الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة في الروايتين عن إمامنا إذا لم يعلم تاريخهما اجتهدنا في الأشبه بأصوله
والأقوى في الحجة فجعلناه له مذهبا وكنا في الأخرى شاكين وإن علمنا التاريخ فمذهبه الأخيرة عند بعض أصحابنا منهم أبو الخطاب ومنهم من قال لا تخرج الأولى عن كونها مذهبا له إلا أن يصرح بالرجوع عنها وقد ذكروا ذلك في مسألة التيمم وهذا نقل أبى الخطاب.
قلت وقد تدبرت كلامهم فرأيته يقتضي أن يقال بكونهما مذهبا له وإن صرح بالرجوع قال أبو سفيان المستملى سألت أحمد عن مسألة فأجابني فيها فلما كان بعد مدة سألته عن تلك المسألة بعينها فأجابني بجواب خلاف الجواب الأول فقلت له أنت مثل أبى حنيفة الذي كان يقول في المسألة الأقاويل فتغير وجهه وقال يا موسى [ليس لنا مثل أبى حنيفة] 1 أبو حنيفة كان يقول بالرأي وأنا أنظر في الحديث فإن رأيت ما أحسن أو أقوى أخذت به وتركت القول الأول وهذا صريح في ترك الأول.
فصل: [شيخنا]
قال ابن حمدان إذا نقل عن الإمام أحمد في مسألة قولان صريحان مختلفان في وقتين وتعذر الجمع بينهما فإن علم التاريخ فالثاني مذهبه وقيل والأول إن جهل رجوعه عنه وقيل أو علم وقلنا مذهبه ما قاله تارة بدليل وقال من عنده فيهما لا على التخيير ولا التعاقب ولا معا في حق شخص واحد في واقعة واحدة في وقت واحد من مفت واحد ولا على البدل ولا مطلقا بل إذا قلنا لا يلزم المجتهد تجديد الاجتهاد بتجديد الحادثة ثانيا ولا إعلامه المقلد له بتغير اجتهاده قبل عمل المقلد به ليرجع عما أفتاه به وأنه لا يلزم المقلد تجديد السؤال بتجدد الحادثة ثانيا ولا رجوعه إلى اجتهاده الثاني فيها قبل عمله بالأول فلا ينقض الأول
1 ساقط من ا.
بالثاني وإن كان أرجح منه ولا يترك الثاني بالأول وإن كان أرجح منه ظنا كمن صلى صلاتين إلى جهتين باجتهاديين مختلفين في وقتين ولم يتبين له الخطأ جزما ولقول عمر في المشركة في جوابه ثانيا ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضى فالمفتى بأحدهما بدليله لم يخرج عن مذهب الإمام حيث قاله بدليل لم يقطع بخلافه ولمن قلده أن يستمر على القول الأول الذي عمل به ولا يتغير عنه بتغير اجتهاد من قلده في الأقيس ويجوز التخريج منه والتفريع والقياس عليه ويكون مذهبه ان قلنا ما قيس على كلامه مذهب له وإلا فلا وإن قلنا يلزم المجتهد تجديد اجتهاده فيما أفتى به لتجدد الحادثة له ثانيا وإعلامه المقلد له بتغير اجتهاده فيما أفتاه به ليرجع عنه وبعد ما عمل به حيث يجب نقضه وإن المقلد له يلزمه السؤال بتجدد الحادثة له ثانيا ورجوعه إلى قوله الثاني قبل عمله بالأول أو بعده ان وجب نقضه لم يكن الأول مذهبا له فلا يعمل به المقلد وإن كان عمل به فلا يستمر عليه إذا لتغير اجتهاد من قلده فيه ولا يخرج منه حكم إلى غيره ولا يقاس عليه إذا وإن بان للمفتى أنه خالف ما يجب العمل به من إجماع أو كتاب أو سنة نقض فتياه وأعلم المستفتى بذلك ليرجع.
[شيخنا] فصل:
وان جهل التاريخ فمذهبه أقر بهما من كتاب أو سنة أو إجماع أو أثر أو قواعد الإمام أو عوائده أو مقاصده أو أدلته وقال من عنده ان لم يجعل أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له مع معرفة التاريخ فيكون هذا [هو] الراجح كالمتأخر فيما ذكرنا إذا جهل رجوعه عنه قال من عنده ويحتمل الوقف لاحتمال تقدم الراجح فإن جعلنا أولهما مذهبا له فهنا أولى لجواز كون الراجح متأخرا وإن تساويا نقلا ودليلا فالوقف أولى قال من عنده ويحتمل التخيير إذا والتساقط فإن اتحد حكم القولين دون الفعل كإخراج الحقاق أو بنات اللبون عن مائتي بعير وكل واجب موسع أو مخير
خير المجتهد بينهما [وله أن يخير المقلد بينهما] 1 إن لم يكن المجتهد حاكما وإن منعنا تعادل الإمارات وهو الظاهر عنده فلا وقف ولا تخيير ولا تساقط أيضا وعمل بالراجح رواة بكثرة أو شهرة أو علم أو ورع أو دليل أو معنى ويقدم الأعلم وقيل الأورع فإن وافق أحد القولين مذهب غيره فهل هو أولى أم لا2 قال من عنده يحتمل وجهين وإن علم تاريخ أحدهما فهو كما لو جهل تاريخهما ويحتمل الوقف وقيل ان أفتى في واقعة بمذهب إمامه ثم وقعت له مرة أخرى وذكر حكمها ودليله أفتى به ان لم يظهر له خلافه وإن نسى أو جهل حكمها ودليله وقف حتى يعرفهما أو ضدهما وقيل ان أفتى يقول ميت لم يجب تجديد نظره.
[شيخنا] فصل:
وما انفرد به بعض الرواة عن الإمام وقوى دليله فهو مذهبه وقيل لا بل ما وراه جماعة أنه بخلافه أولى.
[شيخنا] فصل:
ويخص كلامه بخاصة في مسألة واحدة وقيل لا وما دل كلامه عليه فهو مذهبه ان لم يعارضه أقوى منه.
[شيخنا] فصل:
قوله لا يصلح أو لا ينبغي للتحريم ولا بأس وأرجو أن لا بأس للإباحة وأخشى أو أخاف أن يكون أو لا يكون ظاهر في المنع وقيل بالوقف وقوله أحب كذا أو أستحبه أو أستحسنه أو هو أحسن أو حسن أو يعجبني أو هو أعجب إلي
1 ساقط من ا.
2 في ا "فهل الأولى ما وافقه أو خالفه".
للندب وقيل للوجوب وقوله أكره كذا أو لا يعجبني أو لا أحبه ولا أستحسنه للتنزيه والكراهة وقيل للتحريم وإن قال أستقبحه أو هو قبيح أو قال لا أراه فهو حرام وإن قال هذا حرام ثم قال أكرهه أو لا يعجبني فحرام وقيل بل مكروه.
[شيخنا] فصل:
فان أجاب في شيء ثم قال في نحوه هذا أهون أو أشد أو أشنع فقيل هما عنده سواء وقيل لا قال من عنده ان اتحد المعنى أو كثر التشابه فالتسوية أولى وإلا فلا وقيل قوله هذا أشنع عند الناس يقتضي المنع وقيل لا وإن قال أخير منه فهو للجواز وقيل للكراهة قال من عنده والنظر إلى القرائن أولى في الكل.
[شيخنا] فصل:
وما أجاب عنه1 بكتاب أو سنة أو إجماع أو قول بعض الصحابة فهو مذهبه لأن قول أحدهم عنده حجة على الأصح وما رواه من سنة أو أثر وصححه أو حسنه أو رضى بسنده أو دونه في كتبه ولم يرده ولم يفت بخلافه فهو مذهبه وقيل لا كما لو أفتى بخلافة قيل أو بعد فإن أفتى بحكم فاعترض عليه فسكت فليس رجوعا وقيل بلى.
[شيخنا] فصل:
وان ذكر عن الصحابة في مسألة قولين فمذهبه أقربهما من كتاب أو سنة أو إجماع سواء عللهما أو لا إذا لم يرجح أحدهما ولم يختره2 أو يحسنه وقيل
1 في ا "أجاب فيه".
2 في د "أو غيره".
لا مذهب له منهما عينا كما لو حكاهما عن التابعين فمن بعدهم ولا مزية لأحدهما بما ذكر لجواز إحداث قول ثالث بخلاف الصحابة وقيل بالوقف وإن علل أحدهما [1واستحسن الأخر أو فعلهما في أقوال التابعين أو من بعدهم] 1 فأيهما مذهبه فيه وجهان وإن أعاد ذكر أحدهما أو فرع عليه فهو مذهبه وقيل لا إلا أن يرجحه أو يفتى به وإن نص في مسألة على حكم وعلله بعلة فوجدت في مسائل أخر فمذهبه في تلك المسائل كالمسألة المعللة سواء قلنا بتخصيص العلة أم لا كما سبق وإن نقل عنه في مسألة قولان دليل أحدهما قول النبي صلى الله عليه وسلم ودليل الأخر قول صحابي [2وهو أخص منه وقلنا انه يخص به العموم فأيهما مذهبه فيه وجهان وإن كان قول النبي صلى الله عليه وسلم] 2 أخصهما أو أحوطهما تعين وإن وافق أحدهما قول صحابي آخر والآخر قول تابعي واعتد به إذا وقيل وعضده عموم كتاب أو سنه أو أثر فوجهان وإن ذكر اختلاف الناس وحسن بعضه فهو مذهبه ان سكت عن غيره وإن سئل مرة فذكر الاختلاف ثم سئل مرة ثانية فتوقف ثم ثالثة فأفتى فيها فالذي أفتى به مذهبه وإن أجاب بقوله قال فلان كذا يعنى بعض العلماء فوجهان وإن قال يفعل السائل كذا احتياطا فهو واجب وقيل بل مندوب وإن نص على حكم مسألة ثم قال ولو قال قائل أو ذهب ذاهب إلى كذا يعنى حكما [3بخلاف ما نص عليه كان مذهبا لم يكن ذلك مذهبا للإمام أيضا كما لو قال وقد ذهب قوم إلى كذا قال من عنده ويحتمل بلى] 3 كما لو قال تحتمل المسألة قولين.
1 ساقط من ا.
2 ساقط من ا.
3 ما بين المعقوفين ساقط من ا.
[شيخنا] فصل:
وهل يجعل فعله أو مفهوم كلامه مذهبا له على وجهين فإن جعلنا المفهوم مذهبا له فنص في مسألة على خلافه بطل المفهوم وقيل لا فتصير المسألة على قولين ان جعلنا أول قوليه في مسألة واحدة مذهبا له.
[شيخنا] فصل:
الروايات المطلقة نصوص للأمام أحمد وكذا قولنا وعنه وأما التنبيهات بلفظه فقولنا أومأ إليه أحمد أو أشار إليه أو دل كلامه عليه أو تقف فيه وأما الأوجه فأقوال الأصحاب وتخريجهم إن كانت مأخوذة [1من قواعد الإمام أحمد أو إيمائه أو دليله أو تعليله أو سياق كلامه وقوته وإن كانت مأخوذة] 1 من نصوص الإمام أو مخرجة منها فهي روايات مخرجة له أو منقولة من نصوصه إلى ما يشبهها من المسائل ان قلنا ما قيس على كلامه مذهب له وإن قلنا لا فهي أوجه لمن خرجها وقاسها فإن خرج من نص ونقل إلى مسألة فيها نص يخالف ما خرج فيها صار رواية منصوصة ورواية مخرجة [2منقولة من نصه إذا قلنا المخرج من نصه مذهبه وإن قلنا لا ففيها رواية لأحمد ووجه لمن خرجه] 2 وإن لم يكن فيها نص يخالفا القول المخرج فيها من نصه في غيرها فهو وجه لمن خرجه فإن خالفه غيره من الأصحاب في الحكم دون طريق التخريج ففيها لهم وجهان ويمكن جعلهما مذهبا لأحمد بالتخريج دون النقل لعدم أخذهما من نصه وإن جهلنا مستندهما فليس أحدهما قولا مخرجا للإمام ولا مذهبا له بحال فمن قال من الأصحاب هنا هذه المسألة رواية واحدة أراد نصه ومن قال فيها روايتان فإحداهما بنص والأخرى بإيماء أو تخريج من نص آخر له أو بنص
1 ساقط من ا.
2 ساقط من د.
جهله منكره ومن قال فيه وجهان أراد عدم نصه عليهما سواء جهل مستنده أم لا ولم يجعله مذهبا لأحمد1 فلا يعمل إلا بأصح الوجهين وأرجحهما سواء وقعا معا أو لا من [شخص] واحد أو أكثر وسواء علم التاريخ أو جهل.
وأما القولان هنا فقد يكون الإمام نص عليهما كما ذكره أبو بكر عبد العزيز في زاد المسافر أو نص على أحدهما وأومأ إلى الأخر وقد يكون مع أحدهما وجه أو تخريج أو احتمال بخلافه.
وأما الاحتمال فقد يكون لدليل مرجوح بالنسبة إلى ما خالفه أو لدليل مساو له وأما التخريج فهو نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها والتسوية بينهما فيه.
وأما الوقف2 فهو ترك الأخذ3 بالأول والثاني والنفي والإثبات ان لم يكن فيها قول لتعارض الأدلة وتعادلها عنده فله حكم ما قبل الشرع من حظر أو إباحة أو وقف.
[شيخنا] فصل:
ومذهبه ما قاله بدليل ومات قائلا به وفيما قاله [قبله] بدليل يخالفه ثلاثة أوجه النفي والإثبات والثالث ان رجع عنه وإلا فهو مذهبه كما يأتي وقيل مذهب كل واحد عرفا وعادة ما اعتقده جزما أو ظنا بدليل ويعلم ذلك من قوله وخطه وتأليفه4 وينقل إلينا جزما أو ظنا وقوله وخطه وتأليفه إما نص أو ما يجري مجراه مما خرج على نصه العام ولا يرى تخصيصه أو المطلق ولا يرى تقييده أو يذكر
1 في ا "سواء جهل مستنده أو علم أو لم يجعله مذهبا لأحمد".
2 في د "التوقف".
3 في "ترك العمل".
4 كلمة "وتأليفه" ساقطة من ا.
علة الحكم ولا يرى تخصيصها أو يعلقها بشرط يزول بزواله أو يذكر حكم حادثة وغيرها مثلها شرعا كسراية عتق الموسر بعض عبد نفسه له أو لغيره والأمة مثله وما ثبت بالقياس والاجتهاد فمن دين الله وشرعه لا من نصه ولا من نص رسوله.
[والد شيخنا] فصل:
قال أبو الطيب فأما تخريج القولين في المسألة فإنه على أربعة أضرب:
أحدها: أن يذكر في القديم قولا فيها ثم يذكر في الجديد خلافه فيكون هذا رجوعا عن الأول ويكون مذهبه الثاني.
الضرب الثاني: ذكر في الجديد قولين في موضع واحد ودل على اختياره لأحدهما1 فيكون مذهبه هو الذي اختاره والآخر ليس بمذهب له ودليل اختياره لأحدهما أن يقول هذا أحبهما إلى وأشبههما بالحق عندي وهذا مما أستخير الله فيه أو يقول هذا قول مدخول أو قول منكر أو يفرع أحدهما ويترك التفريع على الآخر.
والثالث: أن يذكر قولين في موضع واحد ثم يعيد المسألة في موضع آخر ويذكر أحدهما فقط فيدل عل اختياره له وهذا ذكره المزني هكذا وخالفه أبو إسحاق المروذى وقال هذا لا يدل على اختياره لأنه يحتمل أن يكون ترك ذكره اكتفاء بما ذكره والذي قاله المزنى هو الصحيح.
والرابع: أن يذكر قولين في موضع واحد ولا يدل على اختياره لأحدهما فهذا لا نعرف مذهبه فيها لأنه لا يجوز أن يكون مذهبان له لأن الحق واحد ونسبة أحدهما بعينه إليه لا يجوز لأنه لم يعينه قال أصحابنا ووجد له مثل ذلك
1 في ا "لأحد القولين".
ستة عشر موضعا قالوا: ويحتمل أن يكون قد تعين له الحق منهما ومات قبل بيانه ويحتمل أن لا يكون قد تعين له وكان متوقفا فيهما فإن قال قائل إذا كان طريق القولين ما ذكرته ولم يكونا مذهبين له فليس لذكر القولين في موضع واحد واختياره أحدهما معنى وكذلك إذا لم يبن له الحق1 فيهما فليس لذكرهما معنى وكيف ذكر الشافعي ما لا يفيد شيئا فالجواب أن الشافعي ذكر القولين ليعلم أصحابه طريق الاجتهاد واستخراج العلل وبيان ما يصححها ويفسدها لأنه يحتاج أن يبين فروق2 الأحكام كما يحتاج أن يبين الأحكام فكانت فائدة ذكر القولين هذا دون ما قدره السائل من كون القولين مذهبا له ولأنه إذا ذكر القولين ولم يبين الحق3 منهما أفاد بذكرهما أن ما عداهما باطل وإن الحق أحدهما ولان الخبر عما هو متوقف فيه مفيد حسن فلا يصح ما قاله هذا القائل.
[شيخنا] فصل:
في قول الشافعي رضى الله عنه إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلته.
قال أبو عمرو بن الصلاح عمل بذلك كثير من [أئمة] أصحابنا فكان من ظفر منهم بمسألة فيها حديث ومذهب الشافعي خلافه عمل بالحديث وأفتى به قائلا مذهب الشافعي ما وافق الحديث وما لم يتفق ذلك إلا نادرا ومنه ما نقل عنه قول موافق وممن حكى أنه أفتى بالحديث في مثل ذلك أبو يعقوب البويطي وأبو القاسم الداركي وهذا الذي قطع به أبو الحسن الكيا في أصوله قال أبو عمرو
1 في د "لم يبين الحق فيهما".
2 في ا "تفريق الأحكام".
3 في ا "الحكم منهما".
وليس هذا بالهين فليس كل فقيه يسوغ أن ينقل بالعمل بما يراه حجة من المذهب وفيمن سلك هذا من علم بحديث تركه الشافعي عمدا على علم منه بصحته لمانع كأبي الوليد بن الجارود ممن صحبه في حديث أفطر الحاجم والمحجوم وعن ابن خزيمة أنه قيل له هل تعرف سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه قال لا قال أبو عمرو وعند هذا أقول من وجد من الشافعية حديثا يخالف مذهبه فإن كملت فيه آلات الاجتهاد مطلقا أو في ذلك الباب أو في تلك المسألة كان له الاستقلال بالعمل بذلك الحديث وإن لم تكمل آلته ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنه جوابا شافيا فإن كان قد عمل بذلك الحديث إمام مستقل فله أن يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث ويكون ذلك عذرا له في ترك مذهب إمامه في ذلك والله أعلم.
قال والمفتى المنتسب إلى مذهب إمام هل له أن يفتى بمذهب آخر إن كان ذا اجتهاد فأداه اجتهاده1 إلى مذهب إمام آخر اتبع اجتهاده وإن كان اجتهاده مشوبا بشيء من التقليد نقل ذلك الشوب من التقليد إلى ذلك الإمام الذي أداه اجتهاده إليه2 ثم إذا أفتى بين ذلك في فتواه وذكر العمل بمثل ذلك عن القفال والمروذى والحلواني3 أنه أنكر مثل ذلك على الغزالي.
قال وإن لم يكن بنى على اجتهاده فإن ترك مذهبه إلى مذهب هو أسهل عليه وأوسع فالصحيح امتناعه وإن كان تركه لكون الأخر أحوط المذهبين فالظاهر جوازه ثم عليه بيان ذلك في فتواه قال وليس له أن يتخير من القولين4
1 في ا "إن كان إذا اجتهد أداه اجتهاده – إلخ".
2 في ا "إلى مذهبه".
3 الظاهر أنه سقط من الكلام "وذكر أنه أنكر – إلخ".
4 في ا "وليس للمنتسب إلى الشافعي أن يتخير – إلخ".
أو الوجهين بل عليه في القولين أن يعمل بالمتأخر منهما كالجديد مع القديم وإن لم يتقدم أحدهما عمل بما رجحه الشافعي فإن لم يرجح شيئا منهما فعليه البحث على الأصح منهما متعرفا ذلك من أصول مذهبه غير متجاوز في الترجيح قواعد مذهبه إلى غيرها إن كان ذا اجتهاد في مذهبه أهلا للتخريج عليه فإن لم يكن أهلا لذلك فلينقله عن بعض أهل التخريج من أهل المذهب وإن لم يجد شيئا من ذلك فليتوقف كما فعل الماوردي وشيخه الصيمرى وشيخه ابن القاص وشيخه أبو حامد المروذى في مسألة الناسي في اليمين والوجهان فلا بد من ترجيح أحدهما بمثل الطريق المذكور دون التقدم والتأخر سواء وقعا معا في حالة واحدة من إمام من أئمة المذهب أو من إمامين واحد بعد واحد والمنصوص من القولين راجح على المخرج إلا أن يكون المخرج مخرجا من آخر لتعذر الفارق قال ومن اكتفي بأن يكون في فتواه أو عمله موافقا لقول أو وجه في المسألة من غير نظر في الترجيح ولا تقيد به فقد جهل وخرق الإجماع.
وذكر عن أبى الوليد الباجي أنه ذكر عن بعض أصحابهم أنه كان يقول ان الذي لصديقي على إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه وذكر أن بعضهم سئلوا عن مسألة فأفتوا فيها بما يضر صاحبها وكان غائبا فلما عاد سألهم فقالوا ما علمنا أنها لك وأفتوه بالرواية الأخرى التي توافقه قال أبو الوليد وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز.
قلت التخيير في الفتوى والترجيح بالشهوة ليس بمنزلة تخير العامي في تقليد أحد المفتين ولا من قبيل1 اختلاف المفتين على المستفتى بل كل ذلك راجع إلى شخص واحد وهو صاحب المذهب فهو كاختلاف الروايتين عن النبي صلى الله
1 في ا "وليس ذلك من قبيل – إلخ".
عليه وسلم راجع إلى شخص واحد وهو الإمام فكذلك اختلاف الأئمة راجع إلى شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ان من يقول ان تعارض الأدلة يوجب التخيير لا يقول إنه يختار لكل مستفت ما أحب بل غايته أنه يختار قولا يعمل به ويفتى به دائما فبين ما أنكره أبو عمرو وبين ما أنكره أبو الوليد فرق قال أبو عمر فإن اختلف أئمة المذهب في التصحيح على من ليس أهلا للترجيح فينبغي أن يفزع في الترجيح إلى صفاتهم الموجبة لزيادة الثقة بآرائهم فيعمل بقول الأكثر والأعلم والاورع وإن اختلفت الصفات قدم الذي هو أحرى بالإصابة فيقدم الأعلم الورع على الأورع العالم قال واعتبرنا ذلك في هذا كما اعتبرنا في ترجيح الأخبار بصفات رواتها وكذلك إذا وجد قولين أو وجهين لم يبلغه عن واحد من الأئمة بيان الأوضح منهما اعتبر أوصاف ناقلهما وقائلهما فما رواه المزني أو الربيع مقدم على ما رواه حرملة والربيع الجيزى ويرجح منهما ما وافق أكثر أئمة المذاهب المشهورة وذكر القاضي حسين أنه إذا اختلف قول الشافعي في مسألة وأحدهما يوافق قول أبى حنيفة فقال أبو حامد ما خالفه أولى1 لأنه لولا رأى فيه معنى خفيا لما خالف وقال القفال ما وافقه أولى وكان القاضي حسين يذهب إلى الترجيح بالمعنى قال أبو عمرو وقول القفال أولى والفتيا على الجديد إلا في نحو عشرين مسألة يفتى فيها بالقديم على خلاف في أكثرها.
[شيخنا] فصل:
في ترجيح المقلد أحد الأقوال لكثرة عدد قائليه من المفتين حالة الفتوى.
قال الوزير أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة الصحيح في هذه المسألة أن قول من قال: "لا يجوز تولية قاض حتى يكون من أهل الاجتهاد فإنه إنما عنى به هنا ما كانت الحالة عليه قبل استقرار ما استقر من هذه المذاهب التي أجمعت
1 في ا "ما خالف أبا حنيفة".
الأئمة على أن كلا منها يجوز العمل به لأنه مستند إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو على سبيل معه فالقاضي في هذا الوقت وإن لم يكن قد متى في طلب الأحاديث وانقاء طرقها وعرف من لغة الناطق بالشريعة صلى الله عليه وسلم ما لا يعوزه معه معرفة ما يحتاج إليه فيه وغير ذلك من شروط الاجتهاد فإن ذلك مما قد فرغ له1 منه ودأب فيه سواه وانتهى الأمر من هؤلاء الأئمة المجتهدين إلى ما أراحوا به من بعدهم وانحصر الحق في أقاويلهم وتدونت العلوم وانتهت إلى ما اتضح فيه الحق فإن عمل القاضي في أقضيته بما يأخذ عنهم أو عن الواحد منهم فإنه في معنى من كان باجتهاده إلى قول قاله وعلى ذلك فإنه إذا خرج من خلافهم متوخيا مواطن الاتفاق ما أمكنه كان آخذا بالحزم عاملا بالأولى وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف توخي2 ما عليه الأكثر منهم والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد منهم فإنه قد أخذ ما محزم والأحوط والأولى مع جواز أن يعمل بقول الواحد إلا أنني أكره له أن يكون ذلك من حيث انه قد قرأ مذهب واحد منهم أو نشأ في بلدة لم يعرف فيها إلا مذهب إمام واحد منهم أو كان شيخه ومعلمه على مذهب فقيه من الفقهاء خاصة يقصر نفسه على اتباع ذلك المذهب حتى إذا حضر عنده خصمان وكان ما تشاجرا فيه مما يفتى الفقهاء الثلاثة فيه بحكم واحد نحو التوكيل بغير رضا الخصم وكان الحاكم حنفيا وقد علم أن مالكا والشافعي وأحمد اتفقوا على جواز هذا التوكيل دون أبى حنيفة فعدل عما أجمع عليه هؤلاء الأئمة الثلاثة إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة لمجرد أنه قاله فقيه هو في الجملة من فقهاء الاتباع له من غير أن يثبت عنده بالدليل ولا أداه اجتهاده إلى أن قول أبى حنيفة أولى مما اتفق عليه الجماعة فإني أخاف على مثل هذا أن يكون ممن اتبع هواه وأنه لا يكون ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وكذلك إن كان على مذهب مالك فقضى بتطهير الكلب
1 في ا "فرغ منه غيره".
2 في د "توخيه".
وكذلك إن كان على مذهب الشافعي فقضى في متروك التسمية [عمدا1] بالحل خلافا للثلاثة وكذلك إن كان على مذهب أحمد فقال أحد الخصمين كان له على مال وقضيته يقضى عليه بالبراءة من إقراره مع علمه بخلاف الفقهاء الثلاثة فإن هذا وأمثاله إذا توخي فيه اتباع الأكثرين [فأمره عندي2] أقرب إلى الخلاص وأرجح في العمل وبمقتضى هذا فإن ولايات الحكام في وقتنا هذا ولايات صحيحة وإنهم قد سدوا من ثغر الإسلام ما سده فرض كفاية ومتى أهملنا هذا القول ولم نذكره ومشينا على طريق التغافل التي يمشى فيها من يمشى من الفقهاء الذين يذكر كل منهم في كتاب ان صنفه أو كلام ان قاله أنه لا يصح أن يكون أحد قاضيا حتى يكون من أهل الاجتهاد ثم يذكر في شروط الاجتهاد أشياء ليست موجودة في الحكام فإن هذا كالإحالة وكالتناقض وكأنه تعطيل للأحكام وسد لباب الحكم وإلا ينفذ لأحد حق ولا يكاتب به ولا تقام بينة ولا يثبت لأحد ملك إلى غير ذلك من القواعد الشرعية فكان هذا الأصل غير صحيح وبان أن الحكام اليوم حكوماتهم صحيحة نافذة وولاياتهم جائزة شرعا فقد تضمن هذا الكلام أن تولية المقلد تجوز إذا تعذر تولية المجتهد وأنه انعقد الإجماع على تقليد كل واحد من هذه المذاهب الأربعة وإن إجماع الفقهاء حجة لا يخرج الحق عنهم وأنه ينبغي الاحتراز من الاختلاف فإن لم يكن فإتباع الأكثر أولى ويكره تقليد الواحد المخالف للأكثر لأجل تقدم ونحوه.
وقال أيضا في أول شرح الحديث كل من هذه المذاهب إذا أخذ به آخذ ساغ له ذلك فإن خرج من الخلاف فأخذ بالاحوط كتحرية مسح جميع رأسه وأخذ فيما لا يمكنه الخروج من الخلاف فيه كمسألة البسملة بقول الأكثر كان
1 ليست في د.
2 في ا "وألا ينعقد حكم".
هو الأولى قال وعلى هذا أرى ما استمر من الخلفاء الراشدين يعنى خلفاء بغداد من ترك الجهر في الجوامع لأن الخطباء قد يكون فيهم من يعتقد مذهب الشافعي إلا أنهم استمروا على ذلك لما ذكرته قال وهذا هو المانع لي من الجهر لأكون مع الأكثر فأما المجتهد فإنه إذا ثبت عنده حق بمقتضى ما أداه اجتهاده إليه في مسألة فإن فرضه ما أدى إليه اجتهاده على أن المجتهد اليوم لا يتصور اجتهاده في هذه المسائل التي قد تحررت في المذاهب لأن المتقدمين قد فرغوا من ذلك فأما هذا الجدل الذي يقع بين أهل المذاهب فإنه أوفق ما يحمل الأمر فيه يأن يخرج مخرج الإعادة والتدريس فيكون الفقيه به معيدا محفوظه ودارسا ما يعلمه فأما اجتماع الجمع منهم متجادلين في مسألة مع أن كل واحد منهم لا يطمع في أن يرجع خصمه إليه إن ظهرت حجته ولا هو يرجع إلى خصمه إن ظهرت حجته عليه ولا فيه عندهم فائدة ترجع إلى مؤانسة ولا إلى استجلاب مودة ولا إلى توطئة القلوب لوعى الحق بل هو على الضد من ذلك فإنه مما قد تكلم فيه العلماء وأظهروا من عذره1 ما أظهروا كابن بطة وابن حامد في جزءه ولا يتمارى في أنه محدث متجدد فأما تعيين المدارس بأسماء فقهاء معينين فإنه لا أرى به بأسا حيث ان اشتغال الفقهاء بمذهب واحد من غير أن يختلط بهم فقيه في مذهب آخر يثير الخلاف معهم ويوقع النزاع فإنه حكى لي الشيخ محمد بن يحيى عن القاضي أبى يعلى أنه قصده فقيه ليقرأ عليه مذهب أحمد فسأله عن بلده فأخبره فقال له إن أهل بلدك كلهم يقرأون مذهب الشافعي فلماذا عدلت أنت عنه إلى مذهبنا فقال له إنما عدلت عن المذهب رغبة فيك أنت فقال ان هذا لا يصلح فانك إذا كنت في بلدك على مذهب أحمد وباقي أهل البلد على مذهب الشافعي لم تجد أحدا يعبد معك2 ولا يدارسك وكنت خليقا أن تثير خصومة وتوقع نزاعا بل كونك
1 في ا "من عورة".
2 في د "يعيد معك".
على مذهب الشافعي حيث أهل بلدك على مذهبه أولى ودله على الشيخ أبى إسحاق وذهب به إليه فقال سمعا وطاعة أقدمه على الفقهاء وألتفت إليه وكان هذا من علمهما معا وكون كل واحد منهما يريد الآخرة وعلى هذا فلا ينبغي أن يضيق في الاشتراط على المسلمين في شروط المدارس فإن المسلمين إخوة وهى مساكن تبنى لله فينبغي أن يكون في اشتراطها ما يتسع لعباد الله فإنني امتنعت من دخول مدرسة شرط فيها شروط لم أجدها عندي ولعلى منعت بذلك أن أسأل عن مسألة أحتاج إليها أو أفيد أو أستفيد.
[شيخنا] فصل:
قال أبو الخطاب أجمع الناس على أن المجتهد إذا حكم في حادثة بحكم ثم جاءته مثلها أنه لا يقنع بذلك الاجتهاد بل يجتهد ثانيا وما عليه دليل قطعي لا يحتاج إلى ذلك كمن عرف التوحيد والنبوة قال وفيه نظر.
وقال أيضا إذا سئل المفتى عن مسألة فإن كان قد تقدم له فيها اجتهاد وقول وهو ذاكر لطريق الاجتهاد والحكم جاز له أن يفتى بذلك وإلا1 فلا فإن ذكر الحكم دون طريق الاجتهاد لزمه أن يذكر طريق الاجتهاد ويعيد النظر في ذلك فإن أداه اجتهاده إلى ذلك الحكم أفتى به وإن أداه إلى غيره أفتى به أيضا.
وكذلك ذكر ابن عقيل.
وذكر أبو عمرو بن الصلاح أنه إذا وقعت الحادثة مرة ثانية فإن كان ذكر الفتيا الأولى ومستندها إلى أصل الشرع إن كان مستقلا أو بالنسبة إلى مذهبه إن كان منتسبا إلى مذهب ذي مذهب أفتى بذلك وإن تذكرها دون
1 في ا "وإن لم يكن قد تقدم له فيها اجتهاد لم يجز أن يفتي حتى يجتهد" في مكان "وإلا فلا".
مستندها ولم يظهر ما يوجب رجوعه عنها فقد قيل له أن يفتى بذلك والأصح أنه لا يفتى حتى يجدد النظر ومن لم تكن فتياه حكاية عن غيره لم يكن له بد من استصحاب الدليل فيها.
[شيخنا] فصل:
إذا حدثت مسألة ليس فيها قول لأحد العلماء جاز الاجتهاد فيها والحكم والفتوى لمن هو أهل لذلك للحاجة قال وقد أومأ أحمد إلى المنع منه كقوله للميموني إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام وقيل يجوز ذلك في الفروع دون الأصول وهو أولى فإن سأل عامي عن مسألة لم تقع جاز إجابته وقيل يستحب ان قصد معرفة الحكم لاحتمال أن يقع له أو لغيره أو لتفقه فيه وقيل كما سبق يكره ذلك مطلقا.
[شيخنا] فصل:
قال أبو الخطاب وإن أفتى باجتهاده ثم تغير اجتهاده فإن كان المستفتى قد عمل بما أفتاه لم يلزم المفتى أن يعرفه بتغير اجتهاده ولم يلزم المستفتى نقض ما عمله وإن كان لم يعمل بها لزمه ذلك ان أمكنه لأن العامي يعمل بذلك الحكم لأنه قول ذلك المفتى ومعلوم أنه ليس هو قوله في ذلك الحال فإن لم يفعل ومات المفتى فهل يجوز للمستفتى العمل بما أفتاه فيه احتمالان أحدهما لا يجوز لأنه لا يدرى أنه لو كان حيا كان قائلا بذلك الحكم وطريقة الاجتهاد فيه أم لا.
قلت على هذا فلو كان حيا لم يجز أن يعمل بالفتيا ثانيا حتى يستفتيه مرة ثانية وهذا بعيد وهو قول القاضي كما تقدم ويحتمل أن يجوز لأن الظاهر أنه قوله حتى مات وموته قد أزال عنه التكليف والذي ذكره أبو عمرو بن الصلاح عن مذهبه أن المفتى إذا رجع قبل العمل بها لم يجز العمل بها للمستفتى وكذلك لو نكح بفتواه أو أستمر على نكاحه ثم رجع لزمه مفارقتها كما لو تغير اجتهاد من
قلده في القبلة في أثناء صلاته وإن رجع بعد عمل المستفتى فإن كان مخالفا [لقاطع] 1 لزم المستفتى نقض عمله ذلك وإن كان في محل الاجتهاد لم يلزمه نقضه.
قال أبو عمرو من عنده وإذا كان إنما يفتى بمذهب إمام معين فرجوعه لمخالفة نص إمامه قطعا يوجب نقضه وإن كان في محل الاجتهاد لأن نص المذهب في حقه كنص الشارع في حق المجتهد وإذا لم يعلم المستفتى برجوعه فحاله على ما كان ويلزم المفتى إعلامه برجوعه قبل العمل وبعده حيث يجب النقض.
[شيخنا] فصل: في كيفية الفتوى
إذا سئل المجتهد عن الحكم لم يجز له أن يفتى بمذهب غيره لأنه إنما سئل عما عنده فإن سئل عن مذهب غيره جاز له أن يحكيه لأن العامي يجوز له حكاية قول غيره ولا يجوز له أن يفتى بما يجده في كتب الفقهاء لا بما يفتيه به فقيه هذا قول أبى الخطاب.
وقال الحليمي والروياني لا يجوز للمقلد أن يفتى بما هو مقلد فيه وذكر أبو محمد الجويني عن القفال والمروذى أنه يجوز لمن حفظ مذهب صاحب مذهب ونصوصه أن يفتى به وإن لم يكن عارفا بغوامضه وحقائقه.
وقال أبو محمد لا يجوز أن يفتى بمذهب غيره إذا لم يكن متبحرا فيه عالما بغوامضه وحقائقه كما لا يجوز للعامي الذي جمع فتاوى المفتين أن يفتى بها وإذا كان متبحرا فيه جاز أن يفتى به.
قال أبو عمرو وقول من قال لا يجوز معناه أنه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه بل يضيفه إلى إمامه الذي يحكيه عنه قال فعلى هذا من عددناه
1 ساقط من د.
في المفتين من المقلدين ليسوا في الحقيقة من المفتين ولكنهم قاموا مقامهم فعدوا معهم وسبيلهم أن يقولوا مثلا مذهب فلان كذا ومقتضى مذهبه كذا ومنهم من ترك إضافة ذلك إلى إمامه اكتفاء بدلالة الحال.
وذكر الماوردي في الحاوي في العامي إذا عرف حكم حادثة بنى على دليلها ثلاثة أوجه أحدها أنه يجوز أن يفتى به ويجوز تقليده فيه والثاني يجوز ذلك إن كان دليلها من الكتاب أو السنة والثالث وهو الأصح أنه لا يجوز ذلك مطلقا.
[شيخنا] فصل:
وذكر ابن عقيل أن العامي لا يجوز له التقليد إلا المجتهد وكذلك التزم أنه لا بد في كل عصر من مجتهد يجوز للعامي تقليده ويجوز أن يولى القضاء وهذا يقتضى أن المفتى لا يجوز أن يفتى بالنقل عن غيره من المجتهدين المتقدمين وابن عقيل إنما عنى بذلك الاجتهاد المطلق.
فصل:
وليس له أن يفتى في كل حال يغير خلقه ويشغل قلبه بحيث يمنعه من التثبت كالغضب أو الجوع أو العطش أو الحزن أو الفرح الغالب أو النعاس أو الملال أو المرض أو الحر المزعج أو البرد المؤلم أو مدافعة الأخبثين وهو أعلم بنفسه فإن أفتى في شيء من هذه الأحوال وهو يعلم ويرى أن ذلك لم يمنعه من إدراك الصواب صحت فتياه وإن خاطر بها.
قال يعنى ابن صلاح والأولى بالتصدي للفتوى أن يتبرع بها ويجوز له أن يرتزق على ذلك من بيت المال إلا إذا تعين عليه وله كفايته فظاهر المذهب أنه لا يجوز وإذا كان له رزق فلا يجوز له أخذ الأجرة أصلا وإن لم يكن له رزق فليس له أخذ أجرة من أعيان من يفتيه كالحاكم على الأصح واحتال
أبو حاتم القزويني فقال لو قال له إنما يلزمني أن أفتيك قولا وأما بذل الخط فلا فإن أستأجره على أن يكتب له كان ذلك جائزا.
وذكر أبو القاسم الصيمرى أنه لو اجتمع أهل البلد على أن جعلوا له رزقا من أموالهم لتفرغ لفتاويهم جاز ذلك.
وأما الهدية فأطلق أبو المظفر السمعاني جواز قبولها بخلاف الحاكم قال أبو عمرو وينبغي أن يقال إنه يحرم عليه قبولها إذا كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد.
وذكر أبو عمرو بن الصلاح أن المفتى ينقسم قسمين مستقل وغيره.
فالمستقل المجتهد المطلق وهو القائم بمعرفة أدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما التحق بها على التفصيل وهى مفصلة في كتب الفقه العالم بما يشترط في الأدلة ووجوه دلاتها وكيفية اقتباس الحكم منها وذلك في أصول الفقه الذي يعرف من علم القرآن والحديث وعلم الناسخ والمنسوخ والنحو واللغة واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن به من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها ذا دربه وارتياض في استعمال ذلك عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائلة وتفاريعه المفروغ من تمهيدها فهذا هو المفتى المطلق المستقل الذي يتأدى به فرض الكفاية ولا يكون إلا مجتهدا مستقلا وهو الذي يستقل بادراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد ولا تقييد.
قال وما ذكرنا من كونه حافظا لمسائل الفقه لم يعد من شروطه في كثير من الكتب المشهورة بناء على أن الفقه من ثمراته فلا يكون شرطا واشتراطه أبو إسحاق الاسفرائيني وصاحبه أبو منصور البغدادي وغيرها.
قال واشتراط ذلك في المفتى المذكور1 هو الصحيح وإن لم يكن كذلك في صفة المجتهد المستقل على تجرده.
1 في ا "المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية".
قال وهل يشترط فيه أن يعرف من الحساب ما تصح به المسائل الحسابية الفقهية حكى أبو إسحاق وأبو منصور فيه خلافا للأصحاب والأصح اشتراطه وهذا إنما يشترط في المفتي في جميع أبواب الشرع.
القسم الثاني المفتى الذي ليس بمستقل ومنذ دهر طوى بساط المفتى المستقل والمجتهد المطلق وأفضى أمر الفتوى إلى الفقهاء المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة وللمفتى المنتسب أحوال أربع.
أحدها أن لا يكون مقلدا لإمامه لا في المذهب ولا في دليله وإنما انتسب إليه لسلوك طريقه في الاجتهاد وذكر عن أبى إسحاق الاسفرائيني أنه حكى عن أصحاب مالك وأحمد وداود وأكثر أصحاب أبى حنيفة أنهم صاروا إلى مذهب أئمتهم تقليدا لهم ثم قال والصحيح الذي ذهب إليه المحققون ما ذهب إليه أصحابنا وهو أنهم صاروا إلى مذهب الشافعي لا على جهة التقليد له لكن لأنهم وجدوا طريقة في الاجتهاد والفتاوى أسد الطرق.
قال أبو عمرو ودعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا من كل وجه لا تستقيم إلا أن يكونوا قد أحاطوا بعلوم الاجتهاد المطلق وذلك لا يلائم المعلوم من أحوالهم أو أحوال أكثرهم وذكر بعض الأصوليين من أصحابنا أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل وحكي اختلافا بين الحنفية والشافعية في أبى يوسف ومحمد والمزني وابن سريج هل كانوا مستقلين أم لا قال ولا يستنكر دعوى ذلك فيهم في فن من الفقه بناء على جواز تجزؤ منصب الاجتهاد ويبعد جريان الخلاف في حق هؤلاء المتبحرين الذين عم نظرهم الأبواب كلها وفتوى المنتسبين في هذه الحال في حكم فتوى المجتهد المستقل المطلق يعمل بها ويعتد بها في الإجماع والخلاف.
الحالة الثانية أن يكون مجتهدا مقيدا في مذهب إمامه يستقل بتقرير مذهبه بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده ولا بد أن يكون عالما
بأصول الفقه لكنه قد أخل ببعض الادوات كالحديث واللغة فإن استدل بدليل إمامه لا يبحث عن معارض له ولا يستوفي النظر في شروطه وقد اتخذ نصوص إمامه أصولا يستنبط منها كما يفعل المستقل بنصوص الشارع والعامل بفتيا هذا مقلد لإمامه.
قال والذي رأيت من كلام الأئمة يشعر بأن فرض الكفاية لا يتأدى بمثل هذا قال وأقول يتأدى به فرض الكفاية في الفتوى ولا يتأدى به في إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى لأنه قائم مقام المطلق والتفريغ على جواز تقليد الميت وهو الصحيح وقد يوجد منه الاستقلال في مسألة خاصة أو باب خاص ويجوز له أن يفتى فيما لم يجده من أحكام الوقائع منصوصا لإمامه بما يخرجه على مذهبه هذا هو الصحيح الذي عليه العمل واليه مفزع المفتين من مدد مديدة وهو في مذهب إمامه بمنزلة المجتهد في الشريعة وهو أقدر والمستفتى فيما يفتيه من تخريجه مقلد لإمامه لا له قطع به أبو المع إلى قال وأنا أقول ينبغي أن يخرج هذا على خلاف حكاه أبو إسحاق الشيرازي [في أن ما يخرجه أصحاب الشافعي على مذهبه هل يجوز أن ينسب إليه أم لا والذي اختاره أبو إسحاق أنه] 1 لا ينسب إليه قال وتخريجه تارة من نص معين وتارة تخريجه على وفق أصوله بأن يجد دليلا من جنس ما يحتج به إمامه.
والأولى إذا وجد نص بخلافه يسمى ما خرجه قولا مخرجا وإن وقع الثاني في مسألة قد قال فيها بعض الأصحاب غير ذلك يسمى وجها.
وشرط التخريج أن لا يجد بين المسألتين فارقا وإن لم يعلم العلة الجامعة كالأمة مع العبد في السراية ومهما أمكنه الفرق بين المسألتين لم يجز له على الأصح
1 ساقط من د.
التخريج ولزمه تقرير النصين على ظاهرهما وكثيرا ما يختلفون في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق.
الحال الثالثة أن يكون حافظا للمذهب عارفا بأدلته لكنه قصر عن درجة المجتهدين في المذهب لقصور في حفظه أو تصرفه أو معرفته بأصول الفقه وهى مرتبة المصنفين إلى أواخر المائة الخامسة قصروا عن الأولين في تمهيد المذهب وأما في الفتوى فبسطوا بسط أولئك وقاسوا على المنقول والمسطور غير مقتصرين على القياس الجلي وإلغاء الفارق.
الحالة الرابعة أن يحفظ المذهب ويفهمه في واضحات المسائل ومشكلاتها غير أنه مقصر في تقرير أدلته فهذا يعتمد نقله وفتواه في نصوص الإمام وتفريعات أصحابه المجتهدين في مذهبه وما لم يجده منقولا فإن وجد في المنقول ما يعلم أنه مثله من غير فصل يمكن كالأمة بالنسبة إلى العبد في سراية العتق أو علم اندراجه تحت ضابط منقول ممهد في المذهب جاز له إلحاقه به والفتوى به وإلا فلا قال ويندر عدم ذلك كما قال أبو المع إلى يبعد أن تقع واقعة لم ينص على حكمها في المذهب ولا هي في معنى شيء من المنصوص عليه فيه من غير فرق ولا هي مندرجة تحت شيء من ضوابطه ولا بد في هذا أن يكون فقيه النفس يصور المسائل على وجهها وينقل أحكامها بعد استتمام تصويرها جليها وخفيها.
قال ولا تجوز الفتوى لغير هؤلاء الأصناف الخمسة كما قطع به أبو المع إلى في الأصولي الماهر المتصرف في الفقه أنه يجب عليه الاستفتاء.
قال أبو عمرو وكذلك المتصرف النظار البحاث في الفقه من أئمة الخلاف ثم ذكر مسألة تقليد المقلد وفتياه كما كتبتها قبل قال فأما المتفقه القاصر الذي قرأ كتابا من كتب المذهب أو أكثر ولم يتصف بصفة أحد من المفتين المذكورين فإن كان العامي يجد السبيل إلى استفتاء1 مفت في غير بلده فعليه التوصل إليه
1 في ا "استفتائه".
بحسب إمكانه على أن بعض أصحابنا ذكر أن البلدة إذا شغرت1 عن المفتين لم يحل المقام بها فإن تعذر عليه ذكر مسألته للقاصر المذكور فإن وجد مسألته بعينها مسطورة في كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها بنصه وكان العامي في ذلك مقلدا لصاحب المذهب.
قال وهذا وجدته في ضمن كلام بعضهم والدليل يعضده ثم لا يعد هذا القاصر من المفتين.
وإن لم يجد مسألته بعينها مسطورة بنصها فلا سبيل له إلى القول فيها قياسا على ما عنده من المسطور وإن اعتقده من المسطور وإن اعتقده من قبيل قياس لا فارق لأن القاصر معرض لأن يعتقد ما ليس من هذا القبيل داخلا في هذا القبيل.
فإن لم يجد صاحب الواقعة مفتيا ولا ناقلا في بلده ولا غيره فهي مسألة فترة الشريعة فهي كما قبل ورود الشرع والصحيح أن لا حكم لها فلا يؤاخذ بشيء واستدل عليه بحديث حذيفة رضى الله عنه.
[شيخنا] فصل:
في أدب العالم
قال سعيد بن يعقوب كتب إلى أحمد بن حنبل بسم الله الرحمن الرحيم من أحمد بن محمد إلى سعيد بن يعقوب أما بعد فإن الدنيا داء والسلطان داء والعالم طبيب فإن رأيت الطبيب يجر الداء إلى نفسه فأحذره والسلام عليك فيه التحذير من استفتاء من يرغب في المال والشرف من العلماء.
وقد كتب في الفقه هل يشترط في القاضي أن يكون زاهدا ورعا أو ورعا فقط أولا يشترط إلا العدالة فيه ثلاثة أوجه ومنع العلماء مما هو مباح لغيرهم نظير
1 شغرت – بالغين المعجمة – خلت.
كراهته لهم ترك قيام الليل وهذا فيما لا يحتاج إليه من مال وشرف وما ذكر عنه وعن ابن المبارك يوافق ذلك فإنه أخبر أن العالم الصادق هو الزاهد ومثل ذلك عن الحسن البصري وروى ابن بطة عن جعفر بن محمد عن أبيه مرفوعا قال: "العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا" قالوا: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا قال: "إتباعهم السلطان وحبهم الأغنياء فإن فعلوا ذلك فاحذروهم على دمائكم فإن الله يبطل حسناتهم".
[شيخنا] فصل:1
الخلاف في فرض المسئول في الجواب والدليل مذكور في كتب الجدل والذي ذكره ابن عقيل في الجدل الكلامي أن الجواب إذا لم يكن مطابقا للسؤال بأن كان أعم منه أو أخص كما لو سئل عن المطبوخ فقال أنا أحرم كل مسكر أو أحرم مطبوخ التمر لم يأت بجواب مطابق لأنه معدول عن المطلوب في السؤال قال وإنما ضربنا لك الأمثلة لأن قوما يجيبون بمثلها ويعدونها أجوبة وكذلك فيما إذا سئل عن المذهب فذكر الدليل عليه فليس بجواب محقق كما لا يخلط السؤال عن المذهب بالسؤال عن دليله وهذا إذا قال مذهبي كذا بدلالة كذا فأما إن قال والدليل على ذلك كذا كان قد أتى بجواب محدد إلا أنه أتى بأخبار عما لم يسأل عنه [قال والإتباع بجواب ما لم يسأل عنه كالخلط] .
[قلت الصحيح خلاف هذا وعليه عمل أكثر المجادلين2] .
[شيخنا] فصل:
وحصر ابن عقيل الأسئلة في أربعة كما فعله الكيا في جدله متبعا لمن ذكره من متكلمي المعتزلة وغيرهم.
1 هذا الفصل وقع في أبعد الفصل الذي ذكر فيه آداب العامي مع المفتي.
2 ساقط من ا.
أحدها السؤال عن المذهب.
والثاني السؤال عن الدليل.
ولا اعتراض في ذلك.
والثالث السؤال عن وجه دلالة الدليل.
والرابع المطالبة بإجراء العلة في معلولها قلت: وهذا عند التحقيق يرجع إلى سؤ إلى الممانعة والمعارضة فهذا ضبط لطريقهم والسؤالان الثانيان عند ابن عقيل ليسا باستفهامين بخلاف الأولين وعند الكيا الجميع استفهام والخلاف في ذلك قريب لأنه استفهام مقصودة الإبطال لا استفهام مجرد.
ثم قال ابن عقيل إنما اعتبرنا ما اعتبرناه من الشروط لغير سؤال الاستفادة والاسترشاد فإنه لا يعتبر لهما شروط من الشروط المذكورة لسؤال الجدل.
[شيخنا] فصل:
ذكر ابن عقيل وابن المنى والمراغى وجمهور أهل الجدل أنه لا يطالبه بطرد الدليل إلا بعد تسليم ما ادعاه من دلالة البرهان فلا ينقض دليلة حتى يسلم وإلا فإنه يجب تقديم المنع.
قال والتسليم إذا لم يقع بحجة فإنما يقع بترك مسألة لازمة تجاوزها إلى ما بعدها إما لمساهلة في النظر وإما لضرب من التدبر على الخصم وإما للعجز والجهل ثم هؤلاء الجدليون المتأخرون لا يقبلون المنع بعد التسليم قالوا: لأنه كالرجوع عن الإقرار.
وكذلك ذكر القاضي وغيره أنه إذا منع ثبوت وصف العلة بعد النقض لم يقبل لأن النقض اعتراف بوجود العلة وهى مذكورة في أصل الكتاب وهذا ضعيف لوجهين أحدهما أن السكوت لا يدل على التسليم والإقرار كما
لو اشترى منه شيئا فإنه لا يقتضى أنه مقر له بالملك أكثر ما فيه أنه أخر السؤال وتركه وفرق بين عدم منعه وبين تسليمه وليس كل من لم ينف أو يمنع يكون موافقا الثاني أنه لو اعترف صريحا بصحة مقدمة لجاز رجوعه عنها بل وجب إذا تبين له الحق في خلافها وهذا ليس كالإقرار بحقوق الآدميين فإنه لو أقر بحق الله لجاز رجوعه عنه فكيف بالأقوال الاعتقادية التي يجب فيها اعتقاد الحق فهو كرجوع المفتى عما تبين له خطؤه ورجوع الحاكم والشاهد والمحدث عما تبين له خطؤه كذلك رجوع المناظر سواء وليس هذا عيبا عليه في عقله ولا دينه لأن الرجوع إلى الحق خير من التمادى في الباطل كرجوع الباقين وهذا بناء منهم على البناء بمقدمة مسلمة وإن لم يكن معلومة لكن فرق بين دوام التسليم والإقرار وبين الرجوع عنه وقد اعترفوا بالفرق بين أسئلة الجدل وأسئلة الاسترشاد ومن هنا تخبط وإلا فلا ينبني الجدل إلا على وجه الإرشاد والاسترشاد دون الغلبة والاستذلال وإنما لأهل الجدل والأصول في الجدل العلمي من الحيل والاصطلاح الفاسد أوضاع كثيرة كما أن للفقهاء والحكام في الجدل الحكمي نحو ذلك والواجب رد جميع أبواب الجدل والمخاصمة في العلم وفي الحقوق إلى ما دل عليه الكتاب والسنة.
[شيخنا] فصل: في التقليد
وهو قبول المقلد بغير حجة فيلزم المقلد ما كان في ذلك القول من خير وشر وعلى هذا لا يسمى متبع الرسول ولا الإجماع مقلدا لقيام الدلالة على أنه حجة.
وقال أبو الخطاب أيضا ما سمعه من الرسول لا يسمى تقليدا بل هو الحجة
الواضحة في الشرع لأنه إن كان بوحي فهو مقطوع بصحته وإن كان عن رأى فهو مقطوع بصحته أيضا لأنه لا يخطئ فيما يشرعه ومن يجوز الخطأ عليه يقول لا يقر عليه فإن أقره على ما كان أفتاه فهو مقطوع عليه.
قال وأما الصحابي فلا يجوز للعالم تقليده في إحدى الروايتين وهو الاقوى عندي ومن سلم قال إن قول الصحابي حجة في الشرع بخلاف المفتى من غير الصحابة بدليل أنه يجب على العالم ترك اجتهاده والأخذ بقول الرسول أو بقول الصحابي عند من جعله حجة ولا يجب عليه تقليد غيره.
[شيخنا] فصل:
لا ينبغي للعامي أن يطالب المفتى بالحجة فيما أفتاه ولا يقول له لم ولا كيف فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة في ذلك سأل عنها في مجلس آخر أو فيه بعد قبوله الفتوى مجردة عن الحجة وذكر السمعاني أنه لا يمنع من أن يطالب المفتى بالدليل لأجل احتياطه لنفسه وأنه يلزمه أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعا به وإلا فلا لافتقاره حينئذ إلى اجتهاد يقصر العامي عنه وينبغي له أن يحفظ الأدب مع المفتى ويجله في خطابه وسؤاله ونحو ذلك ولا يومئ بيده في وجهه ولا يقول له ما تحفظ في كذا ولا ما مذهب إمامك في كذا ولا يقول إذا استفتى في رقعة إن كان جوابك موافقا لمن أجاب فيها فاكتب وإلا فلا تكتب ولا يقول له إذا أجابه هكذا قلت: أنا ولا هكذا وقع لي ولا يقول له أفتاني فلان أو أفتاني غيرك بكذا وكذا ولا يسأله وهو قائم أو مستوفز أو على حال ضجر أو هم أو غير ذلك مما يشغل قلبه ويبدأ بالأسن الأعلم من المفتين وبالأولى فالأولى وقال أبو القاسم الصيمرى إذا أراد جمع الجوابات في رقعة قدم الأسن الأعلم وإن أراد إفرادها فلا يب إلى بأيهم بدأ.