الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا أخرجه أبو داود في باب ركوب البحر في الغزو من باب الجهاد وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر مرفوعا فقد قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده، وقال البخارى ليس هذا الحديث بصحيح، وله طريق أخرى عند البزّار وفيها ليث ابن أبي سليم وهو ضعيف، وعلى أن خوف العطش يبيح ترك استعمال الماء المعدّ للشرب في الطهارة ولذا أقر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السائل على المحافظة عليه وعدم التطهر به، وعلى
جواز التطهر بماء البحر الملح
، وبه قال جمهور السلف والخلف، وما نقل عن بعضهم من عدم إجزاء التطهر به فمزيف. وقد أنكر القاضى أبو الحسن أن يكون ذلك قولا لأحد، ومنه تعلم بطلان ما نسب إلى ابن عمر من قوله ماء البحر لا يجزى من وضوء ولا جنابة إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا حتى عدّ سبعة أبحر وسبع نيران، وما نسب أيضا إلى ابن عمرو بن العاص من أنه قال لا يجزى التطهير به، وعلى فرض ثبوته فلا حجة في أقوال الصحابة إذا عارضت المرفوع، وعلى حلّ جميع حيوانات البحر وقد علمت بيانه، وعلى أن السمك لا يحتاج إلى ذكاة لإطلاق اسم الميتة عليه، ومثله باقي حيوان الماء، وعلى أن المفتي إذا سئل عن شيء وعلم أن للسائل حاجة إلى ذكر ما يتصل بمسألته استحب تعليمه إياه (وعلى الجملة) فهذا الحديث أصل من أصول الطهارة مشتمل على أحكام كثيرة وقواعد مهمة، ولذا قال الشافعى رحمه الله تعالى هذا الحديث نصف علم الطهارة.
(من روى الحديث أيضا) رواه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة وابن خزيمة وابن حبان والدارمى وابن الجارود والحاكم والدارقطني والبيهقي والترمذى وقال هذا حديث حسن صحيح وحكم ابن عبد البر وابن منده وابن المنذر وأبو محمد البغوى بصحته لتلقى العلماء له بالقبول
(باب الوضوء بالنبيذ)
أيجوز أم لا، والنبيذ بفتح النون وكسر الموحدة فعيل بمعنى مفعول ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك يقال نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا وأنبذته اتخذته نبيذا سواء أكان مسكرا أم غير مسكر ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر.
(ص) حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْعَتَكِيُّ، قَالَا: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي فَزَارَةَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ
الْجِنِّ: «مَا فِي إِدَاوَتِكَ؟ » ، قَالَ: نَبِيذٌ، قَالَ:«تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَالَ: سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، أَوْ زَيْدٍ، كَذَا قَالَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَنَّادٌ لَيْلَةَ الْجِنِّ.
(ش)(رجال الحديث)
(قوله هناد) بن السرىّ
(قوله شريك) بن عبد الله
(قوله عن أبي فزارة) بفتح الفاء والزاى هو راشد بن كيسان العبسى الكوفي. روى عن أنس وسعيد ابن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن حريث وآخرين، وعنه جرير بن حازم وحماد بن زيد وسفيان الثورى والليث بن أبي سليم وجماعة، وثقه ابن معين، وقال الدارقطني ثقة كيس لم أر له في كتب أهل النقل ذكرا بسوء وقال ابن حبان مستقيم الحديث إذا كان فوقه ودونه ثقة روى له مسلم وأبو داود والترمذى وابن ماجه والبخارى في الأدب
(قوله عن أبي زيد) هو مولى عمرو بن حريث وقيل أبو زائد. روى عن ابن مسعود هذا الحديث وعنه أبو فزارة، قال الحاكم لا يوقف على صحة كنيته ولا اسمه ولا له راو غير أبي فزارة وقال أبو زرعة مجهول لا أعرف كنيته ولا اسمه وقال أبو حاتم لم يلق أبو زيد عبد الله وقال البخارى مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله ولا يصح حديثه وقال ابن عبد البرّ اتفقوا على أنه مجهول وحديثه منكر وقال الترمذى رجل مجهول عند أهل الحديث لا نعرف له رواية غير هذا الحديث (ذكر معناه)
(قوله ليلة الجن) أى ليلة اجتمع جنّ نصيبين برسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليتعلموا منه الدين. فعن كعب الأحبار قال انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن نخلة وعدّ منها الأحقب جاءوا قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم ثلثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحقب فسلم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك فواعده النبى صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم لساعة من الليل بالحجون رواه أبو نعيم والواقدى، والحجون بوزن رسول جبل بمكة، وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى له وسلم قال لأصحابه وهو بمكة من أحب منكم أن يحضر الليلة أمر الجنّ فليفعل فلم يحضر أحد منهم غيرى فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة فخط برجله خطأ ثم أمرني أن أجلس فيه ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه "الحديث" رواه البيهقي في دلائل النبوة، وعنه أنه قال قمت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ وأخذت إداوة ولا أحسبها إلا ماء حتى إذا كنا بأعلى مكة رأيت أسودة مجتمعة فخط لي النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقال قم هاهنا حتى آتيك ومضى إليهم فرأيتهم يتثوّرون إليه فسمر معهم ليلا طويلا حتى جاءني مع الفجر قال لي هل معك من وضوء قلت نعم ففتحت الإداوة فإذا هو نبيذ قلت ما كنت أحسبه إلا ماء فإذا هو نبيذ فقال تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ منها
ثم قام يصلى فأدركه شخصان منهم فصفهما خلفه ثم صلى بنا فقلت من هؤلاء يا رسول الله قال جنّ نصيبين رواه أحمد
(قوله ما في إداوتك) أي أيّ شئ في مطهرتك، وإداوة بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء وجمعها إداوي بفتح الواو، وفي نسخة ماذا في إداوتك أى ما الذى فيها على أن ما استفهامية وذا موصولة أو ما فيها على أن ماذا كلها استفهامية أو ما استفهامية وذا زائدة
(قوله تمرة طيبة) تمرة خبر لمبتدإ محذوف وطيبة صفة أى هو تمرة طيبة، والمراد أن النبيذ ناشئ من تمرة طيبة ليس فيها ما يمنع التطهر بالماء الذى ألقيت فيه، والطيب خلاف الخبيث
(قوله وماء طهور) بفتح الطاء أى مطهر، زاد الترمذى وابن ماجه فتوضأ منه، وفي مسند أحمد فتوضأ منه وصلى (وبهذا) الحديث احتج أبو حنيفة والثورى على أن من لم يجد إلا نبيذ تمر رقيقا يسيل على الأعضاء حلوا غير مسكر ولا مطبوخ يتوضأ به ولا يتيمم. وقال محمد يجمع بين الوضوء والتيمم وقال أبو يوسف يتيمم ولا يتوضأ به، وقد رجع إليه أبو حنيفة وهو قول الجمهور وباقى الأئمة واختاره الطحاوي وقال ما ذهب إليه أبو حنيفة أوّلا اعتمادا على حديث ابن مسعود لا أصل له اهـ وبرجوع الإمام إليه صار هو المذهب لأن المجتهد إذا رجع عن قول لا يجوز الأخذ به كما في البحر عن التوشيح، وقال الترمذى قول من يقول لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لأن الله تعالى قال "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" اهـ (ومما) تقدم تعلم أن محل الخلاف نبيذ تمر رقيق حلو غير مسكر ولا مطبوخ لأنه قبل ظهور حلاوته يجوز الوضوء به بلا خلاف والمسكر وغير الرقيق لا يجوز الوضوء به اتفاقا وكذا المطبوخ ونبيذ غير التمر على الصحيح لأن جواز التوضؤ بنبيذ التمر ثابت بالحديث على خلاف القياس فلا يقاس عليه غيره (وقال) في البحر الرائق وبالجملة فالمذهب المصحح المختار المعتمد عندنا هو عدم الجواز موافقة للأئمة الثلاثة فلا حاجة إلى الاشتغال بحديث ابن مسعود الدال على الجواز لأن من العلماء من تكلم فيه وضعفه وإن أجيب عنه بما ذكره الزيلعى المخرّج وغيره، وعلى تقدير صحته فهو منسوخ بآية التيمم لتأخرّها إذ هي مدنية وعلى هذا مشى جماعة من المتأخرين اهـ وعلى فرض عدم نسخه فيحمل على أن الماء لم يتغير بوضع التمر فيه لأنهم كانوا يضعونه فيه لجذب ملوحته وتطيب طعمه ليوافق أمزجتهم، يدلّ عليه ما في الدارقطني من قول أبي العالية أنبذتكم هذه الخبيثة إنما كان ذلك زبيبا وماء، وسيأتى حديثه في آخر الباب
(قوله عن أبي زيد الخ) أى قال سليمان في روايته عن شريك عن أبي زيد أو زيد بالشك، أما هناد فقال في روايته عن شريك عن أبي زيد بلا شك ولم يذكر في روايته لفظ ليلة الجنّ وإنما ذكرها سليمان.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مرسل إلى الجن أيضا فلذا أتت إليه وعلمهم، وعلى أنه يطلب من الشخص أن يستعدّ لما عساه أن يحتاج إليه
ولا سيما للعبادة، وعلى مشروعية خدمة الصغير للكبير، وعلى مشروعية مدح النعمة
(من أخرح الحديث أيضا) أخرجه أحمد والبيهقي وابن ماجه وابن أبي شيبة والدارقطني من عدّة طرق والطحاوى وابن عدى في الكامل والترمذى وقال قد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان وغيره، وقال بعض أهل العلم لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعى وأحمد وإسحاق قال إسحاق إن ابتلى رجل بهذا فتوضأ بالنبيذ وتيمم أحب إليّ اهـ وقاله المنذرى قال أبو زرعة ليس هذا الحديث بصحيح، وقال أبو أحمد الكرابيسي لا يثبت في هذا الباب من هذه الرواية حديث بل الأخبار الصحيحة عن عبد الله بن مسعود ناطقة بخلافه اهـ وقد ضعف المحدّثون هذا الحديث بثلاث علل (الأولى) جهالة أبي زيد كما تقدم قال ابن حبان بعد بيان جهالته ومن كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبته، وأجيب عنه بأن هذا الحديث رواه جماعة عن أبي فزارة فرواه عنه شريك كما أخرجه الترمذى وأبو داود، ورواه عنه سفيان والجرّاح بن مليح كما أخرجه ابن ماجه، ورواه عنه إسراءيل كما رواه عنه عبد الرزاق في مصنفه، ورواه عنه قيس بن الربيع كما أخرجه عبد الرزاق، والجهالة عند المحدّثين تزول برواية اثنين فصاعدا، فأين الجهالة بعد ذلك إلا أن يراد جهالة الحال، وأجيب أيضا بأن ابن العربي قال في شرح الترمذى أبو زيد مولى عمرو بن حريث روى عنه راشد بن كيسان وأبو روق، وهذا يخرجه عن حدّ الجهالة، على أنه روى هذا الحديث أربعة عشر رجلا عن ابن مسعود كما رواه أبو زيد، أبو رافع عند الطحاوى والحاكم ورباح أبو على عند الطبراني في الأوسط، وعبد الله بن عمر وعمرو البكالي وأبو عبيدة بن عبد الله وأبو الأحوص وعبد الله ابن مسلمة وقابوس بن أبي ظبيان عن أبيه وعبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفى وابن عباس وشقيق ابن سلمة وابن عبد الله وأبو عثمان بن سَنَّةَ وأبو عثمان النهدى، وقد ذكر البدر العيني في شرحه على البخارى من خرج روايات هؤلاء (الثانية) التردّد في أبي فزارة أهو راشد بن كيسان أم غيره وجوابه أن ابن عدىّ والدارقطني وابن عند البرّ صرّحوا بأنه راشد بن كيسان (الثالثة) أن ابن مسعود لم يشهد مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ لما روى مسلم من حديث الشعبي عن علقمة قال سألت ابن مسعود هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن قال لا "الحديث" وفي لفظ له قال لم أكن مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ ووددت أني كنت معه، وللحديث الآتي، وأجيب عنه بأن هذا الحديث له سبعة طرق صرّح فيها أن ابن مسعود كان مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الأول) ما رواه أحمد في مسنده والدارقطني في سننه بسنديهما إلى ابن مسعود أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له ليلة الجنّ أمعك ماء قال لا قال أمعك نبيذ قال أحسبه قال نعم فتوضأ (الثاني)
ما رواه الدارقطني بسنده إلى ابن مسعود قال مرّ بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال خذ معك إداوة من ماء ثم انطلق وأنا معه فذكر حديثه ليلة الجنّ ثم قال فلما أفرغت عليه من الإداوة إذا هو نبيذ قلت يا رسول الله أخطأت بالنبيذ فقال تمرة حلوة وماء عذب (الثالث) ما رواه الدارقطني بسند آخر إلى ابن غيلان الثقفي أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول دعاني رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن بوضوء فجئته بإداوة فإذا فيها نبيذ فتوضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (الرابع) ما رواه الدارقطني بسند ثالث إلى أبي وائل قال سمعت ابن مسعود يقول كنت مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن فأتاهم فقرأ عليهم القرآن فقال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بعض الليل أمعك ماء يا ابن مسعود قلت لا والله يا رسول الله إلا إداوة فيها نبيذ قال عليه الصلاة والسلام تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ به (الخامس) ما رواه الطحاوى بسنده إلى ابن مسعود قال انطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى البراز فخط خطا وأدخلني فيه وقال لي لا تبرح حتى أرجع إليك ثم أبطأ فما جاء حتى السحر وجعلت أسمع الأصوات ثم جاء فقلت أين كنت يا رسول الله قال أرسلت إلى الجنّ فقلت ما هذه الأصوات التي سمعت قال هي أصواتهم حين ودّعوني وسلموا عليّ قاله الطحاوى ما علمنا لأهل الكوفة حديثا يثبت أن ابن مسعود كان مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن مما يقبل مثله إلا هذا (السادس) ما رواه ابن عدى في الكامل بسنده إلى ابن مسعود قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمعك ماء قلت لا إلا نبيذ في إداوة قال تمرة طيبة وماء طهور فتوضأ (السابع) ما رواه أبو داود وأخرجه الترمذى وابن ماجه "فإن قلت" هذه الطرق كلها مخالفة لما في صحيح مسلم أنه لم يكن معه "قلت" التوفيق بينهما أنه لم يكن معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حين المخاطبة وإنما كان بعيدا منه وقد قال بعضهم إن ليلة الجنّ كانت مرّتين ففي أوّل مرة خرج إليهم لم يكن مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ابن مسعود ولا غيره كما هو ظاهر حديث مسلم ثم بعد ذلك خرج معه ليلة أخرى كما روى ابن أبي حاتم في تفسيره في أوّل سورة الجنّ من حديث ابن جريج قال قال عبد العزيز بن عمر أما الجنّ الذين لقوه بنخلة فجنّ نينوى وأما الجنّ الذين لقوه بمكة فجنّ نصيبين، وقد علمت الصحابة بهذا الحديث على ما في سنن الدارقطني عن عبد الله بن محرز عن عكرمة عن ابن عباس قال النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وأخرج أيضا عن الحارث عن عليّ أنه كان لا يرى بأسا بالوضوء بالنبيذ، وأخرج أيضا عن مزيدة بن جابر عن عليّ قال لا بأس بالوضوء بالنبيذ. روى الدارقطني عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ به.
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ؟ فَقَالَ: «مَا كَانَ مَعَهُ مِنَّا أَحَدٌ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله وهيب) بن خالد
(قوله داود) بن أبي هند دينار بن عذافر بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة مخففة وكسر الفاء أبو بكر ويقال أبو محمد البصرى روى عن الحسن البصرى وعكرمة وسعيد بن المسيب وابن سيرين وآخرين. وعنه شعبة ويحيى بن سعيد الأنصارى والثورى وحماد بن سلمة ويحيى القطان وجماعة. وثقه العجلى وابن معين وأبو حاتم والنسائي وقال الثورى كان من الحفاظ البصريين وقال يعقوب بن شيبة ثقة ثبت وقال ابن حبان روى عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه وكان من خيار أهل البصرة المتقنين في الرواية إلا أنه كان يهم إذا حدّث من حفظه وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وقال أحمد كان كثير الاضطراب والاختلاف، توفي سنة سبع وثلاثين ومائة بطريق مكة. روى له مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذى والبخارى استشهادا وتعليقا
(قوله عامر) بن شراحيل بن عبد وقيل عامر بن عبد الله الحميرى الشعبي الكوفي. روى عن أبي هريرة وعائشة وزيد بن ثابت وعلى بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وجماعة، قال أدركت خمسمائة من الصحابة وسمع من ثمانية وأربعين منهم. روى عنه قتادة وداود بن أبي هند وسماك ابن حرب وابن سيرين والأعمش وشعبة وغيرهم، قال يحيى بن معين وأبو زرعة وغير واحد الشعبي ثقة وقال أبو حصين ما رأيت أعلم من الشعبى فقال له ابن عباس ولا شريح فقال تريدني أكذب ما رأيت أعلم من الشعبي وقال أبو مجلز ما رأيت فيهم أفقه من الشعبي وقال أبو إسحاق الحبال كان واحد زمانه في فنون العلم وقال العجلى مرسل الشعبى صحيح وقال ابن عيينة كانت الناس تقول ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه، توفي سنة أربع ومائة وبلغ اثنتين وثمانين سنة. روى له الجماعة
(قوله علقمة) بن قيس بن عبد الله بن مالك بن علقمة النخعى الكوفي أحد الحفاظ، روى عن الخلفاء الأربعة وسعد بن أبي وقاص وعائشة وابن مسعود وحذيفة وطائفة وعنه إبراهيم بن يزيد النخعى وأبو وائل ومحمد بن سيرين وسلمة بن كهيل وغيرهم. قال ابن معين ثقة وقال أحمد ثقة من أهل الخير، ولد في حياة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وتوفي سنة اثنتين وستين وقيل غير ذلك، روى له الجماعة إلا ابن ماجه (ذكر معناه)
(قوله ما كان معه الخ) أى ما كان مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ أحد منا، وغرض المصنف
من إيراد هذا الحديث الطعن في الحديث المتقدّم (قال) النووى في شرح مُسلم هذا الحديث صريح في إبطال الحديث المروىّ في سنن أبي داود وغيره المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور ابن مسعود معه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ فإن هذا الحديث صحيح وحديث النبيذ ضعيف باتفاق المحدّثين. وعلى فرض صحة الحديث الأول يمكن الجمع بين الحديثين بأن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لم يكن مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في المكان الذى خاطب فيه الجنّ فلا ينافى أنه خرح مع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تلك الليلة وانتظره في مكان آخر كما رواه الطحاوى بسنده إلى ابن مسعود قال انطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى البراز فخط خطا وأدخلني فيه وقال لا تبرح حتى أرجع إليك ثم أبطأ فما جاء حتى السحر وجعلت أسمع الأصوات ثم جاء فقلت أين كنت يا رسول الله قال أرسلت إلى الجنّ فقلت ما هذه الأصوات التي سمعت قال هي أصواتهم حين ودّعوني وسلموا عليّ. وبأن وفادة الجنّ تعدّدت. قال الشبلى في آكام المرجان. ظاهر الأحاديث يدلّ على أن وفادة الجنّ كانت ست مرات (الأولى) قيل فيها اغتيل أو استطير والتمس (الثانية) كانت بالحجون (الثالثة) كانت بأعلى مكة (الرابعة) كانت ببقيع الغرقد وفي هذه الليالي حضر ابن مسعود وخط عليه (الخامسة) كانت خارج المدينة حضرها الزبير بن العوام (السادسة) كانت في بعض أسفاره حضرها بلال بن الحارث اهـ قال ابن الهمام وأما ما روى عن ابن مسعود أنه سئل عن ليلة الجنّ فقال ما شهدها منا أحد فهو معارض بما في حديث ابن أبي شيبة من أنه كان معه. وروى أيضا أبو حفص ابن شاهين عنه أنه قال كنت مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجن، وعنه أنه رأى قوما من الزّط فقال هؤلاء أشبه من رأيت بالجنّ ليلة الجنّ والإثبات مقدّم على النفي اهـ والزّط بضم الزاى جنس من السودان والهنود.
(من روى الحديث أيضا) رواه الدارقطني وكذا مسلم والبيهقي والترمذى مطوّلا عن علقمة قال قلت لابن مسعود هل صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليلة الجنّ منكم أحد قال ما صحبه منا أحد ولكن قد افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة فقلنا اغتيل أو استطير ما فعل به فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح فإذا نحن به يجيء من قبل حراء قال فذكروا له الذى كانوا فيه فقال أتاني داعي الجنّ فأتيتهم فقرأت عليهم فانطلق فأرانا أثرهم وأثر نيرانهم قال الترمذى هذا حديث حسن صحيح.
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ كَرِهَ الْوُضُوءَ بِاللَّبَنِ وَالنَّبِيذِ، وَقَالَ:«إِنَّ التَّيَمُّمَ أَعْجَبُ إِلَيَّ مِنْهُ»
(ش) هذا الأثر ساقه المصنف لبيان أن عطاء ممن يرى جواز التطهر بالنبيذ وأن التيمم أحب إليه منه
(رجال هذا الأثر)
(قوله عبد الرحمن) بن مهدى
(قوله بشر بن منصور) أبو محمد السليمى البصرى. روى عن أيوب السختياني ومحمد بن عجلان والثورى وعاصم الأحول وغيرهم، وعنه بشر الحافي وشيبان بن فروخ وفضيل بن عياض وسليمان بن حرب وآخرون، قال ابن معين وأبو زرعة ثقة مأمون وقال أحمد بن حنبل ثقة ثقة وقال نصر الجهضمى ثبت في الحديث وقال ابن حبان في الثقات كان من خيار أهل البصرة وعبادهم وقال يعقوب ابن شيبة كان قد سمع ولم يكن له عناية بالحديث. مات سنة ثمانين ومائة. روى له مسلم وأبو داود والنسائي
(قوله ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز في جريج
(قوله عطاء) ابن أبي رباح أسلم المكي أبو محمد القرشى أحد الأئمة الأعلام، ولد في خلافة عثمان ونشأ بمكة ورأى عقيل بن أبي طالب وأبا الدرداء. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة وعائشة وغيرهم، وعنه أبو حنيفة وأيوب السختياني والزهرى والأوزاعي وآخرون. قال ابن معين وأبو زرعة وابن سعد كان ثقة عالما كثير الحديث انتهت إليه الفتوى بمكة وعن ابن عباس أنه كان يقول تجتمعون إليّ يا أهل مكة وعندكم عطاء. ونحوه عن ابن عمر وقال عبد العزيز بن رفيع سئل عطاء عن مسألة فقال لا أدرى فقيل له ألا تقول فيها برأيك فقال إني أستحي من أن يدان في الأرض برأيي وقال أحمد ليس في المرسلات أضعف من مرسلات الحسن وعطاء فإنهما كانا يأخذان عن كل واحد وقال أحمد في قصة طويلة رواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا أن يقول سمعت وقال الذهبى ثبت رضا إمام حجة كبير الشأن وقال ابن حبان كان من سادات التابعين فقها وعلما وورعا وفضلا. مات سنة أربع عشرة ومائة. روى له الجماعة (ذكر معناه)
(قوله كره الوضوء الخ) أى رأى عطاء أن الوضوء بما ذكر مكروه تنزيها عند فقد الماء كما يدلّ عليه قوله إن التيمم أعجب إليّ منه. قال العيني أما التوضؤ باللبن فلا يخلو إما أن يكون بنفس اللبن أو بماء خالطه لبن فالأول لا يجوز بالإجماع وأما الثاني فيجوز عندنا خلافا للشافعى اهـ وقوله وأما الثاني فيجوز عندنا محمول على ما إذا لم يغلب لون اللبن على الماء وإلا صار مقيدا لا يصح التطهر به اتفاقا، قال في البدائع وأما المقيد فهو ما لا تتسارع إليه الأفهام عند إطلاق اسم الماء كماء الأشجار والثمار وماء الورد ولا يجوز التوضؤ بشئ من ذلك وكذلك الماء المطلق إذا خالطه شيء من المائعات الطاهرة كاللبن والخلّ ونقيع الزبيب على وجه زال عنه اسم الماء بأن صار مغلوبا به فهو بمعنى الماء المقيد، ثم ينظر إن كان الذى خالطه مما يخالف لونه لون الماء كاللبن وماء العصفر والزعفران تعتبر الغلبة في اللون وإن كان لا يخالف الماء في اللون ويخالفه في الطعم كعصير العنب الأبيض وخله تعتبر الغلبة في الطعم، وإن كان لا يخالفه فيهما كالماء
المستعمل تعتبر الغلبة في الأجزاء فإن استويا فيها فحكمه حكم الماء المغلوب احتياطا هذا إذا لم يكن الذى خالطه مما يقصد منه زيادة نظافة فإن كان مما يقصد منه ذلك ويطبخ به أو يخلط به كماء الصابون والأشنان جاز التوضؤ به وإن تغير لون الماء أو طعمه أو ريحه لأن اسم الماء باق وازداد معناه وهو التطهير وكذلك جرت السنة في غسل الميت بالماء المغلى بالسدر والحرض (بضم فسكون الأشنان) فيجوز الوضوء به إلا إذا صار غليظا كالسويق المخلوط لأنه حينئذ يزول عنه اسم الماء ومعناه أيضا، ولو تغير الماء المطلق بالطين، أو التراب أو الجصّ أو النورة أو بوقوع الأوراق والثمار فيه أو بطول المكث يجوز التوضؤ به لأنه لم يزل عنه اسم الماء وبقي معناه أيضا مع ما فيه من الضرورة الظاهرة لتعذر صون الماء عن ذلك اهـ بتصرف، (وأما) النبيذ فقد تقدم الكلام عليه وافيا وأن أبا حنيفة رجع إلى قول الجمهور من عم جواز التطهر به، (وعند) مالك لا يجوز التوضؤ بالماء المخلوط باللبن وكذا غيره من الطاهرات الخارجية إذا تغير أحد أوصافه ولو يسيرا (وعند) الشافعية والحنابلة لا يضرّ تغير بعض أوصافه بطاهر تغيرا يسيرا بخلاف ما تغير كل أوصافه أو كل صفة منها طاهر أو غلب عليه أجزاء طاهر مساو له في الأوصاف كماء الورد المنقطع الرائحة (وقالت) الحنابلة لا يضرّ تغير بعض أوصاف الماء في محل التطهير فإذا كان على العضو نحو زعفران أو عجين وتغير به الماء وقت غسل لا يضرّ التطهير به
(قوله إن التيمم أعجب إليّ منه) أى أحب إلى من الوضوء باللبن والنبيذ، وهذه العبارة تشعر بأن الوضوء بهما يجوز عند عطاء لكن الأولى التيمم وهو محجوج بقوله تعالى "فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا" وهذا الأثر تفرّد به المصنف.
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ، عَنْ رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ، وَعِنْدَهُ نَبِيذٌ أَيَغْتَسِلُ بِهِ؟ قَالَ:«لَا»
(ش) هذا أثر ساقه المصنف لبيان أن أبا العالية ممن لا يرى جواز التطهر بالنبيذ، لكن سيأتى في تخريح الأثر ما يدلّ على أنه إنما يرى منع التطهر من النبيذ الذى اشتدّ وخبث وهذا مجمع عليه
(رجال هذا الأثر)
(قوله عبد الرحمن) بن مهدى
(قوله أبو خلدة) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام هو خالد بن دينار التميمى البصرى السعدى الخياط. روى عن أنس ابن مالك وأبي العالية والحسن البصرى وابن سيربن وغيرهم، وعنه يحيى القطان وابن المبارك وأبو نعيم وأبو داود الطيالسى وآخرون، قال أحمد شيخ ثقة ووثقه أيضا ابن معين والنسائي والعجلى والدارقطني وابن سعد ويزيد بن زريع والترمذى وقال ابن مهدى كان خيرا صدوقا وكان يحسن الثناء عليه وقال ابن عبد البر هو ثقة عند جميعهم. توفي سنة