الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: لا يحكم بفسق المخالف في مسائل أصول الفقه
وبه قال جماعة من الفقهاء والمتكلمين وقال بعض المتكلمين انه يحكم بفسقه وهذا نقل الحلواني.
مسألة: تثبت مسائل الأصول بخبر الواحد والقياس والامارة المؤدية إلى غلبة الظن
وبه قال أكثر الفقهاء والمتكلمين وقال بعض الأشعرية وهو أبو محمد بن اللبان1 لا يثبت إلا بما يؤدى إلى القطع فلا يصح اثباتها بخبر الواحد والقياس المؤدى الىغلبة الظن هذا نقل الحلواني.
1 في ب "أبو محمد اللبان".
مسألة: العقل لا يحسن ولا يقبح ولا يحظر ولا يوجب في قول أكثر أصحابنا
القاضي وابن عقيل وهومقتضي أصولنا وبه قالت الأشعرية وطوائف من المجبرة وهم الجهمية1 نقله أبوالخطاب وقال أبو الحسن التميمي يوجب ويحرم ويقبح ويحسن كقول المعتزلة والكرامية والرافضة واختاره أبو الخطاب وقال هو قول عامة أهل العلم من الفقهاء والمتكلمين وعامة الفلاسفة.
فصل:
فى الفرق بين قولنا بتقبيح العقل وتحسينه وبين قولنا بأن التحسين والتقبيح للشرع وفوائد الخلاف في ذلك.
1 في ب "الحميمية" تحريف.
مسألة: شكر المنعم واجب بالشرع
في قولنا وقول أهل الأثر والاشعرية وقالت المعتزلة يجب عقلا.
قال والد شيخنا وذكر أبو الخطاب أن هذه مبنيه على العقل هل يوجب ويحظر أم لا فمن قال لا قال هنا لا ومن قال بلى قال ها هنا كمذهب المعتزلة.
مسألة: الأعيان المنتفع بها قبل الشرع1 على الحظر
في قول ابن حامد والقاضي والحلوانى وبه قال ابن أبي هريرة حكاه عنه القاضي أبو يعلى وأبو الطيب وذكره أصحاب الحظر من أصحابنا وغيرهم منهم الحلوانى أن ما تدعوا إليه الحاجة من التنفس والتنقل وأكل ما يضطر إليه من الاطعمة جائز وإنما المنع مما لا تدعو إليه الحاجة فإن العقل لا يمنع هذا كما أن الشرع لا يمنعه وأعاد ذلك مرة ثانية وقال لا يقبح تناول هذه الأشياء عند الحاجة وخوف الضرر والمعتزلة البغداديون والإمامية وقالت الحنفية فيما ذكره أبو سفيان وأهل الظاهر وابن سريج وأبو حامد المروذى الشافعيان والمعتزلة البصريون وأبو هاشم الجبائي ووالده هى على الاباحة وحكى ابن برهان أن هذا قول ابن أبي هريرة من أصحابهم وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب وقد سأله عن قطع النخل فقال لا بأس به لم نسمع في قطع النخل شيئا فحكم بالإباحة حيث لم يرد سمع بحظره قال القاضي هو ظاهر كلام أبي الحسن التميمي لأنه نص على جواز الانتفاع قبل الإذن2 من الله وهذا اختيار القاضي في مقدمة المجرد وهذا اختيار أبي الخطاب وقال أبو الحسن3 الخرزي من أصحابنا والأشعرية هى على الوقف قال أبو الخطاب وأراه أقوى على أصل من يقول إن العقل لا مدخل له في الحظر والاباحة وهو قول أكثر أصحابنا وهوقول الصيرفى وأبى علي الطبرى الشافعيين قال أبو الحسن صاحبنا من قال كانت على الإباحة فقد أخطأ وذكر القاضي أن القائل بالوقف موافق للقائل بالإباحة في التحقيق لأن من قال بالوقف يقول لا يثاب على الامتناع منه ولا يأثم بفعله وإنما هو خلاف في عبارة وقال ابن عقيل بل القول بالوقف أقرب إلى الحظر منه إلى الإباحة.
1 في ا "قبل المسمع" وهو محرف عن "قبل السمع".
2 في ب "قبل الأمر".
3 في ا "وهذا اختيار أبي الخطاب الخرزي" بسقط صير الإثنين واحدا ومال بالكلام.
قال شيخنا قلت: كلام أبي الحسن الخرزى يوافق قول ابن عقيل لأنه يحتج على الفتوى بالاقدام عليها كما يحتج الحاظر والمبيح يعنى بالتناول1.
قال شيخنا قلت: هذا على قول من فسر الوقف بالشك دون النفى مع أن كلام ابن عقيل أنه2 ثابت على التفسيرين.
قال المصنف قلت: وهذا ليس بشيء لأنه ليس معنى الوقف أن القائل به يتشكك في الإباحة والحظر بل يقضى بعدمهما شرعا ويقطع بأن لا إثم في ذلك كفعل البهيمة وكذلك ذكره جماعة على ماسيأتي.
قال والد شيخنا وقال ابن عقيل الأليق بمذهبه أن يقال لا ندري ما الحكم وقال ابن عقيل لا حكم لها قبل السمع وهذا هو الصحيح الذي لا يجوز على المذهب غيره وهذ اختيار أبي محمد أيضا لكن أبو محمد يفسره بنفى الحكم مطلقا3 وبعدم الحرج كاختيار الجد وكذلك فسر ابن برهان مذهب الوقف فقال هى على الوقف4 عندنا لا يوصف بحظر ولا إباحة ولا وجوب بل هى كأفعال البهائم5 وكذلك قال أبو الطيب تفسير الوقف أنه لا يقال إنها مباحة ولا محظورة إلا بورود الشرع فما ورد بالإذن فيه فهو مباح وما ورد بالمنع منه فهو محظور وذكر في أثناء كلامه أنه كفعل البهيمة وإن الواقفة يجزمون بأن لا إثم6 قبل الشرع وقال أبو زيد في جماعة من متأخري المعتزلة لا حكم له قبل السمع وبعد ما ورد السمع تبينا أنها كانت مباحة حكاه ابن برهان وذكر أبوالطيب في آخر المسألة
1 في ا "يفتى" بالتناول.
2 كلمة "أنه" ساقطة من ا.
3 في ا "مطلقا" ساقطة من ا.
4 في ا "هي على لوقت عندنا".
5 في ا "كفعل البهائم".
6 في ا "بأن الإثم قبل الشرع" خطأ.
أكثر مما ذكره القاضي من الإشكال وجوابه وذكر داود استدلال بعض أصحابه به والقائلون بالحظر اختلفوا في القدر الذي لا تقوم النفس إلا به كالتنفس في الهواء وشرب الماء وأكل الطعام الذي يسد الرمق هل هو محظور أو مباح على قولين والذي ذكره القا ضي أن التنفس والانتقال في الجهات إذا كان لحاجة جاز لأن الإذن قد دخل فيه من جهة العقل قال فنظيره أن يضطر إلى أكل طعام غيره فيباح لأن العقل لا يمنع من هذا كما لا يمنع الشرع من ذلك عند الحاجة وإن لم تكن به حاجة منعناه وأدعى ذلك مرة ثانية وذكر أيضا في اللامع أنه إذا كان السمع هو الحاظر والمبيح فالسمع ورد مفصلا لم يرد حاظرا ثم ورد سمع آخر مبيحا أو ورد مبيحا ثم ورد سمع آخر حاظرا وأجاب عن قوله: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} 1 قال معناه للإعتبار لا للإتلاف وأول قوله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} 2 بأن معناه ما هو داع إلى فعل الواجب ويجوز أن يقال الطيبات هى الحلال ثم هو معارض بقوله: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} 3.
قال شيخنا قلت: هذا أحد الاحتمالين في الروضة وأحد قولى أصحابنا وغيرهم بأن ماقبل السمع هل يستصحب إذا قامت الادلة السمعية على عدم الإباحة إلا ما استثناه الدليل قال القاضي واحتج الواقف بأن كونه على الحظر أو على الاباحة أنها تعلم على قولكم قبل الشرع بالعقل وما علم حكمه بدليل لا يجوز أن يرد الشرع بخلافه مثل شكر المنعم وقبح الظلم قال والجواب أنه كذلك فيما يعرف ببدائه4 العقل وضرورات العقول كالتوحيد وشكر المنعم وقبح الظلم فأما ما يعرف5 بثواني
1 من الآية "39" من سورة البقرة.
2 من الآية "4" من سورة المائدة.
3 من الآية "40" من سورة النازعات.
4 في ب "أنه كذلك فلتعرف بيد أن العقل – إلخ" تحريف عجيب.
5 في ب "فأما ما تعلم".
العقول استنباطا واستدلالا فلا يمنع أن يرد الشرع بخلافه لأنا قلنا على الحظر وجوزنا أن يكون على الإباحة أو على الوقف1 ولكن كان هذا عندنا أظهر فصرنا إليه فاذا ورد الشرع كان أولى مما عرفناه استدلالا مع تجويز غيره ثم أجاب بأن ورود الشرع اذن في التصرف وورود الإذن في الثاني لا يمنع حظرا متقدما وذكر أنه محظور لمعنى لا لعينه [2فلا يمتنع ورود الشرع بخلافه2] .
[شيخنا] 3 فصل:
اختلف جواب القاضي وغيره من أصحابنا في مسألة الأعيان مع قولهم بأن العقل لا يحظر ولا يبيح4 فقال القاضي وأبو الخطاب والحلواني إنما علمنا أن العقل لا يحظر ولا يبيح بالشرع وخلافنا في هذ المسألة قبل ورود الشرع ولا يمتنع أن نقول قبل ورود الشرع إن العقل يحظر ويبيح إلى أن ورد الشرع فمنع ذلك إذ ليس قبل ورود الشرع ما يمنع ذلك قال الحلواني وأجاب بعض الناس عن ذلك بأنا علمنا ذلك من طريق شرعي وهو الإلهام من قبل الله لعباده بحظر ذلك وهذا غير ممتنع كما ألهم أبوبكر وعمر.
قال شيخنا قلت: كلا الجوابين ضعيف على هذا الأصل وكذلك ذكر القاضي الجواب الثاني فقال وقد قيل إنا قد علمنا ذلك من طريق شرعى وهو الهام من الله لعباده بحظر ذلك وإباحته كما ألهم أبا بكر أن قال الذي في بطن أم عبد5 جارية وكما ألهم عمر أشياء ورد الشرع بموافقتها.
1 في ب "أو على الزمن".
2 هذا الكلام ساقط من ا.
3 في هامش اهنا "بلغ مقابلة على أصله".
4 في اهنا "كلا زيادة جملة ونصها ما أصلحهما القاضي".
5 في د "أم عبد الله".
قلت صرح القاضي بأن عدم حكم العقل معلوم بالشرع1 ولهذا إنما استدل عليه بالنصوص2 وحكى في الإلهام هل هو طريق شرعى قولين.
قال القاضي الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع اختلف الناس فيها فذكر شيخنا رضى الله عنه أنها على الحظر إلى أن يرد الشرع باباحتها قال وقد أومأ أحمد إلى معنى هذا في رواية صالح ويوسف بن موسى لا يخمس السلب ما سمعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم خمس السلب وهذا يدل على أنه لم يبح تخميس السلب لأنه لم يرد عن النبي صلى لله عليه وسلم شرع فيه فيبقى على أصل الحظر.
قال شيخنا قلت: لأن السلب قد استحقه القاتل بالشرع فلا يخرج بعضه عن ملكه إلا بدليل وهذا ليس من موارد النزاع قال وكذلك نقل الأثرم وابن بدينا في الحلى يوجد لقطة فقال إنما جاء الحديث في الدراهم والدنانير قال فاستدام أحمد التحريم ومنع الملك على الأصل لأنه لم يرد شرع في غير الدراهم.
قلت لأن اللقطة لها مالك فنقلها إلى الملتقط يحتاج إلى دليل وليس هذا من جنس الأعيان في شىء وقد يحتج القاضي بأن أحمد منع من التخميس وتملك اللقطة لعدم الإباحة وأما قول أهل الإباحة فقال أومأ إليه أحمد في رواية أبي طالب وقد سأله عن قطع النخل فقال لا بأس به لم نسمع في قطع النخل شيئا قيل له قالنبق قال ليس فيه حديث صحيح وما يعجبنى قطعه3 قلت: له إذا لم يكن فيه حديث صحيح فلم لا يعجبك قال لأنه على كل حال قد جاء فيه كراهة والنخل
1 في ب "معلق بالشرع".
2 في ا "بالنصوص والإلهام وعلى هذا هل هو طريق شرعي – إلخ".
3 هذه الجملة ساقطة من اولكن السؤال الذي بعدها يدل على وجودها في كلام أحمد الأول.
لم يجىء فيه شيء قال القاضي فقد استدام أحمد للإباحة في قطع النخل لأنه لم يرد شرع يحظره.
قال شيخنا قلت: لا شك أنه أفتى بعدم البأس1 لكن يجوز أن يكون للعموميات الشرعية ويجوز أن يكون سكوت الشرع عفوا ويجوز أن يكون استصحابا لعدم التحريم ويجوز أن يكون لأن الأصل إباحة عقلية مع أهذا من الأفعال لا من الأعيان.
قال يعنى القاضي2 وهذا ظاهر كلام أبى الحسن التميمي لأنه نصر جواز الانتفاع قبل الاذن من الله تعالى.
قلت وهذا من القاضي يقتضى أن الاختلاف بعد مجيء السمع إذا لم يكن اذن عام أو خاص وقد صرح بذلك وأما الخرزي فإنه قال في جزء فيه مسائل الأشياء قبل مجىء الشرع موقوفة على دلائلها فما ورد النص به عمل به ومالم يرد به نص رد إلى ما فيه النص ومن قال انها كانت على الاباحة فقد أخطأ قلت: هذا أيضا يقتضى أنه لا تمسك باستصحاب بعد مجىء السمع بل نقيس المسكوت على المنصوص.
وأما ابن عقيل فقال الذي يقتضيه أصل صاحبنا أن مالم يرد السمع فيه بحظر ولا إباحة لا يوصف بحظر ولا إباحة اذ ليس قبل السمع على أصله محسن ولا مقبح والاليق بمذهبه أن يقال لا نعلم ما الحكم قال وقد أخذ شيخنا من خلافه في مسائل الفروع روايتين الحظر والإباحة قال ابن عقيل وهذا إنما يصح مع نفي تحسين العقل وتقبيحه وإن السمع لما ورد بحظر أفعال في أعيان واباحة أفعال في أعيان رجعنا إلى مقتضى السمع فيما سكت عنه من إباحة أو حظر بحسب ما نذكره من الأدلة المستنبطة من السمع أو ما يثبت
1 في ا "أفتى بعد ذلك" تحريف.
2 عبارة "يعني القاضي" ليست في ا.
بدليل العقل هذا معناه مع تعطيل العقل عن الإباحة والحظر.
فقد جعل ابن عقيل مورد الخلاف الذي ذكره القاضي فيما سكت عنه السمع بعد مجيئه فصار فائدتها ثلاثة أقوال أحدها عند عدم السمع والثاني بعد مجيء السمع والثالث يعمهما جميعا1.
قال شيخنا قال القاضي ذكر أبو الحسن التميمي في جزء وقع إلى بخطه فيما أخرجه من أصول الفقه فقال الأفعال قبل مجيء السمع تنقسم قسمين منها حسن ومنها قبيح فما كان منها في العقل قبيحا فهو محظور لا يجوز الإقدام عليه كالكذب والظلم وكفر نعمة المنعم وما جرى مجرى ذلك لأنه يكتسب بفعله الذم واللوم وأما الحسن من العقل فينقسم قسمين أيضا منها ما يجب فعله ومنها ما لا يجب فعله أما الذي يجب فعله فهو مثل شكر نعمة المنعم والعدل والإنصاف وما جرى مجرى ذلك مما في معناه من الحسن فإنه واجب لا يجوز الانصراف عنه ومن الحسن ما لا يجب فعله وإن كان حسنا مثل التفضل وبر الناس وقرى الضيف وإطعام الطعام ونحوه.
فصل:
قال شيخنا ولا يجوز أن يرد السمع بحظر ما كان في العقل واجبا نحو شكر المنعم والعدل والإنصاف ونحوه وكذلك لا يجوز أن يرد بإباحة ما كان في العقل محظورا نحو الكذب والظلم وكفر نعمة المنعم ونحوه وإنما يرد بإباحة ما كان في العقل محظورا على شرط المنفعة نحو إيلام بعض الحيوان يعنى بالذبح لما فيه من المنفعة كما جاز لنا إدخال الآلام علينا بالقصد والحجامة وشرب الأدوية الكريهة للمنفعة وإن لم يجز ذلك لغير منفعة وما أعطيناه من أموالنا بغير
1 في ا "جميعها".
استحقاق للفقراء أو غيرهم ممن يطلب بدفعه إليهم الثواب من الله أو الحمد من الناس والثناء الجميل فإن هذا وما أشبهه يجرى مجرى الآلام التي تطلب بها المنافع من الفصد والحجامة وشرب الأدوية وقد يرد السمع بحظر ما لم يكن له في العقل منزلة في القبح نحو الأكل والشرب والتصرف الذي لا ضرر على فاعله في فعله في ظاهر أمره فالواجب أن تجرى أحكام الأفعال على منازلها في العقل فأما أن تكون قبيحا في العقل فيمتنع منه أو يكون واجبا في العقل فيلزم أمره ويجب فعله أو أن يكون حسنا ليس بواجب فيكون الإنسان مخيرا بين أن يفعله وبين أن لا يفعله من نحو اكتساب المنافع بالتجارات وما في معناها فإن ورد السمع فيما الإنسان فيه مخير كشف السمع عن حاله وبين أمره فإما أن يدخله في جملة الحسن الذي يجب فعله أو في جملة القبيح الذي لا يجوز فعله.
قال القاضي وهذا كلام أبى الحسن يقتضى أن العقل يوجب ويقبح قال وقد ذكرنا في الجزء الأول من المعتمد خلاف هذا وحكينا [خلاف المعتزلة في] 1 هذه المسألة وبينا قول أحمد في رواية عبدوس ليس في السنة قياس ولا تضرب لها الأمثال ولا تدرك بالعقول إنما هو الاتباع واستدل بدليلين.
قال القاضي وقال أبو الحسن والحظر والإباحة والحلال والحرام والحسن والقبح والطاعة والمعصية وما يجب وما لا يجب كل ذلك راجع إلى أفعال الفاعلين دون المفعول فيه فالأعيان والأجسام لا تكون محظورة ولا مباحة ولا تكون طاعة ولا معصية.
قال القاضي وهذا كما قال أبو الحسن وقد يطلق ذلك في المفعول توسعا واستعارة فيقال العصير حلال مباح ما لم يفسد فإن فسد وصار خمرا كان حراما ومحظورا والمذكي حلال ومباح والميتة محظورة وهى حرام يريدون
1 ساقط من ب.
أن شرب العصير حلال ومباح ما لم يفسد1 وأكل المذكي حلال ومباح ويطلقون ذلك والمراد به أفعالهم قال شيخنا تقدمت هذه المسألة في العموم والصحيح أنه حقيقة في الأعيان أيضا.
فصل:
في حقيقة قول ابن عقيل [الذي صوره على المذهب2] في الأعيان قبل السمع قد كتبت قوله: إن مقتضى أصلنا أنها لا توصف بحظر ولا إباحة لأن ذلك لا يثبت عندنا إلا بالشرع فإن لم يكن شرع فلا حظر ولا إباحة ثم قال والأليق بمذهبه أن يقال لا نعلم ما الحكم فهذا يقيني وهذا شك ثم قال فإن كان مذهب صاحبنا أن العقل لا يوجب ولا يحظر وإن عباد الأوثان لا يعاقبون على شيء مما اعتقدوه ولا على شيء من الأفعال وإن لا عقوبة ولا عذاب قبل السمع فلا وجه للقول باحته قبل السمع أو حظره فهذا أصل لا ينبغي أن يغفل لأنه من أصول الدين فلا يسقط حكمه بمذهب في أصول الفقه.
قال وإذا ساغ لشيخنا رضى الله عنه أن يأخذ له أصلا هو حظر أو إباحة من نهيه تارة فيما لم يرد سمع كقطع السدر وتارة في إباحة كتجويزه قطع النخل فلم لا يأخذ من كلامه الذي لا يحصي لا3 أدري ما هذا ما سمعت فيه شيئا أنا أجبن عن أن أقول بكذا فيؤخذ منه أخذ مذهبين إما الوقف أو الإمساك عن
1 في د "ما لم يشتد".
2 ساقط من ب.
3 الجمل الآتية عبارات نقلت عن الإمام أحمد رضي الله عنه.
الفتوى رأسا وإن يقال فيما لم يرد فيه سمع لا مذهب له إلا الإمساك فافهم هذا الأصل فإنه يستمر على قوله في المتشابه من الآيات وظواهر الأخبار وأنها لا تفسر ولا تؤول ولا وجه للقطع بالإباحة أو الحظر مع عدم السمع وعدم قضية العقل.
قال شيخنا قلت: هذا الكلام من ابن عقيل مع ما تقدم من أن صاحب الوقف أقرب إلى الحظر لأنه يجنح عن الفتوى بالإقدام كالحاظر يقتضي أن المذهب أنه لا يقطع فيها بحظر ولا إباحة لانتفاء دليل ذلك وهو الشرع ثم هو مع ذلك إما أن يسكت كما يسكت الرجل عن الكلام فيما لم يعلم شكا أو أن يقف فيبقى الحظر والإباحة عند نفسه أو في الخارج ففرق بين أن يقال ليست عندنا محظورة ولا مباحة أو ليست في الخارج كذلك وإذا نفاهما فعنده أنه لا يأذن في الإقدام لأن الإذن إباحة وهذا تجويز منه ذهنا أن يكون في الباطن فيها مفسدة راجحة وهذا يتوجه إذا نفي حكم العقل ولم ينف صفة العقل فيقال ما نعلم أنه لا حكم للعقل بل تجوز أذهاننا أن للعقل صفة وإن لم تكن للعقل صفة إذ فرق بين نفي الدليل ونفي المدلول وبين التجويز الذهني الذي يرجع إلى عدم العلم وبين التجويز الخارجي الذي يرجع إلى وصف الذوات.
فكلام ابن عقيل مستمر إذا فسر نفي العقل بنفي دلالته لا بنفي صفة العقل وجوز جوازا ذهنيا أن يكون للعقل صفة وإن لم يثبت جوازها في الخارج فحينئذ يقال لا حظر ولا إباحة لانتفاء دليله والنقل لا يثبت ذلك ولم يعلم أيضا انتفاء أن يكون في الفعل ضرر أو ذم من الله لم نقف عليه بعقولنا ولم يكشف لنا سمع فهذا شك في ثبوت صفة الأفعال لا في علم العقل بها وقد يقال أيضا ما علمنا أن العقل يدرك ذلك فنحن لم نعلم أن للعقل صفة ولم نعلم عدم ذلك ولو كان ثم صفة فلم نعلم أن العقل يدركها أو علمنا أنه لا يدركها فيلزم من ذلك انتفاء الحظر والإباحة والتوقف في نفي الحكم مطلقا ومن لم يحكم الفرق بين نفي الأدلة ونفي المدلولات
وبين الجواز العيني والجواز العقلي وإلا اختبط كثيرا في أمثال هذه الأشياء ولهذا قال ابن عقيل في أثناء المسألة لا جواب لهذه المسألة على التحقيق إلا قول المسئول لا أعلم ما كان الحكم قبل الشرع إذ لا طريق لنا إلى العلم بالحكم وكلامه كله يدل عل أنه غير حاكم بثبوت حكم ولا نفيه ولا دليل عليه أصلا كما لا دليل على المتردد بخلاف النافي فعليه الدليل فهو لا يعلم ثبوت الحكم ولا انتفاءه.
فصل:
قال شيخنا من قال من أصحابنا ان للأفعال والأعيان حكما قبل الشرع اختلفت أقوالهم فيما يجوز تغييره [بالشرع1 وما لا يجوز فقال أبو الخطاب ما ثبت بالعقل ينقسم قسمين فما كان منه واجبا بعينه] كشكر المنعم والإنصاف وقبح الظلم فلا يصح أن يرد الشرع بخلاف ذلك وما وجب لعلة أو دليل مثل الأعيان التي فيها الخلاف فيصح أن يرتفع الدليل والعلة فيرتفع ذلك الحكم العقلي كفروع الدين المنسوخة2 وقال التميمي لا يجوز أن يرد الشرع في الأعيان بما يخالف حكم العقل إلا بشرط منفعة تزيد في العقل أيضا على ذلك الحكم كذبح الحيوان والبط والفصد فعلى هذا يمنع أصل الدليل وقال عنه في موضع لا يجوز أن يرد الشرع بحظر موجبات العقل3 أو إباحة محظوراته وقيل ان الشرع يرد بما لا يقتضيه العقل إذا كان العقل لا يحيله ذكر هذه الثلاثة أبو الخطاب وقال الحلواني ما يعرف ببدائه العقول وضروراتها فلا يجوز أن يرد الشرع4
1 في ب "فيما يجوز لغيره بالشرع" تحريف وما بين المعقوفين ساقط من ا.
2 في ب "كفروع العين" تحريف.
3 في "موجبات العقول".
4 في "يرد السمع".
بخلاف مقتضاه فأما ما يعرف بتولد العقل1 استنباطا واستدلالا فلا يمتنع أن يرد [الشرع بخلافه] .
[شيخنا] فصل:
قال القاضي في مسألة الأعيان قبل الشرع وإنما يتصور هذا الاختلاف في الأحكام الشرعيات من تحريم لحم الحمر2 وإباحة لحم الأنعام وما يشبه ذلك مما قد كان يجوز حظره وتجوز إباحته فأما ما لا يجوز له الحظر بحال كمعرفة الله ومعرفة وحدانيته وما لا يجوز عليه الإباحة كالكفر بالله وجحد التوحيد وغيره فلا يقع فيه خلاف بل هو على صفة واحدة لا تتغير ولا تنقلب وإنما الاختلاف فيما ذكرنا.
وأما ابن عقيل فطرد خلاف الوقف في الجميع حتى في التثنية والتثليث والسجود للصنم وصرف العبادة والشكر إلى غير الواحد القديم الذي قد عرف وحدته وقدمه.
قال يعنى القاضي ويجب القول باستصحاب الحال العقلي مثل أن يدل الدليل العقلي على أن الأشياء على الحظر أو على الإباحة قبل ورود الشرع بذلك فيستصحب هذا الأصل حتى يدل دليل الشرع على خلافه وأما استصحاب الشرع مثل أن يثبت الحكم في الشرع بإجماع ثم وقع الخلاف في استدامته كالمتيمم إذا رأى الماء في الصلاة فالقول فيه محتمل أنه غير مستصحب ويحتمل أنه مستصحب لحكم الإجماع حتى يدل الدليل على ارتفاعه.
[شيخنا] فصل:
ذكر قوم أن الكلام فيها عبث لأن بنى آدم لم يخلوا من شرع وقد أومأ
1 في "بتولد العقول".
2 في ا "من تحريم الخمر" وما أثبتناه موافقا لما في ب وهو الناسب لما يليه.
أحمد إلى هذا في رواية عبد الله فيما خرجه في محبسه إذ يقول1 الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم فأخبر أن كل زمان لم يخل من رسول أو عالم يقتدي به.
قال أبو الخطاب وتتصور هذه المسألة في قوم لم تبلغهم الدعوة وعندهم ثمار وفي موضع آخر وهو أن يقول ان هذه الأشياء لو قدرنا خلو الشرع2 عن حكمها ما ينبغي أن يكون حكمها يعتد3 في الفقه أن كل من حرم شيئا أو أباحه قال قد طلبت في الشرع دليلا على ذلك فلم أجد فبقيت على حكم الأصل وهو الأصل فإن قيل لا حكم للعقل ينقل الكلام4 إلى ذلك الأصل.
وكذلك قال ابن عقيل من شروط المفتى أن يعرف ما الأصل الذي ينبني عليه استصحاب الحال هل هو الحظر أو الإباحة أو الوقف ليكون عند عدم الأدلة متمسكا بالأصل إلى أن تقوم دلالة تخرجه عن أصله.
وقال القاضي واعلم أنه لا يجوز إطلاق هذه العبارة لأن من الأشياء ما لا يجوز أن يقال أنها على الحظر كمعرفة الله تعالى ومعرفة وحدانيته ومنها ما لا يجوز أن يقال أنها على الإباحة كالكفر بالله والجحد له والقول بنفي التوحيد وإنما يتكلم في الأشياء التي يجوز في العقول حظرها وإباحتها كتحريم لحم الخنزير وإباحة لحم الأنعام وتتصور هذه المسألة في شخص خلقه الله في برية لا يعرف شيئا من الشرعيات وهناك فواكه وأطعمة هل تكون لأشياء في حقه على الإباحة أو على الحظر حتى يرد شرع.
قال شيخنا قلت: وهذا يقتضى أن المسألة تعم الأعيان والأفعال
1 في ب "أن يقول" تحريف.
2 في ب "خلو شرع".
3 في ب "ويفيد في الفقه".
4 في ب "نقل الكلام".
وقال القاضي قد قال بعض من تكلم في هذه المسألة ان الكلام فيها تكلف لأن الأشياء قد عرف حكمها واستقر أمرها بالشرع وقال آخرون والوقت ماخلا من شرع قط لأن الله لا يخلى الوقت من شرع يعمل عليه لأنه أول ما خلق آدم قال: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} 1 فأمرهما ونهاهما عقب ما خلقهما وكذلك كل زمان وإذا كان كذلك بطل أن يقال ما حكمها قبل ورود الشرع بها والشرع ما أخل بحكمها قط فعلى هذا لا يتصور الخلاف إلا في تقرير أن الأشياء لو لم يرد بها شرع ما حكمها فالحكم عندنا على الحظر وعند قوم على الإباحة وعند آخرين على الوقف.
قال وهذه الطريقة2 ظاهر كلام أحمد لأنه في رواية عبد الله فيما خرجه في محبسه الحمد الله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم فأخبر أن فيه قوما من أهل العلم.
قال القاضي أبو الحسن الخرزى ذكرها إمام قوله: "إن الأشياء على الوقف" فقال لم تخل الأمم قط من حجة واستدل عليه بقوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} 3 والسدي الذي لا يؤمر ولا ينهى وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً} 4 وقال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} 5 وإن الله لما خلق آدم أمره ونهاه في الجنة.
قال القاضي وقال قوم هذه المسألة لا تفيد شيئا في الفقه وإنما ذلك كلام يقتضيه العقل قال وليس كذلك لأن لها فائدة في الفقه وهو أن من حرم شيئا
1 من الآية "35" من سورة البقرة.
2 في ب "وهذه الطريق".
3 من الآية "36" من سورة القيامة.
4 من الآية "36" من سورة النحل.
5 من الآية "24" من سورة فاطر.