الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والسياسة والعلم فكانت أول مكتبة من نوعها. ونحا نحوهم الكلدانيون، في حين كانت تلك الحضارة قد انتقلت إلى مارديس وميليطيس، وأوفت على الغاية في كريت (1600 - 1400 ق. م.) فأضحت الحضارة الإيجية أم الثقافة اليونانية والهليستينية المشتقة منها، وعنها أخذت رومة والعرب فأوربا.
2 - مصر:
ولئن أحال الزمان معظم الحضارات الشرقية إلى أنقاض، فقد خلدت عليه حضارة مصر المسجل أروعها على آثارها في: الأهرام، وأبي الهول، والأقصر، والكرنك، وغيرها من قبل التاريخ، والدولة القديمة (2700 - 2200 ق. م) والدولة الوسطى (2100 - 1788) والهكسوس (1680 - 1580) الذين أسسوا الأسرتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة، والإمبراطورية أو الدولة الحديثة (1580 - 1090) والليبيين (945 - 745) والنوبيين (712 - 611) والآشوريين (671 - 661).
فهل اقتصرت مصر على حضارة مادية في انتقال الفلاح من الفأس إلى المحراث، واكتشاف مناجم النحاس، وتشييد أول بناء بأدوات من الحجر (قبر الملك زوسر في القرن 26 ق. م) وتنظيم الحكومة والبريد والتعداد؟ أو في مخر سفنها البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه، وإقامة إمبراطورية جمعت بين بلدان شاسعة من أفريقيا وآسيا؟ إن فضل مصر على الحضارة الإنسانية أعم وأجزل وأنبل: فهي أول من وضع التقويم الشمسي (2781 ق. م) وبرديات عن الجراحة والطب الظاهري، وقواعد الحساب على الأساس العشري، ومبادئ الجبر وهندسة المسطحات والمجسمات مما لم تعرفه أوربا إلا بعد ثلاثة آلاف عام. وأول من اكتشف القلم والحبر، والورق الذي ما زال يعرف باسمه المصري بابيروس على تحريف بسيط في اللغات الأوربية، وأبدع الأبجدية، فاشتق الفينيقيون أبجديتهم منها وعدلوا فيها ونشروها في طوافهم بالعالم فأخذها الآراميون إلى العرب والفرس والهنود، ونقلها اليونان إلى الرومان فأوربا، حتى أمست أساً لكل الحروف التي تكتب بها آسيا وأوربا وأفريقيا وأمريكا. أما الفكرة الدينية فقد سبقت مصر سائر الأم إلى التوحيد،
وسن دستور للضمير الإنساني فرداً وجماعة، وجعل الثواب والعقاب بعد الموت، فارتفع الإنسان إلى مثل خلقية هي أنبل ما وصل إليه في حياته. وجاءت تعاليم بتاح حوتب في الحكمة (2800 ق. م) قبل كنفوشيوس وبوذا وسقراط بألفين وثلاثمائة عام، وأسفار سنوحي، وقصة البحار الغريق (الأسرة الثانية عشرة) أعرق القصص التاريخي، ومسرحية أوزيريس التي تمثل حياته وموته في مصر وبعثه في جبيل مثالاً فذا لجميع الآلهة في غرب آسيا، وأقدم ما عرف عن التمثيل الديني.
وقد اهتدى علماء حملة نابليون على مصر (1798) إلى هياكل الأقصر والكرنك، وصنفوا كتاباً في وصف مصر (1809 - 1813) ثم قرأ شمبوليون حجر رشيد (1822) فحل رموز الكتابة الهيروغليفية وألف أجرومية ومعجماً لها (1832) فوضع بها أساس علم الآثار المصرية، ومهد السبيل للعلماء إلى التنقيب عن عالم عظيم مفقود، ولما وقف بمعبد الكرنك - وارتفاع عمد بهوه في الجزء الأوسط منه 69 قدماً يتسع تاج كل منها لمائة واقف فوقه بهرته الحضارة المصرية فكتب: وفي الكرنك تبدت لي عظمة الفراعنة. وما من شعب قديم أو حديث خلا قدماء المصريين، قد أخرج كل ما تصوره الناس في العمارة بمثل هذا السمو والروعة والضخامة.
ولما طرد الآشوريون من مصر شجع ملكها بسماتيك (663 - 609) الفينيقيين - وتعود صلتهم بمصر إلى غزوهم وضرب الجزية عليهم وتزعمهم حركة الخروج عليها أيام أخناتون، واستمرار نزوحهم إليها وتفرقهم بين أرجائها ولاسيما في منف - واليونان على استيطان مصر للإفادة من نشاطهم وخبرتهم العظيمة وكان وجودهم فيها سبباً في رواج تجارتها وتوثيق عراها بدول البحر الأبيض المتوسط (1) ثم استعان الفرس بأسطول فينيقيا على فتح مصر والحبشة (525) وثارت عليهم (485) فأعادوا فتحها (484) وانضمت إليهم مع فينيقيا في حملهم على اليونان (480) وشيد مهندسوهما جسراً فوق الدردنيل من 674 سفينة عد بين روائع القدماء الهندسية.
(1) محمد عبد الرحيم مصطفى وعبد العزيز مبارك، تاريخ مصر القديم، ص 183.
وما انفكت مصر مورداً يقصدها علماء فينيقيا واليونان ينهلون منها ويرسون في بلدانهم على قواعدها. ومن زارها في القرن السادس قبل الميلاد. فيثاغورس من جزيرة ناموس، الفيلسوف الرياضي، وأبقراط (المولود في جزيرة كوس 640) أشهر أطباء العصر القديم. وطاليس (640 - 564) المولود في جزيرة ميليطيس من أصل فينيقي وتعلم فيها وفي فينيقيا ثم عاد إلى اليونان فأرسى أسس اللوم الرياضية والفلكية والطبيعية والفلسفة الصوفية فيها فخلد مواطنوه اسمه على رأس حكمائهم السبعة. وسولون (640 - 558) أقدر مصلح ومشرع وأحد حكماء أثينة السبعة. وعندما أنشأ اليونان، في إيليا على شاطئ إيطاليا الجنوبية، مدرستهم الفلسفية الشهيرة (في القرن الخامس قبل الميلاد)، وازدهر المسرح والخطابة والطب في صقلية (484) لم تحجب مصر فاستمر العلماء يفدون إليها ويفيدون منها ويصنفون فيها من أمثال: هيرودوت (484 - 425) وكان شرقي الأصل في أحد أبويه وقد نفى من بلاده فطاف بفينيقيا ومصر حيث أبحر في النيل حتى أسوان، وصنف تاريخاً في وصف حياة مصر والشرق الأدنى واليونان. وديمقريطس الأبدري (410) الذي غادر إيليا إلى مصر والحبشة وفينيقيا وبابل وفارس والهند، مستزيداً من العلم، حتى قال عن نفسه: لم يفقني أحد قط ولا المصريون أنفسهم في رمم خطوط بحسب شروط معلومة، كما زار أفلاطون (429 - 347) تلميذ سقراط وأستاذ أرسطو مصر وأعجب بها. وقضى أودكسوس (408) فيها ستة عشر شهراً يدرس الفلك على كهنة عين شمس، ثم أنشأ مدرسة في أثينة لتعليم العلوم الطبيعية والفلسفة وقد ناقش أستاذه أفلاطون فيها ثم وقف جهده على علم الفلك.
ولما فتح الإسكندر الشرق الأدنى (333 - 323) أرسل ألواحاً من بابل إلى بلاد اليونان فترجمتها وتضلعت من علمي الفلك وتقويم البلدان، وشجع حكماء اليونان على استيطان الشرق الأدنى لتمكينه من الفتح بالثقافة اليونانية. وبعد وفاته تقاسم قواده إمبراطوريته في مقدونية، وآسيا، ومصر، فأخذوا بالملكية الشرقية نظاماً مطلقاً وطراز بلاط أورثوهما من بعدهم الرومان فأوربا حتى الثورة الفرنسية، وتحول اليونان عن عبادة آلهتهم الإغريقية البسيطة إلى عبادات شرقية زاخرة بالعواطف مثل: كبيلي الأم العظمى في آسيا الصغرى، وميثرا الفارسي، وإيزيس
المصرية، في حين ظلت س ر وجمهرة الشرقيين تعبد آلهتها وتتكلم بلغاتها وتجري على تقاليدها.
وكانت مصر، أصغر أجزاء تركة الإسكندر وأغناها، من نصيب أقدر قواده بطليموس (305 - 285) فعمل على ترقيتها زراعياً وصناعياً وتجارياً، وبسط سلطانها على شمالي برقة، وعلى فلسطين وفينيقيا وقبرص حيناً، وجعل الإسكندرية عاصمتها، وقد ضمت خليطاً من اليونان والإيطاليين والعرب والفينيقيين والفرس والإحباش، وأنشأ فيها المتحف والمكتبة (290) وخلفه ابنه بطليموس الثاني (285 - 246) فجدد حفر الخليج القديم بين النيل وبين البحر الأحمر وابتنى قصر أنس الوجود في أسوان، وأقام منارة الإسكندرية (279) وتزوج أخته على سنة الفراعنة (276) وأتم المكتبة وأضاف إليها مكتبة أصغر منها، في معبد سرابيس، أربى عدد ملفاتها على 532 ألفاً، واستقدم إلى الإسكندرية مشاهير الفلاسفة والعلماء والشعراء، ورجال الفن، وأغدق عليهم فعاشوا فيها وعرفوا بها، وأمر بترجمة التوراة من العبرية إلى اليونانية، وهي الترجمة السبعينية. وحمل مانيثون الكاهن المصري الأكبر (280) على تصنيف حوليات مصر، فجمع الفراعنة في أسر مالكة، مازالت التقسيم المتبع حتى اليوم، وأخرج الشاعر هجسياس القوريني من الإسكندرية وقد أدت فصاحته، في تأييد نظرية الموت، إلى انتحار الكثيرين. واستولى بطليموس الثالث (246 - 221) على سوريا وبني معبداً في أدفو، وأصلح التقويم المصري، وأمر بأن تودع مكتبة الإسكندرية جميع الكتب، ويعطى أصحابها صوراً منسوخة منها، واستعار من أثينة مخطوطات كبار مؤلفيها لقاء ضمان مالي ثم؛ احتفظ بأصولها وعوضها عنها نسخاً منها متنازلاً عن الضمان. وتعاقب البطالمة على مصر، وكان آخرهم كليوبطره (47 - 30) التي استمالت قيصر فأولدها قيصرون، وانتحر انطونيوس في سبيلها (31) ولما عجزت عن أوكتافيوس قتلت نفسها لئلا تكون زينة لمهرجانه.
وأضحت الإسكندرية في عهد أمناء مكتبها: زنودوتوس (280) وأريستوفانس (257 - 180) وأريستارخوس (145) وبفضل أساتذة متحفها وإقبال الطلاب
عليها الوريثة الشرقية لأثينة ومنارة للثقافة الهليستينيه - وهي مزيج من الثقافة اليونانية والحضارات السامية والإغريقية تميزت بالتوفيق بين المذاهب والصوفية والتجريد والتنوع - المنتشرة في مدارس قرطاجنة وبيروت وأنطاكية والرها وغيرها طوال أحقاب. ولئن حل فقه اللغة ونقد النصوص فيها محل الابتكار فلم ينازعها في العلوم منازع فنبغ فيها أقليدس (306 - 283) ركن علم الهندسة المكين صاحب علم الفلك وأصول الهندسة: وأخذ عن تلاميذه أرشميدس السرقوسي الذي ولد وتوفي في صقلية (212 - 287) رأس علماء الطبيعة الأقدمين. وزاول الطب فيها هيروفيلوس المقدوني (285) أكبر العلماء في تشريح العين والمخ. وطفق أساتذة متحفها يتوسعون في تعاليم فيثاغورس وأفلاطون فينشرها طلابهم في مدن حوض البحر الأبيض المتوسط.
وحل الرومان محل اليونان (30 ق. م - 295 م) وخلفهم البيزنطيون (395 - 641) وأجلاهم المسلمون (641) وقد جعل قيصر مصر من أملاك الإمبراطور وكلف سويجنس العالم الإسكندري تعديل التقويم المصري، وأضاف كاليغولا (37 - 41) دين إيزيس إلى أديان رومة الرسمية، وأنشأ هدريان (117 - 138) مجمعاً لينافس به متحف الإسكندرية، ثم زاد في محتوياته عندما زارها (130) وكانت مركزاً لدراسة الطب بز مدارسه في مرسيليا وليون وسرقوسه وأثينة وأنطاكيه، فتوافد عليه الطلاب من أنحاء الإمبراطورية وحسب الطبيب شهرة تخرجه منه. وقد صنفت إحدى طبيباته مترودورا رسالة في أمراض الرحم، عدت مرجعاً، وألف أحد أطبائه ديوسقوريدس القليقيائي (40 - 90) كتاباً في العقاقير الطبية أفاد من نقله العرب في بغداد وقرطبة واعتمدت عليه أوربا في عصر نهضتها، وتعلم الطب فيها وفي قيليقيا وقبرص جالينوس (130 - 200) وزاوله في رومة (164 - 168) وهو أعظم أطباء عصره، وقد أربت مؤلفاته على 500 سلي منها 118 رسالة ضمنها جميع فروع الطب. كما اشتهر في الإسكندرية: بطليموس، نسبة إلى بطليموئيس على شاطئ النيل، أكبر علماء الفلك الأقدمين، صاحب النظام الرياضي ويطلق العرب عليه المجسطي (140) والموجز في الجغرافيا (155) وصور الكواكب إلخ. وهيرون الاسكندري (225) الذي ألف رسائل