الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه وسلم توقفنا عندها فلم نقطع حتى يبين الله لنا فيها أو يخبر الرسول فقال قال الله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 1 فكنا نقف عند الولد لا نورثه حتى ينزل الله2 إن القاتل لا يرث ولا عبد ولا مشرك وقال في كتاب طاعة الرسول قوله: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فالظاهر يدل على أنه من وقع عليه اسم سارق وإن قل فقد وجب عليه القطع ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا قطع في ثمر ولا كثر" دل ذلك على أنها ليست على ظاهرها وأنه على بعض السراق دون بعض واحتجاجه في المسائل بالعموم كثير وقال أبو بكر عبد العزيز في مجموع له قد أبان أبو عبد الله أحمد عموم الخطاب فلا يخصه إلا بدليل وذكر كلاما كثيرا.
فصل:
لفظ العموم والخصوص جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: "عم فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض" وقوله: "فعليك بخويصة نفسك وإياك وعوامهم" وقوله: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده" 3 وقول أبي هريرة4 فعم وخص وجاء لفظ الخصوص في القرآن ولم يجيء لفظ العموم وتكلم بهما في الأدلة الأئمة كالشافعي وأحمد.
1 من الآية "11" من سورة النساء.
2 في ا "حتى يبين الله".
3 في ب "بعذاب منه".
4 في امكان أبي هرية كلمة لم أستطع قراءتها.
مسألة: يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني
كقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 ومعلوم أنه لم يرد نفس العين بل الفعل فيحمل على كل فعل من بيع
1 من الآية "3" من سورة المائدة.
وأكل وغيرهما وكذلك: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" ونحوه هذا [ح] قول كثير من الشافعية منهم صاحب اللمع في كتابه وهو ظاهر كلام إمامنا وقول أصحابنا القاضي وغيره وإليه ذهب بعض الشافعية وقال أكثر الحنفية وبعض الشافعية لا يثبت العموم في ذلك بل هو مجمل واختاره القاضي في أوائل العدة وآخر العمدة وزعم أن أحمد قد أو ما إليه وذكر عنه كلاما لا يدل عندي على ما قال: بل على خلافه [ز] واختار القاضي في الكفاية الأول قال القاضي: يصح ادعاء العموم في المضمرات والمعاني أما المضمرات نحو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ} 2 ومعلوم أنه لم يرد نفس العين لأنها فعل الله وإنما أراد أفعالنا فيها فيعم تحريمها بالأكل والبيع وكذلك قوله: "لا أحل المسجد لجنب" ليس المراد عين المسجد وإنما المراد به أفعالنا فهو عام في الدخول واللبث وكذلك قوله: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" لا يمكن رفعه لأنه قد تقضى والمراد به حكمه فهو عام في المآثم والحكم وكذلك قوله: "لا نكاح إلا بولي وشاهدين" عام في الصحة والكمال وقد قال أحمد في رواية صالح في الرجل يحدث نفسه: بما إن سكت عنه خاف أن يكون قد أشرك وذهب دينه فقال يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم" فاستعمل هذا في رفع المأثم3 وقد استعمله في رفع الحكم في رواية قال: وذهب الأكثر من أصحاب أبي حنيفة و [أصحاب] 4 الشافعي إلى أنه لا يعتبر العموم في ذلك قال: ودليلنا قوله: رفع فقد علم أنه ما أراد به نفس الفعل لأنه لا يمكن رفعه بعد وقوعه وكذلك قوله: "لا نكاح إلا بولي" لا يمكن رفعه بعد وقوعه وإنما أراد ما تعلق بذلك الفعل والعقد فصار اللفظ محمولا على
1 من الآية "3" من سورة المائدة.
2 من الآية "96" من سورةالمائدة.
3 في ا "رفع الإثم".
4 ساقط من ا.
ذلك بنفسه لا بدليل وقد حصل تقديره كأنه قال: رفع عن أمتي ما تعلق بالخطأ والنسيان فيعم المآثم والحكم و "لا نكاح إلا بولي" يعم الكمال والصحة وكذلك: {لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} 1 قد علمنا انه لم يرد تبيين اللفظ بل أراد ذلك وما هو أعلى منه فصار كأنه قال: لا يقر بهما وكان قد كتب أولا أما المضمرات نحو قوله: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" وأما المعاني نحو قوله: أينقص الرطب إذا يبس اللفظ في الرطب والتعليل يعم فيستعمل عمومه في الرطب وغيره وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية الميمونى ومنع من بيع رطب2 بيابس من جنسه واحتج في ذلك بالحديث فجعل تعليله عاما [في المعاني] 3 وقال أيضا نحو قوله تعالى: {لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} هو خاص في التأفيف من جهة اللفظ وهو عام في المعنى في الضرب وغيره وكذلك قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} 4 هو خاص في اللفظ للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عام في جميع الناس وقد أومأ أحمد إلى هذا لأنه احتج على رهن المصحف من الذمي بنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو واحتج على إبطال شفعة الذمي على المسلم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اضطروهم إلى أضيق الطرق" فدل على أن اللفظ حقيقة عنده في غير ما هو موضوع له وقال في رواية صالح إلى آخره وأظنه قد كان كتب أولا أنه يدعى العموم في المضمرات دون المعاني وكلامه الذي استقر عليه إنما ذكر فيه عموم المضمرات وسكت عن عموم المعاني وكان قد قال: إن قوله: {لَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} و {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} ونحوه ليس بعام على سبيل الحقيقة وإنما استعمل في تلك الأشياء على طريق التنبيه لا العموم.
قال القاضي واحتج المخالف أن اللفظ اقتضى تحريم العين نفسها فإذا حمل
1 من الآية "23" من سورة الاسراء.
2 في ا "بيع الرطب بيابس
…
إلخ".
3 كلمة "في المعاني" ساقطة من ا.
4 من الآية "65" من سورة الزمر.
على الفعل يجب أن يصير مجازا كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} 1 قال: والجواب أن هذا وإن لم يتناول ذلك نطقا فهو المراد من غير دليل ويفارق هذا: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ونحوه لانا لم نعلم أن المراد به أهلها باللفظ لكن بدليل لأنه لا يستحيل جواب حيطانها في قدرة الله فاحتاج إلى دليل يعرف به أنه أراد أهلها.
قال شيخنا: قلت: مضمون هذا أن القرينة العقلية إذا عرف المراد بها لم يكن اللفظ مجازا بل حقيقة فكل ما حمل اللفظ عليه بنفس اللفظ مع العقل فهو حقيقة [2أو أنه يحتمل أن يكون هذا حقيقة عرفية لكن كلامه اقتضى أن ما فهم من اللفظ من غير دليل منفصل فهو حقيقة2] وإن لم يكن مدلولا عليه بالوضع وستأتي حكايته عن أبي الحسن التميمي أن وصف الأعيان بالحل والحظر [توسع3 واستعارة كما قال البصري: والصحيح في هذا الباب خلاف القولين أن الأعيان توصف بالحل والحظر3] حقيقة لغوية كما توصف بالطهارة والنجاسة والطيب والخبث ولا حاجة إلى تكليف لا يقبله عقل ولا لغة ولا شرع وحينئذ فيكون العموم في لفظ التحريم وفرق بين عموم الكل لأجزائه وعموم الجميع لأفراده ويختلف عموم لفظ التحريم وخصوصه بالاستعمال.
قلت فقد جعل المضمرات ما يضمر من الألفاظ وجعل المعاني العموم المعنوي من جهة التنبيه أو التعليل أو النظير فهو عموم فيما يعنيه المتكلم سواء كان فيما يعنيه بلفظه الخاص في الأصل أو كان فيما يعنيه بمعنى لفظه وهو العلة والجامع المشترك لكن عليه استدراكات.
أحدها أنه جعل منه قوله: "لا نكاح إلا بولي" وليس كذلك عندنا بل حقيقة النكاح منفية لأن المسمى [هنا] شرعي ليس هو حسيا مثل الخطأ
1 من الآية "82" من سورة يوسف.
2 ما بين المعقوفين ساقط من ا.
3 ما بين هذين المعقوفين ساقط من ب.
والنسيان فإن الخطأ والنسيان وجدا حقيقة بخلاف النكاح فإنه لم يوجد وإنما وجد نكاح فاسد وذلك لا يدخل في الاسم المطلق وهكذا: "لا صلاة إلا بأم الكتاب" و "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" ونحو ذلك.
الثاني استشهاده بأن أحمد احتج بقوله: "تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها" قد يقال ليس من هذا الباب فإن الرفع غير التجاوز فإن الخطأ نفسه لم يرتفع وقد يقال تجاوز عن نفس الخطأ وهو مثل قوله: {وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} 1 وذلك أن الرفع يقتضى العدم والتجاوز لا يقتضى العدم بل لا يكون التجاوز إلا عن موجود.
ثم ذكر القاضي مسألة أخرى فقال لفظ التحريم إذا تعلق بما لا يصلح تحريمه فإنه يكون عموما في الأفعال في العين المحرمة إلا ما خصه الدليل نحو قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 2 و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 3 قال: وحكى عن البصري الملقب بجعل4 أن هذا اللفظ يكون مجازا ولا يدل على تحريم العين نفسها لأن العين فعل الله لا يتوجه التحريم إليها وإنما أراد تحريم أفعالنا فيها فصار اللفظ محمولا على ذلك بنفسه لا بدليل وكل ما حمل اللفظ عليه بنفسه كان حقيقة لا مجازا كقوله: "لا صلاة إلا بطهور" حقيقة هذا رفع الفعل فلما استحال رفعه بعد وقوعه كان معناه حقيقة في رفع حكمه وكذلك ها هنا لأن من أراد أن يحرم على عبده أو ولده شيئا فإنه يقول حرمت عليك كذا فيفهم منه تحريم تصرفه فيه بنفس اللفظ فثبت أن اللفظ نفسه دل على ذلك فكان حقيقة [وقال1 أكثر الحنفية وبعض الشافعية لا يثبت العموم في ذلك بل هو مجمل واختاره القاضي في أوائل العدة وآخر العمدة وزعم أن أحمد قد أومأ إليه وذكر عنه كلاما ما يدل
1 من الآية "16" من سورة الاحقاف.
2 من الآية "3" من سورة المائدة.
3 من الآية "23" من سورة النساء.
4 هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن إبراهيم "فهرست ابن النديم "261 مصر".
على ما قال: بل على خلافه واختار القاضي في الكتاب الأولى] 1.
وذكر ابن برهان أن مذهبهم أن هذا ليس بمجمل ثم منهم من جعله عاما في كل فعل ومنهم من قال: يصرف إطلاقه على كل عين إلى المقصود اللائق بها وذكر أبو الطيب لهم فيه وجهين أحدهما الإجمال والثاني العموم قال: وبه قال قوم من الحنفية.
فصل:
قال القاضي فيجب أن يقولوا إن التخصيص يدخل على المضمرات والمعاني بل هكذا نقول.
[وز] فصل:
إذا قلنا أنه يصح ادعاء العموم في المضمرات كقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 2 فظاهر كلام أصحابنا لا بل صريحه أنه يحرم فيها كل شيء كالأكل والبيع وما أشبههما وقال المقدسي قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} ليس بمجمل وإنما المراد به الأكل دون اللمس والنظر لظهوره من جهة العرف في تحريم الأكل وقد ذكر نحو هذا عن أبي الخطاب والحلواني قال: هي ظاهرة في تحريم التصرف واستدل على أن المراد جميع أنواع التصرف فيها بأدلة ذكرها وكذلك قال ابن عقيل: تحرم جميع الأفعال فيها وقد ذكر أنه قول الجبائي وابنه وعبد الجبار قال: ويحتمل عندي فذكره نقلت من مسائل صالح ابن الإمام أحمد في كلام طويل في دباغ [جلود] 3 الميتة قال صالح: قال [أبي] : إن الله قد حرم الميتة
1 ما بين المعقوفين ساقط من ب وهذه العبارة تعد مكررة مع ما سبق في ص "91".
2 من الآية "3" من سورة المائدة.
3 هذه الكلمة ساقطة من ا.
فالجلد هو من الميتة قلت: فظاهر هذه الآية لا بل صريحها أن هذه الآية عامة في كل نوع من الانتفاع [1إلا أن أبا الخطاب والمقدسي قالا ليست بعامة في كل نوع من الانتفاع] 1 بل يحمل في الميتة على الأكل وها هنا احتج بها أحمد في تحريم الانتفاع بالجلد ثم تبين لي أنه ليس في هذا ما يقتضى عموم الأفعال لأن الجلد من جملة الميتة نفسها فلما حرم الميتة اقتضى على ما قال أبو الخطاب: تحريم الفعل المقصود من كل جزء منها والمقصود من الجلد الانتفاع لا الأكل فيحرم نظرا إلى كونه من الميتة لا إلى عموم الفعل وهذا ظاهر إن شاء الله.
وذكر ابن نصر المالكي2 في الملخص أنه ليس بمجمل وأنه يحمل على المعتاد من التصرف والمقصود من تلك العين في عادة أهل اللغة وعرفهم وما يسبق إلى الفهم3 عند سماعه من ذلك.
[ز] وذكر ابن عقيل العموم وأنه يحرم جميع أفعالنا فيها وذكر القاضي في مسألة الدباغ أنه عام في اللحم والجلد قبل الدبغ وبعده وذكر في مسألة ما لا نفس له سائلة لما احتج عليه بالآية وقيل له التحريم يقتضى التحريم في جميع الوجوه وذلك يقتضي التنجيس قال: التحريم هنا خاص في الأكل بدليل السياق وقوله: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} .
[ز و] فصل:
ذكر عبد الوهاب بن نصر المالكي آيات اعتقدوا أنها عامة وهي مجملة عنده ويقتضى مذهبنا عموم بعضها فلتنظر حرر القاضي أبو يعلى في الكناية ألفاظ الجموع تحريرا حسنا محققا.
1 هذه العبارة ساقطة من ب.
2 في ا "أبو نصر المالكي" تحصحيف.
3 في ب "إلى الوهم".
[ز] فصل:
وذكر المخالف في مسألة العموم أن استعماله في البعض أكثر ولم يمنعه القاضي وكذلك ذكر في حجة أقل الجمع أن استعمال لفظ العموم في الخصوص هو الغالب وأجاب بأن هذا الغالب لا يختص بثلاثة
[ز و] فصل:
قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} 1 مجمل قال المقدسي: ليس بمجمل وإنما المراد به الأكل دون اللمس والنظر قال: لظهوره من جهة العرف في تحريم الأكل.
[ز] فصل:
مقتضى كلام القاضي أن العموم من عوارض الألفاظ والمعاني فإنه قال: المخالف العموم مأخوذ من الخصوص ومنه قولهم مطر عام فأجاب بأن العموم مأخوذ من قولهم عممت الشيء أعمه عموما وعمهم العدل2 والرخص والغلاء وقوله بأنه يصح ادعاء العموم في المعاني والمضمرات يؤيد ذلك وإن كان المعنيان جنسين فلأصحابنا في ذلك ثلاثة أوجه أحدها أنه من عوارض الألفاظ فقط كقول أبي الخطاب والثاني أنه من عوارض اللفظ والمعنى الذهني كقول أبي محمد والغزالي والثالث أنه من عوارضهما مطلقا وهو قول القاضي وأبى محمد وهو أصح أما في الذوات والصفات الشخصية المتعدية المشروطة بالحياة كالعلم والقدرة3 والرضا والغضب والحب والبغض فظاهر لا يقبل خلافا وكذلك في الشخص العام كقوله لعلي: "عم" وأما في المعاني الخارجة التي هي الأنواع ذاتا وصفات فلان القدر المشترك هو مسمى اللفظ وهو عام لأن المطلق
1 من الآية "3" من سورة المائدة.
2 في ب "وعمهم العذاب" وكلتاهما تقال.
3 في ا "بالحياة والقدرة والرضا – إلخ".
لا بشرط التقييد موجود في الخارج وفي الذهن وأما المطلق بشرط عدم التقييد فلا وجود له لا في الخارج ولا في الذهن وبشرط عدم التقييد الخارجي وجوده في الذهن وفرق بين اعتبار الذهن للمطلق وبين تقييده فيه فالكليات المطلقة العامة كلها موجودة في الخارج لكن وجودها فيه مشروط بالتقييد والتخصيص ومسمى اللفظ [فيه] يستوي فيه المقيد وعدم المقيد لأن مسماه لا يشترط فيه قيد ليس هو الذي لا قيد فيه.
فصل:
الأمر المطلق هل يكون أمرا بمفرداته أو يكون عاما فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: العموم قال القاضي: محتجا على جواز القضاء في المسجد دليلنا قوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} 1 ولم يفرق بين أن يحكم في المسجد وغيره فإن قيل هذا أمر بالحكم وليس فيه ما يدل على المكان.
قيل هو أمر بالحكم لكن متى أتى بالمأمور أجزأ ولا يأتي إلا مقرونا ببعض المفردات وهذا أصح.
الثالث:2 أنه ليس مأمورا بها ولا مأذونا فيها.
وسر المسألة أن التعيين هل هو من باب عدم المنهي عنه فيكون في عموم الأمكنة والأزمان إلا ما خصه الدليل القول الثاني أن المفردات ليس مأمورا بها ولا مأذونا فيها استصحابا أو هو من باب المأذون فيه التزاما فيه قولان وقد ذكرنا مثل هذا في الواجب المخير لكن هناك البحث هل التعيين مأمور به أو المأمور به هو المشترك وهنا هل المميز مأذون فيه أو غير ممنوع منه ثم فرق بين أفراد الفعل وبين لوازم الفعل من المكان والزمان والأحوال فالصواب أن مثل هذا لم يتعرض له الأمر لا بإذن ولا بمنع.
1 من الآية "49" من سورة المائدة.
2 هكذا في النسختين بتقديم الثالث على الثاني ولم يظهر لنا وجه ذلك.
فصل:
في العموم التبعى
وهو ما يدخل في اللفظ ضمنا وتبعا لغيره وإن لم يدخل فيه ابتداء سواء كان دخوله فيه مع مطلق الاسم أو لخصوص التركيب وسواء في ذلك عموم الأجزاء وعموم الأفراد فالأول كدخول المؤنث في لفظ المذكر على قول أصحابنا وكدخول إبليس في الملائكة على قول وكدخول الأحلاف والموالى والنزلاء وابن الأخت في ألفاظ القبائل وكدخول الغلمان في مسمى الجنس ودخول النساء في القوم وهذا قد يدخل فيما ينقله العرف من الخاص إلى العام كلفظ الرقبة والثاني كدخول اللباس والنعل والبناء والغراس في لفظ العبد والفرس والأرض لاقترانه بالمبيع ونحوه وهو من باب ما يدخل في مطلق اللفظ وعلى هذا يخرج ما يدخل في لفظ الموصى والواقف وغيرهما وهو باب نافع.
فصل:
فيما يشمله اللفظ في حال دون حال أما في النفي دون الإثبات كالعقد الخالي عن وطء يدخل في مسمى قوله: {وَلا تَنْكِحُوا} ولا يدخل في مسمى قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} والإيمان عندنا على هذا في ظاهر المذهب وعلى هذا قولهم المطلق من الأسماء يتناول الكامل من المسميات إنما هو فيما يقصد إثباته كالماء والرقبة لا فيما يقصد نفيه وعلى هذا لفظ الدرهم والدينار في مطلق البيع مخصوص بما قيده عرف المعاملة وهو باب نافع في لفظ الشارع والمعامل.
وأصل هذا أن اللفظ الواحد تختلف دلالته بحسب التركيب في النفي والإثبات وهو حقيقة في الجميع إذا كان جنس التركيب موضوعا لتقدم استعمال غيره وأما إذا لم يكن نفسه موضوعا كقوله: "رأيت أسدا يكتب" فهنا إنما يفهم بقرينة عقلية وهو العلم بأن البهيمة لا تكتب فتدبر هذا فإنه نافع جدا.
1ثم وضع التركيب قد يكون لغويا وقد يكون عرفيا وهو كثير غالب والعرف يختلف فتختلف دلالة التركيب والجميع حقائق إذا تكرر استعمال ذلك الجنس.
فصل:
في الفرق بين مطلق اللفظ من المعاني
وهو المعنى المطلق عن القيود التي يوجبها اللفظ في حال دون حال وبين اللفظ المطلق فإن الفرق في الإطلاق والتقييد والعموم والخصوص بين اللفظ وبين معاني اللفظ عام المنفعة.
فصل:
قال ابن عقيل للعموم صيغة تدل بمجردها على أن مراد الناطق بها شمول الجنس والصفة مما أدخل عليه والصفة من تلك الصيغ وإنما تنكرت ما سلكه الفقهاء من قولهم للعموم صيغة لما قدمت في الأمر والنهي وأن من قال: بأن الكلام هو عين الحروف المؤلفة لا يحسن به أن يقول إن للعموم صيغة لأن الصيغة هي العموم فكأنه يقول للعموم عموم.
فصل: حررته في تفسير2 صيغ العموم
الألفاظ معارف ونكرات فالمعارف سبعة فكل اسم معرفة ذي أفراد يفيد العموم فأما ما ليس بذي أفراد كالعلم الشخصي فإنما يفيد عموم الكل لأجزائه فيندرج فيه العلم الجنسي والإشارة إلى عدد والمضمرات الجامعة والموصولات والمعرفات باللام والإضافة من الجموع وأسماء الجموع والأجناس المفردة وغير المفردة والمنادى المقصود والنكرة فكل لفظ نكرة في النفي والنهي والاستفهام فانه
1 من هنا إلى آخر الفصل التالي سيكرر في ص "111" و "112".
2 في ا "تقسيم صيغ العموم" وهي أدق.