الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم اهـ.
(باب البول في الماء الراكد)
أى في بيان حكم البول في الماء الساكن الذى لا يجرى وراكد اسم فاعل من ركد يركد ركودا من باب قعد إذا سكن فلا يجرى.
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زَائِدَةُ، فِي حَدِيثِ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ:«لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله زائدة) بن قدامة الثقفى أبو الصلت الكوفي. روى عن سماك ابن حرب والأعمش وحميد الطويل وهشام بن عروة وجماعة. وعنه أبو أسامة وأبو داود الطيالسى وأبو نعيم وأبو حذيفة وغيرهم. وثقه النسائي وأبو حاتم وقال أبو أسامة كان من أصدق الناس وقال العجلى كان ثقة صاحب سنة وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا صاحب سنة وقال ابن حبان كان من الحفاظ المتقنين وقال الدارقطني من الأثبات الأئمة وقال أبو زرعة صدوق مات سنة ستين أو إحدى وستين ومائة. روى له الجماعة
(قوله في حديث هشام) أى حدثنا زائدة بن قدامة هذا الحديث حال كونه مما حدثنا به عن هشام، ومراد المصنف بذلك بيان أن زائدة له شيوخ منهم هشام وأن زائدة روى هذا الحديث عنه يدلّ لذلك رواية الدارمى في مسنده حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا زائدة عن هشام عن محمد (الحديث)"وهشام" هو ابن حسان الأزدى البصرى أحد الثقات الأعلام. روى عن عكرمة وعطاء والحسن البصرى وعن محمد وأنس وحفصة أولاد سيرين وطائفة. وعنه عكرمة بن عمار وسعيد بن أبي عروبة والحمادان والسفيانان وكثيرون. قال أحمد لا بأس به عندنا وما يكاد ينكر عليه شيء إلا وجدت غيره قد رواه وقال ابن معين لا بأس به وقال العجلى ثقة حسن الحديث وقال أبو حاتم كان صدوقا يكتب حديثه وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وتكلم جماعة في روايته عن الحسن وعطاء. مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومائة. روى له الجماعة وما قاله العيني من أنه هشام بن عروة فغير ظاهر لأن محمد بن سيرين ليس من شيوخ هشام ابن عروة وإنما هو من شيوخ هشام بن حسان كما في تهذيب التهذيب
(قوله محمد) بن سيرين أبو بكر الأنصارى البصرى إمام حافظ. روى عن ابن عمر وابن الزبير وزيد بن ثابت وحذيفة بن اليمان وغيرهم. وعنه الشعبي وقتادة وأيوب السختياني ومالك بن دينار
وآخرون، فال ابن سعد كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم ورعا وكان به صمم وقال الشعبي عليكم بذاك الأصم وقال ابن حبان كان ابن سيرين من أورع أهل البصرة وكان فقيها فاضلا حافظا متقنا وقال بكر المزني والله ما أدركنا من هو أورع منه وقال أحمد وابن معين من الثقات، توفي سنة عشر ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة. روى له الجماعة
(قوله لا يبولنّ أحدكم) يعني أيتها الأمة فيشمل الذكر والأنثى، وأتى بصيغة خطاب المذكر تغليبا وإلا فلا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى
(قوله ثم يغتسل منه) برفع يغتسل على أنه خبر لمبتدأ محذوف أى ثم هو يغتسل والجملة بمنزلة علة النهى أى لا يبولنّ أحدكم في الماء الساكن لأنه يغتسل أو يتوضأ منه بعد، وثم للاستبعاد فكأنه قال كيف يبول فيه وهو يحتاج إليه للغسل أو غيره، وقال ابن مالك يجوز الجزم عطفا على محل يبولن لأنه مجزوم وبني على الفتح لنون التوكيد فيكون المنهى عنه كلا من البول والغسل فيه. واعترضه القرطبي بأنه لو أراد النهى عن كلّ لقال ثم يغتسلن بالتأكيد. وردّ بأنه لا يلزم من تأكيد المنهىّ عنه أنه لا يعطف عليه منهىّ آخر غير مؤكد لاحتمال أن يكون للتأكيد معنى في أحدهما ليس في الآخر، وقال ابن مالك أيضا يجوز النصب بإضمار أن وإعطاء ثم حكم واو الجمع، واعترضه النووى بأنه يقتضي أن المنهى عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهى عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أو لا. وأجاب عنه ابن هشام بأنه إنما أراد إعطاء ثم حكم الواو في النصب لا في المعية وأيضا فإن ما أورده النووي إنما جاء من قبيل المفهوم لا المنطوق وقد قام دليل آخر على عدم إرادته. وقد أجاب ابن دقيق العيد عنه بقوله إنه لا يلزم أن يدلّ على عدّة أحكام لفظ واحد فيؤخذ النهى عن الجمع بينهما من هذا الحديث إن ثبتت، رواية النصب ويؤخذ النهى عن كلّ على حدته من أدلة أخرى كحديث جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن البول في الماء الراكد رواه مسلم وابن ماجه. وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد رواه ابن ماجه وفي رواية له عن ابن عمر مرفوعا لا يبولن أحدكم في الماء الناقع وحديث أبي هريرة مرفوعا لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب رواه مسلم وحديثه الثاني في الباب أفاده الحافظ وغيره (والحاصل) أنه قد ورد النهى عن كل منهما على انفراده وهو يستلزم النهى عن فعلهما جميعا بالأولى وقد ورد النهى عن الجمع بينهما في الحديث الآتي وكذا في هذا إن صحت رواية النصب ويكون دالا على النهى عن كل واحد على رواية الجذم، أما على رواية الرفع فيكون المنهى عنه البول في الماء لما يترتب عليه من نجاسته أو النفرة منه فلا يغتسل منه عند الحاجة إليه وتقدم هذا في حديث لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه، وقوله منه أى من الماء الدائم وهو هكذا في رواية البخاري من طريق أبي الزناد وكذا لمسلم من
طريق ابن سيرين، وفي رواية للبخاري من طريق أخرى ثم يغتسل فيه، وكل من اللفظين يفيد حكما بالنص وحكما بالاستنباط وذلك أن الرواية بلفظ فيه تدلّ على منع الانغماس بالنص وعلى منع التناول بالاستنباط والرواية بلفظ منه بعكس ذلك أفاده الحافظ، وفي رواية الترمذى ثم يتوضأ منه، وفيها دليل على أن النهى لا يختص بالغسل بل الوضوء مثله ولو لم يرد هذا لكان معلوما لاستوائهما في المعنى المقتضى للنهى، قال النووي وهذا النهى في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة فإن كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث ولكن الأولى اجتنابه وإن كان قليلا جاريا فقد قال بعض الشافعية يكره والمختار أنه يحرم لأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعى وغيره ولعل هذا محمل حديث جابر أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبال في الماء الجارى رواه الطبراني ورجاله ثقات وإلا فالظاهر عدم التفرقة بين القليل وغيره، وإن كان كثيرا راكدا فقيل يكره والمختار الحرمة لأن النهى يقتضي التحريم ولأنه ربما أدّى إلى تنجسه بالإجماع إذا تغير أو إلى تنجسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الماء الذى لا يبلغ الغدير العظيم ينجس بوقوع نجس فيه، وإن كان راكدا قليلا فالصواب حرمة البول فيه لأنه ينجسه، والتغوّط في الماء كالبول فيه بل هو أقبح وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب الماء بحيث يجرى إليه البول فكله مذموم قبيح منهىّ عنه على التفصيل المذكور ولا مخالف في هذا إلا ما حكى عن داود من أن النهى مختص بالبول في نفس الماء وأن الغائط ليس كالبول وهذا خلاف الإجماع وهذا من أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر اهـ بتصرف ثم قال قال العلماء من أصحابنا وغيرهم يكره الاغتسال في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية قال الشافعى رحمه الله تعالى أكره للجنب أن يغتسل في البئر معينة كانت أو دائمة وفي الماء الراكد قليله وكثيره وهذا كله على كراهة التنزيه لا التحريم اهـ بتصرف وينظر ما القرينة الصارفة للنهى عن التحريم اهـ شوكاني. وقال العيني احتج أصحابنا بهذا الحديث على أن الماء الذى لا يبلغ الغدير العظيم إذا وقعت فيه النجاسة لم يجز به الوضوء قليلا كان أو كثيرا، واستدلوا به أيضا على أن القلتين تحمل النجاسة لأن الحديث مطلق فبإطلاقه يتناول الماء القليل والكثير والقلتين والأكثر، ولو قلنا إن القلتين لا تحمل النجاسة لم يكن للنهى فائدة، على أن هذا أصح من حديث القلتين، ومن الشافعية من يقول إنما ينجس الماء بالبول فيه إذا كان دون القلتين وكذا قال الخطابي (قلت) هذا تحكم بلا دليل وترك لإطلاق الحديث وكيف يقاربه حديث القلتين مع الكلام فيه كما ذكرنا اهـ وقال في شرحه على البخاري وقال ابن قدامة ودليلنا حديث القلتين وحديث بئر بضاعة وهذان
نص في خلاف ما ذهب إليه الحنفية، وقال أيضا بئر بضاعة لا تبلغ إلي الحدّ الذى يمنع التنجس عندهم (قلت) لا نسلم أن هذين الحديثين نص في خلاف مذهبنا، أما حديث القلتين فلأنه وإن كان بعضهم صححه فإنه مضطرب سندا ومتنا والقلة في نفسها مجهولة والعمل بالصحيح المتفق عليه أقوى وأقرب، وأما حديث بئر بضاعة فإنا نعمل به فان ماءها كان جاريا، وقوله بئر بضاعة لا تبلغ الخ، غير صحيح لأن البيهقي روى عن الشافعى أن بئر بضاعة كانت كثيرة الماء واسعة وكان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغير لها لونا ولا ريحا ولا طعما فإن قالوا حديثكم عام في كل ماء وحديثنا خاص فيما يبلغ القلتين وتقديم الخاص على العام متعين كيف وحديثكم لا بدّ من تخصيصه فإنكم وافقتمونا على تخصيص الماء الكثير المستبحر وإذا لم يكن بدّ من التخصيص فالتخصيص بالحديث أولى من التخصيص بالرأى من غير أصل يرجع إليه ولا دليل يعتمد عليه (قلنا) لا نسلم أن تقديم الخاص على العام متعين بل الظاهر من مذهب أبي حنيفة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُترجيح العام على الخاص في العمل به وقولهم التخصيص بالحديث أولى من التخصيص بالرأى إنما يكون إذا كان الحديث المخصص غير مخالف للإجماع وحديث القلتين خبر آحاد ورد مخالفا لإجماع الصحابة فيردّ، بيانه أن ابن عباس وابن الزبير رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم أفتيا في زنجيّ وقع في بئر زمرم بنزح الماء كله ولم يظهر أثره في الماء وكان الماء أكثر من قلتين وذلك بمحضر من الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم ولم ينكر عليهما أحد منهم فكان إجماعا وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للإجماع يردّ، يدل عليه أن على ابن المديني قال لا يثبت هذا الحديث عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكفى به قدوة في هذا الباب وقال أبو داود لا يكاد يصح لواحد من الفريقين حديث عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في تقدير الماء، وقال صاحب البدائع ولهذا رجع أصحابنا في التقدير إلى الدلائل الحسية دون الدلائل السمعيه اهـ بتصرف. وحديث الزنجى الذى أشار إليه ما جاء عن ابن سيرين أن زنجيا مات في بئر زمزم فأمر ابن عباس بإخراجه ونزح مائها فغلبتهم عين جاءت من الركن فأمر بسدّها بالقباطى والمطارف حتى نزحوها ثم انفجرت عليهم عين رواه الدارقطني مرسلا فإن ابن سيرين لم ير ابن عباس وإنما سمع من عكرمة وهو ثقة فالحديث صحيح يحتج به، والقباطي جمع قبطية وهي ثوب رقيق أبيض منسوب إلى القبط، والمطارف أردية من خزّ مفردها مطرف بكسر الميم وضمها أفاده في البحر، وقال ابن دقيق العيد هذا الحديث مما استدل به أصحاب أبي حنيفة على تنجيس الماء الدائم وإن كان أكثر من القلتين فإن الصيغة صيغة عموم وأصحاب الشافعى يخصون هذا العموم ويحملون النهى على ما دون القلتين وعدم تنجيس القلتين فما زاد إلا بالتغير مأخوذ من حديث القلتين فيحمل هذا الحديث العام في النهى على ما دون القلتين جمعا بين الحديثين، وفرق أحمد بين بول
الآدمى وما في معناه من العذرة المائعة وغير ذلك من النجاسات. فأما بول الآدمى وما في معناه فينجس الماء وإن كان أكثر من القلتين وأما غيره من النجاسات فتعتبر فيه القلتان، وكأنه رأى أن الخبث المذكور في حديث القلتين عام بالنسبة إلى النجاسات وهذا الحديث خاص بالنسبة إلى بول الآدمى فيقدم الخاص على العام بالنسبة إلى النجاسات الواقعة في الماء الكثير ويخرج بول الآدمى وما في معناه من جملة النجاسات الواقعة في القلتين بخصوصه فينجس الماء دون غيره من النجاسات ويلحق بالبول المنصوص عليه ما يعلم أنه في معناه (واعلم) أن هذا الحديث لا بد من إخراجه عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد لاتفاقهم على أن الماء المستبحر الكثير جدًّا لا تؤثر فيه النجاسة، على أن الماء إذا غيرته النجاسة امتنع استعماله، فمالك رحمه الله تعالى إذا حمل النهى على الكراهة لاعتقاده أن الماء لا ينجس إلا بالتغيير لا بد أن يخرج صورة التغير بالنجاسة عن الحكم بالكراهة فإن الحكم هنا التحريم فإذاً لا بدّ من الخروج عن الظاهر عند الكل فلأصحاب أبى حنيفة أن يقولوا خرج عنه المستبحر الكثير جدًّا بالإجماع فيبقى ما عداه على حكم النص فيدخل تحته ما زاد على القلتين، ويقول أصحاب الشافعى خرج الكثير المستبحر بالإجماع الذى ذكرتموه وخرج القلتان فما زاد بمقتضى حديث القلتين فيبقى ما نقص عن القلتين داخلا تحت مقتضى الحديث، ويقول من نصر قول أحمد رحمه الله تعالى خرج ما ذكرتموه وبقي ما دون القلتين داخلا تحت النص إلا أن ما زاد على القلتين مقتضى حديث القلتين فيه عام في الأنجاس فيخص ببول الآدمى، ولمخالفهم أن يقول قد علمنا جزما أن هذا النهى انما هو لمعنى في النجاسة وعدم التقرب إلى الله تعالى بما خالطها وهذا المعنى تستوى فيه سائر الأنجاس ولا يتجه تخصيص بول الآدمى منها بالنسبة إلى هذا المعنى فإن المناسب لهذا المعنى أعنى التنزّه عن الأقذار أن يكون ما هو أشدّ استقذارا أوقع في هذا المعنى وأنسب له وليس بول الأدمى بأقذر من سائر النجاسات بل قد يساويه غيره أو يترجح عليه فلا يبقى لتخصيصه دون غيره بالنسبة إلى المنع معنى فيحمل الحديث على أن ذكر البول وقع تنبيها على غيره مما يشاركه في معناه من الاستقذار، والوقوف على مجرّد الظاهر ها هنا مع وضوح المعنى وشموله لسائر الأنجاس ظاهرية محضة. وأما مالك رحمه الله تعالى فإذا حمل النهى على الكراهة يستمرّ حكم الحديث في القليل والكثير غير المستثنى بالاتفاق وهو المستبحر مع حصول الإجماع على تحريم الاغتسال بعد تغير الماء بالبول. فهذا يؤدّى إلى حمل اللفظ الواحد على معنيين مختلفين وهى مسألة أصولية، فإن جعلنا النهى للتحريم كان استعماله في الكراهة والتحريم استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه والأكثرون على منعه، وقد يقال على هذا إن حالة التغير مأخوذة من غير هذا اللفظ فلا يلزم استعمال اللفظ الواحد في معنيين مختلفين وهذا متجه إلا أنه يلزم منه التخصيص في هذا الحديث اهـ بتصرّف
(فقه الحديث) دلّ الحديث بمنطوقه على حرمة البول في الماء الراكد لكن محله إذا لم يكن كثيرا مستبحرا ويلحق بالبول التغوّط بل هو أقبح، ودل بمفهومه على جواز البول في الماء الجارى لكن الأولى اجتنابه وقد تقدم بيانه، وعلى نجاسة البول
(من روى الحديث أيضا) رواه مسلم والنسائي وأخرجه البخارى من حديث الأعرج عن أبي هريرة وأخرجه مسلم والترمذى والنسائي والبيهقي من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة وقال هذا حديث حسن صحيح وأخرجه مسلم والطحاوى والطبراني في الأوسط وابن ماجه من حديث جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه نهى أن يبال في الماء الراكد وأخرجه أيضا من حديث نافع عن ابن عمر.
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، ثَنَا يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله يحيى) بن سعيد بن فروخ القطان الأحول أبو سعيد التميمي مولاهم البصرى الإمام الحافظ أحد أئمة الجرح والتعديل. روى عن يحيى بن سعيد الأنصارى والأوزاعي وابن جريح ومالك بن أنس وجماعة، وعنه من شيوخه شعبة والسفيانان ومن أقرانه ابن معين وإسحاق وابن أبي شيبة وأحمد وكثيرون، قال أبو زرعة من الثقات الحفاظ وقال ابن المديني ما رأيت أعلم بالرجال من يحيى القطان وما رأيت أثبت منه وقال أحمد ما كان أضبطه وأشدّ ثقته كان محدّثا وما رأت عيناى مثله ما رأيت له كتابا كان يحدّث من حفظه وقال ابن سعد كان ثقة مأمونا رفيعا حجة وقال العجلى ثقة في الحديث كان لا يحدّث إلا عن ثقة وقال أبو حاتم حجة حافظ وقال النسائي ثقة ثبت مرضى وقال ابن حبان كان من سادات أهل زمانه حفظا وورعا وفهما وفضلا ودينا وعلما وهو الذى مهد لأهل العراق رسم الحديث وأمعن في البحث عن الثقات وترك الضعفاء ووثقه كثير من الأئمة. كان مولده سنة عشرين ومائة. وتوفي سنة ثمان وتسعين ومائة. روى له الجماعة
(قوله سمعت أبي) هو عجلان مولى فاطمة بنت عتبة بن ربيعة روى عنها وعن زيد بن ثابت. وعنه ابنه محمد وبكير ابن عبد الله بن الأشج روى له مسلم وأبو داود والترمذى والنسائي وابن ماجه قال النسائي لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات
(قوله ولا يغتسل فيه من الجنابة) بالرفع على أنه نفي بمعنى النهى وبالجزم على النهى. وهذا الحديث صريح في المنع بن كل واحد من البول والاغتسال
في الماء الراكد على انفراده. وقد استدل بحديثى الباب على أن الماء المستعمل يخرج عن كونه مطهرا لأن النهى ها هنا عن مجرد الغسل فدلّ على وقوع المفسدة بمجرّده، والمفسدة خروجه عن كونه مطهرا إما لنجاسته أو لعدم طهوريته، ومع هذا فلا بدّ من تقييده بما دون القلتين على مذهب الشافعية ومن وافقهم وبغير المستبحر على مذهب الحنفية لأن القلتين فأكثر عند الشافعية والمستبحر عند الحنفية لا يؤثر فيه الاستعمال، والوضوء كالغسل في هذا الحكم لأن المقصود من النهى التنزّه عن التقرّب إلى الله تعالى بالمستقذرات، والوضوء يقذر الماء كما يقذره الغسل وقد ذهب إلى أن الماء المستعمل غير مطهر أكثر العترة وأحمد بن حنبل والليث والأوزاعي والشافعى ومالك في إحدى الروايتين عنهما وأبو حنيفة في رواية عنه واحتجوا بأحاديث الباب وبحديث النهى عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة وبما رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يغتسلنّ أحدكم في الماء الدائم وهو جنب، فقالوا يا أبا هريرة كيف يفعل، قال يتناوله تناولا. واحتج لهم في البحر بما روي عن السلف من تكميل الطهارة بالتيمم عند قلة الماء لا بما تساقط منه. وأجيب عن الاستدلال بما ذكر بأن علة النهى لا تنحصر في الاستعمال بل يحتمل أن يكون النهى للاستخباث والاستقذار والدليل إذا تطرّقه الاحتمال سقط به الاستدلال، وبأن الدليل أخص من الدعوى لأنه غاية ما فيه خروج المستعمل للجنابة والمدّعي خروج كل مستعمل عن الطهورية، وعن حديث النهى عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة بمنع كون الفضل مستعملا، ولو سلم فالدليل أخص من الدعوى لأن المدّعي خروج كل مستعمل عن الطهورية لا خصوص هذا المستعمل، وبالمعارضة بما أخرجه مسلم وأحمد من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة وأخرجه أحمد أيضا وابن ماجه بنحوه من حديثه وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود والنسائي والترمذى وصححه من حديثه بلفظ اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل (الحديث) وأيضا حديث النهى عن التوضؤ بفضل وضوء المرأة فيه مقال سيأتي بيانه في بابه، وعن الاحتجاج بتكميل السلف الطهارة بالتيمم لا بما تساقط بأنه لا يكون حجة إلا بعد تصحيح النقل عن جميعهم ولا سبيل إلى ذلك لأن منهم من قال بطهورية المستعمل كالحسن البصري والزهري والنخعى وإحدى الروايات عن مالك والشافعى وأبي حنيفة ونسبه ابن حزم إلى عطاء وسفيان الثورى وأبي ثور وجميع أهل الظاهر، وبأن المتساقط قد فني لأنهم لم يكونوا يتوضؤون إلى إناء والملتصق بالأعضاء حقير لا يكفى بعض عضو من أعضاء الوضوء، وبأن سبب الترك بعد تسليم صحته عن السلف وإمكان الانتفاع بالبقية هو الاستقذار، وبهذا يتضح عدم خروج المستعمل
عن الطهورية ويتحتم البقاء على البراءة الأصلية ولا سيما بعد اعتضادها بكليات وجزئيات من الأدلة كحديث "خلق الماء طهورا" وحديث مسحه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأسه بفضل ماء كان بيده وغيرهما كذا في نيل الأوطار وغيره، وقال مالك ومن ذكر معه آنفا إنه طاهر مطهر لقوله تعالى "وأنزلنا من السماء ماء طهورا" ولما سيأتي للمصنف عن الرّبيع بنت معوّذ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ فمسح رأسه بفضل ماء في يده، وفي حديث آخر أنه مسح رأسه ببلل لحيته، وعن ابن عباس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اغتسل فنظر لمعة من بدنه لم يصبها الماء فأخذ شعرا من بدنه عليه ماء فأمرّه على ذلك الموضع أفاده النووى في شرح المهذب، قالوا ولأنه ماء لاقى طاهرا فبقي مطهرا كما لو غسل به ثوب طاهر ولأنه مستعمل لجازت الطهارة به كالمستعمل في تجديد الوضوء ولأن ما أدّى به الفرض مرّة لا يمتنع أن يؤدّى به ثانيا كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد، وكما يخرج الطعام في الكفارة ثم يشتريه ويخرجه فيها ثانيا، وكما يصلى في الثوب الواحد مرارا، ولأنه لو لم تجز الطهارة بالمستعمل لامتنعت الطهارة لأنه بمجرّد جريان الماء على بعض العضو يصير مستعملا فإذا سال على باقي العضو ينبغي أن البلل لا يرفع الحدث وهذا متروك بالإجماع فدلّ على أن المستعمل مطهر، وأدلة هذا القول وإن نوقش في بعضها لكن يؤيدها أن طهورية الماء ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع فلا يخرجه عنها إلا دليل صحيح صريح ولا دليل كذلك. وما ذكره أصحاب القول الأول من الأدلة الناقلة للماء المستعمل عن الطهورية فقد علمت أنها غير صالحة للاحتجاج بها على ذلك. قال في الروضة الندية الحق أن المستعمل طاهر ومطهر عملا بالأصل وبالأدلة الدالة على أن الماء طهور لا يخرج عن كونه طهورا بمجرّد استعماله للطهارة إلا إن تغير بذلك ريحه أو لونه أو طعمه، وأن إخراج ما جعله الله طهورا عن الطهورية لا يكون إلا بدليل (يعني ولا دليل) اهـ ملخصا، وقال ابن المنذر روى عن علىّ وابن عمر وأبي أمامة وعطاء والحسن ومكحول والنخعى أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد في لحيته بللا يكفيه مسحه بذلك قال وهذا يدل على أنهم يرون المستعمل مطهرا وبه أقول اهـ، وعن أبي حنيفة ثلاث روايات (الأولى) أنه نجس نجاسة مغلظه وهي رواية الحسن بن زياد عنه وهي شاذة غير مأخوذ بها (الثانية) نجس نجاسة مخففة وهي رواية أبي يوسف عنه قال عبد الحميد القاضى أرجو أن لا تثبت رواية النجاسة عن أبي حنيفة (الثالثة) طاهر غير مطهر وهي رواية محمد بن الحسن عنه وهو الصحيح المفتى به عندهم وبه قالت الشافعية، ومن أدلة من قال بالطهارة حديث أبي جحيفة قال خرج علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به رواه الشيخان والنسائي، وحديث أبي موسى