الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
26 - بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالسُّتْرَةِ لِلْمُصَلِّي
(1)
308 -
قَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الحِمّاني، ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقة، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه -وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا- قَالَ: إِنِّي لَفِي مَنْزِلِي (2) إِذَا منادِ (3) يُنَادِي عَلَى الْبَابِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَدْ تَحَوَّل (4) إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَشْهَدُ عَلَى إِمَامِنَا والرجال، والنساء، والصبيان، لقد صلوا إلى ها هنا -يعني بيت المقدس- وإلى ها هنا -يعني الكعبة-.
(1) في (ك): (وسترة المصلي).
(2)
في (عم): (ستر لي).
(3)
في جميع النسخ (منادي) بإثبات الياء، وحذفها هو الصواب كما في المطبوع من المسند.
(4)
في المسند، والمفاريد لأبي يعلى، والمقصد:(قد حول القبلة).
308 -
تخريجه:
هو في مسند أبي يعلى (3/ 79: 1509).
وفي المفاريد -له أيضًا- (ص 34: 21).
وذكره الهيثمي (المقصد ص 321: 260).
وأيضًا (المجمع 2/ 13)، وعزاه لأبي يعلى، والطبراني في الكبير، وفي روايته:(قال: بينا نحن في إحدى صلاتي العشي إذ نادى منادٍ).=
= قال الهيثمي: وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة، والثوري، واختلف في الاحتجاج به. اهـ.
قلت: وفي رواية أبي يعلى شيخه يحيى بن عبد الحميد الحمانى، وهو أسوء حالًا منْ قيس.
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 173 ب)، كتاب القبلة، باب في تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، وعزاه لأبي يعلى، وقال: هذا إسناد ضعيف، لضعف قيس بن الربيع. اهـ.
ورواه ابن الجعد في مسنده (2/ 807: 2169)، من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني، به فذكر مثله.
ورواه ابن مردويه. انظر: تفسير ابن كثير (1/ 193)، من طريق مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا قيس، به فذكره بلفظ مقارب. ورجاله إلى قيس ثقات.
ورواه الذهبي في السير (10/ 539)، في ترجمة يحيى الحماني، من طريق أبي يعلى، به، فذكر مثله.
ورواه أيضًا من طريق أبي القاسم البغوي، حدثنا يحيى الحماني، به، فذكره مختصرًا.
قال الذهبي: هذا حديث غريب، من الأفراد العوالي.
قلت: الظاهر أن الذهبي يعني بقوله: (غريب) غرابة السند، لانفراد قيس بن الربيع به، عن شيخه زياد بن علاقة، وقيس ممن لا يحتمل تفرده.
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد ضعيف جدًا، لأن فيه يحيى الحماني، وهو متهم بسرقة الحديث، والكذب، وفيه أيضًا فيس بن الربيع، وهو صدوق سيِّىء الحفظ جدًا، وأدخل عليه ابنه، وغيره ما ليس من حديثه، فاستحق الترك، كما قال ابن حبان. لكن تابع يحيى الحماني في رواية هذا الحديث عن قيس بن الربيع، مالك بن إسماعيل=
= النهدي -وهو ثقة- كما في رواية ابن مردويه، وبهذا يكون الحديث ضعيفًا غير شديد الضعف.
وأما أحاديث تحويل القبلة فثابتة في الصحيحين، وغيرهما، وكذلك تحول أهل مسجد قباء حين بلغهم الأمر من جهة بيت المقدس إلى الكعبة وهم في الصلاة. فمن ذلك:
1 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما، قَالَ:(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، صلَّى نحو بيت المقدس ستة عشر -أو سبعة عشر- شهرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس -وهم اليهود- {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)} فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، رجل، ثم خرج بعدما صلى، فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر، نحو بيت المقدس، فقال:(هو يشهد أنه صلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة، فتحَرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة) متفق عليه واللفظ للبخاري.
البخاري (1/ 502: 399)؛ ومسلم (1/ 374: 525).
2 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن رسول الله، قد أُنزِل عليه الليلة قرآن، وقد أُمرَ أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة. متفق عليه.
البخاري (1/ 506: 403)؛ ومسلم (1/ 375: 526).
3 -
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت:{قد نرَى تَقَلُبَ وَجهك فِى السَمَاء فلنولينك قبلة ترضاها فولِ وجهك شطر المسجد الحرام} ، فمر رجل من بني سَلِمة وهم ركوع في صلاة الفجر، وقد صلوا ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت، فمالوا كما هم نحو القبلة. رواه مسلم (1/ 375: 527)؛ وأبو داود (1/ 633: 1045).
309 -
[وَقَالَ أَيْضًا](1): حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ- حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ السَّرِي، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ (2)، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:، "أَرْهِقوا الْقِبْلَةَ"(3).
[2]
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثنا بِشْرُ بن السري، به.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ك)، والقائل أبو يعلى.
(2)
ابن عبد الله بن الزبير الأسدي.
(3)
أزهِقوا -بفتح الهمزة، وسكون الراء، بعدها هاء مكسورة-: أي: ادنوا من السترة التي تصلون إليها، بحيث يكون بينكم وبينها ثلاثة أذرع فأقل، والمراد بالقبلة -هنا-:
السترة. اهـ. من فيض القدير (1/ 479). وانظر: تصحيفات المحدثين (1/ 317)؛ غريب الحديث لابن الجوزي (1/ 424)؛ والنهاية (2/ 283).
وقال ابن فارس: الراء والهاء والقاف أصلان متقاربان فأحدهما: غشيان الشيء الشيء، والآخر: العجلة والتأخير.
فأما الأول فقولهم: رهقه الأمر: غشيه. اهـ.
معجم مقاييس اللغة (2/ 451).
309 -
تخريجه:
هو في مسند أبي يعلى (7/ 350: 4387)، من طريق مصعب، ثنا بشر بن السري، به. وفي (8/ 253: 4840)، من طريق هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثنا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، به.
وذكره الهيثمي (المقصد العلي ص 322: 261).
وأيضًا (المجمع 2/ 59)، وعزاه لأبي يعلى والبزار، وقال: ورجاله موثقون. اهـ.
قلت: بل مصعب بن ثابت: لين الحديث لكثرة غلطه.
وذكره الهيثمي في كشف الأستار (1/ 283: 588)؛ وابن حجر في زوائد البزار=
= (ص 800: 314)، من طريق عباس بن يزيد، ثنا بشر بن السري، به، فذكر مثله.
قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ هَكَذَا إلَّا مصعب، ولا عنه إلَّا بشر. اهـ.
ورواه ابن عدي في الكامل (2/ 449)، من طريق محمود بن آدم، ثنا بشر بن السري، به، فذكر مثله.
ورواه أيضًا (6/ 2359)، من طريق بهلول بن إسحاق، ثنا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُصْعَبٍ بن ثابت، به، فذكره، وزاد:(وإن اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يتقنه).
قال ابن عدي: وهذا لم يروه عن هشام غير مصعب هذا، وعن مصعب بشر بن السري. اهـ.
ورواه العسكري في تصحيفات المحدثين (1/ 318)، من طريق العباس بن يزيد، حدثنا بشر بن السري، به، فذكر مثله، غير أنه قال:(إرْهَقوا) بكسر الهمزة وفتح الهاء، والمحدثون يروونه بفتح الهمزة وكسر الهاء.
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد ضعيف، لأن فيه مصعب بن ثابت، وهو لين الحديث لكثرة غلطه، وقد تفرد بروايته عن هشام بن عروة ولم يتابعه أحد -قاله البزار، وابن عدي-.
وقد جاءت الأحاديث بالإِخبار عن دنوه صلى الله عليه وسلم، من سترته، وفي بعضها الأمر
بذلك.
1 -
فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قال: (كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين الجدار ممر الشاة). متفق عليه.
البخاري (1/ 574: 496)؛ ومسلم (1/ 364: 508).
2 -
وعن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه، قَالَ: (كان جدار المسجد عند=
= المنبر، ما كادت الشاة تجوزها) هذا لفظ البخاري، وعند مسلم (وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة).
البخاري (1/ 574: 497)؛ ومسلم (1/ 364: 509).
3 -
وعن سهل بن أبي حثمة يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إذا صلَّى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته".
رواه أبو داود (1/ 446: 695)؛ والنسائي (2/ 62: 748)؛ والطيالسي (1/ 191: 1342)؛ والحميدي (1/ 196: 401)؛ وأحمد (4/ 2)؛ وابن خزيمة (2/ 10: 803)؛ والطحاوي في المشكل (3/ 251)؛ وفي شرح معاني الآثار (1/ 458)؛ وابن حبان (4/ 49: 2367)؛ والحاكم (1/ 251)؛ والبيهقي (2/ 272)؛ من طرق عن ابن عيينة، عن صفوان بن سُلَيم، عن نافع بن جبير، به.
قال أبو داود: رواه واقد بن محمد، عن صفوان، عن محمد بن سهل، عن أبيه، أو عن محمد بن سَهْلٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ بعضهم: عن نافع بن جبير، عن سهل بن سعد، واختلف في إسناده. اهـ.
ورواه البيهقي (2/ 272)، من طريق ابن وهب قرىء عليه أخبرك داود بن قيس المدني، أن نافع بن جبير بن مطعم حدثه: أن رسول الله، فذكره مرسلًا.
قال البيهقي: قد أقام إسناده سفيان بن عيينة، وهو حافظ حجة. اهـ.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. اهـ. ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.
4 -
وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها فإن الشيطان يمر بينه وبينها، ولا يدع أحدًا يمر بين يديه" هذا لفظ ابن حبان، ولأبي داود وابن ماجه (إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة، ولا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه شيطان).
رواه أبو داود (1/ 448: 698)؛ وابن ماجه (1/ 307: 954)؛ وابن أبي شيبة=
= (1/ 279)؛ وابن حبان (4/ 48: 2366)؛ والبيهقي (2/ 267)، من طريق أبي خالد الأحمر، عن ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، به.
وفيه أبو خالد الأحمر، وهو ثقة ربما وهم. وابن عجلان مدلس من الثالثة لا يقبل من حديثه إلَّا ما صرح فيه بالسماع وقد عنعن هنا. انظر: مراتب المدلسين (ص 106)، وهو في الصحيحين -البخاري (1/ 581: 509)؛ ومسلم (1/ 362: 505) - بلفظ: (إذا صلَّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحوه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان).
وقوله: (في نحوه) ليست في رواية البخاري.
310 -
[وَقَالَ أَبُو يَعْلَى](1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، ثنا حَسَّانُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (2)، ثنا (3) سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ (4)، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:(مَا أَعْرِفْ شَيْئًا مِنْ أمور الناس غير القبلة).
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ك).
(2)
هو الكرماني.
(3)
في المسند: (عن).
(4)
الثوري، والد سفيان الثوري.
310 -
تخريجه:
هو في مسند أبي يعلى (7/ 172: 4419).
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 174 أ)، كتاب القبلة، باب الائتمام بالكعبة والصلاة فيها، وعزاه لأبي يعلى.
ورواه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 9)، من طريق علي -هو ابن المديني- حدثنا حسان بن إبراهيم، عن سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الله الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قال:(ما أعرف إلَّا القبلة). قال البخاري: ورواه يونس بن أبي إسحاق، عن معاوية بن قرة، عن أنس.
ورواه البخاري أيضًا في التاريخ (3/ 9)، من طريق عمرو بن عباس، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبيه، عن حصين بن عبد الله الهفاني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قال:(ما أعرف شيئًا إلَّا الصلاة).
وروى البخاري (2/ 13: 529)، كتاب مواقيت الصلاة، باب تضييع الصلاة عن وقتها: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: (مَا أعرف شيئًا مما كان على عهد النبي.
قيل: الصلاة. قال: أليس صنعتم ما صنعتم فيها؟).
ورواه الترمذي (4/ 632: 2447)، كتاب القيامة، وأحمد (3/ 100)، من=
= طريق زياد بن الربيع حدثنا أبو عمران الجوني، سمعت أنس بن مالك يقول: فذكر نحو رواية البخاري.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، من حديث أبي عمران الجوني، وقد روي من غير وجه عن أنس. اهـ.
قلت: هو عند البخاري من طريق غيلان بن جرير، عن أنس، ورجال الترمذي وأحمد ثقات.
وروى البخاري (2/ 13: 530)، عن الزهري قال: دخلت على أنس بن مالك بدمشق، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ فقال: (لا أعرف شيئًا مما أدركت إلَّا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت).
وروى أحمد (3/ 270)؛ وأبو يعلى (6/ 74: 3330)، من طريق سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قال: (ما أعرف شيئًا كنت أعرفه عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ليس قولكم: لا إله إلَّا الله.
قال: قيل: الصلاة يا أبا حمزة؟
قال: قد صليتموها عند المغرب، أفكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ مع أني لم أر زمانًا خيرًا لعامل من زمانكم هذا). لفظ أبي يعلى.
وسنده صحيح.
الحكم عليه:
الأثر بهذا الإسناد ضعيف، لجهالة حصين بن عبد الرحمن الشيباني، لكنه توبع في رواية معنى هذا الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، كما بينت في التخريج.
وقد شارك أنسًا غيره من الصحابة في التعبير عن استيائهم مما يفعله الناس، والحُكَّام، وما طرأ عليهم من التغير، والتغيير لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أبو الدرداء رضي الله عنه، يغضب ويستاء مما عليه الناس، بالرغم من كونه مات في الخلافة الراشدة، لكنه كان يعيش بالشام بعيدًا عن مركز الخلافة، وهي التي بدًا منها الشقاق=
= والتغيير. روى أحمد (6/ 443) من طريق محمد بن عبيد، ثنا الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أم الدرداء قالت: دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت له: مالك؟ فقال: ما أعرف من أمر محمد صلى الله عليه وسلم، إلَّا الصلاة. وفي رواية: والله لا أعرف فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم شيئًا إلَّا أنهم يصلون جميعًا.
وروى أبو نعيم في الحلية (6/ 85) نحوه.
وإسناد أحمد رجاله ثقات، وليس فيه إلَّا ما يُخشى من عنعنة الأعمش.
وروى مالك في الموطأ (1/ 72)، عن عمه أبي سهيل، عن أبيه: مالك بن أبي عامر الأصبحي أنه قال: ما أعرف شيئًا مما أدركت عليه الناس إلَّا النداء بالصلاة.
قلت: ومالك هذا من كبار التابعين، أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومات قبل أنس بن مالك بنحو عشرين سنة، لكنه أدرك ما أحدثه بنو أمية من تغيير مواقيت الصلاة وغير ذلك.
311 -
حَدَّثَنَا (1) أَبُو الرَّبِيعِ، نا (2)[أَبُو](3) شِهاب [الحَنّاط](4)، عَنْ حَمْزَةَ النَّصِيبِيِّ (5)، عَنِ (6) ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ به القبلة".
(1) هذا الحديث الذي قبله من مسند أبي يعلى.
(2)
في (عم) و (سد) و (ك): (ثنا)، وفي (حس):(أنا).
(3)
في (مح) و (حس): (ابن)، وهو خطأ.
(4)
في (مح) و (سد) و (حس): (الخياط) -بالخاء المعجمة والتحتانية-. وهو خطأ والصواب ما أثبته من (عم) و (ك) و (مصادر الترجمة). وهو عبد ربه بن نافع.
(5)
في (عم): (الضبيعي). وهو خطأ. واسمه حمزة بن أبي حمزة الجعفي.
(6)
لعل إسناده (النصيبي عن نافع عن ابن عمر) كما سيأتي.
311 -
تخريجه:
لم أجده في المطبوع من مسند ابن عمر رضي الله عنهما، فالظاهر أنه من الرواية المطولة لمسند أبي يعلى، وليس من الرواية المختصرة التي بين أيدينا. ويدل على ذلك أن الهيثمي لم يذكره في المقصد العلي ولم يعزه في المجمع إلى أبي يعلى.
وذكره الهيثمي (المجمع 8/ 59)، وعزاه للطبراني في الأوسط، وقال: وفيه حمزة بن أبي حمزة، وهو متروك. اهـ.
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 174 أ)، كتاب القبلة، باب الائتمام بالكعبة والصلاة فيها، وفضلها، وأنها خير المجالس، وأفضلها، زادها الله شرفًا، وعزاه لأبي بعلى.
ورواه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ق 106 ب)، باب ما جاء في حسن الاختيار في المجالس وأن تعطى حقها-. وابن عدي (2/ 785)، من طرق عن أبي الربيع الزهراني، ثنا أبو شهاب، عن حمزة النصيبي، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَكْرَمُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتُقْبِلَ بِهِ القبلة".
قال ابن عدي: وهذه الأحاديث -يعني هذا الحديث وأحاديث أخرى ذكرها- التي أمليتها من طريق نافع عن ابن عمر، منكرة ليس يرويها غير حمزة عن نافع. اهـ.=
= ورواه أبو نعيم في ذكر أخبار أصبهان (2/ 74، 344)، من طريق عبد الله بن محمود بن الفرج، ثنا يزيد بن خالد أبو مسعود، ثنا زيد بن الحريش، ثنا محمد بن الصلت، عن إبي شهاب، عن الأعمش، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خير المجالس ما استقبل به القبلة".
وفي سنده: عبد الله بن محمود بن الفرج، وقد ترجم له أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 74)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، ولم أجد من ترجمه غيره، فهو مجهول الحال.
وكذلك يزيد بن خالد أبو مسعود، ترجم له أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 344)، وذكر الله كان تاجرًا، وأنه كان من الزهاد العباد. وهذه الأوصاف لا تقتضي توثيقه ولا قبول روايته، لأن العباد، والزهاد هم أضعف الناس في الحديث لإنقطاعهم للعبادة وانشغالهم عن حفظ الحديث، وهذا ليس على إطلاقه لأن بعض الأئمة جمع بينها وبين حفظ الحديث والإمامة فيه، ولم أجد من ترجم ليزيد بن خالد غير أبي نعيم.
وفيه: زيد بن الحريش، ذكره ابن أبي حاتم في الجرح (3/ 561)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 251)، وقال: ربما أخطأ.
وذكره العراقي في ذيل الميزان (ص 253)، ونقل عن ابن القطان قوله: مجهول الحال. والأظهر أنه صدوق يخطىء.
وفيه أيضًا: عنعنة الأعمش، وهو مدلس يدل عن الضعفاء. انظر: مراتب المدلسين (ص 67)؛ إتحاف ذوي الرسوخ (ص 29).
وفيه أيضًا: المخالفة في إسناده، فإن المشهور في هذا الحديث أنه من طريق أبي شهاب الحناط، عن حمزة النصيبي، عن نافع، وهنا قال: عن أبي شهاب عن الأعمش، عن نافع، فلعل أحد هؤلاء الضعفاء أبدل حمزة بن أبي حمزة بالأعمش ليصلح إسناده.=
= الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد فيه ثلاث علل:
1 -
أبو شهاب الحناط، وهو صدوق ربما وهم، وهذه علة خفيفة.
2 -
حمزة بن أبي حمزة، وهو متروك متهم بالوضع.
3 -
الانقطاع في سنده، بين حمزة، وابن عمر، لأنه لم يسمع من أحد من الصحابة، والصواب أنه رواه عن نافع، عن ابن عمر، كما في رواية الخرائطي، وابن عدي، وأكاد أجزم بأن إسقاط نافع من هذا السند إنما هو وهم من الحافظ ابن حجر رحمه الله -حملت الوهم عليه لإجتماع جميع نسخ المطالب على ذلك- لأن ابن عدي ذكر في جملة من سمع منهم هذا الحديث أبا يعلى، وساقه كما قدمنا.
وقد ذكره أيضًا الزيلعي في نصب الراية (3/ 64)، وعزاه لأبي يعلى والطبراني في الأوسط وساق سنده على الصواب. لكن البوصيري ذكره في الإتحاف بسنده كما هنا في المطالب، فما أن يكون هكذا وقع في نسختهما من المسند، أو أن البوصيري إنما نقله من المطالب.
وأما مخالفة محمد بن الصلت لأبي الربيع الزهراني في إسناد هذا الحديث فلا عبرة لها، لضعف من رواه عنه، ولأنه رواه جملة من الثقات عن أبي الربيع، ولم يختلفوا عليه في إسناده.
ولهذه العلل فالحديث ضعيف جدًا، وغير قابل للانجبار لأن فيه متروكًا متهمًا بالوضع.
وقد روي نحو هذا الحديث عن اثنين من الصحابة رضي الله عنهما، مرفوعًا، وعن ثالث من فعله.
1 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا، وَإِنَّ أَشْرَفَ الْمَجَالِسِ ما استقبل به القبلة
…
الحديث بطوله "، وفي أوله قصة عند أكثرهم.=
= رواه عبد الله بن أحمد في زوائده على كتاب الزهد لأبيه (ص 359)؛ والعقيلي في الضعفاء (4/ 340)، وابن عدي في الكامل (7/ 2564)، والطبراني في الكبير (10/ 389: 10781)، والحاكم في المستدرك (4/ 270)، من طرق عن هشام بن زياد أبي المقدام، ثنا محمد بن كعب القرظي، به.
قال العقيلي: وليس لهذا الحديث طريق يثبت. اهـ.
وقال الحاكم: هذا حديث قد اتفق هشام بن زياد البصري، ومصادف بن زياد المديني على روايته عن محمد بن كعب القرظي، والله أعلم، ولم أستجز إخلاء هذا الموضع منه فقد جمع آدابًا كثيرة. اهـ.
قال الذهبي في تلخيصه للمستدرك (2/ 270): قلت: هشام -يعني ابن زياد- متروك، ومحمد بن معاوية -أحد رجال الطريق الأخرى- كذبه الدارقطني، فبطل الحديث. اهـ.
وهشام بن زياد، كما قال الذهبي: متروك. قاله: العقيلي في الضعفاء (1/ 170)؛ والهيثمي في المجمع (8/ 59)؛ وابن حجر في التقريب (ص 572).
وانظر: التهذيب (11/ 38).
ورواه الحاكم في مستدركه (4/ 269)، من طريق محمد بن معاوية، ثنا مصادف بن زياد المديني، قال: وأثنى عليه خيرًا، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، به فذكره مطولًا.
وقد تقدم كلام الذهبي في محمد بن معاوية، وأن الدارقطني كذبه.
ومصادف بن زياد، قال فيه العقيلي (1/ 170): متروك.
ورواه العقيلي في الضعفاء (3/ 387)، من طريق عيسى بن ميمون، عن محمد بن كعب القرظي، به فذكره مطولًا.
قال العقيلي: تابعه من هو نحوه في الضعف. اهـ.
قلت: وعيسى بن ميمون، قال فيه البخارى في التاريخ الكبير (6/ 401): منكر=
= الحديث. وقال الحافظ في التقريب (ص 441): ضعيف.
ورواه العقيلي -أيضًا-: (1/ 170)، من طريق تمام بن بزيع، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، به فذكره مطولًا.
قال العقيلي: لم يحدث بهذا الحديث عن محمد بن كعب ثقة، رواه هشام ابن زياد أبو المقدام، وعيسى بن ميمون، ومصادف (في الأصل: مصارف)، ابن زياد القرشي، وكل هؤلاء متروك.
وحدث به القعنبي، عن عبد الملك بن محمد بن أيمن، عن عبد الله بن يعقوب، عمن حدثه، عن محمد بن كعب. ولعله أخذه عن بعض هؤلاء. اهـ.
قلت: وتمام بن بزيع، متروك أيضًا. انظر: الميزان (1/ 358).
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ سيدًا، كان سيد المجالس قبالة القبلة".
رواه الطبراني في الأوسط (3/ 182: 2375)، من طريق إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا محمد بن خالد الوهبي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عنه به.
قال الطبراني: لم يرو هذين الحديثين -يعني هذا الحديث وآخر بعده- عن محمد بن خالد إلَّا عمرو بن عثمان. اهـ.
وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 59)، وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن. اهـ.
وذكره الهيثمي (المجمع 8/ 59)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. اهـ.
وتبعهم السخاوي في المقاصد (ص 77)، فقال: وسنده حسن، وقد قال ابن حبان في كتاب "وصف الاتباع وبيان الابتداع": إنه خبر موضوع تفرد به أبو المقدام، عن محمد بن كعب، عن ابن عباس، وقد كانت أحواله صلى الله عليه وسلم، في مواعظ الناس، أن=
= يخطب لها وهو مستدبر القبلة. قال السخاوي: كذا قال، وما استدل به لا ينهض للحكم بالوضع، إذ استدباره يكز القبلة ليكون مستقبلًا لمن يعلمه أو يعظه، ممن بين يديه لا سيما مع ما أوردته من طرقه. اهـ.
قلت: وعندي أن تحسين إسناد حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بعيد جدًا لأمرين:
1 -
أن شيخ الطبراني في هذا الحديث: إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي، قد قال فيه الذهبي في الميزان (1/ 63): غير معتمد. اهـ. ولم يتعقبه الحافظ في اللسان (1/ 105) بشيء. ولم أجد من ذكره غيرهما.
2 -
أن فيه محمد بن عمرو، وهو ابن علقمة، وهو صدوق له أوهام. انظر: التقريب (ص 499).
ولهذا فحديث أبي هريرة رضي الله عنه ضعيف كسابقيه.
3 -
وقد روى البخاري في الأدب المفرد (ص 291: 1137)، من طريق سفيان بن منقذ، عن أبيه قال: (كان أكثر جلوس عبد الله بن عمر، وهو مستقبل القبلة
…
).
وسفيان بن منقذ، وأبوه، قال في كل منهما الحافظ: مقبول. انظر: التقريب (ص 245، 547).
312 -
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ (1)، ثنا يعلى بن عطاء (2)، عن يحيى ابن [قَمْطَةَ](3)، قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ [عَمرو](4) رضي الله عنهما، فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِإِزَاءِ (5) المِيْزاب (6) وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} (7) فهذه القبلة هذه (8) القبلة.
(1) هو ابن بشير.
(2)
العامري.
(3)
في (مح) و (حس) و (ك): (قرطة)، وفي (عم) و (سد): قمرطة -ووضع في الهامش في كلا النسختين (كذا) أي أنه لم يفهمها ولم تتضح له- وكل هذا خطأ، والصواب (قُمْطَة) كما في الإتحاف، وفي ترجمته عند كل من ترجم له في كتب الرجال، وعند من روى هذا الحديث.
(4)
في (حس): (عمر)، وفي (مح):(عمر) -فكأنه أراد احتمال الأمرين-.
(5)
أي: مقابل ومواجه الميزاب.
انظر: النهاية (5/ 182)؛ المعجم الوسيط (2/ 1030)، مادة:(وزي).
(6)
في (ك): (الميزان). والميزاب: المِثْعَب، فارسي معرب، وقد عُرِّب بالهمز، وربما لم يهمز، والجمع مآزيب إذا همزت، وميازيب إذا لم تهمز. اهـ. الصحاح (1/ 232)، مادة:(وزب).
قلت: والمثعب ما ينزل عن طريقه الماء من سطوح المنازل عند هطول الأمطار. والميزاب المقصود هنا هو ميزاب الكعبة المشرفة.
(7)
سورة البقرة: آية 144.
(8)
في (حس) و (عم) و (سد): (هي).
312 -
تخريجه:
ذكره الهيثمي (المجمع 6/ 316) نحوه، وقال: رواه الطبراني من طريقين، ورجال إحداهما ثقات. اهـ.
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 174 أ)، كتاب القبلة، باب الائتمام بالكعبة والصلاة فيها، وعزاه لأحمد بن منيع.=
= ورواه عبد الرزاق في تفسيره (ص 62)، من طريق هشيم، به فذكر مثله، إلَّا أنه لم يذكر قوله:(وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَالَ لنبيه صلى الله عليه وسلم). وإنما الذي في رواية عبد الرزاق: (وتلا هذه الآية).
ومن طريق عبد الرزاق، رواه ابن جرير في تفسيره (3/ 178: 2248).
ورواه ابن جرير أيضًا (3/ 178: 2249)، من طريق الحسين، حدثنا هشيم، به، فذكر نحوه.
ورواه ابن جرير أيضًا (3/ 177: 2247)، من طريق شعبة، عن يعلى بن عطاء، به مختصرًا.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره. انظر: تفسير ابن كثير (1/ 192)، من طريق الحسن بن عرفة عن هشيم -وتحرفت في بعض النسخ إلى هشام- به، ولم يذكر ابن كثير لفظه وإنما أحال على لفظ الحاكم.
ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 269)، من طريق مسلم بن إبراهيم، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، به، ولفظه: (رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما جالسًا في المسجد الحرام بإزاء الميزاب، فتلا هذه الآية:{فَلَنُوَليَنكَ قِبلَة تَرضاهَا} .
قال: نحو ميزاب الكعبة). تحرف اسم والد يحيى بن قمطه في المستدرك إلى (قطة)، وهو في مخطوطة المستدرك على الصواب. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. اهـ. ووافقه الذهبي.
وعزاه السيوطي في الدر المنثور (1/ 147) أيضًا إلى ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، وابن المنذر.
الحكم عليه:
الأثر بهذا الإسناد صحيح، وإن كان لم يرو عن يحيى بن قمطة، إلَّا يعلى ابن عطاء، لأن العجلي وثقه، وكذلك ابن حبان، بل إن ابن حبان وصفه بالإتقان، واليقظة، مما يدل على معرفته التامة به، والله أعلم.
313 -
وَقَالَ (1) الْحَارِثُ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ الْأَزْرَقُ، ثنا عَبْدُ الْوَارِثِ (2)، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ (3) قَالَ (4): إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعِيدًا مِنَ الْقِبْلَةِ (5)، فَقَالَ: تَقَدَّمْ لَا تُفْسِدْ (6) عَلَيْكَ صَلَاتَكَ، وَمَا قُلْتُ لَكَ إلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، [يقوله](7)
(1)(الواو) ليست في (عم).
(2)
هو ابن سعيد.
(3)
هو ابن هبيرة العدوي.
(4)
لفظة (قال) ليست في (ك).
(5)
المراد بالقبلة هنا السترة.
(6)
في (ك): (لا يفسد) -بالياء التحتية- وفي هذه النسخة كل ما كان بالياء كتب بالتاء والعكس، غالبًا.
(7)
سقطة هذه الكلمة من (مح).
313 -
تخريجه:
ذكره الهيثمي (بغية الباحث ص 228: 163).
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 174 ب)، كتاب القبلة، باب في القرب من القبلة في الصلاة، وعزاه للحارث بن محمد بن أبي أسامة، وقال:(والأصوب عن إسحاق بن سويد عن عمر مرسلًا). اهـ.، ولم يتضح كلامه في نسختي من الإتحاف، جيدًا لكونه في الحاشية، وقد وقع بعضه في أعلى الصفحة.
ورواه عبد الرزاق في المصنف (2/ 16: 2309)، كتاب الصلاة، باب كم يكون بين الرجل وسترته، من طريق ابن جريج قال: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بفتى وهو يصلي، فقال عمر:(فتى! يا فتى -ثلاثًا حتى رأى عمر أنه قد عرف صوته- تقدم إلى السارية، لا يتلعب الشيطان بصلاتك، فلست برأي أقوله، ولكن سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
وابن جريج لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فالحديث منقطع.=
= وروى ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 370)، كتاب الصلوات من كان يكره الصلاة بين السواري، من طريق محمد بن يزيد -وهو الواسطي- عن أيوب، عن أبي العلاء -وأظن (عن) هنا زائدة وإنما هو: أيوب أبو العلاء القصاب، لكن وجدت السند على هذه الصورة أيضًا في تغليق التعليق (2/ 246)، فلعل المحقق هو الذي وضع السند على هذه الصورة ولم يشر إلى ذلك كما هي عادة كثير منهم. وقد جاء السند على الصواب في المصنف الذي صدر بعض أجزائه أخيرًا بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي وأشار إلى أنه أتى في إحدى النسخ (عن) بدل (أبي)، (4/ 88: 7476) -عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رآني عمر وأنا أصلي بين أسطوانتين فأخذ بقفائي فأدنانى إلى سترة، فقال:(صل إليها).
وذكره البخاري في صحيحه (1/ 577) معلقًا مجزومًا به.
هذا وإن كان موقوفًا على عمر رضي الله عنه، إلَّا أنه شاهد جيد لحديث الباب من حيث مشروعية اتخاذ السترة والقرب منها، وهذا متضمن لمعنى حديث الباب.
وفي إسناده أبو العلاء القصاب، وهو صدوق له أوهام في التقريب (ص 119)، فالأثر حسن لغيره.
وروى عبد الرزاق (2/ 15: 2304)، كتاب الصلاة، باب كم يكون بين الرجل وسترتة، من طريق محمد بن سيرين قال: رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلًا يصلي ليس بين يديه سترة فجلس بين يديه، قال: لا تعجل عن صلاتك، فلما فرغ، قال له عمر:(إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، لا يحول الشيطان بينه وبين صلاته).
وهذا في حكم المرفوع لأنه مما لا مجال للرأي فيه. انظر: تدريب الراوي (1/ 193)، ورجاله ثقات، إلَّا أنه منقطع، لأن محمد بن سيرين لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإنما ولد في آخر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
انظر: طبقات ابن سعد (7/ 193).=
= لكن قال ابن عبد البر: مراسيل سعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، وإبراهيم النخعي، عندهم صحاح. اهـ. انظر: التمهيد (1/ 30)؛ جامع التحصيل (ص 87).
قلت: وهذا يعني عندي أن مراسيلهم أقوى من مراسيل غيرهم، ولا يعني الصحة المطلقة، لأن المنقطع والمرسل عند جمهور المحدثين من قبيل الضعيف، وإنما اختص هؤلاء بالتقديم لأن الأئمة سَبَروا حال مراسيلهم فوجدوهم -في الغالب- لا يرسلون إلَّا عن ثقة.
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد فيه علتان:
1 -
العباس بن الفضل الأزرق، وهو ذاهب الحديث.
2 -
إسحاق بن سويد، لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فهو منقطع.
انظر: مراسيل ابن أبي حاتم (ص 13).
فالحديث بهذا الإسناد ضعيف جدًا، وغير قابل للإنجبار لشدة ضعف العباس بن الفضل، لكن أمر عمر باتخاذ السترة والدنو منها ثابت كما عند ابن أبي شيبة، والبخاري تعليقًا، وكما في مرسل محمد بن سيرين -وقد تقدم ذلك كله في التخريج-.
وله شاهد من حديث سهل بن أبي حثمة يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته".
سبق تخريجه في حديث رقم (309)، وهو حديث صحيح إن شاء الله.
ومن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، نحوه وقد سبق تخريجه في حديث رقم (309). ومن حديث ابن عمر عند مسلم وابن خزيمة (800)؛ وابن حبان (6/ 26: 2362)؛ والبيهقي (2/ 268)، وهو عندهم -عدا مسلم- بصيغة الأمر لكن في سنده عندهم حتى مسلم، الضحاك بن عثمان، وهو صدوق يهم.
314 -
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَد الْبَصْرِيُّ، ثنا حُسَامُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ يَزِيدَ الْقُرَشِيُّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ، عَنْ أبيه، عن جده رضي الله عنه قَالَ:(رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، دَخَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ (1) قِبَلِ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ حَتَّى جَاءَ إِلَى وَجْهِ الْكَعْبَةِ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَخَطَّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا عَرْضًا (2)، ثُمَّ كَبَّرَ فصلى والناس يطوفون بين الخط والكعبة).
(1)(من) ليست في (ك).
(2)
قال أبو داود في سننه (1/ 444: 690): سمعت أحمد بن حنبل سئل عن وصف الخط غير مرة فقال: هكذا عرضًا مثل الهلال. اهـ. وقال بشر بن موسى: سألت الحميدي عن الخط، فأومأ لي مثل الهلال العظيم. سنن البيهقي (3/ 271).
314 -
تخريجه:
ذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 174 ب)، كتاب القبلة، باب في القرب من القبلة في الصلاة، والخط بين يدي المصلي، وعزاه لأبي يعلى.
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد فيه علتان:
1 -
حسام بن عباد، لم أجد له ترجمة.
2 -
إبراهيم بن عبد الملك بن أبي محذورة، مجهول.
لهذا فهو ضعيف.
ويشهد له حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئًا، فإن لم يجد فلينصب عصًا، فإن لم يكن معه عصًا فليخطط خطًا، ثم لا يضره ما مر أمامه".
رواه أبو داود (1/ 443: 689، 690)؛ وابن ماجه (1/ 303: 943)؛ وعبد الرزاق (2/ 12: 2286)؛ والحميدي (2/ 436: 993)؛ وأحمد (2/ 249)؛ وابن خزيمة (2/ 13: 811، 812)؛ وابن حبان (4/ 44: 2355)؛ والبيهقي (2/ 270)؛ والبغوي (2/ 451: 541)، وغيرهم.=
= وقد اختلف في إسناده: فرواه بشر بن المفضل، وروح بن القاسم، وابن عيينة -في رواية عنه- عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد بن حُرَيث، عن جده حريث، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.
قال ابن خزيمة: الصحيح ما قال بشر بن المفضل، وهكذا قال معمر والثوري: عن أبي عمرو بن حريث، إلَّا أنهما قالا: عن أبيه عن أبي هريرة. اهـ.
ورواه معمر، والثوري، وابن عيينة -في أخرى عنه-، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.
ورواه حميد بن الأسود، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليم، عن أبيه، به.
ورواه عبد الوارث، ووهيب، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن حريث، عن جده حريث، به.
ورواه عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن حريث بن عمار، عن أبي هريرة رضي الله عنه، به.
ورواه ابن عيينة، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث، عن جده حريث -رجل من بني عذرة- عن أبي هريرة رضي الله عنه، به. وغير ذلك من وجوه الاختلاف على إسماعيل بن أمية. انظر: تاريخ البخاري (3/ 71)؛ علل ابن أبي حاتم (1/ 186)؛ علل الدارقطني (3/ 175 أ)؛ البدر المنير (3/ 86 ب)؛ التبصرة والتذكرة للعراقي (1/ 242)؛ التلخيص الحبير (1/ 286)؛ تدريب الراوي (1/ 262).
وقد نقل ابن عبد البر في التمهيد (4/ 199)، عن ابن المديني وأحمد، تصحيحه، ونُقِل عن أحمد -أيضًا- خلاف ذلك. وسمعت شيخنا العلَّامة عبد العزيز بن باز، يقول به، ويحسنه. وأشار إلى ضعفه ابن عيينة، والشافعي، والطحاوي، والبيهقي، -لكنه قال: ولا بأس به في مثل هذا الحكم، إن شاء الله=
= تعالى- والبغوي، وغيرهم.
ومن المتأخرين: أحمد شاكر في تعليقه على المسند (13/ 123: 7386).
والألباني في ضعيف الجامع (1/ 199: 669).
والقول بتضعيفه هو الصواب -إن شاء الله- لاضطرابه، ولجهالة شيخ إسماعيل بن أمية، وشيخ شيخه. انظر: التمهيد (4/ 200)؛ الميزان (1/ 475)، (4/ 556، 569)، التهذيب (2/ 235)، (12/ 180، 223)؛ التقريب (ص 156، وعن سعيد بن جبير رحمه الله، أنه قال: (إذا كنت في فضاء من الأرض وكان معك شيء تركزه فاركزه بين يديك، فإن لم يكن معك شيء فلتخطط خطًا بين يديك).
رواه عبد الرزاق (2/ 14: 2297)، ورجاله ثقات، إلَّا أن هشيمًا لم يصرح بالتحديث، وهو مدلس.
* وقال الثوري: الخط أحب إليَّ من هذه الحجارة التي في الطريق إذا لم يكن ذراعًا.
رواه عبد الرزاق (2/ 24: 2296)، والثوري من شيوخه.
315 -
الْحَارِثُ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ المُحَبر، ثنا حَمَّادٌ (1)، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَقْطَعُ (2) الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ". قُلْتُ: فَمَا يَسْتُرُنِي؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "السهم (3)، والرَّحْل (4)، والحجر".
(1) هو ابن سلمة.
(2)
في (عم) و (ك): تقطع -بالتاء الفوقية- وكلاهما جائز.
(3)
السهم: عود من الخشب يسوى في طرفه نصل يرس به عن القوس.
المعجم الوسيط (1/ 459)، مادة:(سهم).
(4)
الرّحل: هو ما يوضع على ظهر البعير للركوب.
النهاية (2/ 209)، مادة:(رحل)؛ المعجم الوسيط (1/ 335)، مادة:(رحل).
315 -
تخريجه:
ذكره الهيثمي (بغية الباحث ص 225: 160).
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 175 أ)، كتاب القبة، باب السترة للمصلي، وعزاه للحارث بن محمد بن أبي أسامة، وقال: هذا إسناد ضعيف لضعف أبي هارون العبدي، واسمه عُمارة بن جوين. اهـ.
ورواه عبد الرزاق (2/ 27: 2350)، كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة، من طريق معمر، عن أبي هارون العبدي، به، ولفظه:"يقطع الصلاة: الكلب، والحمار، والمرأة".
وروى عبد الرزاق (2/ 13: 2294)، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، من طريق مَعْمَرٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري، قال:(كنا نستتر بالسهم، والحجر في الصلاة -أو قال: كان أحدنا يستتر بالسهم والحجر في الصلاة-).
وروى أيضًا (2/ 13: 2295) من طريق جعفر بن سليمان، قال: أخبرني أبو هارون العبدي، قال: قلت لأبي سعيد الخدرى: ما يستر المصلي؟ قال: (مثل=
= مؤخرة الرحل، والحجر يجزىء ذلك، والسهم تغرزه بين يديك).
ومدار روايات عبد الرزاق -المرفوع منها والموقوف- على أبي هارون العبدي، وهو متروك.
وروى أبو داود (1/ 460: 719، 720)، وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 280)، والدارقطني (1/ 368)، والبيهقي (2/ 278)، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان" لفظ إحدى روايتي أبي داود. من طريقين عن مجالد، عن أبي الوداك، به.
ومجالد هو ابن سعيد الهَمْدَاني، ضعفه غير واحد لسوء حفظه، وقد تغير بآخره. انظر: شرح العلل (1/ 416، 418)؛ التهذيب (10/ 39)؛ التقريب (ص 520).
وأبو الودَّاك جبر بن نوف، صدوق يهم. انظر: التقريب (ص 137). لذا فالحديث ضعيف.
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد ضعيف جدًا، لأن فيه داود بن المحبر، وأبا هارون العبدي، والأول متهم بالوضع، والثاني شيعي متروك الحديث، واتهمه بعضهم بالكذب،. لكن داود بن المحبر قد توبع -متابعة قاصرة- في رواية هذا الحديث، فقد تابعه معمر -كما في رواية عبد الرزاق- لكنه لم يصرح برفع آخر الحديث وإنما قال: (كنا نستتر
…
). وكذلك سليمان بن جعفر قد روى آخره عن أبي هارون عن أبي سعيد موقوفًا.
ولهذا الحديث شواهد صحيحة لكن سنده غير قابل للانجبار، لشدة ضعف أبي هارون العبدي، فمن شواهده:
1 -
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرّحل، فذا لم يكن بين يديه مثل آخرة=
= الرّحل فإنه يقطع صلاته الحمار، والمرأة، والكلب الأسود
…
الحديث".
رواه مسلم (1/ 365: 510) واللفظ له؛ وأبو داود (1/ 450: 702)؛ والترمذي (2/ 161: 338)؛ والنسائي (2/ 63: 750)؛ وابن ماجه (1/ 306: 952)؛ وأحمد (5/ 151)؛ وابن خزيمة (2/ 11: 806)؛ وابن حبان (4/ 53: 2378).
قال الترمذي: حديث أبي ذر حديث حسن صحيح. اهـ.
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عنه: "يقطع الصلاة: المرأة، والحمار، والكلب، ويقي ذلك مثل مؤخرة الرّحل".
رواه مسلم (1/ 365: 511)؛ وابن ماجه (1/ 305: 950)؛ ولم يذكر قوله؛ (ويقي ذلك
…
)؛ وأحمد (2/ 425) بلفظ ابن ماجه؛ والبيهقي (2/ 274).
3 -
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ كان يُعَرِّض راحلته فيصلي إليها. قلت: أفرأيت إذا هبت الركاب؟
قال: (كان يأخذ هذا الرحل فيعدِّله فيصلي إلى آخرته -أو قال: مؤخره) - وكان ابن عمر رضي الله عنهما يفعله.
رواه البخاري (1/ 580: 507)؛ ومسلم (1/ 359: 502)، إلَّا أنه لم يذكر قوله: (قلت: أفرأيت
…
).
وذكر الحافظ في الفتح (1/ 580): أن هذه الجملة من كلام نافع مولى ابن عمر، وليس من كلام ابن عمر رضي الله عنهما، وعلى هذا يكون آخر الحديث مرسلًا لأن نافعًا لم يدرك القصة، وأفاد بأن رواية الإسماعيلي هي التي بينت ذلك.
4 -
وعن سَبْرة بن معبد رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليستتر لصلاته ولو بسهم) لفظ أحمد.=
= رواه ابن أبي شيبة (1/ 278)؛ وأحمد (3/ 404)؛ وأبو يعلى (2/ 239: 941)؛ وابن خزيمة (2/ 13: 810)؛ والطبراني في الكبير (7/ 114: 6539، 6540، 6541، 6542)؛ والبيهقي (2/ 270)، من طرق عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه، عن جده.
قال الهيثمي (المجمع 2/ 58): رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. اهـ.
قلت: فيه عبد الملك بن الربيع بن سبرة، أخرج له مسلم حديثًا واحدًا متابعة، وقد وثقه العجلي، والذهبي، وحُكي عن ابن معين تضعيفه، وقال ابن القطان: لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرج له فغير محتج به. اهـ. وقال أبو خيثمة: سئل يحيى ابن معين عن أحاديث عبد الملك بن الربيع، عن أبيه، عن جده. فقال: ضعاف. اهـ.
انظر: الجرح (5/ 350)؛ والضعفاء لابن الجوزي (2/ 148)؛ والكاشف (2/ 184)؛ والميزان (2/ 654)؛ والمغني (2/ 405)؛ والتهذيب (6/ 393).
وهو عندي صدوق إن شاء الله، لأنه لم يرد تضعيفه إلَّا عن ابن معين، وهو تضعيف مجمل؛ فقد ضَعَّف الأحاديث الواردة بهذه السلسلة جملة، فلعله حكم عليها بالنظر إلى الرواة والناقلين لها عن عبد الملك عن أبيه عن جده، وأما ما نقله ابن الجوزي عن ابن معين أنه قال فيه: ضعيف، فلم أره في شيء من الروايات عنه، ولعله استنبطه من هذا الحكم العام. وقد وثقه العجلي والذهبي ووصفه في الميزان والمغني بأنه صدوق، وهو عمدة في هذا الفن.
وقد جاء في سند ابن خزيمة (عبد الملك -وهو ابن عبد العزيز بن سبرة الجهني-). والمعروف أن عبد الملك هو ابن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني، كما في باقي طرق هذا الحديث. وجاء في روايتين عند الطبراني، وإحدى روايتي البيهقي، من طريق حرملة بن عبد العزيز بن الربيع، حدثني عمي عبد الملك بن الربيع. فلو كان=
= عبد الملك هو ابن عبد العزيز لكان أخوه.
ورواه الحاكم (1/ 252)، من طرق عن إبراهيم بن سعد (تحرفت إلى سعيد)، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة الجهني، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَهُ. قَالَ الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. اهـ.
وعلى هذا يكون الحديث مرسلًا لأن جده: الربيع بن سبرة ليس بصحابي، لكن أظن أن ما هنا خطأ من الحاكم، أو غيره، والصواب:(عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة)، فلم أجد في الرواة من اسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن الربيع، وإنما الموجود هو من ذكرت. وفي الرواة عنه: إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. وقد رواه الطبراني من طريقين عن إبراهيم بن سعد، عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا. وكلام الحاكم على الحديث ساقط من المطبوع، وقد أفادني به شيخنا الدكتور محمود ميره، وأفادني أن الإسناد الموجود في المطبوع مطابق لما في المخطوط عدا قوله:(إبراهيم بن سعيد)، فالصواب (إبراهيم بن سعد). وتصحيح الحاكم له دال على وقوع الخطأ في إسناده، إما منه أو من النساخ، إذ كيف يسوغ له تصحيح حديث مرسل، ويقول على شرط مسلم.
وقد رواه الحاكم أيضًا من طريق حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا. وهذا مرسل كسابقه لأن الربيع بن سبرة ليس صحابيًا، وقد رواه البيهقي من طريق الحاكم، وغيره، قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ثنا حرملة -يعني ابن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة-، قال: حدثني عمي، عن أبيه، عن جده، مرفوعًا.
فذكره، وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى، فقد رواه البيهقي من طريق أخرى عن حرملة قال: حدثني عمي عبد الملك، به.
ورواه الطبراني من طريقين عن حرملة، بمثل رواية البيهقي.=
= والحاكم إنما رواه من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن عبد الله بن الحكم، ثنا حرملة، به. فإما أن يكون الخطأ من الحاكم، أو من النساخ، لأن البيهقي -كما تقدم- رواه عن الحاكم، وأبي طاهر الفقيه، وأبي زكريا بن أبي إسحاق المزكي، وأبي سعيد بن عمرو، قالوا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، به، فروايتهم أولى بالصواب من رواية الحاكم وحده -والله أعلم-.
وانظر أيضًا شواهد الحديث رقم (309).
316 -
[1] وَقَالَ أَبُو بَكْرِ [بْنُ أَبِي شَيْبَةَ](1): حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ، عَنْ حَجَّاجٍ (2)، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ (3): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مِثْلُ مُؤخِرة (4) الرحْل فَقَدْ سَتَرَكَ". [2] وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، عَنِ حَجَّاجٍ (5)، نَحْوَهُ، وَقَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (عم) و (ك).
(2)
هو ابن أرطأة.
(3)
سقط من (حس) قوله: (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم).
(4)
مُؤْخِرة -بضم الميم، وسكون الهمزة، وكسر الخاء- الرحل: هي لفة قليلة في (آخِرَة الرَّحل)، وهي الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير.
انظر: الصحاح (2/ 577)؛ مشارق الأنوار (1/ 21)؛ النهاية (1/ 29)، مادة:(أخر).
(5)
تمامه كما في الإتحاف: عن أبي إسحاق، أنا المهلب بن أبي صفرة، قال: أخبرني من سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ:"إذا كان بينك وبين الطريق مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من مر بين يديك".
وكان على الحافظ أن يسوق إسناده بتمامه لتصريح أبي إسحاق فيه بالإخبار.
316 -
تخريجه:
ذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 175 أ)، كتاب القبلة، باب قدر سترة المصلي، وعزاه لأبي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وقد ساق إسناد كل منهما ومتنه بتمامه.
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 277)، كتاب الصلوات، قدر كم يستر المصلي، من طريق أبي خالد الأحمر، به، مثله.
ورواه عبد الرزاق (2/ 10: 2276)، كتاب الصلاة، باب قدر ما يستر المصلي، من طريق الثوري، عن أبي إسحاق قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة،=
= قال: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إذا كان بينك وبين الطريق مثل مؤخرة الرحل فلا يضرك من مر عليك".
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد فيه علتان:
1 -
حجاج بن أرطأة، وهو صدوق ربما وهم، وكان كثير التدليس عن الضعفاء، وقد عنعن.
2 -
عنعنة أبي إسحاق السبيعي، وهو أيضًا مدلس لا يقبل من حديثه إلَّا ما صرح فيه بالسماع، وقد تبين من سياق البوصيري لإسناد ابن منيع تصريحه بالإخبار عنده. وقد تابع حجاج بن أرطأة، سفيانُ الثوري -كما في رواية عبد الرزاق- وقد صرح أبو إسحاق بالسماع في رواية الثورى، فزال ما نخشاه من وهم حجاج بن أرطأة، وما نخشاه أيضًا من تدليسه، وتدليس أبي إسحاق. والثوري كان عنعن فإنه ممن احتمل الأئمة تدليسهم.
لذا فالحديث حسن إن شاء الله تعالى، ولم أصححه لما في بعض حديث عبد الرزاق عن الثوري من الاضطراب، وله شواهد كثيرة صحيحة يرتفع بها إلى الصحيح لغيره. فمن شواهده:
1 -
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل
…
" الحديث.
رواه الجماعة إلَّا البخاري- وقد سبق تخريجه في حديث رقم (315).
2 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب، ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل".
رواه مسلم (1/ 365: 511)، وغيره، وقد سبق تخريجه في حديث رقم (315).
3 -
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سئل رسول الله في غزوة تبوك=
= عن سترة المصلي؟ فقال: "مثل مؤخرة الرحل".
رواه مسلم (1/ 358: 500)؛ والنسائي (2/ 62: 746)؛ والبيهقي (2/ 268).
4 -
وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك".
وفي رواية: كنا نصلي والدواب تمر بين أيدينا، فذكرنا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:"مثل مؤخرة الرحل تكون بين يدي أحدكم ثم لا يضره ما مر بين يديه".
رواه مسلم (1/ 358: 449) واللفظان له؛ وأبو داود (1/ 442: 685)؛ والترمذي (2/ 156: 335)؛ وابن ماجه (1/ 303: 940)؛ وابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 276)؛ وأحمد (1/ 161)؛ وابن الجارود (65: 166)؛ وابن خزيمة (2/ 11: 805)؛ وابن حبان (4/ 50: 2372)؛ والبيهقي (2/ 269) وغيرهم.