي منه تاوفيل الرهاوي (المتوفى 785) منجم الخليفة المهدي، وكان على مذهب موارنة جبل لبنان بترجمة كتاب هوميروس على فتح أيلون إلى السريانية بغاية ما يكون من الفصاحة، على حد قول ابن العبري، كما ترجع من السريانية كتاباً الجالينوس وألف كتاب الكنوز، ثم نظم سليمان البستاني إلياذة هوميروس شعراً بالعربية في 11 ألف بيت (القاهرة 1904) - والموسيقي وأساليب الحياة المتمدينة، ولم تكن حاجة الدولة إلى الفلسفة والمنطق وعلم الكلام والتصوف بأقل من حاجتها إلى الطب وغيره من العلوم، فمنذ الخلاف على الخلافة والتحكيم بين معاوية وعلى، وقيام الفرق والتفاف الأعاجم حولها طفق النقلة ينقلون إلى العربية مذاهب الهنود والفرس واليهود والنصارى مما جعل ازدهار الثقافة الإسلامية تطوراً مركباً لعناصر وفيرة من أصول متعددة، كتأثير الزردشية واليهودية في تعريف الحشر والحساب، واعتناق مذهب الأفلاطونية الحديثة، والتوفيق بين الدين والفلسفة، ونظريات النصرانية في صفات الله والوحي والعقل وتصور المهدي المنتظر ومصير مرتكب
الكبائر، وجمع الصوفية بين الإسلام والبوذية والأفلاطونية الحديثة والأوغسطينية رداً على ترف الناس ومجونهم، وبدء الأدب الديني بتأثيرات النصرانية السريانية - ثم أخذ المؤلفين المسلمين أكثر معارفهم عن النصرانية وبيزنطية في عهود الجاهلية عن المصادر السريانية - والموسيقى بالألحان السامية ثم بالتقاسيم الهليستينية والأنغام الفارسية والهندية، واقتباس الفنون من الحضارات الأخرى ثم تميزت بأساليب إسلامية صرف. حتى قيل إن حضارة الإسلام في بغداد من صنع الفرس والسريان والهنود، لأن العرب كانوا يومئذ وراث بداوة وجهالة، وهؤلاء وراث ملك وحضارة وفلسفة وعلم (1).
وأدخلت تلك الحضارة على اللغة العربية المصطلحات الزراعية من الأرامية، والإدارية من الفارسية واليونانية، والجدلية من العبرية والسريانية، والعلمية والفلسفية من اليونانية، فبلغت نحو: 988 كلمة آرامية، و 854 فارسية، و 472 يونانية، و 67 لاتينية، و 42 عبرية، ثم 32 تركية و 17 إيطالية، و 12 فرنسية، و 31 من لغات أخرى أصبحت بها أغنى اللغات السامية، وحلت محل الفارسية والسريانية والقبطية واليونانية واللاتينية من فارس إلى جبال البرانس وتجاوزتها إلى غيرها من لغات أوربا وحملت الدول الإسلامية على استبدال حروفها بالحروف العربية: كالتركية - حتى عهد مصطفى كمال - والإيرانية، والكردية، والأفغانية، وما تفرع منها. وفي الهند: الهندوستانية والكشميرية، والداخينية، والكورازية، والبلتية، والبنجابية، والملتانية، والسندية، والتاميلية، والهدنيه، والمليالامية. وفي تركستان: الأزبكية، والحاكاتائية والكرغزية، والكشغرية، وفي جاوه: الحاويه، والسندانية. وفي ما لازيا: المالائية. وفي جزائر سولو: السولائية. وفي أفريقيا: القبائيلية، والشلهائية، والسواحلية، والببارية، والغولية، والهوسائية، والغينية، والفيداجية، وفي أوربا: القازانية، والنوكائية والكوموكيه (2) - بعد أن استوعبت العربية التراث الإنساني قروناً طويلة. ذلك أنه أعقب عصر ترجمة تلك الفنون والآداب والعلوم وتفسيرها والتعليق عليها،
(1) أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، ص 239.
(2)
الأب رفائيل نخلة اليسوعي، غرائب اللغة العربية (المطبعة الكاثوليكية، بيرت 1960).
بأقلام علماء الفرق والفلاسفة والمتصوفين، عصر إنتاج لإصلاح أخطائها واستكمالها، ووضع مذهب الاستقراء والقياس والتمثيل لها، والابتكار منها في تصانيف كانت أكبر دعائم النهضة الأوربية مكنتها، طوال ثلاثة قرون، من الرقى والتطور والتكامل، ورجعت إليها جامعاتها حتى القرن الثامن عشر، وما زال مستشرقوها يتناولونها بالتحقيق والترجمة والتأليف، فدخل علماؤها تاريخ الفنون والآداب، ولاسيما العلوم والفلسفة والمنطق، دخولاً فذاً: فعد الكندي، والفارابي، وابن سينا أشهر المتقدمين في الترجمات الفلسفية (1)، ولا غرو فالكندي (المتوفى 850) أول فيلسوف عربي اهتدى إلى الفلسفة اليونانية وحاول التوفيق بينها وبين الإسلام وصنف وشرح كثيراً، سلم أقلها، ومن رسائله: رسالة الموسيقي (برلين) والأدوية المركبة بترجمة لاتينية (ميونيخ) والمد والجزر (أكسفورد) واختبارات الأيام (ليدن) وتحويل السنين (الأسكوريال) وقد جعله روجر بيكون في كتابه المرئيات مع ابن الهيثم في مستوى بطليموس، ورفعه كروانو الإيطالي إلى مرتبة الاثنى عشر عبقرياً منذ ابتداء العالم حتى القرن السادس عشر. والفارابي (المتوفى 950) التركي الأصل، صنف نحو أربعين كتاباً أشهرها: فصوص الحكم، وإحصاء العلوم، والتعريف (نسخة خطية في الأسكوريال) ومختصر النواميس، وكتاب الموسيقى الكبير، والمدينة الفاضلة وكان أول كتاب عربي في العلوم السياسية، تلاها في الغرب كتاب الأمير (في أواسط القرن السادس عشر) وابن سينا (المتوفى 1037) الفارسي الأصل، وأعظم فلاسفة الإسلام وأغزرهم علماً قد أربت مؤلفاته على المائة (2) خيرها تسعة في الطب والفلسفة والمنطق والطبيعيات والرياضيات والفقه والفلك، طبعت مجموعة منها في فينا (1495) وحل كتابه القانون، بعد ترجمته إلى اللاتينية محل كتب جالينوس، والرازي، وطبع خمس عشرة طبعة لاتينية وواحدة عبرية (1473 - 1527) ثم اعتمدت المطابع ترجمة أندريا الباجو، ونشرت النص العربي في رومة (1593) واستمر مرجعاً في مونبلييه ولوفان إلى القرن السابع عشر وما زال لابن سينا صورة تزين القاعة الكبرى في كلية الطب بجامعة باريس.
(1) Foges، la Philosophie، t IV، p 2.
(2)
بروكلمان، تاريخ الآداب العربية، ص 452.
أما فلسفته فقد اعتمد عليها توما الأكويني، والبر الكبير، وروجر بيكون الذي وصفه بأنه أكبر عميد للفلسفة بعد أرسطو وجدد طبعها كامبانيلا (فرانكفورت 1630، باريس 1636) وشرحها الدكتور صليبا في رسالته، عنه. والغزالي المتوفى (1111) مؤلف تهافت الفلاسفة، ومقاصد الفلاسفة وإحياء العلوم إلخ. مما كان له شديد الأثر في مجادلة المشائيين، شرقيين وغربيين.
وفي الطب أشهر الرازي (865 - 926) بأنه أعظم أطباء عصره، فترجمت أوربا إلى اللاتينية والعبرية ثم إلى سائر لغاتها كتبه: المنصوري، والحاوي - وهو في عشرين مجلداً، ترجمه فرج بن سالم (نابولي 1279) وجعل أحد الكتب التسعة التي كانت تتألف منها مكتبة كلية الطب في جامعة باريس، وطبع خمس مرات في أوربا (1486 - 1903) وما زال للرازي صورة إلى جانب ابن سينا تزين قاعتها - والترياق، ورسالة الجدري والحصبة، وهي أولى الدراسات للأمراض المعدية، وقد عدد الدكتور ماكس مايرهوف لمصنفها ثلاثاً وثلاثين ملاحظة سريرية. وعلى بن عباس (المتوفى 994) صاحب كتاب الملكي (ترجمه اسطفان الأنطاكي إلى اللاتينية 1127 وطبع في البندقية 1492 وفي ليون 1523 ثم ترجم القسم النظري منه قسطنطين الأفريقي) وابن بطلان (المتوفى 1052) مؤلف كتاب تقويم الصحة (ترجم إلى اللاتينية 1528 ثم إلى النمسوية 1532) وابن جزله (المتوفى 1100) مصنف كتاب تقويم الأبدان (ترجم إلى اللاتينية في ستراسبورج 1532) وذكر تاريخ الطب ابن الهيثم بأنه أول من كتب في أقسام العين ورسمها ووضع المصطلحات العلمية لبعضها فأخذت أوربا عنه: الشبكة القرنية والسائلين المائي والزجاجي. كما عولت جامعاتها على كتاب تحرى المناظرة للخازن، ثم نشره روبستر متنا وترجمة (بال 1572) وترجمت تذكرة الكحالين لعيسى بن يحي إلى العبرية واللاتينية مرتين واستمرت أوربا في تدريسها حتى القرن الثامن عشر.
وفي الرياضيات أرجع كربنسكي تقدمها وإيجاد التكامل والتفاضل بينها إلى المبادئذ التي وضعها علماء اليونان، وإلى الأساليب المبتكرة التي عالجها بها علماء الهند، وإلى درس العرب لها وإصلاح بعضها والإضافة إليها إضافات هامة دلت على نضج في أفكارهم وخصب في عقوله (1). وقد كان الخوارزمي (المتوفى 850).
(1) كربنسكي، محاضرة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة (نونبر 1922).
أبرز عالم في تاريخ الرياضيات فوضع زيجه الشهير (وقد ترجمه بتنقيح المجريطي أدلرداوف باث 1126) وصنف رسالة في حساب الجبر والمقابلة (ترجمها دي كريمونا. ولما فقد أصلها سلمت ترجمتها باللاتينية وظلت تدرس في جامعات أوربا حتى القرن السادس عشر) واشتهر ابن الهيثم (965 - 1038) بنبوغه في الهندسة والرياضيات وقد ترجم دي كريمونا رسالته في الشفق (لشبون 1542) وبارمان رسالته في الضوء (ليبزيج 1882) وعزا نللينو إلى أحكام الشريعة الإسلامية، حمل الفلكيين على البحث عن المسائل العويصة المتصلة برؤية الهلال وأحوال الشفق فبرزوا في ذلك وأتوا بحسابات وطرق لم يسبقهم إليها سابق من الهنود أو الفرس (1). وقد أمر المتوكل (861) الغرغاني بعمل مقياس للنيل، ومن أهم كتبه: المدخل إلى علم هيئة الأفلاك. الذي ترجع إلى العبرية وترجمه دي كريمونا إلى اللاتينية. (1135) وكان أبو معشر البلخي (المتوفى 886) أول من اهتدى إلى حقيقة طلوع الفجر وغيابه وأثرهما في تنظيم المد والجزر، فترجمت جميع كتبه إلى اللغات الأوربية.
وفي الكيميا أكد مؤرخها هوليارد بأن الكيميا الإسلامية أثرت في الهند أضعاف ما تأثرت بها من قبل (2) وقد اقتبس علماء أوربا في العصر الوسيط الكيميا عن العرب، وعزا الرهبان مصنفاتهم في الحجر السحري إلى جابر بن حيان الكيماوي العربي الشهير لينجوا بأنفسهم من غضب المتزمتين والعامة.
وفي العلوم، عد البيروني (المتوفى 1048) أعظم بحاثة بين العلماء المسلمين وأكثرهم ابتكاراً في العلوم الطبيعية والرياضيات والفلك والتاريخ (منها مخطوطات في مكتبات باريس وبرلين والأسكوريال) وقد عرفه زاخاو، بعد ترجمته لمصنفيه الآثار الباقية (ليبزيج 1878) وتحقيق ما للهند (لندن 1887) بأنة أعظم عقلية عرفها التاريخ.
كل هذا حمل سارتون مؤرخ العلوم على القول: إن الجانب الأكبر من
(1) نللينو، علم الفلك وتاريخه عند العرب في القرون الوسطى، ص 12.
(2)
E.J. Holmyard، Makers of Chemistry، Oxford، 1931، p 26.