الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - بَابُ مَا يُصَلَّى إِلَيْهِ وَمَا لَا يُصَلَّى إِلَيْهِ
(14)
حَدِيثُ عُبَادَةَ رضي الله عنه، فِي الصَّلَاةِ إِلَى الْبَعِيرِ، يَأْتِي فِي بَابِ الْخَمْسُ مِنَ الْجِهَادِ (1).
339 -
[1] قَالَ (2) أَبُو بَكْرِ [بْنُ أَبِي شَيْبَةَ](3)، وَأَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، قَالَا (4): ثنا هُشَيْمٌ، أنا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:(كُنْتُ أُصَلِّي إِلَى قَبْرٍ فَرَآنِي عُمَرُ رضي الله عنه، فَجَعَلَ يَقُولُ: الْقَبْرَ، الْقَبْرَ، فَجَعَلْتُ لَا أَفْهَمُ مَا يُرِيدُ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: الْقَبْرُ أَمَامَكَ)(5).
[2]
قَالَا (6): وَحَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أنا مَنْصُورٌ (7)، عَنِ الْحَسَنِ (8)، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه، بِمِثْلِ ذَلِكَ.
* هذا خبر صحيح علقه البخاري.
(1) لم أجد هذا الباب في كتاب الجهاد، وقد بدأت كتاب الجهاد من أوله إلى آخره لعلي أجد هذا الحديث في أثناء باب من أبوابه، فلم أجده، فلعله سقط من النسخ التي بين أيدينا، أو أن الحافظ أغفل هذا الباب وسها عن التنبيه على ذلك.
(2)
لفظة (قال): ليست في (عم)، و (سد).
(3)
ما بين المعقوفتين زيادة من (ك).
(4)
لفظة (قالا): ليست في (ك)، وجاء مكانها:(جميعًا).
(5)
في (ك) جاء هذا الحديث في موضعين، الأول في ص 7 باب الأماكن التي نهي عن الصلاة فيها، وعزاه هناك لأحمد بن منيع بطريقيه، وعزى الطريق الثاني لابن أبي شيبة أيضًا، والثاني في هذا الباب كبقية النسخ.
(6)
أي: أبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد بن منيع.
(7)
هو ابن زاذان.
(8)
هو البصري الإمام.
339 -
تخريجه:
ذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 176)، كتاب القبلة، باب ما جاء في الصلاة إلى القبر، وعزاه لأبي بكر بن أبي شيبة، وابن منيع، من طريقين كما هنا، وقال: هذا حديث صحيح، رواه البخاري في صحيحه تعليقًا. اهـ.
وذكره البخاري تعليقًا مجزومًا به (1/ 523)، كتاب الصلاة: باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، قال:(ورأى عمر أنس بن مالك يصلي عند قبر فقال: القبر، القبر. ولم يأمره بالإعادة)، وهو في تغليق التعليق (2/ 230).
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 379)، كتاب الصلوات، ما تكره الصلاة إليه وفيه، من طريق سفيان، ثنا حميد، عن أنس قال:(رآني عمر وأنا أصلي فقال: القبر أمامك، فنهاني).
ورواه البيهقي (2/ 435)، كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة إلى القبور.
وابن حجر في تغليق التعليق (2/ 230) من طريق مروان بن معاوية الفزاري، ثنا حميد، عن أنس قال: كنت [وعند البيهقي: قمت] يومًا أصلي وبين يدي قبر لم أشعر به، فناداني عمر: القبر، القبر، فظننت أنه يعني القمر، فقال لي بعض من يليني: إنما يعني القبر. فتنحيت عنه.
ورواه عبد الرزاق (1/ 404: 1581)، كتاب الصلاة، باب الصلاة على القبور من طريق معمر، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال:(رآني عمر بن الخطاب وأنا أصلي عند قبر فجعل يقول: القبر. قال: فحسبته يقول: القمر، قال: فجعلت أرفع رأسي إلى السماء فأنظر فقال: إنما أقول القبر لا تصلِّ إليه).
قال ثابت: فكان أنس بن مالك يأخذ بيدي إذا أراد أن يصلي فيتنحى عن القبور.=
= وهذا إسناد رجاله ثقات، إلَّا أن في رواية معمر عن ثابت ضعفًا. انظر: الميزان (4/ 154)، لكن تابعه حماد بن زيد كما سيأتي.
ورواه أبو الحسن الدينوري في جزء فيه مجالس من أمالي أبي الحسن القزويني (ق 3/ 1). ذكر ذلك الألباني في تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد (ص 36)، وقال: بإسناد صحيح. اهـ.
ورواه الحافظ في تغليق التعليق (2/ 229)، من طريق أبي الحسن علي بن عبد الواحد الدينوري، أنا علي بن عمر القزويني، أنا عمر بن محمد الزيات، ثنا موسى بن سهل، ثنا عبد الواحد بن غياث، ثنا حماد بن زيد، ثنا ثابت البناني، عن أنس قال:(كنت أصلي قريبًا من قبر، فرآني عمر بن الخطاب، فقال: القبر، القبر، فرفعت بصري إلى السماء، وأنا أحسبه يقول: القمر).
قلت: وهذا المتن هو الذي ذكره الألباني وعزاه لأبي الحسن الدينوري، فيبدو أنه بنفس هذا الإسناد، وهذا إسناد صحيح كما قال الألباني. وإن كان الدينوري، صدوقًا، كما قال الذهبي في السير (19/ 525)، فلا يضر لأنه مجرد راوٍ لأمالي القزويني، وموسى بن سهل هو الجوني البصري نزيل بغداد، وهو ثقة.
انظر: السير (14/ 261)، وقد أخطأ محقق تغليق التعليق -عفا الله عنه- فأضاف بين معقوفتين [بن كثير الوشاء] وهذا وهم قبيح، ومزلق خطير، أبدل به الثقة ضعيفًا، بلا علم، ولا دليل، بل بمجرد الظنة، فموسى بن سهل بن كثير الوشاء مات سنة ثمان وسبعين ومائتين، وولد عمر بن محمد الزيات سنة ست وثمانين ومائتين، فكيف يسمع ممن مات قبل ولادته بثماني سنين. انظر: ترجمة موسى بن سهل الوشاء في التهذيب (10/ 348)، وترجمة عمر بن محمد الزيات في السير (16/ 323).
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 379)، كتاب الصلوات، ما تكره الصلاة إليه وفيه، من طريق حفص، عن حُجَيَّة، عن أنس قال: (رآني عمر وأنا أصلي إلى=
= قبر، فجعل يقول: يا أنس القبر، فجعلت أرفع رأسي أنظر إلى القمر. فقالوا: إنما هو يقول القبر).
وحفص هو ابن غياث وهو ثقة. (التقريب ص 173).
وحُجَيَّة -بوزن عُلَيَّه- هو ابن عدي الكندي، قال الحافظ: صدوق يخطىء.
(التقريب ص 154).
ولم يذكر المزي في الرواة عنه إلَّا سلمة بن كهيل، وأبا إسحاق السبيعي.
وذكر عن ابن المديني أنه قال: لا أعلم روى عن حجية إلَّا سلمة بن كهيل، روى عنه أحاديث. اهـ. تهذيب الكمال (5/ 485).
وزاد الذهبي في الميزان (1/ 466) في الرواة عنه: الحكم -يعني ابن عتيبة-، وقال: وهو صدوق إن شاء الله.
وحجية قديم جدًا، فحفص لم يدرك أحدًا من الرواة عنه، كأبي إسحاق السبيعي، والحكم بن عتيبة، فكيف يدركه هو، لكن حفصًا موصوف بالتدليس فلعله دلس هنا. تهذيب الكمال (7/ 56)؛ ومراتب المدلسين (ص 35).
وقد روي نحو هذا الحديث عن أنس مرفوعًا:
رواه الترمذي في العلل الكبير (1/ 245)، أبواب الصلاة، في كراهية ما يصلى إليه وفيه.
والبزار - (كما في كشف الأستار (1/ 221: 442)، كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة بين القبور) -.
وابن حبان (3/ 102: 1696)، كتاب الصلاة، باب شروط الصلاة، وأيضًا في (4/ 31: 2311)، كتاب الصلاة، باب ما يكره للمصلي وما لا يكره، ذكر الخبر المصرح بأن قوله: "جعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، أراد بعض الأرض لا الكل، -وأيضًا في (4/ 32: 2313)، ذكر تخصيص قوله جعلت لي الأرض مسجدًا- من طرق عن حفص بن غياث، عن أشعث، عن الحسن، عن أنس=
= رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نهى عن الصلاة بين القبور) وفي لفظ لابن حبان (نهى أن يصلى بين القبور).
قال البزار: قد رواه غير حفص، عن أشعث، عَنِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، مرسلًا، ولم يذكر أنسًا إلَّا حفص. اهـ.
وقال الهيثمي (المجمع 2/ 27): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. اهـ.
قلت: فيه أشعث بن عبد الملك لم يخرج له البخاري إلَّا تعليقًا، وليس من رجال مسلم، والحديث معلول كما سيأتي.
ورواه ابن حبان (4/ 34: 2317)، كتاب الصلاة، باب ما يكره للمصلي وما لا يكره، ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به أشعث.
قال: أخبرنا الحسن بن علي بن هذيل القَصَبي بواسط قال: حدثنا جعفر بن محمد ابن بنت إسحاق الأزرق، حدثنا حفص بن غياث، عن أشعث، وعمران بن حُدَير، عن الحسن، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة إلى القبور.
ولم أجد ترجمة لشيخ ابن حبان، ولا شيخ شيخه، لكن رواية ابن حبان لهما تصحيح لحديثهما فهو توثيق ضمني، أما أشعث فهو ابن عبد الملك الحمراني البصري، وهو ثقة فقيه. (التقريب ص 113).
وعمران بن حدير السدوسي أبو عبيدة البصري، وهو ثقة ثقة. (التقريب ص 429).
ورواه البزار كما في كشف الأستار (1/ 221: 443)، كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة بين القبور، من طريق أبي سفيان -يعني السعدي- عن ثمامة، عن أنس رضي الله عنه، (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نهى عن الصلاة بين القبور).
وأبو سفيان السعدي: هو طَرِيف بن شهاب، وهو ضعيف بإجماعهم. انظر: التهذيب (5/ 11)؛ التقريب (ص 282).=
= وثمامة: هو ابن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري، وهو صدوق. (التقريب ص 134).
فهذه متابعة للحسن البصري، لكنها كعدمها لإجماعهم على ضعف أبي سفيان.
ورواه الترمذي في العلل الكبير (1/ 245)، أبواب الصلاة، في كراهية ما يصلى إليه وفيه، من طريق محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث بن عبد الملك، عن الحسن:(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نَهَى عن الصلاة بين القبور).
وهذا إسناد في غاية الصحة، لكنه مرسل لأن الحسن البصري لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الترمذي، بعد روايته لهذا الحديث متصلًا كما سبق ومرسلًا كما هنا: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: حديث الحسن عن أنس خطأ، وروى ابن عون عن الحسن، عن أنس قال: رآني عمر وأنا أصلي إلى قبر. اهـ.
قلت: وقد تابع ابن عون، منصور بن زاذان -كما في الطريق الثانية لحديث الباب-.
ورواه الطبراني في الأوسط- كما في مجمع البحرين (1/ 119 أ)، كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة بين القبور. من طريق حسين بن يزيد الطحان، ثنا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن محمد بن سيرين، عَنْ أَنَسٍ:(أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، نهى أن يصلى على الجنازة بين القبور).
قال الطبراني: لم يروه عن عاصم إلَّا حفص، تفرد به حسين. اهـ.
وقال الهيثمي (المجمع 3/ 36): رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. اهـ.
قلت: وليس كما قال، لأن حسين بن يزيد الطحان، لين الحديث. (التقريب ص 169)، وهو بهذا اللفظ خاص بالصلاة على الجنازة، لكنه بالألفاظ السابقة عام لكل صلاة.=
= وقد روي من طريق عاصم، عن أنس، مباشرة، بطريق أصح من هذه ولم يرفعه أنس. انظر: رواية البزار الآتية.
ورواه البزار -كما في كشف الأستار (1/ 221: 441)، كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة بين القبور- من طريق عبد الله بن الأجلح، عن عاصم، عن أنس، قال:(نهي عن الصلاة بين القبور).
وعبد الله بن أجلح، صدوق. (التقريب ص 295). وعاصم هو الأحول وهو ثقة. (التقريب ص 285). فالإسناد حسن، لكنه هنا محتمل للرفع والوقف فليس صريحًا في أحدهما، فقد يكون أنسًا أراد بالناهي الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يكون أراد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وقد أعله الدارقطني بالوقف، فقال في العلل (4/ 19 أ): يرويه عبد الله بن الأجلح، عن عاصم الأحول، عن أنس. وخالفه عبد الواحد بن زياد، وعلي بن مسهر، وأبو معاوية، ومحاضر، فرووه عن عاصم الأحول، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ كره ذلك. وهو الصحيح. اهـ.
والخلاصة: أن هذا الحديث لا يثبت رفعه، والأقرب للصواب والله أعلم أنه خطأ كما قال البخاري رحمه الله، لأنه تفرد بروايته عن أشعث بن عبد الملك، وعمران بن حدير -إن صحت هذه الطريق-: حفص بن غياث، وهو ثقة، لكن قال أبو زرعة في الجرح (3/ 186): ساء حفظه بعدما استُقْضي، فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح، وإلَّا فهو كذا. اهـ. وأيضًا: قد وصفه ابن سعد -الطبقات (6/ 389) -، وأحمد -جامع التحصيل (ص 106) - بالتدليس، وقد عنعن هنا ولم أره صرح بالتحديث في شيء من طرق الحديث، لكن الأئمة احتملوا تدليسه.
وقد خالفه يحيى بن سعيد القطان، وهو أوثق منه بلا شك، فروى هذا الحديث عن أشعث عن الحسن مرسلًا -كما في رواية الترمذي السابقة- وأيضًا: الحسن البصري مدلس، لا يقبل من حديثه إلَّا ما صرح فيه بالسماع عند في أهل العلم -كما=
= قال العلائي في جامع التحصيل (ص 113) حيث اعتبره من أهل المرتبة الثالثة، ولا عبرة بكلام الحافظ ابن حجر حيث ذكره في أهل المرتبة الثانية، لأنه ثبت أنه يُحْسِن الظن بمن حدثه فيحذف اسمه وقد يكون ضعيفًا- وقد عنعن هنا ولم يصرح بالسماع من أنس، فلعله سمعه من ضعيف فدلسه.
وأيضًا: فقد رواه ابن عون -كما ذكر البخاري- ومنصور بن زاذان -كما في الطريق الثانية لحديث الباب- عن الحسن عن أنس قال: (رآني عمر
…
الحديث) ولم يرفعه، وهذه العلة الأخيرة قد لا تكون قادحة لأنه يمكن أن يرويه الحسن عن أنس مرفوعًا، وموقوفًا، ويكون كل واحد منهما صحيحًا في محله، لكنها صارت دليلًا على الضعف بسبب ما سبقها من العلل، ولأن هذه الرواية -أي الموقوفة- هي التي تابع الناس الحسن البصري على روايتها عن أنس، أما المرفوعة فلم يتابع عليها من طريق صحيح ولا حسن صريح في الرفع.
وقد صحح هذا الحديث مرفوعًا العلامة الألباني. صحيح الجامع (6/ 44: 6711، 6/ 55: 6770). والأولى هي رواية الطبراني، وهي لا تصح كما بينت سابقًا، والثانية: رواية ابن حبان، وفيها ما ذكرت من كلام البخاري، والعلل، لكن كأن الشيخ نظر إلى الحديث من خلال رجال سنده، وما له من الشواهد الصحيحة، ولم يعبأ بغير ذلك.
الحكم عليه:
الأثر من الطريق الأولى رجاله كلهم ثقات، لكن حميد عنعن، ولم يصرح بالسماع من أنس، وبعض الأئمة احتملوا تدليسه كما قال العلائي (جامع التحصيل ص 113) حيث إنه سمع من أنس أكثر من عشرين حديثًا، والباقي سمعه من ثابت، والقليل سمعه من قتادة، وبكر بن عبد الله المزني، فدلسه عنهم، وهم كلهم ثقات.
أما الطريق الثانية: فرجالها كلهم ثقات أيضًا، لكن فيه عنعنة الحسن، وهو مدلس لا يقبل من حديثه إلَّا ما صرح فيه بالسماع.=
= وقد تابعهما ثابت البناني فرواه عن أنس، كما في رواية عبد الرزاق وأبي الحسن الدينوري -وقد تقدم ذكرهما- وذكره البخاري تعليقًا.
فالأثر صحيح.
وله شاهد من حديث أبي مَرْثد الغنوي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها".
رواه مسلم (2/ 668: 972)؛ وأبو داود (3/ 554: 3229)؛ والترمذي (3/ 358: 1050، 1051)؛ والنسائي (2/ 67: 760)؛ وأحمد (4/ 135)؛ وابن حبان (4/ 33، 34: 2315، 2318)؛ والبيهقي (2/ 435: 4/ 79).
340 -
[وَقَالَ](1) الْحَارِثُ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عَبَّادٍ (2)، ثنا عبد الحكم (3)، عن أنس رضي الله عنه، قَالَ (4): إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"يَقْطَعُ الصَّلَاةَ: الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ".
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ك).
(2)
هو الكلابي البصري.
(3)
هو ابن عبد الله -ويقال: ابن زياد- القسملي.
(4)
لفظة (قال): ليست في (ك).
340 -
تخريجه:
ذكره الهيثمي في بغية الباحث (ص 222: 158).
وذكره أيضًا (المجمع 2/ 60)، وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. اهـ.
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 177 أ)، كتاب القبلة، باب ما يقطع الصلاة وما لا يقطعها، وعزاه للحارث بن أبي أسامة.
ورواه ابن خلاّد في عوالي مسند الحارث -وهو جزء صغير في خمس ورقات ونصف، لكنه ضمن مجموع-:(ق 213 أ)(وقد تحرف فيه اسم شيخ الحارث إلى): (يحيى بن عباد) والصواب كما هنا: (يعلى بن عباد).
ورواه البزار، كما في كشف الأستار (1/ 281: 582)، كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة، من طريق يحيى بن محمد بن السكن، ثنا يحيى بن كثير.
والخطيب في تاريخه (7/ 49)، من طريق أبي حمزة الأنصاري، حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع الهروي.
كلاهما قالا: حدثنا شعبة، عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ (وعند الخطيب: سمع أنسًا): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة".
قال الحافظ في زوائد البزار (ص 802: 315)، قال الشيخ -يعني الهيثمي-: رجاله رجال الصحيح. اهـ. وأقره ولم يتعقبه بشيء، وهو كما قالا لكن اختلف في رفعه ووقفه، وسيأتي بيان ذلك.=
= وأما سند الخطيب ففيه أبو حمزة الأنصاري وهو أنس بن خالد بن عبد الله بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك، لم أجد من ذكره غير الخطيب في تاريخه (7/ 49)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
ورواه ابن عدي في الكامل (2/ 576)، من طريق جعفر بن عبد الواحد، قال: قال لنا الأنصاري، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الكلب، والحمار، والمرأة".
قال ابن عدي: وهذا الحديث بهذا الإسناد لا نعرفه إلَّا عن جعفر هذا، وقد ترك -كذا- فيه جعفر الطريق الواضح، إذ كان أسهل عليه عن سعيد، عن قتادة، عن أنس. وروى سعيد بن أبي عروبة هذا عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الصامت، عن أبي ذر. اهـ.
قلت: وجعفر بن عبد الواحد هو الهاشمي، القاضي، متروك هالك. المغني:(1/ 133).
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (1/ 281)، كتاب الصلوات، من قال: يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار. من طريق أبي داود، وغندر.
وابن المنذر في الأوسط (1/ 251 ب)، أبواب سترة المصلي، ذكر التغليظ في مرور الحمار والمرأة والكلب، من طريق علي بن عبد العزيز قال: حدثنا حجاج بن منهال.
كلهم عن شعبة، عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَنَسٍ قال:(يقطع الصلاة الكلب، والحمار، والمرأة).
واجتماع هؤلاء الحفاظ الثلاثة على وقفه موهن لرفع من رفعه، خاصة وقد انفرد بذلك يحيى بن كثير أبو غسان العنبري، لأن متابعة سعيد بن الربيع الهروي -كما في رواية الخطيب- ليس إسنادها بقائم فهي كعدمها، ويحيى بن كثير وإن كان ثقة فلا يقاوم مثل غندر محمد بن جعفر، وأبي داود الطيالسي، لأنهما من=
= كبار أصحاب شعبة، وقد تابعهما حجاج بن منهال، وهو أيضًا ثقة فاضل. (التقريب ص 153).
قال أحمد: ما في أصحاب شعبة أقل خطأ من محمد بن جعفر، ولا يقاس بيحيى بن سعيد في العلم أحد. اهـ. وقال ابن مهدي: غندر أثبت مني في حديث شعبة. اهـ. وقال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم فيما بينهم. اهـ. وقال الفلاس: كان يحيى، وعبد الرحمن، ومعاذ، وخالد وأصحابنا إذا اختلفوا في حديث عن شعبة رجعوا إلى كتاب غندر فحكم عليهم. اهـ.
وقال العجلي: غندر من أثبت الناس في حديث شعبة. اهـ.
وقدم ابن معين أبا داود في شعبة على عبد الرحمن بن مهدي.
وقال أبو مسعود بن الفرات: ما رأيت أحدًا أكبر في شعبة من أبي داود. اهـ.
وقال ابن عدي: أصحاب شعبة: معاذ بن معاذ، وخالد بن الحارث، ويحيى القطان، وغندر، وأبو داود خامسهم. اهـ.
انظر: الجرح (7/ 221)؛ شرح العلل (2/ 702).
وقد روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ما يخالف هذا:
رواه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (ص 51: 8).
وأبو الحسين ابن المظفر في زياداته على مسند عمر، للباغندي (ص 52: 9).
والدارقطي (1/ 367)، كتاب الصلاة، باب صفة السهو في الصلاة، وأنه لا يقطع الصلاة شيء يمر بين يديه.
والبيهقي (2/ 277)، كتاب الصلاة، باب الدليل على أن مرور الحمار بين يديه -أي المصلي- لا يفسد صلاته. من طريق إدريس بن يحيى، عن بكر بن مضر، عن صخر بن عبد الله بن حرملة: أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، صلَّى بالناس فمر بين أيديهم حمار، فقال عياش بن أبي ربيعة: سبحان الله، سبحان الله، فلما سلم رسول الله، قال: "من المسبح آنفًا: سبحان=
= الله وبحمده"، فقال: أنا يا رسول الله، إني سمعت أن الحمار يقطع الصلاة، قال: "لا يقطع الصلاة شيء".
قلت: وفيه صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجي، وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال النسائي: صالح. اهـ.
وقال ابن القطان: مجهول الحال، لا يعرف، ما روى عنه غير بكر بن
مضر. اهـ.
وقال الذهبي: شيخ حجازي قليل الحديث، ولا يكاد يعرف. اهـ.
وقال الحافظ: مقبول.
قلت: أما توثيق العجلي فمعروف مكانه عند أهل العلم فهو مشهور بالتساهل، وأما ابن حبان فقد ذكره مجرد ذكر، ولم يتكلم عليه بما يدل على معرفته له وقد عرف أن من منهجه ذكر كل من وقع عليه من الرواة من طبقات التابعين وتابعيهم إذا لم يعرف فيهم جرحًا، وإن لم يعرف أنهم ثقات.
وأما النسائي فقد جعله في أدنى مراتب التعديل، وأهل هذه المرتبة لا يقبل من حديثهم إلَّا ما توبعوا عليه.
وأما كلام ابن القطان فقد لا يوافق على بعضه حيث إنه قد عرفت حاله ضمنًا بتوثيق من ذكرنا، لكن لا تعرف عينه لأنه لم يرو عنه إلا واحد. والذى يظهر لي والله أعلم أن المرتبة التي وضعه فيها الحافظ هي الموافقة لحاله فإذا توبع عرفنا أنه ضبط وقبلنا حديثه، وإذا لم يتابع فلا تتوفر لدينا المعلومات الكافية عن حاله لنصحح حديثه فيبقى لينًا، وهذا هو الموافق لما أطلقه عليه النسائي، فعض بالنواجذ على كلام أئمة هذا الفن ودع عنك كلام أهل التساهل.
تاريخ الثقات (ص 227)؛ الجرح (4/ 427)؛ الثقات (6/ 473)؛ الميزان (3/ 308)؛ التهذيب (4/ 412)؛ التقريب (ص 275)؛ تدريب الراوي (1/ 345).
ورواه أيضًا الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز (ص 53: 10)، من طريق=
= الوليد بن مسلم، عن بكر بن مضر، عن صخر بن عبد الله المدلجي، قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث عن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، فذكره.
والوليد بن مسلم، مدلس مشهور بذلك لا يقبل من حديثه إلَّا ما صرح فيه بالسماع.
وعمر بن عبد العزيز رحمه الله، لم يدرك عياش بن أبي ربيعة، فهو منقطع.
انظر: تهذيب الكمال (2/ 1075).
وصخر بن عبد الله يحتاج إلى متابع كما ذكرنا ولم نجد من تابعه على رواية هذا الحديث عن عمر بن عبد العزيز، لذا فالحديث ضعيف بهذا الإسناد، وأيضًا فمن المستبعد أن يروي أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَثَلُ هذا الحديث ثم يروي عنه الثقات القول بمخالفته حيث صح عنه أنه قال: يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة.
وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث فقال: يرويه صخر بن عبد الله بن حرملة المدلجي، حدث به عنه: بكر بن مضر، واختلف عنه، فرواه إدريس بن يحيى، عن بكر، عن صخر بن عبد الله، عن عمر بن عبد العزيز، عن أنس.
وخالفه الوليد بن مسلم، رواه عن بكر، عن صخر، عن عمر بن عبد العزيز، عن عياش بن أبي ربيعة. وغيرهما -يعني: إدريس بن يحيى، والوليد بن مسلم- يرويه عن صخر، مرسلًا، والمرسل أصح. اهـ.
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد فيه يعلى بن عباد، ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: يخطىء. وفيه أيضًا: عبد الحكم بن عبد الله -ويقال: ابن زياد- القسملي، وهو منكر الحديث.
لذا فالحديث ضعيف جدًا.
وعبد الحكم قد توبع في رواية هذا الحديث عن أنس، تابعه عبيد الله بن أبي بكر، رواه عنه شعبة، وقد اختلف على شعبة فيه، فبعضهم رواه عنه مرفوعًا،=
= وبعضهم وقفه على أنس، وقد بينت ذلك في التخريج، وأن من وقفه أكثر وأحفظ، وهم كبار أصحاب شعبة.
وبهذا ثبت لدي أن هذا الحديث صحيح من كلام أنس رضي الله عنه، ولا يثبت رفعه، لكنه مما لا مجال للرأي فيه فهو في حكم المرفوع، سيما وأن هذا المتن ثابت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، من رواية أبي ذر، وأبي هريرة، وغيرهما رضي الله عنهما، وحديثهما في صحيح مسلم وغيره -وقد سبق تخريج هذه الأحاديث في حديث رقم (315) -.
341 -
[وَقَالَ](1) مُسَدَّدٌ: حَدَّثَنَا يَحْيَى (2)، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ [سَعْدِ](3) بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:(كُنْتُ أُصَلِّي، فَمَرَّ رَجُلٌ بَيْنَ يديَّ فَمَنَعْتُهُ (4)، فَسَأَلْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَقَالَ: يا ابن أخي لا يضرك).
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من (ك).
(2)
هو القطان.
(3)
في (مح) و (حس): (سعيد).
(4)
زاد ابن المنذر في روايته: (فمر).
341 -
تخريجه:
ذكره الهيثمي (المجمع 2/ 62، 63)، وقال: رواه عبد الله بن أحمد، ورجاله رجال الصحيح. اهـ.
وذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 177 أ)، كتاب القبلة، باب المرور بين يدي المصلي، وعزاه لمسدد، وقال: هذا إسناد رجاله ثقات. اهـ.
وذكره الحافظ في تغليق التعليق (2/ 249) بسنده ومتنه.
ورواه ابن المنذر في الأوسط (1/ ق 252 أ)، أبواب السترة، ذكر التغليظ في مرور الحمار والمرأة والكلب، من طريق يحيى بن محمد بن يحيى الذهلي النيسابوري، ثنا مسدد، به، فذكره، وزاد بعد قوله (فمنعته) لفظة:(فمر).
وهذه اللفظة هي الدالة على المقصود، لأنه لو منعه فامتنع لما احتاج إلى سؤال عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ورواه عبد الله بن أحمد في زوائده على المسند (1/ 72)، من طريق سويد بن سعيد، حدثنا إبراهيم بن سعد، به، فذكره، وزاد بعد قوله:(فمنعته) لفظة: (فأبى).
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (1/ 387: 523): إسناده صحيح. اهـ.=
= وراه الطحاوي (1/ 464)، كتاب الصلاة، باب المرور بين يدي المصلي -من طريق وهب- وهو ابن جرير بن حازم. قال: ثنا شعبة، عن سعد (تصحفت في المطبوع إلى: سعيد) ابن إبراهيم، عن أبيه: أنه كان يصلي، فمر بين يديه رجل.
قال: فمنعته فغلبني إلا أن يمر بين يدي، فذكرت ذلك لعثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان خال ابنه -قلت: الصحيح أنه خاله هو-[انظر: تهذيب الكمال (2/ 134)]، فقال: لا يضرك.
ورواه الطحاوي أيضًا من طريق عبد الله بن صالح، حدثني بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكير: أن بسر بن سعيد، وسليمان بن يسار، حدثاه أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف حدثهما أنه كان في صلاة، فمر به سليط بن أبي سليط، فجذبه إبراهيم فخرّ فشجّ. فذهب إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فأرسل إليَّ، فقال لي: ما هذا؟ فقلت: مر بين يدي، فرددته لئلا يقطع صلاتي. قال: ويقطع صلاتك؟! قلت: أنت أعلم. قال: إنه لا يقطع صلاتك.
وعبد الله بن صالح، هو أبو صالح المصري، كاتب الليث، وهو صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة. انظر: التقريب (ص 308)، لكن حديثه معتضد بما قبله فهو حسن لغيره.
وروى عبد الرزاق (2/ 29: 2362)، كتاب الصلاة، باب ما يقطع الصلاة.
عن ابن جريج قال: أراد رجل أن يجيز أمام حميد بن عبد الرحمن بن عوف، فانطلق به إلى عثمان، فقال للرجل: ما يضرك لو ارتددت حين ردك؟ ثم أقبل على حميد، فقال له: ما ضرك لو أجاز أمامك؟ إن الصلاة لا يقطعها شيء إلا الكلام والأحداث.
قال عبد الرزاق: ذكره ابن جريج، عن محمد بن يوسف، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف.
وفيه عنعنة ابن جريج، وهو مدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع.=
= وهذه الرواية محمولة على التعدد، ولا منافاة بينها وبين رواية الباب، فهذه وقعت لحميد، والأولى لأخيه عبد الرحمن.
الحكم عليه:
الأثر بهذا الإسناد صحيح.
342 -
حَدَّثَنَا (1) حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ (2)، وَأَيُّوبَ (3)، عَنْ مُحَمَّدٍ (4)، قال (5):(إنَّ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه كَانَ يُصَلِّي، فَمَرَّ الْحَارِثُ (6) بَيْنَ يَدَيْهِ -أَوْ أَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ- حَتَّى هَمَّ أَنْ يَأْخُذَ شَعَرَهُ، فَشَكَى الْحَارِثُ إِلَى مَرْوَانَ، فَجَاءَ أَبُو سَعِيدٍ إِلَى مَرْوَانَ (7)، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّكُمْ إِنْ أَطَعْتُمْ هَذَا وَأَصْحَابَهُ لَيُهَوِّدُنَّكُم (8).
فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه: [قد](9) كَذَبْتَ. وَاللَّهِ لَوْ تَهَوَّدْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ مَا تَهَوَّدْنَا مَعَكُمَا).
قَالَ أَيُّوبُ (10): قَالَ مُحَمَّدٌ: صَدَقَ، قَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِمُ الْيَهُودِيَّةُ في الجاهلية فأبوها.
(1) هذا الحديث كسابقه من مسند مسدد.
(2)
هو الطفاوي.
(3)
هو السختياني.
(4)
هو ابن سيرين.
(5)
لفظة (قال): ليست في (ك).
(6)
في (سد): (الحماد). ولم أعرف من الحارث هذا، لكن في الصحيحين في قصة مماثلة لهذه وقعت لأبي سعيد أنه شاب من بني أبي معيط، وفي مصنف ابن أبي شيبة (1/ 283)، في قصة مشابهة سمى المار عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وقطع ابن العراقي في "كتاب المستفاد" (ص 20) أن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو الذي جاء مبهمًا في سياق القصة في الصحيحين. لكن رد ذلك الحافظ فقال في الفتح (1/ 583): وعبد الرحمن مخزومي ما له من أبي معيط نسبة. اهـ.
(7)
قوله (إلى مروان): ليس في (عم)، ومروان هو ابن الحكم، الخليفة الأموي.
(8)
قوله "ليهودنكم": أي يحولونكم عن الإسلام إلى اليهودية، ومعاذ الله أن يكون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كذلك. وإنما قصد المبالغة في التنفير عن اتباعه، وبئس ما قصد.
(9)
ما بين المعقوفتين زيادة من (عم).
(10)
قوله (قال أيوب: قال محمد: صدق، قد) بياض في (عم)، وفي (سد) ذكر قوله:(قال أيوب)، وبيض لباقي هذه العبارة.=
= 342 - تخريجه:
ذكره البوصيري (الإتحاف 1/ 177 أ)، كتاب القبلة، باب المرور بين يدي المصلي، وعزاه لمسدد.
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 283)، كتاب الصلوات، باب من كان يكره أن يمر الرجل بين يدي الرجل وهو يصلي، من طريق أبي معاوية، عن عاصم، عن ابن سيرين قال: كان أبو سعيد الخدري قائمًا يصلي، فجاء عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه فمنعه وأبى إلا أن يمضي، فدفعه أبو سعيد فطرحه، فقيل له تصنع هذا بعبد الرحمن فقال: والله لو أبى إلا أن آخذه بشعره لأخذت.
ورجاله ثقات، وهو من نفس مخرج حديث الباب، وهو ابن سيرين. لكن يبدو أن هذه واقعة أخرى غير التي ذكر ابن سيرين في حديث الباب، إلا أن تكون هذه مختصرة، وتغير اسم من وقعت له القصة خطأ من أحد رواة الحديثين.
وثبت في الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه، نحو هذه القصة التي في حديث الباب: فعن أبي صالح السمان قال: رأيت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغًا إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان فشكا إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان. فقال: ما لك ولابن أخيك يا أبا سعيد؟ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان".
البخاري (1/ 581: 509)، كتاب الصلاة، باب يرد المصلي من مر بين يديه، ومسلم (1/ 362: 505)، كتاب الصلاة، باب منع المار بين يدي المصلي.
وروى النسائي (8/ 61: 4862)، كتاب القسامة، باب من اقتص وأخذ حقه=
= دون السلطان، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: أنه كان يصلي، فإذا بابن لمروان يمر بين يديه، فدرأه فلم يرجع فضربه، فخرج الغلام يبكي حتى أتى مروان فأخبره، فقال مروان لأبي سعيد: لم ضربت ابن أخيك؟ قال: ما ضربته، إنما ضربت شيطانًا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا كان أحدكم في صلاة، فأراد إنسان يمر بين يديه، فيدرؤه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان".
وهذا إسناد حسن لأجل عبد العزيز بن محمد، وهو الدراوردي، فإنه صدوق صحيح الكتاب، يخطىء إذا حدث من حفظه. لكن الحديث صحيح كما تقدم.
وروى عبد الرزاق (2/ 20: 2328)، كتاب الصلاة، باب المار بين يدي المصلي، ومن طريقه أحمد في مسنده (3/ 57)، لكن اقتصر على المرفوع فقط دون القصة، من طريق دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري قال: بينا أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يصلي، إذ جاءه شاب يريد أن يمر
قريبًا من سترته، -وأمير المدينة يومئذٍ مروان- قال: فدفعه أبو سعيد حتى صرعه قال: فذهب الفتى حتى دخل على مروان، فقال: ها هنا شيخ مجنون دفعني حتى صرعني. قال: هل تعرفه؟ قال: نعم.
وكانت الأنصار تدخل عليه يوم الجمعة، قال: فدخل عليه أبو سعيد.
فقال مروان للفتى: هل تعرفه؟ قال: نعم، هو هذا الشيخ.
قال مروان للفتى: أتعرف من هذا؟ قال: لا. قال: هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فرحب به مروان وأدناه، حتى قعد قريبًا من مجلسه، فقال له: إن هذا الفتى يذكر أنك دفعته حتى صرعته. قال: ما فعلت. فردها عليه وهو يقول: إنما دفعت شيطانًا. قال: ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحد أن يمر بين يديك وبين سترتك فرده، فإن أبى فادفعه، فإن أبى فقاتله، فإنما هو شيطان".
وإسناده صحيح.=
= الحكم عليه:
الأثر بهذا الإسناد صحيح، بل هو من أعلى مراتب الصحيح، فرجاله كلهم ثقات أثبات فقهاء.
وأصل القصة ثابت في الصحيحين وغيرهما -كما ذكرت في التخريج- لكن دون ذكر كلام مروان على أبي سعيد؛ وقد جاء في رواية عبد الرزاق السابقة ترحيب مروان بأبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإجلاله له، وهذا هو اللائق في حق صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، لكن يبدو أن مروان غضب من أبي سعيد بسبب تكرر ذلك منه، خاصة وأنه في إحدى المرات ضرب ابنًا لمروان، فتفوه مروان بما تفوه به في حال شدة غضبه على أبي سعيد رضي الله عنه، والحق مع أبي سعيد رضي الله عنه في كل ما فعل؛ لأنه إنما ينفذ ما أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ولم ينفرد أبو سعيد بهذا، فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه كان لا يدع أحدًا يمر بين يديه، وجاء عن ابنه عبد الله رضي الله عنهما، من طرق صحيحة أنه كان لا يدع أحدًا يمر بين يديه، بل يدفعه حتى يرجع. وجاء مثل ذلك عن سالم بن عبد الله، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.
انظر: الموطأ (1/ 155)، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي، ومصنف عبد الرزاق (2/ 20 - 26)، كتاب الصلاة، باب المار بين يدي المصلي، ومصنف ابن أبي شيبة (1/ 282)، كتاب الصلوات، باب من كان يكره أن يمر الرجل بين يدي الرجل وهو يصلي.