المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ سبب وجوب الطهارة - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةتشتمل على مبادى علم الحديث، وشذرات من علم المصطلح

- ‌الحديث المقبول

- ‌(الخبر المردود)

- ‌ المعلق)

- ‌ المرسل)

- ‌ المعضل)

- ‌ المنقطع)

- ‌المرسل الخفيّ

- ‌المردود للطعن)

- ‌ الموضوع)

- ‌ المتروك)

- ‌ المعلّ)

- ‌ مدرج الإسناد)

- ‌ مدرج المتن)

- ‌ المقلوب)

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد)

- ‌ المضطرب)

- ‌ المصحف)

- ‌ المحرف)

- ‌ المبهم)

- ‌التقسيم الثانى للخبر باعتبار نهاية السند

- ‌ المرفوع)

- ‌ الموقوف)

- ‌ المقطوع)

- ‌(فائدة) إذا قال الصحابى كنا نقول أو نفعل كذا

- ‌(أقسام السند)

- ‌العلوّ النسبىّ

- ‌ الموافقة

- ‌ البدل

- ‌ المساواة

- ‌ المصافحة

- ‌(أنواع الرواية)

- ‌ رواية الأقران

- ‌ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌ رواية الأصاغر عن الأكابر

- ‌ المتفق والمفترق)

- ‌ المتشابه

- ‌ المسلسل)

- ‌(طرق تحمل الحديث)

- ‌ السماع

- ‌ القراءة

- ‌ الإجازة

- ‌ المناولة

- ‌ الإعلام

- ‌ الوجادة

- ‌صيغ الأداء

- ‌(فوائد)

- ‌(ترجمة الإمام الحافظ أبي داود)

- ‌ التعريف بكتاب السنن لأبى داود

- ‌ شرط أبى داود وطريقته في سننه

- ‌ ما سكت عليه أبو داود

- ‌ النسخ المروية عن أبى داود وتراجم رواتها

- ‌(أسانيد الكتاب منى إلى المؤلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ)

- ‌(كتاب الطهارة)

- ‌(باب التخلي عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرجل يتبوّأ لبوله)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء)

- ‌ التسمية قبل التعوذ

- ‌(باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)

- ‌(باب كيف التكشف عند الحاجة)

- ‌(باب كراهية الكلام عند الخلاء)

- ‌(باب أيردّ السلام وهو يبول)

- ‌(باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر)

- ‌(باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء)

- ‌(باب الاستبراء من البول)

- ‌(باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده)

- ‌(باب المواضع التى نهى عن البول فيها)

- ‌(باب في البول في المستحم)

- ‌(باب النهى عن البول في الجحر)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء)

- ‌(باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء)

- ‌لا يشرب نفسا واحدا

- ‌(باب الاستتار في الخلاء)

- ‌(باب ما ينهى عنه أن يستنجى به)

- ‌(باب الاستنجاء بالأحجار)

- ‌(باب في الاستبراء)

- ‌(باب في الاستنجاء بالماء)

- ‌(باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى)

- ‌(باب السواك)

- ‌ الاستياك للصائم بعد الزوال

- ‌(باب كيف يستاك)

- ‌(باب في الرجل يستاك بسواك غيره)

- ‌(باب غسل السواك)

- ‌(باب السواك من الفطرة)

- ‌الاستنشاق)

- ‌قص الأظفار)

- ‌نتف الإبط)

- ‌حلق العانة)

- ‌ اختتان الخنثى

- ‌(باب السواك لمن قام من الليل)

- ‌(باب فرض الوضوء)

- ‌ متي فرضت الطهارة

- ‌ سبب وجوب الطهارة

- ‌(باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث)

- ‌(باب ما ينجس الماء)

- ‌(من أخرج هذه الرواية أيضا)

- ‌(باب ما جاء في بئر بضاعة)

- ‌ بيان أن ماء بئر بضاعة كان كثيرا لا يتغير

- ‌(باب الماء لا يُجنِب)

- ‌(باب البول في الماء الراكد)

- ‌(باب الوضوء بسؤر الكلب)

- ‌(باب سؤر الهرّة)

- ‌(باب الوضوء بفضل طهور المرأة)

- ‌(باب النهى عن ذلك)

- ‌(باب الوضوء بماء البحر)

- ‌ جواز التطهر بماء البحر الملح

- ‌(باب الوضوء بالنبيذ)

- ‌(باب الرجل أيصلى وهو حاقن)

- ‌(باب ما يجزى من الماء في الوضوء)

- ‌(باب الإسراف في الوضوء)

- ‌(باب في إسباغ الوضوء)

- ‌(باب الوضوء في آنية الصفر)

- ‌(باب في التسمية على الوضوء)

- ‌لفظها الوارد

- ‌(باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها)

- ‌ استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به

الفصل: ‌ سبب وجوب الطهارة

أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث. ولمسلم من حديث بريدة كان النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته "وفعله لبيان الجواز" واستدل الدارمى في مسنده على ذلك بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا وضوء إلا من حدث، والمعوّل عليه أن‌

‌ سبب وجوب الطهارة

إرادة المحدث ما لا يحل إلا بها كالصلاة وسجدة التلاوة، وتقدم بعض ذلك في باب السواك، قال العيني "فإن قلت" ما سبب وجوب الطهارة "قلت" إرادة الصلاة بشرط الحدث لقوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" الآية أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون فاغسلوا. لا القيام مطلقا كما هو مذهب أهل الظاهر ولا الحدث مطلقا كما هو مذهب أهل الطرد وفسادهما ظاهر اهـ وقال النووي اختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه (أحدها) أنه يجب بالحدث وجوبا موسعا (والثاني) لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة (والثالث) يجب بالأمرين وهو الراجح اهـ. والحكمة في جمعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين الصدقة والصلاة في هذا الحديث أن العبادة نوعان مالى وبدني فاختار من المالية الصدقة لكثرة نفعها وعموم خيرها ومن البدنية الصلاة لكونها تالية الإيمان في الكتاب والسنة ولكونها عماد الدين والفارقة بين الإسلام والكفر ولكون كل منهما محتاجا إلى الطهارة. أما الصدقة فلاحتياجها إلى طهارة المال وأما الصلاة فلاحتياجها إلى طهارة البدن من الحدث

(فقه الحديث) دل الحديث على أن الصدقة من المال الحرام غير مقبولة ولا ثواب فيها وعلى أن الصلاة بغير طهارة لا تصح لا فرق في ذلك بين صلاة الجنازة وغيرها خلاقا لما حكى عن الشعبي والطبري من أنهما أجازا صلاة الجنازة بلا طهارة فإنه باطل لعموم هذا الحديث وإجماع العلماء على خلافه فلو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عند الجمهور. وحكى عن أبي حنيفة أنه يكفر لتلاعبه. أما المعذور كمن لم يجد ماء ولا ما يقوم مقامه كالتراب فالأقوى دليلا وجوب الصلاة عليه بلا إعادة. أما الوجوب فلحديث وما أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم رواه البخاري ومسلم، وأما عدم الإعادة فلأنها إنما تجب بأمر جديد والأصل عدمه وهو قول أحمد واختاره المزني من الشافعية، ويجب عليه أن يقتصر في صلاته على ما لا تصح إلا به، وقيل بوجوب الصلاة في الوقت ووجوب الإعادة عند التمكن من الطهارة، وهو مشهور مذهب الشافعية وقول لبعض المالكية، والمعتمد عندهم سقوط الصلاة أداء وقضاء، وقيل باستحباب الصلاة ووجوب القضاء. وقيل بحرمة الصلاة في الحال ووجوب القضاء عند التمكن وبه قال أبو حنيفة وقال أبو يوسف يتشبه بالمصلى فلا ينوي ولا يقرأ ويركع ويسجد ويعيد الصلاة متى قدر على إحدى الطهارتين

ص: 209

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائي وكذا البيهقي من طريقين وابن ماجه من عدة طرق ومسلم والطبراني والترمذى من حديث ابن عمر. قال الترمذى هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن.

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمد بن حَنْبَلٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ، حَتَّى يَتَوَضَّأَ»

(ش)(رجال الحديث)

(قوله عبد الرزاق) بن همام

(قوله معمر) بن راشد

(قوله همام بن منبه) بن كامل أبو عقبة الصنعاني. روى عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبي هريرة ومعاوية وغيرهم، وعنه أخوه وهب ومعمر بن راشد وعقيل بن معقل وطائفة. قال ابن معين ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى تابعى ثقة. توفي سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين ومائة. روى له الجماعة

(قوله لا يقبل الله) وفي رواية للبخارى لا تقبل بالبناء لما لم يسم فاعله والمراد بالقبول الإجزاء الذى يرادف الصحة، ولما كان الإتيان بالعبادة مستوفية لشروطها مظنة إجزائها عبر عنه بالقبول مجازا فلا يرد ما قيل من أنه لا يلزم من نفي القبول نفى الإجزاء والصحة بخلاف القبول المنفي في حديث "من أتى عرافا لم تقبل له صلاة" وحديث المسبل إزاره والعبد الآبق فإن معناه فيها عدم حصول الثواب لهم وإن سقط بها الفرض لأنه المعنى الحقيقى

(قوله إذا أحدث) أى وجد منه الحدث قبل الصلاة أو في أثنائها وهو كل ناقض للطهارة فيشمل الأكبر كالجنابة والحيض، وفسره أبو هريرة بأخص من هذا لما قيل له ما الحدث يا أبا هريرة قال فساء أو ضراط كما في البخارى تنبيها بالأخف على الأغلظ ولأنهما يقعان في الصلاة أكثر من غيرهما، أو لأنه لم يرد بذكرهما قصر الحكم عليهما فيدخل ما كان في معناهما من كل ما خرج من السبيلين، وقد يطلق الحدث على المنع المترتب على خروج الخارج وعليه يصح قولهم رفعت الحدث ونويت رفعه لأن الشارع حكم بالمنع من العبادة ومدّ غايته إلى استعمال الطهور فباستعماله يرتفع المنع وبهذا يقوى قول من قال إن التيمم يرفع الحدث لكون المرتفع هو المنع وهو مرتفع بالتيمم لكنه مخصوص بحالة أو بوقت ما ولا غرابة في ذلك فإن الأحكام تختلف باختلاف محلها، وقد كان الوضوء في صدر الإسلام واجبا لكل صلاة فقد ثبت أنه كان مختصا بوقت مع كونه رافعا للحدث اتفاقا ولا يلزم من انتهائه في ذلك الوقت بانتهاء وقت الصلاة أن لا يكون رافعا للحدث ثم نسخ وجوب الوضوء لكل صلاة كما

ص: 210

تقدّم، نعم هنا معنى آخر يدّعيه كثير من الفقهاء وهو أن الحدث وصف حكمى مقدّر قيامه بالأعضاء على مقتضى الوصف الحسى وينزلون الوصف الحكمى منزلة الحسي في قيامه بالأعضاء فمن يقول إن التيمم لا يرفع الحدث يقول إن المعنى المقدّر القائم بالأعضاء حكما باق لم يزل والمنع المترتب عليه زائل أفاده ابن دقيق العيد. ثم قال ردّا على ما ادّعاه بعض الفقهاء هم مطالبون بدليل شرعي يدل على إثبات هذا المعنى الذي ادّعوه مقدرا قائما بالأعضاء فإنه منفى بالحقيقة والأصل موافقة الشرع لها ويبعد أن يأتوا بدليل على ذلك اهـ

(قوله حتى يتوضأ) أى يتطهر بماء أو ما يقوم مقامه كالتراب عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله، وإنما اقتصر على الوضوء لكونه الأصل أو لكونه الغالب أو لأن الوضوء يطلق على التيمم. فعن أبي ذرّ الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين رواه النسائي بإسناد جيد، وهنا قيد آخر ترك للعلم به، وحتى هنا لانتهاء الغاية والمعنى عدم قبول الصلاة مستمر إلى أن يتطهر مع باقى الشروط فتقبل حينئذ.

(فقه الحديث) دلّ الحديث على عدم صحة الصلاة بالحدث سواء أكان خروجه اختياريا أم اضطراريا لعدم التفرقة في الحديث بين الحدث الاختيارى وغيره، وعلى أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، وعلى أن الوضوء لا يجب لكل صلاة لأن القبول انتفى لغاية الوضوء مطلقا ما دام متوضئا، وليس في الحديث ردّ على الحنفية القائلين إن من سبقه الحدث وهو في الصلاة يتوضأ ويبني على ما فعل منها خلافا لمن زعم ذلك لأن من سبقه الحدث إذا توضأ وبنى على صلاته يصدق عليه أنه صلى بالوضوء وإن كان القياس يقتضى بطلان صلاته، لكنه خولف لما روى عن ابن أبي مليكة عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذى فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم رواه ابن ماجه، وفي رواية الدارقطني ثم ليبن على صلاته ما لم يتكلم، وسيأتي تمام الكلام على هذه المسألة في باب الشك في الحدث إن شاء الله تعالى.

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى وقال هذا حديث غريب حسن صحيح

(ص) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَقِيلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ»

ص: 211

(ش)(رجال الحديث)

(قوله وكيع) بن الجراح

(قوله سفيان) الثورى كما في تهذيب التهذيب

(قوله ابن عقيل) بقتح العين المهملة هو عبد الله بن محمد بن عقيل ابن أبي طالب أبو محمد المدني الهاشمي، وأمه زينب الصغرى بنت على بن أبي طالب كرّم الله وجهه. روى عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك والزهرى وغيرهم، وعنه السفيانان ومحمد بن عجلان وابن جريج وشريك وآخرون، قال النسائي ضعيف وقال أحمد ومحمد ابن سعد كان منكر الحديث لا يحتج بحديثه وكان كثير العلم وقال يعقوب صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدّا وكان ابن عيينة يقول أربعة من قريش يترك حديثهم فذكره منهم وقال رأيته يحدّث نفسه فحملته على أنه قد تغير وقال ابن معين لا يحتج بحديثه وقال الترمذى صدوق وقد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه وسمعت محمد بن إسماعيل يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق والحميدى يحتجون بحديث ابن عقيل وقال ابن عدى روى عنه جماعة من المعروفين الثقات يكتب حديثه وقال ابن عبد البر هو أوثق من كل من تكلم فيه اهـ. قال الحافظ وهذا إفراط اهـ. توفي سنة اثنتين أو خمس وأربعين ومائة. روى له الأربعة

(قوله محمد بن الحنفية) هو ابن على بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو القاسم الإمام، والحنفية أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية نسب إليها وكانت من سبي اليمامة الذين سباهم أبو بكر وقيل كانت أمة لبني حنيفة ولم تكن منهم. روى عن أبيه وعثمان وأبي هريرة وابن عباس. وعنه بنوه الخمسة إبراهيم وعبد الله والحسن وعمر وعون ثم أبو يعلى وعبد الأعلى بن عامر وسالم ابن أبي الجعد والثورى وآخرون، وثقه العجلى وغيره وقال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد لا نعلم أحدا أسند عن على عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر ولا أصح مما أسند محمد ابن الحنفية مات سنة ثمانين. روى له الجماعة

(قوله على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ) ابن أبي طالب ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمى أبو الحسن ابن عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وزوج ابنته وهو أول من أسلم من الصبيان، ولد قبل البعثة بعشر سنين وتربى في حجر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يفارقه شهد بدرا والمشاهد كلها سوى تبوك فإنه استخلفه فيها على المدينة فعن سعد بن أبي وقاص رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال خلف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدى رواه الشيخان والترمذى وفي الصحيحين من طرق أن علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كان قد تخلف عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في خيبر وكان به رمد فقال أنا أتحلف عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فخرج فلحق بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما كان

ص: 212

الليلة التي فتح الله عليه في صباحها قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه فبات الناس يتحدثون ليلتهم أيهم يعطاها قال عمر ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فتساورت لها (أى حرصت عليها) رجاء أن أدعى لها فلما أصبح الناس غدوا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلهم يرجو أن يعطاها فقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أين علي بن أبي طالب فقالوا يا رسول الله يشتكي عينه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع ودفع إليه الراية ففتح الله عليه، وروى أنه لما دنا من حصنهم أشرف عليه رجل من اليهود فقال من أنت فقال على بن أبي طالب فقال اليهودى علوتم وما أنزل على موسى، وفى مسلم عن سلمة بن الأكوع أنه خرح إليه مرحب يقول

* قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرّب * إذا الحرب أقبلت تلهب

قال علي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:

* أنا الذى سمتني أمي حيدرة * كليث غابات كريه المنظرة * أوفيهم بالصاع كيل السندرة

ثم ضرب رأس مرحب فقتله وكان الفتح على يديه، والسندرة مكيال واسع وقيل هي العجل والسرعة، فالمعنى أقتلهم قتلا واسعا أو عاجلا سريعا، ولما آخى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أصحابه قال له أنت أخى، فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال آخى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أصحابه فجاءه على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فقال آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد فقال أنت أخى في الدنيا والآخرة رواه الترمذى، وعن زيد بن أرقم رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من كنت مولاه فعلي مولاه رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح. وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب قال أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم فلن أسبه سمعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لعلى وقد خلفه في بعض مغازيه فقال له على يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي. وسمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاولنا لها فقال ادع لي عليا فأتاه وبه رمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه، وأنزلت هذه الآية "قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناكم ونساءنا ونساءكم" فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا فقال اللهم هؤلاء أهلى رواه الترمذى بسند قوى وقال هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وعن زرّ بن حبيش قال سمعت

ص: 213

عليا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يقول والذى فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله تعالى عليه وسلم إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق رواه الترمذى ومسلم والنسائى وابن ماجه وعن عمران بن حصين قال بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم جيشا واستعمل عليهم على بن أبي طالب فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من الصحابة فقالوا إذا لقينا النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخبرناه بما صنع على فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقام أحد الأربعة فقال يا رسول الله ألم تر إلى علي صنع كذا وكذا فأعرض عنه ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال ما تريدون من على ما تريدون من على ما تريدون من على إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدى رواه الترمذى بسند قوى وقال هذا حديث حسن غريب (فإن قيل) كيف اختص على رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بهذه الجارية حتى أساء به الظن من ذكروا ورفعوا أمره إلى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (قلنا) هذه الجارية أخذها من حقه في سهم ذوى القربى وكان قد فوض إليه النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صرفه على مستحقيه وكان على من أساءوا الظن به أن يبينوا الأمر قبل شكايتهم ولذا تغير النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهم وأعرض عنهم ولم يبين لهم وجه ما حصل من سيدنا على، قال الإمام الفقيه عماد الدين يحيى بن أبي بكر العامرى في كتابه بهجة المحافل روينا في صحيح البخارى عن بريدة بن الحصيب الأسلمى قال بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا عليه السلام إلى خالد ليقبض منه الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا فلما قدمنا على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وذكرت له ذلك فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك، والمراد أنه أخذ جارية من المغنم واغتسل منها ظن أنه غلّ، فلما أعلمه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه أخذ أقل من حقه أحبه وروى خارج الصحيحين أن الجارية وقعت في الخمس ثم خمس فصارت في سهم ذوى القربى ثم صارت في سهم عليّ، وبهذا يزول الإشكال اهـ. وقد بعث النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليا إلى اليمن قاضيا وضرب يده في صدره وقال اللهم اهد قلبه وسدّد لسانه (وبالجملة) ففضائله شرحها يطول، روى عنه أولاده الحسن والحسين ومحمد وفاطمة ثم عمر وابن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدرى وغيرهم من الصحابة والتابعين. ولي الخلافة خمس سنين. قال العيني قتل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ليلة الجمعة لسبع عشرة بقيت من رمضان سنة أربعين وهو ابن ثلاث وستين سنة اهـ

ص: 214

له رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستة وثمانون وخمسمائة حديث اتفق البخارى ومسلم منها على عشرين وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة روى له الجماعة

(قوله مفتاح الصلاة الطهور) أي أن أول ما يفتتح به من أعمالها الطهور والمفتاح بكسر الميم مفعال من الفتح، شبه الصلاة بالخزانة المقفولة بجامع اشتمال كل على الغرض المقصود ثم حذف المشبه به ورمى إليه بشئ من لوازمه وهو المفتاح، والطهور بالضم والفتح وسماه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مفتاحا مجازا لأن الحدث مانع من الصلاة فهو على المحدث كالقفل على الباب فإذا توضأ زال ذلك المانع. ونحو حديث الباب حديث أحمد مفتاح الجنة الصلاة، لأن أبواب الجنة مغلقة تفتحها الطاعات وأعظم الطاعات بعد الشهادتين الصلاة

(قوله وتحريمها التكبير) أى تحريم ما حرّم الله فيها من الأفعال فالإضافة لأدنى ملابسة والمراد بالتحريم المحرّم من إطلاق المصدر وإرادة اسم الفاعل وإسناد التحريم للتكبير مجاز والمحرم في الحقيقة هو الله تعالى، ويمكن أن يكون التحريم بمعنى الإحرام أى الدخول في حرمتها ولا بدّ من تقدير مضاف أى سبب الدخول في حرمتها التكبير (قول وتحليلها التسليم) أى تحليل ما حرّم فيها من الأفعال، ويقال فيه ما قيل في الذى قبله قال ابن القيم في تهذيب السنن ما ملخصه: اشتمل هذا الحديث على ثلاثة أحكام (الأول) أن مفتاح الصلاة الطهور والمفتاح ما يفتح به الشئ المغلق فيكون فاتحا له ومنه مفتاح الجنة لا إله إلا الله، وقوله مفتاح الصلاة الطهور يفيد الحصر وأنه لا مفتاح لها سواه من طريقين (الأول) حصر المبتدأ في الخبر لأنه إذا كان المبتدأ معرّفا بما يقتضى عمومه كاللام ثم أخبر عنه بخبر اقتضى صحة الإخبار أن يكون إخبارا عن جميع أفراد المبتدأ، إذا عرف هذا لزم الحصر وأنه لافرد من أفراد ما يفتح به الصلاة إلا وهو الطهور (الثاني) أن المبتدأ مضاف إلى الصلاة والإضافة تعمّ فكأنه قيل جميع مفتاح الصلاة هو الطهور وإذا كان الطهور هو جميع ما يفتتح به لم يكن لها مفتاح غيره، وإذا عرفت هذا ثبت أن الصلاة لا يمكن الدخول فيها إلا بالطهور وهذا أدل على اشتراط الطهارة للصلاة من قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ من وجهين (الأول) أن نفي القبول قد يكون لفوات الشرط وعدمه وقد يكون لمقارنة محرّم يمنع من القبول كالإباق وتصديق العرّاف وشرب الخمر وتطيب المرأة إذا خرجت للصلاة ونحوه (الثاني) أن عدم الافتتاح بالمفتاح يقتضى أنه لم يحصل له الدخول فيها وأنه مصدود عنها كالبيت المقفل على من أراد دخوله بغير مفتاح، وأما عدم القبول فمعناه عدم الاعتداد بها وأنه لم يرتب عليها أثرها المطلوب منها بل هي مردودة عليه وهذا قد يحصل بعدم ثوابه عليها ورضا الرب عنه بها وإن كان لا يعاقبه عليها عقوبة تاركها جملة بل عقوبة ترك ثوابه وفوات الرضا لها بعد دخوله

ص: 215

فيها بخلاف من لم يفتحها أصلا بمفتاحها فإن عقابه عليها عقوبة تاركها وهذا أوضح (فإن قيل) فهل في الحديث حجة لمن قال إن عادم الطهورين لا يصلى حتى يقدر على أحدهما لأن صلاته غير مفتتحة بمفتاحها فلا تقبل منه (قيل) قد استدل به من يرى ذلك ولا حجة فيه. ولا بدّ من تمهيد قاعدة يتبين بها مقصود الحديث. وهي أن ما أوجبه الله ورسوله أو جعله شرطا للعبادة أو ركنا فيها أو أوقف صحتها عليه هو مقيد بحال القدرة لأنها الحال التي يؤمر فيها به وأما في حال العجز فهو غير مقدور ولا مأمور به فلا تتوقف صحة العبادة عليه وهذا كوجوب القيام والقراءة والركوع والسجود عند القدرة وسقوط ذلك بالعجز وقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، ولو تعذر عليها الخمار صلت بدونه وصحت صلاتها وكذلك قوله لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فإنه لو تعذر عليه الوضوء صلى بدونه وكانت صلاته مقبولة فيكون الطهور مفتاح الصلاة أى عند الإمكان لكن هنا نظر آخر وهو أنه إذا لم يمكن اعتبار الطهور عند تعذره فإنه يسقط وجوبه فمن أين لكم أن الصلاة تشرع بدونه في هذه الحال وهذا وجه المسألة، وهلا قلتم إن الصلاة بدونه كالصلاة مع الحيض غير مشروعة حينما كان الطهور غير مقدور للمرأة فلما صار مقدورا لها شرعت لها الصلاة وترتبت في ذمتها فما الفرق بين العاجز عن الطهور شرعا والعاجز عنه حسا مع أن كلا منهما غير متمكن من الطهور. والجواب أن زمن الحيض جعله الشارع منافيا لشرعية العبادات من الصلاة والصوم والاعتكاف فليس وقتا لعبادة الحائض فلا يترتب عليها فيه شئ. وأما العاجز فالوقت في حقه قابل لترتب العبادة المقدورة في ذمته فالوقت في حقه غير مناف لشرعية العبادة بحسب قدرته بخلاف الحائض. فالعاجز ملحق بالمريض المعذور الذى يؤمر بما يقدر عليه ويسقط عنه ما يعجز عنه. والحائض ملحقة بمن هو من غير أهل التكليف فافترقا. وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بعث أناسا لطلب قلادة أضلتها عائشة فحضرت الصلاة فصلوا بغير وضوء فأتوا النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فذكروا ذلك له فنزلت آية التيمم فلم ينكر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليهم ولم يأمرهم بالإعادة وحالة عدم التراب كحالة عدم مشروعيته ولا فرق فإنهم صلوا بغير تيمم لعدم مشروعية التيمم فمقتضى القياس والسنة أن العادم يصلى على حسب حاله فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يعيد لأنه فعل ما أمر به فلم تجب عليه الإعادة كمن ترك القيام والاستقبال والسترة والقراءة لعجزه عن ذلك (فإن قيل) القيام له بدل وهو القعود فقام بدله مقامه كالتراب عند عدم الماء والعادم هنا صلى بغير أصل ولا بدل (قيل) هذا هو مأخذ المانعين من الصلاة والموجبين للإعادة ولكنه منتقض بالعاجز عن ستر العورة فإنه يصلى من غير اعتبار بدل وكذلك العاجز عن الاستقبال وأيضا

ص: 216

فالعجز عن البدل في الشرع كالعجز عن المبدل وإذا كان عجزه عن المبدل لا يمنعه من الصلاة فكذلك لعجزه عن البدل. وفي الحديث دليل على اعتبار النية في الطهارة بوجه بديع لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جعل الطهور مفتاح الصلاة التي لا تفتتح ولا يدخل فيها إلا به وما كان مفتاحا للشئ كان قد وضع لأجله وأعدّ له ومن المعلوم أن ما شرع للشئ ووضع لأجله لا بدّ أن يكون الآتي به قاصدا ما جعل مفتاحا له ومدخلا إليه هذا هو المعروف حسا كما هو ثابت شرعا، ومن المعلوم أن من سقط في ماء وهو لا يريد التطهر لم يأت بما هو مفتاح الصلاة فلا تفتح له الصلاة وصار هذا كمن حكى عن غيره أنه قال لا إله إلا الله وهو غير قاصد لقولها فإنه لا تكون مفتاحا للجنة منه لأنه لم يقصدها، وهكذا هذا لما لم يقصد الطهور لم يحصل له مفتاح الصلاة (الحكم الثاني) قوله وتحريمها التكبير يفيد حصر التحريم في التكبير نظير ما تقدم وهو دليل بين على أنه لا تحريم لها إلا التكبير وهذا قول الجمهور وعامة أهل العلم قديما وحديثا، وقال أبو حنيفة ينعقد بكل لفظ يدل على التعظيم فاحتج الجمهور عليه بهذا الحديث. ثم اختلفوا فقال أحمد ومالك وأكثر السلف تتعين لفظة الله أكبر وحدها. وقال الشافعى يتعين أحد اللفظين الله أكبر أو الله الأكبر. وقال أبو يوسف يتعين التكبير وما تصرّف منه نحو الله الكبير، وحجته أنه يسمى تكبيرا حقيقة فيدخل في قوله تحريمها التكبير، وحجة الشافعى أن المعرّف في معنى المنكر فاللام لم تخرجه عن موضوعه بل هى زيادة في اللفظ غير مخلة بالمعنى بخلاف الله الكبير وكبرت الله ونحوه فإنه ليس فيه من التعظيم والتفضيل والاختصاص ما في لفظه الله أكبر. والصحيح قول الأكثرين وأنه يتعين الله أكبر بخمس حجج (الأولى) قوله تحريمها التكبير واللام هنا للعهد فهى كاللام في قوله مفتاح الصلاة الطهور، وليس المراد به كل طهور بل الطهور الذي واظب عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشرعه لأمته وكان فعله له تعليما وبيانا لمراد الله تعالى من كلامه وهذا التكبير هنا هو التكبير المعهود الذى نقلته الأمة نقلا ضروريا خلفا عن سلف عن نبيها صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه كان يقوله في كل صلاة لا يقول غيره ولا مرّة واحدة فهذا هو المراد بلا شك من قوله تحريمها التكبير وهذا حجة من جوّز الله الأكبر والله الكبير فإنه وإن سمى تكبيرا لكنه ليس التكبير المعهود المراد بالحديث (الثانية) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال للمسيء في صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولا يكون ممتثلا للأمر إلا بالتكبير وهذا أمر مطلق يتقيد بتعليمه الذي لم يخلّ به هو ولا أحد من خلفائه ولا أصحابه (الثالثة) ما روى أبو داود من حديث رفاعة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الطهور مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر (الرابعة) أنه لو كانت تنعقد الصلاة بغير هذا

ص: 217

اللفظ لتركه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في عمره ولو مرّة واحدة لبيان الجواز فحيث لم ينقل أحد عنه قط أنه عدل عنه حتى فارق الدنيا دلّ على أن الصلاة لا تنعقد بغيره (الخامسة) أنه لو قام غيره مقامه لجاز أن يقوم غير كلمات الأذان مقامها وأن يقول المؤذن كبرت الله أو الله الكبير أو الله أعظم ونحوه بل تعين لفظة الله أكبر في الصلاة أعظم من تعينها في الأذان لأن كل مسلم لابدّ له منها وأما الأذان فقد يكون في المصر مؤذن واحد أو اثنان والأمر بالتكبير في الصلاة آكد من الأمر بالتكبير في الأذان. وأما حجة أصحاب الشافعى على ترادف الله أكبر والله الأكبر فجوابها أنهما ليسا بمترادفين فإن الألف واللام اشتملت على زيادة في اللفظ ونقص في المعنى، وبيانه أن أفعل التفضيل إذا نكر وأطلق يتضمن من عموم المفضل عليه وإطلاقه ما لم يتضمن المعرّف فإذا قيل الله أكبر لكان معناه أكبر من كل شئ وأما أذا قيل الله الأكبر فإنه يتقيد معناه ويتخصص ولا يستعمل هذا إلا في مفضل معين على مفضل عليه معين كما إذا قيل من أفضل أزيد أم عمرو فيقال زيد الأفضل هذا هو المعروف في اللغة والاستعمال فإن من لا يمكن أن يؤتى بها مع اللام وأما بدون اللام فيؤتى بها فإذا حذف المفضل عليه مع من أفاد التعميم وهذا لا يتأتى مع اللام وهذا المعنى مطلوب من القائل الله أكبر بدليل ما روى الترمذى من حديث عدى بن حاتم الطويل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له ما يضرك أيضرك أن يقال الله أكبر فهل تعلم شيئا أكبر من الله، وهذا مطابق لقوله تعالى "قل أى شئ أكبر شهادة" وهذا يقتضى جوابا هو لا شئ أكبر شهادة من الله فالله أكبر شهادة من كل شئ كما أن قوله لعدىّ هل تعلم شيئا أكبر من الله يقتضى جوابا هو لا شئ أكبر من الله فالله أكبر من كل شئ، وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ المقصود منه استحضار هذا المعنى وتصوره سرّ عظيم يعرفه أهل الحضور المصلون بقلوبهم وأبدانهم فإن العبد إذا وقف بين يدى الله عز وجل وقد علم أنه لا شيء أكبر منه وتحقق قلبه ذلك وأشربه سرّه استحيا من الله وكبريائه أن يشتغل قلبه بغيره وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه وقلبه يهيم في أودية الوساوس والخطرات والله المستعان، ولو كان الله أكبر من كل شئ في قلب هذا لما اشتغل عنه وصرف كلية قلبه إلى غيره كما أن الواقف بين يدى الملك المخلوق لما لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشتغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه اهـ (أقول) ما ذكر من أن حديث الباب ونحوه حجة على أبي حنيفة غير مسلم بل هو حجة له لأنه حديث آحاد لا تثبت به الفرضية بل الوجوب وبه يقول (وحاصل) مذهب الحنفية أن التحريمة شرط لصحة الصلاة عندهم لقوله تعالى (وربك فكبر) أجمع المفسرون على أن المراد به تكبيرة الإحرام وعليه انعقد الإجماع وقال تعالى (وذكر اسم ربه فصلى) والمراد ذكر اسم الرب لافتتاح الصلاة لأنه عقب الذكر بالصلاة بحرف

ص: 218

يوجب التعقب بلا فاصل والذكر الذى تعقبه الصلاة بلا فاصل هو تكبيرة الافتتاح، ولإطلاق الآية قالوا يصح الشروع بكل ذكر خالص دال على التعظيم لله تعالى لكن مع الكراهة التحريمية لحديث وتحريمها التكبير ونحوه ومواظبة النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الافتتاح بالله أكبر، فالحاصل أن الثابت بالنص عندهم الافتتاح بذكر يدل على التعظيم ولفظ التكبير ثبت بدليل ظنيّ يفيد الوجوب فيكره تحريما الافتتاح بغيره لمن يحسنه (قال ابن القيم) الحكم الثالث قوله وتحليلها التسليم والكلام في إفادته الحصر كالذي قبله وهو يدل على أنه لا ينصرف من الصلاة إلا بالتسليم وهذا قول جمهور العلماء، وقال أبو حنيفة لا يتعين التسليم بل يخرج منها بالمنافي لها من حدث أو عمل مبطل ونحوه، وروى هذا الترمذى عن أحمد وإسحاق بن راهويه. وروى عن على وعبد الله بن مسعود واحتج بما جاء عن زهير بن معاوية عن الحسن بن الحرّ عن القاسم بن مخيمرة قال أخذ علقمة بيدى فحدثني أن عبد الله بن مسعود أخذ بيده وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أخذ بيد عبد الله فعلمه التشهد في الصلاة ثم قال إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد رواه أحمد وأبو داود والدارقطني، وبأن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته ولو كان فرضا لعلمه إياه، هذا غاية ما يحتج له به. وأجاب الجمهور عن ذلك فقالوا: أما حديث ابن مسعود فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ الصحيح أن قوله إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه، وأما كون النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يعلمه المسئ في صلاته فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة ولا تدل لأن المسيء لم يسيء في كل جزء من الصلاة فلعله لم يسيء في السلام بل هذا هو الظاهر فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام اهـ بتصرف، وسيأتي تمام الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى في باب الإمام يحدث بعد ما يرفع رأسه.

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة وعلى أن الدخول فيها لا يكون إلا بالتكبير. وعلى أن الخروج منها لا يكون إلا بالتسليم لأنها جمل معرّفة الطرفين تفيد الحصر كما علمت، ولا سيما وأن المقام مقام بيان والاقتصار فيه يفيد الحصر كما هو معلوم (من روى الحديث أيضا) رواه ابن ماجه والترمذى وقال هذا الحديث أصح شئ في هذا الباب وأحسن ورواه الشافعى وأحمد والبزار وصححه الحاكم وابن السكن قال الحافظ في التلخيص قال البزار لا نعلمه عن علىّ إلا من هذا الوجه وقال أبو نعيم تفرّد به ابن عقيل عن ابن الحنفية عن عليّ وقال العقيلى في إسناده لين ورواه الترمذى وابن ماجه من حديث أبي سعيد وفي إسناده

ص: 219