الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اللفظ وهكذا كل دلالة لزومية فإن ما يخلفها هل يجعل اللفظ مجازا وهل يكون بمنزلة التخصيص.
مسألة: إذا تاب الغاصب وهو في وسط دار مغصوبة
فخرج منها تائبا لم يكن عاصيا بحركات خروجه ومشيه فيها اختاره ابن عقيل وهو قول جماعة الشافعية والأشعرية وقال قوم من المعتزلة وغيرهم من المتكلمين لا تصح [توبته] حتى يفارقها وهو عاص [بمشيه] في خروجه.
وذكر ابن برهان أن المذهب الأول مما أجمع عليه كافة الفقهاء والمتكلمين وحكى المذهب الثاني عن أبي شمر المرجئ وذكر الجويني أنه قول أبي هاشم وأنه قد عظم النكير عليه من جهة أن هذا الشخص لم يأل جهدا في الإمتثال وإذا كانت حركاته امتثالا استحال جعلها عليه عدوانا ويفارق هذا الصلاة في الدار الغصب لأن العدوان ثم غير مختص بالصلاة وحكمها فانفصلت الصلاة عن مقتضى النهي عن الغصب والأمر ها هنا بالخروج نحن مدفوعون إليه مباين للعدوان مناقض لاستصحاب حكم العدوان عليه وهذايلزم أبا هاشم حدا لأنه جعل كون الغاصب في الدار يمنع كونها طاعة في جهة الصلاة ورأى تقدير الجهتين تناقضا فكيف يحكم للخارج الممتثل باستمرار حكم العدوان عليه واختار الجوبني بعد كلام قرره أن هذا الفعل طاعة من وجه ومعصية من وجه كما في مسألة الصلاة في المغصوبة فهو طاعة من حيث الخروج وأخذه في ترك الغصب حسب الإمكان ومعصية من حيث انه كون في ملك الغير مستندا إلى فعل متعد فيه.
قال الجويني ومما أخرجوه على ذلك ما لو أولج في آخر جزء من الليل عالما بأنه لا يتصور منه النزع إلا في جزء من النهار وفرضنا تصور ذلك وفعل ذلك فسد صومه بالنزع لأنه تسبب إلى المخالطة مع مقارنة الفجر بخلاف من ظن بقاء الليل فإنه في فسحه ثم طلع الفجر فبادر النزع فإنه معذور.
قلت وأحسن من هذا تمثيلا مسألة فيها عن أحمد روايتان منصوصتان وهو
من قال لزوجته: إذا وطئتك فأنت طالق ثلاثا إذا وطئتك فأنت على كظهر أمي فهل يحل له الإقدام على الوطء فيه روايتان فإذا قلنا يحل له فيجب على قياسها أن يكون الخارج في مسألة الغصب ممتثلا من كل وجه وإن قلنا لا يحل توجه لنا كقول أبي هاشم والجويني والله أعلم.
ويشبه ذلك ما لو توسط جمعا من الجرحى متعمدا وجثم على صدر واحد منهم وعلم أنه إن بقى مكانه أهلك من تحته وإن انتقل عنه لم يجد موضع قدم إلا بدن آخر يهلك بانتقاله إليه فقول أبي هاشم فيها كما سبق في التي قبلها وقال الجويني المقطوع به عندي سقوط التكليف عن هذا مع استمرار سخط الله عليه وغضبه أما سقوط التكليف فلأنه يستحيل تكليفه ما لا يطيقه ووجه دوام العصيان عليه تسببه إلى ما لا مخلص1 له منه حتى لو فرضنا حصوله كذلك في وسطهم بغير تعد منه بأن ألقاه غيره فلا تكليف ولا عصيان [ح] وذكر ابن عقيل نحوا من هذا في مسألة ما إذا وطىء فطلع عليه الفجر فقال إن وقع على الجرحى بغير اختياره لزمه المكث ولا يضمن ما تلف بسقوطه وإن تلف شيء باستمرار مكثه أو بانتقاله لزمه ضمانه واختار ابن عقيل في مسألة التائب العاجز عن مفارقة المعصية في الحال أو العاجز عن إزالة أثرها مثل متوسط المكان المغصوب ومتوسط الجرحى أنه تصح توبته ولا تقف صحتها على مفارقة ذلك المكان ولا مشيه وسعيه في عرصة الدار الغصب خارجا عصيان بل هو مع العزم والندم تارك مقلع.
ومن ذلك إذا طيب بدنه متعمدا ثم تاب وجعل يغسل الطيب بيده قاصدا لإزالته أو غصب عينا من الأعيان ثم ندم وشرع في حملها [على2 رأسه] إلى صاحبها أو جعل يرسل الصيد الذي صاده في الإحرام والحرم من الإشراك3
1 في ب "ما لا محيص له – إلخ".
2 ساقط من ا.
3 الأشراك: جمع شرك.
والرامي بالسهم إذا خرج السهم عن محل مقدرته1 فندم وإذا جرح ثم تاب والجرح [مازال إلى السراية] 2 فعنده في جميع هذه المواضع الإثم ارتفع بالتوبة والضمان باق وعند المخالف هو عاص إلى أن ينقضي3 أثر المعصية بخلاف ما لو كان ابتداء الفعل غير محرم مثل أن يستعير دارا فتنتقل إلى غير المعير فيخرج منها أو [يجنب] 2 في المسجد فيخرج منه أو طلع عليه الفجر وهو مخالط لأهله فنزع فإن هذا غير آثم بالاتفاق وقال ابن عقيل في مسألة الجرحى لا يجوز أن ينتقل إلى آخر قولا واحدا لأنه لا يحصل مبتدأ بالجناية كما لو سقط من غير اختياره فحصل سقوطه على واحد لم يجز له عندنا جميعا أن ينتقل فيقف متندما متمنيا أن يخلق الله له جناحين يطير بهما أو يدلى إليه حبل يتشبث4 به فإذا علم الله ذلك منه كان ذلك غاية جهده وصار بعد جهده كحجر أوقعه الله على ذلك الجريح كما قال الفقهاء في النار الملقاة في السفينة: إنه إن غلب على ظنه أن النجاة في البقاء أو في الفاء نفسه وجب ذلك وإن غلب على ظنه أن النجاة فيهما خير وإن غلب على ظنه أن الهلاك فيهما وقف ولم يعن على قتل نفسه.
ومن جملة صور المسألة توبة الداعي إلى البدع إذا لم يتب من أصله ولأصحابنا فيها وجهان وربما قيل روايتان ونظير هذه المسألة توبة المبتدع الداعي إلى بدعته وفيها روايتان أصحهما الجواز والأخرى اختيار ابن شاقلا لإضلال غيره وكذلك توبة القاتل قد تشبه هذه وفيها روايتان.
وأما أبو الخطاب فقال لا نسلم أن حركات الغاصب للخروج طاعة ولا مأمور بها وإنما هي معصية إلا انه يفعلها لدفع أكثر المعصيتين بأقلهما لأن دوامه في
1 في ا "محل قدرته".
2 مكان هذه العبارة غير ظاهر في ب.
3 في ا "يقتضي" وليس بشيء.
4 في ا "ينشب به" وكلتا العبارتين صحيحة.
الدار معصية تطول وخروجه معصية قليلة ولهذا لو قصد إنسانا مؤمنا ليقتله ظلما فهرب منه فاختبأ فجاء إلى من قد رآه فقال رأيت الذي فر منى كان له أن يقول لم أره ليدفع أعظم المعصيتين بأقلهما.
والتحقيق أن هذه الأفعال يتعلق بها حق الله وحق الآدمي فأما حق الله فيزول بمجرد الندم وأما حقوق العباد فلا تسقط إلا بعد أدائها إليهم وعجزه عن إيفائها حين التوبة لا يسقطها بل له أن يأخذ من حسنات هذا الظالم في الآخرة إلى حين زوال الظلم وأثره كما له أن يضمنه ذلك في الدنيا إذ لو كان عليه ديون من ظلم عجز عن وفائها أو قتل نفوسا لم يستحل أربابها ولا يعرفهم وكلام ابن عقيل يقتضى ذلك فإنه شبهه بمن تاب من قتل أو إتلاف أموال محترمة مع بقاء أثر ذلك القتل والإتلاف لكنه ادعى أن توبته في هذه المواضع تمحو جميع ذلك وهذا لإطلاق إن لم يقيد وإلا فليس بجيد ثم ذكر أن الإثم واللائمة والمعتبة تزول عنه من جهة الله وجهة المالك ولا يبقى إلا حق الضمان للمالك1.
قلت هذا ليس بصحيح بدليل أن الجارح لو تاب بعد الجرح لم يسقط عنه القود وكذلك الذي أوقع نفسه على نيام فمات أحدهم بمكثه عليه فإنه يجب عليه القود ولو كان كالمخطئ لم يجب عليه إلا الدية وكذلك التائب بعد وجوب القود لا يسقط عنه ولو كان مخطئا من الإبتداء لما وجب عليه إلا الدية فقد فرقت الشريعة بين من كان معذورا في ابتداء الفعل وبين التائب في أثناء الفعل وأثره فهذا القول الثالث هو الوسط لمن يتأمل وهكذا هو القول فيمن أضل غيره معتقدا أنه مضل وأما من كان لا يرى أنه مضل فهو كالكافر إذا قتل مسلما أو دعا إلى الكفر ثم تاب فإن جميع معاصيه اندرجت في ضمن اعتقاده وأظن هذا قول الجويني.
1 بهامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله".