الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول دي فيشر (1): إن جماعة من العرب أغارت على فراكسينتوم (888) في خليج سان تروبيز واحتلتها ثم انطلقت منها إلى بورغونيا وأرل، ونيس، وعبرت الألب ناحية إيطاليا (906) وغزت دير نوفاليزة، ومدينة أكوى، ثم تصدت للحجاج الإنجليز المتوافدين عبر هذه المناطق على رومة (921) - وأنفذ أبو القاسم محمد القائد الفاطمي أسطولاً (934) إلى ساحل فرنسا الجنوبي فغزاه ثم احتل جنوى مدة - وبلغت إقليم خور ومنطقة الجريزون (936) واحتلت ممر سان برنار الكبير، وهدمت دير سان موريتز (940) وأغارت على نيو شاتل، وأفانش، وسانت غال (على الحدود الألمانية السويسرية) وسارجاس وتوجنبورج وابنتسل مما حمل هونج دى بروفانس على أن يطلب إلى المغيرين حماية ممرات الألب الرئيسية له، ودفع برانجه منافسه على عرش إيطاليا عنها (942) وهكذا تمكنت تلك الجماعات من العرب من بعض ممرات جبال الألب فلما أسرت سان مايول وهو راهب دير كولون (973) وطالبت بفدية كبيرة لفك أسره أغضبت النصارى فتحالفوا أمراء وشعوباً على العرب لإجلائهم عن الألب فطردهم جيوم دي بروفانس من قاعدتهم في فراكسينتوم (975) فتفرقوا في مناطق جبال الألب ولاسيما في ممر سان برنار الكبير ثم علي عليهم.
9 - إيطاليا وصقلية:
والصلات بين الشرق الأدنى وشمال أفريقيا والجزر الشرقية وبين إيطاليا
(1) B. de Fischer، Contribution. à la connaissance des relations Suisses - Egyptiennes، Lisbonne، 1956.
وصقليه وكورسيكا صلات قديمة وثيقة منوعة (1) لم تكن خافية على المسلمين فبدأوا بجزر الباليار فمر بها عبد الله بن موسى بن نصير (707 - 708) ابتغاء فتحها، وكر عليها المسلمون (797 - 798) فردهم عنها شارلمان (799) ثم مكنهم منها النورمان (النورمانديون - أهل الشمال) فاستولى عليها عصام الخولاني (903) ولما استقل الأغالبة عن بغداد بتونس (801) وأحلوا الإسلام والعربية محل النصرانية واللاتينية غزوا شواطئ إيطاليا وفرنسا، واحتلوا كورسيكا (809) وسردينيا (810) ثم استولى منفيو الأندلس على كريت (825) فاستؤنف النزاع القديم بين قرطاجنة وبين اليونان ومن بعدهم الرومان على صقلية (827) فما استعان أوفيماس أحد ثوار سرقوسة بالأغالبة على الحاكم البيزنطي حتى استنفر زيادة الله الأغلى الجند لجهاد صقلية وجرد عليها أسطولاً من سبعين سفينة فيها عشرة آلاف مقاتل وسبعمائة فارس، عقد لواءه للقاضي الوزير أسد بن الفرات، فتوفى بعد جهاد 13 شهراً، ودفن تحت أسوار سرقوسه. وخلفه محمد بن أبي الحواري، ثم فتح زهير بن عوف بالرمو (831) وجعلها نقطة ارتكاز لفتوح أخرى وللتدخل في الخلافات الناشية بين الدويلات الإيطالية. وصدق حدسه، فاستنجدت نابولي بالمسلمين (837) فأنجدوها، وغزوا أنكونا (839) واستولوا على تورنتو (840) ومسينا (841) وباري - حصن البيزنطيين في الجنوب وجعلوها قاعدتهم الرئيسية - ولما استقل قوادها عن أمير بالرمو استعادها الايطاليون (841 - 871) - وانقضوا على سالرنو بدعوة من دوق بنفنتو (842) وارتدوا عنها بعد تخريبها مساكن ومزارع، ثم ظهروا في جوار البندقية وأشرفوا على رومة ونزلت فيالقهم باوستيا مرفأها البحرى (846) وعندما عجزوا عن اختراق أسوارها استولو على ما في خارجها من كنوز كاتدارائيات القديس بطرس والفاتيكان والقديس بولس واستباحوا ضواحيها وعبثوا بقبور الباباوات. ولم تنل منهم الهزيمة البحرية التي أنزلها بهم دوق نابولي في وقعة ليكوزا (846) فكروا بسفنهم على أوستيا حيث قهرهم أسطول إيطالي بفضل الحلف الذي عقده البابا ليون الرابع (849) - في حجرة حريق المدينة بالفاتيكان صورة لرفائيل
(1) الفصل الأول، مهد الحضارة - قرطاجنه، ص 21 - 29 - 50 - 26 - والفصل الثاني، العرب قبل الإسلام، ص 30 - 32 - 33 - 34 الخ.
تمثل تلك الوقعة البحرية - وجاء من ألمانيا الإمبراطور لويس الثاني وأرجعهم إلى باري وتورنتو (866) ولكنهم عادوا - وقد احتل أصحابهم قصر بأنه (859) - ومالطة (870) إلى تهديد رومه (872) واضطروا البابا يوحنا الثامن إلى تأدية نحو 25 ألف رطل من الفضة جزية مدة سنتين (1)، وأغاروا على كامبانيا (876) وفتحوا سرقوسة (878) واستعاد باسيل الأول الإمبراطور البيزنطي تورنتو منهم (880) فلم يعبأوا بل استأنفوا غاراتهم فأحرقوا دير مونتي كاسينو ودمروه عن آخره (884) وبلغوا رغوصة في يوغسلافيا فحاصروا مرفأها مدة ثم ارتدوا عنه. ونشرت قاعدتهم الحربية التي أنشأوها في جوار جليانو (882 - 915) الرعب في كامبانيا وجنوب لاثيوم حتى اجتمعت عليهم قوات البابا وإمبراطوري ألمانيا وبيزنطية ومدن إيطاليا الوسطى والجنوبية فهزمتهم على نهر كرجليانو (916) وأجلتهم عن إيطاليا إلى صقلية. وما زالت أبراجهم التي كانت تذيع أنباء وصول أساطيلهم من صقلية وشمالي أفريقيا قائمة على شاطئ نابولي الجنوبي.
وتبع أمراء صقلية أغالبة القيروان حتى إذا ظهرت عليهم الخلافة الفاطمية في شمالي أفريقيا، استقل أمراء صقلية عنها وخطبوا للخليفة العباسي المقتدر (912 - 916) ثم استعادها الفاطميون (917) واتخذوها قاعدة بحرية لحملاتهم على البندقية، وعلى جنوى التي استباحوها (935)(2) واستعمل المنصور ثالث الحلفاء الفاطميين حسن بن على الكلى على صقلية فأسس فيها الدولة الكلبية.
وقد جلب المسلمون إلى صقلية: البرتقال والتوت والزيتون وقصب السكر والنخيل والقطن والكتان، ووسعوا رقعة الأرض المنزرعة فيها، وما زال كثير من ينابيعها يحمل أسماء عربية حتى اليوم، وجعلوا من بالرمو ثغراً تجارياً خطيراً بين أوربا وبين شمالي أفريقيا. ولما سقطت الدولة الكلبية (1040) انقسم المسلمون على أنفسهم فحكم بالرمو مجلس من الأعيان وسائر الجزيرة أمراء محليون انصرفوا إلى شهواتهم، وخلف التدخل البيزنطي أثره فيهم فمهد للفتح النورماني إذ كان حجاج القدس وجلهم من النورمان عائدين عن طريق إيطاليا فاستعان بهم كونت
(1) Amari، Storia، éd Nallino، v. 1، pp. 588 - 93.
(2)
Le Bon، La Civilisation des Arabes، p. 312.