الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: وسمعت الخرزى رحمة الله عليه وقد قيل له قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 1 أوجب العجل قال: بل العجل نفسه مثل القرية والعير سواء قال القاضي: وذكر أبو بكر في تفسيره اختلاف الناس في قوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} فذكر ما ذكره أحمد عن قتادة حب العجل وعن السدي نفس العجل قال أبو بكر: وأولى التأويلين قول من قال: وأشربوا في قلوبهم حب العجل لان الماء لا يقال أشرب في قلبه وإنما يقال ذلك في حب الشيء كما قال: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} قال: فقد صرح أبو بكر بأن هناك مضمرا محذوفا.
1 من الآية "93" من سورة البقرة.
مسألة: يجوز أن يتناول اللفظ الواحد الحقيقة والمجاز جميعا
ذكره القاضي وابن عقيل ومثلاه بقوله: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} 1هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد فيحمل عليهما ونحو ذلك ولم يذكر مخالفا وكذلك ذكر الحلواني وحكاه عن الشافعية وأبى على الجبائي قال خلافا لأصحاب أبي حنيفة وأبى هاشم: لا يجوز ذلك وكذلك ذكر ابن عقيل في موضع آخر مسألة المشترك صريحا وحكى الخلاف كما نقل الحلواني وهذا قول أبي عبد الله البصري وذكر القاضي في ضمن كلامه ما يدل على أن المشترك على هذا الخلاف وكذلك حكى الجويني في اللفظ المشترك مذهبين أحدهما ذهب إليه ذاهبون من أصحاب العموم إلى أنه يحمل على جميع معانيه ما لم يمنع منه مانع سواء كان حقيقة في الكل أو حقيقة في البعض مجازا في البعض قال: وهذا اختيار الشافعي والمذهب الثاني أنه لا يجوز حمله على الكل واختاره ابن الباقلاني وأعظم الإنكار على من زعم أنه حقيقة في الجميع لأن اللفظة إنما تكون حقيقة إذا انطبقت على ما وضعت له في الأصل وإنما تصير مجازا إذا تجوز بها عن مقتضى الوضع فيصير ذلك جمعا بين النقيضين واختار الجويني أنه لا يحمل ذلك على الكل بإطلاقه ولا يفيد العموم
1من الآية "22" من سورة النساء.
لأنه صالح لإفادة معان على البدل ولم يوضع وضعا مشعرا بالاحتواء فأما إرادة الجميع بقرينة فجائز وسواء كان فيها حقيقة أوفي أحدها وهذا هو الصحيح لأنه يحسن التصريح به وذكر القاضي في ضمن مسألة ما يحكم به من جهة القياس على أصل منصوص عليه المراد بالقياس في حجة المخالف أنه لا يجوز أن يراد بالعبارة الواحدة معنيان مختلفان1 في حال واحدة فلم يمنع ذلك لكن قال: إن المعنيين إذا كانا مختلفين جعلنا النص كأن الله تكلم به في وقتين ثم ضرب على "تكلم" وكتب: "أمر به في وقتين" وأراد به أحد المعنيين في وقت والمعنى الآخر في الوقت الآخر وكذلك وجدت قول الحنفية في كتبهم كما حكينا عنهم في المجاز والمشترك وبالجواز كذلك قال عبد الجبار: والمنع فيهما قال أبو الخطاب: وحكى الجواز عن شيخه وعن الشافعية2 كالمذهبين وذكر القاضي في أوائل العدة أنه قد قيل انه لا يجوز حمل اللفظ الواحد على حقيقتين مختلفتين ولا على الحقيقة والمجاز ونصر ذلك واستدل بإجماع الصحابة على اختلافهم في لفظ القرء وأنهم أجمعوا على الفرض3 المولى وله موليان من فوق ومن أسفل ولم يذكر في هذا الموضع خلاف هذا القول.
قال الطرطوشى في أية الملامسة قولكم لا يجوز حمله على الحقيقة والمجاز فاللفظ هنا حقيقة فيهما فلا نسلم ما قالوه وإنما هو عام يتناول الجميع كالحدث يتناول إطلاقه جميع الأحداث وهو حقيقة في الجماع وما دونه وكاللون والعين حقيقة في جميع الألوان الأبيض والأسود وغيرهما وكذلك العين حقيقة في عين الرجل وعين الشمس وكذلك كل لفظ احتمل الطلاق وغير الطلاق كان حقيقة في الطلاق والأصل في هذا أن اللفظ المحتمل لشيئين فصاعدا هو حقيقة في محتملاته وإنما المجاز ما تجوز به عن موضوعه واستعمل في غير ما وضع له.
1 في د "معنيين مختلفين" خطأ في العربية.
2 في د "الشافعي".
3 هكذا في النسخ الثلاث ولعله قد سقطت كلمة.
فرع [والد شيخنا] اختلف القائلون بالمنع من استعمال المشترك المفرد في مفهوماته على الجميع فيما إذا كان بلفظ الجمع سواء كان في جانب النفي أو الإثبات هل يجوز على مذهبين فإن كان بلفظ الواحد المفرد منكرا في جانب النفي كقوله: "لا تعتدي بقرء" فقال أبو الخطاب هو كالمشترك في الإثبات ومنعه قال: والذي يظهر لي أنها كالتي قبلها إذ قوله: لا تعتدي بالإقراء هو محل الخلاف
[شيخنا] فصل:
استدل القاضي على أن اللفظ الواحد يجوز أن يكون متناولا لموضع الحقيقة والمجاز بقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 1 متناول للرقبة الحقيقية ولغيرها من الأعضاء على طريق المجاز وكذلك قوله: "اشتريت كذا وكذا رأسا من الغنم" متناول للرأس الذي هو العضو المخصوص ولسائر الأعضاء.
قال شيخنا قلت: هذا نقل اللفظ من الخصوص إلى العموم وهو من باب الحقيقة العرفية لأن الرأس أدخل في اللفظ من سائر الأعضاء بهذا الوضع لكن اجتمع فيه الوصفان فهو مدلول عليه بهما جميعا فليس هذا من موارد النزاع لكن تقرير كلامه أنه إذا صار يعم موضع الحقيقة وغيره حقيقة فلان يكون ذلك مجازا أولى لكن يقال لفظه في صدر المسألة يجوز أن يكون اللفظ الواحد متناولا لموضع الحقيقة والمجاز فيكون حقيقة من وجه مجازا من وجه آخر وعلى هذا التقرير يكون مجازا فيقال هذا في تعميم الخاص نظير البحث في تخصيص العام إلا أنه هناك نقصت الدلالة وهنا زيدت فكما أنه هناك يقال هو حقيقة في دلالته على الباقي مجازا أو لا حقيقة ولا مجاز في عدم دلالته على الخارج يقال هنا هو حقيقة في دلالته على مسماه الأول مجاز في الزيادة على ذلك واستدل أيضا بقولهم عدل العمرين عند من يقول هما أبو بكر وعمر2 والمنصوص عن أحمد
1 من الآية "92" من سورة النساء.
2 من الناس من ذهب إلى أنهما عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز.
خلافه قال: هو حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر وكذلك قولهم مالنا طعام إلا الأسودان التمر والماء قاله القاضي
فصل: "في وجوه المجاز"
منها: أن يستعمل اللفظ في غير ما هو موضوع له نحو الحمار أطلقوه على البليد واسم الأسد أطلق على الرجل الشجاع.
ومنها: المستعمل في موضعه وغير موضوعة كقوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} 1 يتناول الرقبة وجميع الأعضاء.
وكذلك إطلاق الشيء على ضده كإطلاقهم السليم على اللديغ والمفازة على المهلكة.
ومنها: الحذف كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 2 {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} 3.
ومنها: الصلة كقوله: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} 4 يعنى بما كسبتم.
ومنها: أن يطلق اسم المصدر على المفعول كضرب فلان وخلق الله وعلى الفاعل كرجل عدل.
ومنها: إطلاق اسم المفعول كقوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} 5 أي مرضية وعلى المصدر كقولك: "تخشى اللائمة" يعنى اللوم.
ومنها: إطلاق اسم المدلول على الدليل يقال سمعت علم فلان أي عبارته عن علمه الدال عليه.
ومنها: أن يطلق اسم المسبب على السبب كإطلاقهم اسم الرحمة على المطر قال: فهذه جملة وجوه للمجاز.
1 من الآية "92" من سورة النساء.
2 من الآية "82" من سورة يوسف.
3 من الآية "93" من سورة البقرة.
4 من الآية "30" من سورة الشورى.
5 من الآية "21" من سورة الحاقة.
قال شيخنا رضى الله عنه قلت: جماعها إما زيادة وإما نقص وإما نقل والنقل إما إلى النظير وإما إلى الضد وإما إلى الأصل وإما إلى الفرع وقد دخل في الأصل السبب والفاعل وفي الفرع الدليل والمفعول والمصدر بالنسبة إلى الفاعل.
فصل:
لما قال المخالف: المجاز كذب لأنه يتناول الشيء على خلاف الوضع قال القاضي: هذا خرق للإجماع لأنهم استحسنوا التكلم بالمجاز مع استقباحهم الكذب قال: وعلى أن الكذب يتناول الشيء على غير طريق لمطابقة والمجاز قد يطابق الخبر من طريق العرف وإن كان لا يطابق من طريق اللغة.
قال شيخنا قلت: هذا المجاز هو الحقيقة العرفية فليس هو المجاز المطلق وقال القاضي أيضا.
فصل:
يصح الاحتجاج بالمجاز والدلالة عليه أن المجاز يفيد معنى من طريق الوضع [كما أن الحقيقة تفيد معنى من طريق الوضع] إلا ترى إلى قوله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} 1 يفيد المعنى وإن كان مجازا لأن الغائظ هو الموضع المطمئن من الأرض استعمل في الخارج قال: وكذلك قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، لَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 2 ومعلوم أنه أراد غير الوجوه ناظرة لأن الوجوه لا تنظر وإنما الأعين وقد احتج الإمام أحمد بهذه الآية في وجود النظر3 يوم القيامة في رواية المروذى والفضل بن زياد وأبى الحارث.
وأيضا فإن المجاز قد يكون أسبق إلى القلب كقول الرجل لصاحبه [تعال] أبلغ من قوله: يمنة ويسرة وكذلك قوله: "لزيد على درهم" مجاز وهو أسبق
1 من الآية "43" من سورة النساء.
2 من الآيتان "22""23" من سورة القيامة.
3 في ب د "وجوب النظر".
إلى النفس من قوله: يلزمني لزيد كذا درهم وإذا كان يقع بالمجاز أكثر مما يقع بالحقيقة صح الاحتجاج به.
قال شيخنا قلت: كلامه كأنه يشتمل على أن المجاز يصير حقيقة عرفية أو أنه يكون هو الظاهر لما اقترن به فيكون هو الظاهر إما لاستعمال غالب وإما لاقتران مرجح فإما مجردا وإما مقرونا وقد يكون أدل على المقصود من لفظ الحقيقة وقوله أسبق إلى القلب يراد به أن معنى لفظ المجاز أسبق من معنى حقيقة لفظ المجاز وأن ذلك المعنى أسبق من حقيقة ذلك المعنى فإن معنا حقيقتين حقيقة بآراء لفظ المجاز وحقيقة بإزاء معناه تلك عدل عن معناها وهذه عدل عن لفظها فالمتكلم بالمجاز لا بد أن يعدل عن معنى حقيقة وعن لفظ حقيقة أخرى إلى لفظ المجاز ومعناه.
[والد شيخنا] فصل:
الذين جوزوا استعمال اللفظ المفرد في مفهوميه سواء كانا حقيقيتين أو أحدهما حقيقة والآخر مجازا اختلفوا فيه إذا تجرد عن القرائن المعينة له في أحد المفهومين هل يجب حمله عليهما أو يكون مجملا فيرجع إلى مخصص من خارج ونقل عن الشافعي وابن الباقلاني أنهما قالا بالأول وصرح القاضي وابن عقيل بالثاني وهذا مراد القاضي فيما ذكره في أول العدة والأول في غاية البعد.
وقال القاضي في آخر الكفاية إن كان بلفظ المفرد فكذلك وإن كان بلفظ الجمع فكالمنقول عن الشافعي إن لم يتنافيا وإن تنافيا فكالثاني.
[شيخنا] فصل:
ذكر القاضي من بيان الجملة قوله: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} 1
1 من الآية "7" من سورة النساء.
قال ثم بينه بقوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 وبحديث الجدة وبالإجماع على أن للجدتين السدس وللجد من الأب السدس.
"شيخنا" فصل:
إذا قال: لا تعط زيدا حبة فهذا عند ابن عقيل وغيره في اقتضائه النهي عن إعطاء قيراط من باب فحوى الكلام وذكر عمن قال: هذا من باب اللفظ وخالفه بأن للدينار والقيراط اسما يخصه ويخرجه عن دخوله في لفظ الحبة فيقول القائل لم آخذ حبة لكن دينارا وما سلمت عل زيد لكن على أهل القرية وإن كان فيهم زيد فللتخصيص حكم غير التعميم والشمول.
قال شيخنا حاصله أنه يقصد نفي الواحد من الجنس لا نفي الجنس بخلاف ما صار يفهم منه كما قيل مثل هذا في قوله: ما رأيت رجلا بل رجالا وهذا قريب لأن دلالة الفحوى قطعية بالعرف ثم التزم أنه إذا ادعى عليه دينارا فقال لا يستحق على حبة لم يكن جوابا قائما مقام قوله: لا يستحق على ما ادعاه ولا شيئا منه واعتذر بأن هذا لم يكن لأنه ليس بمستفاد من طريق فحوى اللفظ لا المعنى لكن لأنه ليس بنص ولا يكتفي في دفع الدعوى إلا بالنص دون الظاهر ولهذا لا يقبل في يمين المدعى والله إني لصادق فيما ادعيته عليه ولا يكتفي في يمين المنكر والله انه لكاذب فيما ادعاه على كل ذلك طلبا للنص الصريح دون الظاهر.
قال شيخنا: والصواب أن هذا نكرة فيعم جميع الحبان كسائر النكرات ولكن اقتضاؤه لما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى إلا أن يقال مثل هذه الكلمة قد صارت بحكم العرف حقيقة في العموم فيكون هذا أيضا من باب الحقيقة العرفية لا من باب الفحوى فهذا الباب يجب أن يميز فيه ما عم بطريق الوضع اللغوي وما عم بطريق الوضع العرفي وما عم بطريق الفحوى
1 من الآية "11" من سورة النساء.