الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مولده في سنة ثنتين وثلاثين وستمائة بالموصل، وتفقه على أبيه وغيره، وبرع في المذهب، ودرس بمشهد لإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وكان من الفقهاء العلماء المفسرين.
؟
1475 - كريم الدين الكبير
…
-
724هـ؟
…
- 1323م
عبد الكريم بن هبة الله بن السديد، الرئيس الجليل كريم الدين أبو الفضائل القبطي المصرين المعروف بكريم الدين الكبير، ناظر الخواص.
كان وكيل الملك الناصر محمد بن قلاوون وناظر خواصه ومدبر مملكته، بلغ فوق ما يبلغه الوزراء، ونال فوق ما يناله غيره من أعيان الدولة.
قال الصفدي: أسلم كهلاً أيام بيبرس الجاشنكير، وكان كاتبه، وكان لا يصرف على السلطان شيئاً يطلبه إلا يقلم القاضي كريم الدين هذا، وكان الناصر إذ ذاك تحت حجر الجاشنكير، يقال: إنه طلب مرة وزة،
ولم يكن كريم الدين حاضراً، فلم تصرف له ولما انقضت دولة الجاشنكير على ما ذكرناه، ورد السلطان من الكرك طلبة كثيراً، واختفى كريم الدين المذكور مدة ثم طلع مع الأمير طغاي الكبير، فأرقفه طغاي ثم دخل إلى السلطان وهو يضحك وقال له: إن حضر كريم الدين إيش تعطيني؟ ففرح وقال: أعندك هو؟ أ؛ ضره، فخرج وأحضره، وقال له: مهما قل لك السلطان قل له السمع والطاعة، ودعني أرجو أمرك، فلما تمثل بين يدي السلطان قال له - بعد أن استشاط غضباً - أخرج وأحمل ألف ألف دينار، فقال: نعم، وأراد الخروج، فقال له السلطان: لا كثير أجمل خمسمائة ألف دينار، فقال له كما قال أولاً، ولا زال السلطان ينقص من نفسه إلى أن ألزمه بمائة ألف دينار، فلما خرج على أن يحمل مائة ألف دينار قال له طغاي المذكور: لا تصقع ذقنك وتحضر الجميع لآن، ولكن هات منها عشرة آلاف دينار وأدخل بها على السلطان، وصار يأتيه بالنقدة من ثلاث آلاف دينار إلى ما دونها، ولما بقي بعضها أخذ طغاي والقاضي فخر الدين ناظر الجيش في إصلاح أمره، ولا زال حتى أنعم عليه السلطان بما بقي عليه واستخدمه ناظر الخاص، وهو أول من باشر هذه الوظيفة بتجمل، ولم تكن تعرف أولاً.
ثم تقدم عند السلطان وأحبه محبة لم يحبها لآخر مثله، وكان يخلع عليه أطلس أبيض، والفوقاني بطرز، والتحتاني بطرز، والقبع زركش، على ما استفاض، والخزائن جميعها عنده في بيته، وإذا أراد السلطان شيئاً أرسل إليه مملوكاً إلى بيته واستدعى منه ما يريده، وكان يخلع على الأمراء الطبلخانات من عنده، وقيل إن السلطان نزل يوماً من الصيد فقال له يا قاض اعرض أنت صيود الأمراء فإن لي ضرورة، ودخل الدهليز، ووقف القاضي كريم الدين على باب الدهليز وبقي الأمراء يحضرون صيودهم على طبقاتهم بين يديه وهو يخلع عليهم.
وحج هو والخوند طغاي - زوجة السلطان - واحتفل بأمرها وكان كل سماط من الغداء والعشاء يحضر لها فيه أصناف البقول طرية والجبن المقلي سخناً، وكان قد أخذ معه الأبقار الحلابة، وحمل الخضر في مزارعها بالطين على الجمال.
وكان يخدم كل أحد من الأمراء الكبار المشايخ والخاصكية وأرباب الوظائف والجمدارية الصغار وكل أحد حتى الأوجافية، وكان يركب في خدمته سبعون مملوكاً بكنابيش عمل الدار وطروز ذهب، الأمراء تركب في خدمته.
وقيل إن السلطان طلبه يوماً إلى الدور فدخل وبقيت خزندارة خوند تروح وتجيء مرات فيما تطلبه خوند طغاي، وطال الأمر، فقال له السلطان: يا قاض
إيش حاجته لهذا التطويل؟ بنتك ما تختبي منك، ادخل إليها أبصر ما تريده افعله فقام ودخل إليها، وسير من قال لها: أبوك هنا ابصري له ما يأكل، فأخرجت له طعاماً، وقام السلطان إلى كرمة في الدور قطع منها عنباً وأحضره، وهو ينفخه من الغبار، وقال: يا قاض كل من عنب دورنا، وكان إذا أراد أن يعمل سوءاً ويراه قد أقبل يقول: جاء القاضي، ويدع ما كان يريد يفعله، فيحدثه كريم الدين في إبطال ما كان قد هم به من الشر، ومدة حياته لم ير من السلطان إلا خيراً.
وأما مكارمه فتخرج عن الحد، وقيل إنه كان قليل يحاسب صيرفية فيجد في الوصولات وصولات ليست بخطه، ثم بعد حين وقع بالمزور، فقال له ما حملك على هذا؟ فقال: الحاجة، فقال له: كلما احتجت إلى شيء اكتب به خطك على عادتك على هذا الصيرفي، ولكن ارفق فإن علينا كلف كثيرة. قال: وهو الذي صدق أخبار البرامكة.
ومن رئاسته أنه كان إذا قال: نعم، كانت نعم، وإذا قال: لا، فهي لا، وهذه تمام الرئاسة، وقدم من الثغر نوبة حريق القاهرة ونسبت إلى النصارى فغوت به الغوغاء ورجموه فغضب السلطان وقطع أيدي أربعة، ثم إنه مرض في ذلك العام الماضي قبل هذه الواقعة، ولما عوفي زينت القاهرة، وتزاحم الخلق، واختنق رجل، وقيل إنه شرب مرة دواء فجمع كل ما دخل
القاهرة ومصر من الورد وحمل إلى داره، وبسط إلى كراسي بيت الماء، وداس الناس ما داسوه، وأخذوا ما فضل أباعه الغلمان للبيمارستان بمبلغ ثلاثة آلاف درهم.
وكان وقوراً، عاقلا، داهية، جزل الرأي، بعيد الغور، عمر بالزريبة جامعاً، وعمر في طريق الرملة البيارات، وأصلح الطرق، وعمر جامع القبيبات والقابون ووقف عليهما وقفاً.
ثم انحرف عنه السلطان ونكبه، وأقام في بيت الأمير أرغون النائب ثلاثة أيام، وكان الأمير قجليس يروح ويجئ اله في الرسائل عن السطلان، ثم أمر بنزوله إلى القرافة، ثم إنه أخرج إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم طلب إلى مصر وجهز إلى أسوان، وبعد قليل أصبح مشنوقاً بعمامته.
وكان يحترم العلماء، وسمع البخاري، وقيل إنه لما أحس بقتله صلى ركعتين وقال: هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء.
وكان الناس يقولون: ما عمل أحد مع أحد ما عمله السلطان مع كريم الدين، أعطاه الدنيا والآخرة، رحمه الله تعالى.
وكانت واقعته سنة أربع وعشرين وسبعمائة، ومناقبه كثيرة إلى الغاية، ومكارمه جزيلة لا تحصى، وهذا نموذج منها.
ومن مدح شرف الدين القدسي فيه قوله: