الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن برهان هو قول الفقهاء قاطبة قال: وأما أصحابنا المتكلمون فتوقفوا في ذلك1.
قلت وقد حكينا هذا فيما مضى عن الأشعرية وبعض الشافعية والتميمي صاحبنا قال ابن برهان: وأما الحنفية فانقسموا في ذلك قسمين كالمذهبين والظاهر أنه يريد المتكلمين منهم والا تناقض قوله.
1 في د "فوافقوا في ذلك" تحريف.
مسألة: فعل النبى صلى الله عليه وسلم يفيد الاباحة إذا لم يكن فيه معنى القربة
فإن كان على جهة القربة ولم يكن بيانا لمجمل أو امتثالا لامر بل ابتداء ففيه روايتان فيما ذكر القاضي احداهما أنه على الندب إلا أن يدل دليل على غيره نقلها اسحاق بن ابراهيم والاثرم وجماعة عنه بألفاظ صريحة واختارها أبو الحسن التميمي والفخر اسماعيل والقاضي في مقدمة المجرد وبها قالت الحنفية فيما حكاه أبوسفيان السرخسى وأهل الظاهر وأبو بكر الصيرفي والقفال والثانية أنها على الوجوب وبها قال أبو علي بن خيران وابن أبي هريرة والاصطخري وابن سريج وطوائف من المعتزلة: حكى ذلك الجوبني وبها قال المالكية واختارها الحلواني والقاضي في مقدمة المجرد وهو قول جماعة من أصحابنا وحكاه في القولين عن ابن حامد وقطع بذلك ابن أبي موسى في الارشاد من غير خلاف وأخذها من قوله في رواية حرب يمسح رأسه كله لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الرأس كله ومن قوله في رواية إذا رمى الجمار فبدأ بالثالثة ثم الثانية ثم الأولى لم يصح قد فعل النبي صلى الله عليه وسلم الرمى وبين فيه سنته وفي رواية الجماعة: "المغمى عليه يقضى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أغمى عليه فقضى" وفي هذا كله نظر لأن فعله للمسح وقع بيانا لقوله: {وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ} 1 ورميه بيانا لقوله: "خذوا عنى مناسككم" وليس النزاع فيمثل ذلك وأما أحاديث الاغماء فإنه لما علم منه الراوى أنه قضى لزم الوجوب لا من مجرد الفعل بل من كونه قضاء
1 من الآية "6" من سورة المائدة.
إذ لو حمل على الندب لخرج على كونه قضاء وقال قوم لا يدل على شيء لأن الصغائر والسهو والنسيان تجوز على الانبياء قال القاضي: وذهبت المعتزلة والأشعرية إلى أن ذلك على الوقف فلا يحمل على وجوب ولا ندب إلا بدليل والقول بالوقف اختيار ابن برهان وأبى الطيب الطبرى وحكاه عن أبي بكر الدقاق وأبى القاسم بن كج قال واليرنجي من أصحابنا أعنى حكى عنهم القول بالوقف واختار الجوبني مذهب الندب إلا في زمن أفعاله وهو ما تعلق بقيل ظهرت فيه خصائصه وكأنه وافق فيه الواقفية.
والد شيخنا وذكر أن عن أحمد ما يقتضى الوقف وأخذه من1 وذهب الجوبني إلى أن أفعاله عليه السلام يتأسى بها فيستبان بها رفع الحرج عن الأمة من ذلك الفعل وزعم أنه قد علم ذلك من حال الصحابة قطعا وأما إذا خوطب بخطاب خاص له بلفظه فإنه وقف في تعدية حكمه إلى أمته حتى يدل عليه دليل وقد سبقت.
ثم إن كان في فعله قصد القربة فاختار مذهب من حمله على الاستحباب دون الوجوب وقال في كلام الشافعى ما يدل على ذلك وحكاه عن طوائف من المعتزلة وذكر مذهب الواقفية وذكر كلاما يقتضى أن معناه أنهم لا يعدون حكمه إلى لامة بوجوب ولا ندب ولا غيرهما إلا بدليل إذ الفعل لا صيغة له وجائز أن يكون من خواصه.
قال المصنف.
فصل:
وفائدة ذلك إنما تظهر في حق أمته إذا قلنا إنهم أسوته فأما على قول من قال: لا يشاركونه إلا بدليل فتقف الفائدة على خاصته والأول قول الجمهور.
1 لم تذكر إحدى النسخ المسألة المأخوذة منها.
[شيخنا] فصل:
وإذا ثبت أن أفعاله على الوجوب فإن وجوبها من جهة السمع خلافا لمن قال: تجب بالعقل هذا كلام القاضي وهذا أخص من التأسى.
فصل:
فأما ما لم يظهر فيه معنى القربة فيستبان فيه ارتفاع الحرج عن الأمة لا غير وهذا قول الجمهور واختاره الجوبني والمحققون من القائلين بالوجوب أو الندب في التي قبلها وغالى قوم ممن قال بالوجوب هناك فذهب [إليه] هنا أيضا وعزاه بعض النقلة إلى ابن سريج قال الجوبني: وهذا زلل وقدر الرجل أجل من هذا وذهب جماعة ممن قال بالندب في التي قبلها إلى الندب هنا احتياطا بصفة التوسط وأما الواقفية فعلى قاعدتهم من الوقف وإنما أعدنا هذه المسألة تحريرا للقول فيها.
قال شيخنا: الوقف في أفعاله له معنيان أحدهما الوقف في تعدية حكمه إلى الأمة وثبوت التأسى وإن عرفت جهة فعله والثاني الوقف في تعيين جهة فعله من وجوب أو استحباب وإن كان التأسى ثابتا والوقف قول أبي الخطاب وذكره عن أحمد وفي الحقيقة هو بالتفسير الثاني يؤول إلى مذهب الندب.
[والد شيخنا] فصل:
في معرفة فعله صلى الله عليه وسلم على أي وجه فعله من واجب وندب واباحة ذكر وجوه كل واحد من هذه الرازى في المحصول قبل النسخ وذكر ذلك أبو الخطاب والقاضي في الكفاية وبسط القول فيه.
[شيخنا] فصل:
قال القاضي: النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل المكروه ليبين الجواز لأنه يحصل فيه التأسى لأن الفعل يدل على الجواز فإذا فعله استدل به على جوازه
وانتفت الكراهية وذكر عن الحنفية أنهم يحملون توضؤه بسؤر الهر على بيان الجواز مع الكراهية.
[شيخنا] فصل:
يحوز النسيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام الشرع عند جمهور العلماء كما في حديث ذي اليدين وغيره وكما دل عليه القرآن واتفقوا على أنه لا يقر عليه بل يعلمه الله به ثم قال الأكثرون: شرطة تنبيهه1 صلى الله عليه وسلم على الفور متصلا بالحادثة ولا يقع فيه تأخير وجوزت طائفة تأخيره مدة حياته واختاره أبو المعالي ومنعت طائفة السهو عليه في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه في الاقوال البلاغية وإليه مال أبو اسحاق الاسفرائيني قال القاضي: عياض واختلفوا في جواز السهو عليه صلى الله عليه وسلم فيما لا يتعلق بالبلاغ وبيان الشرع من أفعاله وعاداته وأذكار قلبه فجوزه الجمهور وأما السهو في الاقوال البلاغية فأجمعوا على منعه كما أجمعوا على امتناع تعمده وأما السهو في الاقوال الدنيوية وفيما ليس سبيله البلاغ من الكلام الذي لا يتعلق بالاحكام ولا أخبار القيامة وما يتعلق بها ولا يضاف إلى وحى فجوزه قوم قال عياض والحق ترجيح قول من منع ذلك على الانبياء في كل خبر من الاخبار كما لا يجوز عليه خلف في خبر لا عمدا ولا سهوا لا في صحة ولا في مرض ولا رضا ولا غضب وأما جواز السهو في الاعتقادات في أمور الدنيا فغير ممتنع.
قال شيخنا: سيأتي ما يتعلق بهذه في مسألة اجتهاده صلى الله عليه وسلم ودعوى الاجماع في الأقوال البلاغية لا يصح وإنما المجمع عليه عدم الإقرار فقط وقوله لم أنس ولم تقصر وقوله في حديث إليهودية إنما تفتن إليهود ثم بعد أيام أوحى إليه أنه يفتنون2 يدل على عدم ما رجحه عياض.
1 في د "شرطه تبيينه".
2 لعل أصله "أنهم يفتنون".
[شيخنا] فصل:
في دلالة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم على الأفضلية وهي مسألة كثيرة المنفعة وذلك في صفات العبادات وفي مقاديرها وفي العادات وكذلك دلالة تقريره وهي حال أصحابه على عهده وترك فعله وفعلهم وكذلك في الاخلاق والاحوال.
[شيخنا] فصل:
في دلالة أفعاله العادية على الاستحباب أصلا وصفة كالطعام والشراب واللباس والركوب والمراكب والملابس والنكاح والسكنى والمسكن والنوم والفراش والمشي والكلام.
واعلم أن مسألة الأفعال لها ثلاثة أصول.
أحدها أن حكم أمته كحكمه في الوجوب والتحريم وتوابعهما إلا أن يدل دليل يخالف ذلك وهذا لا يختص بالأفعال بل يدخل فيه ما عرف حكمه في حقه بخطاب من الله أو من جهته ولهذا ذكرت هذه في الأوامر أعنى مسألة الخطاب وقد ذكر عن التميمي وأبى الخطاب التوقف في ذلك وأخذا من كلام أحمد ما يشبه رواية والصواب عنه العكس وعلى هذا فالفعل إذا كان تفسيرا لمجمل شملنا وإياه وامتثالا لأمر شملنا وإياه لم يحتج إلى هذا الأصل وقد يكون هذا من طريق الأولى بأن يعلم سبب التحريم في حقه وهو في حقنا أشد وسبب الإباحة أو الوجوب.
الأصل الثاني أن نفس فعله يدل على حكمه صلى الله عليه وسلم إما حكم معين أو حكم مطلق وأدنى الدرجات الإباحة وعلى تعليل التميمي لتجويز الصغائر يتوقف في دلالته في حقه على حكمه وقد اختلف أصحابنا في مذهب أحمد هل يؤخذ من فعله على وجهين ومثل هذا تعليله بتجويز النسيان والسهو لكن
هذا مأخذ رديء فإنه لا يقر على ذلك والكلام في فعل لم يظهر عليه عتاب فمتى ثبت أن الفعل يدل على حكم كذا وثبت أنا مساوون له في الحكم ثبت الحكم في حقنا.
الأصل الثالث أن الفعل هل يقتضى حكما في حقنا من الوجوب مثلا وإن لم يكن واجبا عليه كما يجب على المأموم متابعة الإمام فيما لا يجب على الإمام وعلى الجيش متابعة الإمام فيما لا يجب على الإمام وعلى الحجيج موافقة الإمام في المقام بالمعرف إلى إفاضة الإمام هذا ممكن أيضا بل من الممكن أن يكون سبب الوجوب في حقه معدوما في حقنا ويجب علينا لأجل المتابعة ونحوها كما يجب علينا الرمل والاضطباع مع عدم السبب الموجب له في حق الأولين أو سبب الاستحباب منتفيا في حقنا وقد نبه القرآن على هذا بقوله: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} 1 فصار واجبا عليهم لموافقته ولو لم يكن قد تعين الغزو2 في ذلك الوقت إلى ذلك الوجه وهذا الذي ذكرناه في المتابعة قد يقال في كل فعل صدر منه اتفاقا لا قصدا كما كان ابن عمر يفعل في المشي في طريق مكة وكما في تفصيل إخراج التمر وهذا في الاقتداء نظير الامتثال في الأمر فالفائدة قد تكون في نفس تهدينا بهديه وبأمره وفي نفس الفعل المفعول المأمور به والمقتدى به فيه فهذا أحرى في الاقتداء ينبغي أن يتفطن له فإنه لطيف وطريقة أحمد تقتضيه وهذا في الطرف الآخر من المنافاة لقول من قال: إن المأمور به قد يرتفع لارتفاع علته من غير نسخ فإن أحمد تسرى لأجل المتابعة واختفي ثلاثا لأجل المتابعة وقال ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطى الحجام دينارا وكان يتحرى الموافقة لجميع الأفعال النبوية.
1 من الآية "120" من سورة التوبة.
2 في د "العرف".
[شيخنا] فصل:
احتج القائل بأن فعله لا يدل عل وجوبه علينا بأن المتبوع أوكد حالا من المتبع فإذا كان ظاهر فعله لا ينبئ عن وجوبه عليه فلان لا يدل على وجوبه علينا أولى فقال القاضي هذا يبطل على أصل المخالف بالأمر فإنهم يجعلونه دالا على الوجوب في حق غيره ولا يدل عل وجوبه عليه لأن الأمر لا يدخل تحت الأمر عندهم قال: وعلى أنا نقول إن ظاهر أفعاله تدل على الوجوب في حقه كما يدل على ذلك في حق غيره كما قلنا في أوامره هي لازمه له وهو داخل تحتها كالمأمور سواء ولا فرق بينهما وهذا قياس المذهب.
[شيخنا] فصل:
وليس تركه موجبا علينا ترك ما تركه استدل به المخالف وسلمه القاضي له من غير خلاف ذكره ونقضه بالأمر فإن ترك الأمر لا يوجب ترك ما ترك الأمر به وأمره يوجب امتثال ما أمر به1.
1 إلى هنا ينتهي السقط من نسخة الذي نبهنا إليه في ص "186".
مسألة1: شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا
بنسخه في أصح الروايتين وبها قال الشافعي وأكثر أصحابه: واختاره القاضي والحلواني وأبو الحسن التميمي وبها قالت الحنفية والمالكية وابن عقيل والمقدسي والثانية لا يكون شرعا لنا إلا بدليل واختارها أبو الخطاب وبه قالت المعتزلة والأشعرية وعن الشافعية كالمذهبين واختار الأول أبو زيد فيما كان مذكورا في القرآن.
ثم القائلون بكونه شرعا لنا منهم من خصه بملة إبراهيم وهو قول بعض الشافعية ومنهم من خص ذلك بشريعة موسى ومنهم من خصه بعيسى لأن شرعه آخر الشرائع قبله وعندنا أنه لا يختص بذلك بل كان متعبدا بكل ما ثبت
1 وقعت هذه المسألة في ب متأخرة عن الفصل الذي يليها وقبل مسائل النسخ مباشرة وفي د "فصل شيخنا" بدل مسألة.
شرعا لأي نبي كان إلى أن يعلم نسخه وهذا مذهب المالكية وعلى كلا المذهبين فلا شك في جواز ذلك عقلا إلا عند طائفة من المعتزلة.
فصل: متعلق بشرع من قبلنا
وهو ما خاطب الله به أهل الكتاب على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ} 1 في سورة البقرة إلى قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} 2 وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} 3 واستدلال عموم الأمة بمثل هذه الآيات في الأحكام دليل على تناول حكمها لسائر الأمة وهذا يليق أن يذكر عند مسألة إذا أمر الله نبيه بشيء أو شرع له شيئا فإن مشاركة بعض أمته بعضا في الأحكام كتابيهم وأميهم أقوى من مشاركتهم له لكن هل يدخل بقية الأمة من [حيث هم] أهل كتاب أيضا كقوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} 4 أو يدخل علماؤهم وإن دخلوا فهل يدخلون بالعموم اللفظي أو المعنوي هذا يحتاج إلى بسط..
[والدلالة على تناول خطابهم لنا قوله عقيب قصة بني النضير: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 5] .
[6قال شيخنا قلت: أما قولنا باستصحاب الشرع الأول فيستقيم على إحدى الروايتين لكن يقال لم يثبت عنده]6.
1 من الآية "40" من سورة البقرة ومن كثيرمن الآيات.
2 من الآية "44" من سورة البقرة.
3 من الآية "45" من سورة البقرة.
4 من الآية "32" من سورة فاطر.
5 من الآية "2" من سورة الحشر.
6 ما بين هذين المعقوفين ساقط منا وما قبله ساقط من ب في كل واحدة أحد هذين الكلامين.