الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثله قط فجلست في البيت فقال لى عمى ما أردت إلى أن كذّبك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومقتك فأنزل الله تعالى إذا جاءك المنافقون إلى قوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله إلى قوله ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فبعث إلىّ النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقرأ فقال إن الله قد صدقك يا زيد اهـ وكان من خواصّ علىّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وشهد معه صفين. توفى بالكوفة سنة ست أو ثمان وستين
(قوله إن هذه الحشوش) بضم الحاء المهملة والشين المعجمة يعنى الكنف ومواضع قضاء الحاجة الواحد حش بفتح أوله وهو أكثر من الضم. والحش في الأصل البستان ثم سمى به الكنيف لأنهم كانوا يقضون حاجاتهم في البساتين فلما اتخذوا الكنف وجعلوها خلفا عنها أطلقوا عليها ذلك الاسم
(قوله محتضرة) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة أي تحضرها الشياطين لقصد الأذى ولأنها تميل إلى القاذورات
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن محلات قضاء الحاجة ونحوها تحضرها الشياطين فيتحصن منهم بذكر اسم الله تعالى لما تقدم ولما أخرجه ابن ماجه من حديث على (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال ستر ما بين الجنّ وعورات بنى آم إذا دخل الكنيف أن يقول باسم الله)
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه والنسائى في السنن الكبرى وأشار إليه الترمذى وقال في إسناده اضطراب وبين وجهه بقوله روى هشام الدستوائىّ وسعيد بن أبى عروبة عن قتادة وقال سعيد عن القاسم بن عوف الشيبانى عن زيد بن أرقم وقال هشام عن قتادة عن زيد بن أرقم ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس وقال شعبة عن زيد بن أرقم وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه (وحاصله) أن سعيد بن أبى عروبة وهشاما ومعمرا وشعبة يروونه عن قتادة على اختلاف بينهم فسعيد يرويه عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيبانى عن زيد بن أرقم، وهشام الدستوائىّ يرويه عن قتادة عن زيد بن أرقم، فبين قتادة وزيد واسطة وهو القاسم ابن عوف في رواية سعيد دون رواية هشام، وشعبة ومعمر يرويانه عن قتادة عن النضر بن أنس ثم اختلفا فشيخ النضر في رواية شعبة زيد بن أرقم وفي رواية معمر أبوه أنس وهو وهم والصواب رواية شعبة فالاضطراب في موضعين. الأول في شيخ قتادة، فشيخه في رواية سعيد القاسم وفى رواية هشام زيد بن أرقم، وشيخه في رواية شعبة ومعمر النضر بن أنس، والثانى في شيخ النضر فشيخه في رواية شعبة زيد بن أرقم وفى رواية معمر أبوه أنس، قال أبوعيسى الترمذى سألت محمدا يعنى البخارى عن هذا فقال يحتمل أن قتادة روى عنهما جميعا يعنى عن القاسم والنضر بن أنس
(باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة)
أى في بيان قبح استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. والكراهية بتخفيف الياء المثناة التحتية مصدر كره بالضم يقال كره الأمر والمنظر كراهة فهو كريه مُثل قبح قباحة فهو قبيح وزنا ومعنى
وكراهية بالتخفيف أيضا وتكون بالتخفيف أيضا من كره من باب سمع وفيها التشديد حينئذ كما في القاموس، والاستقبال المواجهة، والقبلة بكسر القاف في الأصل الجهة يقال أين قبلتك أى إلى أىّ جهة تتوجه
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: قِيلَ لَهُ لَقَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ، قَالَ: أَجَلْ لَقَدْ «نَهَانَا صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَأَنْ لَا نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، وَأَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله أبو معاوية) الضرير هو محمد بن خازم بخاء معجمة التميمى مولاهم مشهور بكنيته أحد الأعلام. روى عن سهيل بن أبى صالح وعاصم الأحول وأبى مالك الأشجعى وهشام بن عروة وكثيرين. وعنه أحمد وإسحاق وابن المدينى وابن معين وأبو خيثمة وجماعة. وعنه من شيوخه الأعمش وابن جريج قال النسائى وابن خراش ثقة وقال يحيى بن معين كان أثبت أصحاب الأعمش بعد شعبة وسفيان وقال أبو حاتم أثبت الناس وقال يعقوب بن شيبة وابن سعد كان ثقة وربما دلس وقال أبو داود كان مرجئا والمرجئة فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة وسموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصى أى أخره عنهم اهـ من النهاية وقال أحمد بن حنبل وغيره أحاديثه عن غير الأعمش فيها اضطراب وقال العجلى ثقة. مات سنة خمس وتسعين ومائة. روى له الجماعة
(قوله الأعمش) هو سليمان بن مهران الكاهلى مولاهم أبو محمد الكوفى أحد الأعلام الحفاظ والقراء. روى عن عبد الله بن أبى أوفى وعكرمة ولم يسمع منهما وعن زيد بن وهب وأبى وائل والشعبى وآخرين. وعنه أبو إسحاق والحكم من شيوخه وسليمان التيمى من طبقته وشعبة وسفيان وزائدة ووكيع وغيرهم قال سفيان بن عيينة سبق أصحابه بخصال، كان أقرأهم للقرآن، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وكان محدّث أهل الكوفة في زمانه وقال النسائى ثقة ثبت وقال ابن عمار ليس في المحدّثين أثبت منه قيل مات سنة ثمان وأربعين ومائة عن أربع وثمانين سنة
(قوله إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعى أبو عمران الكوفى الفقيه. روى عن علقمة والأسود وعبد الرحمن بن يزيد وشريح القاضى. وعنه الحكم بن عتيبة والأعمش
وابن عون وغيرهم يرسل كثيرا. قال ابن معين مراسيل إبراهيم أحبّ إلىّ من مراسيل الشعبى وقال الشعبى ما ترك إبراهيم بعده أعلم منه وقال العجلى كان مفتى أهل الكوفة صالحا فقيها متوقيا قليل التكلف وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وقال سمع المغيرة بن شعبة وأنس بن مالك ودخل على عائشة. ولد سنة خمسين. وتوفى سنة خمس أو ست وتسعين
(قوله عبد الرحمن ابن يزيد) بن قيس النخعى أبو بكر الكوفى من كبار الثالثة. روى عن ابن مسعود وأبى مسعود الأنصارى وأبى موسى وعائشة. وعنه ابنه محمد والشعبى وسلمة بن كهيل وغيرهم وثقه ابن معين والعجلى والدارقطنى وابن سعد وقال له أحاديث كثيرة قيل مات سنة ثلاث وثمانين
(قوله سلمان) هو أبو عبد الله الفارسى ويعرف بسلمان الخير مولى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قد سئل عن نسبه فقال أنا سلمان ابن الإسلام أصله من "جبا" قرية من قرى أصبهان. وقيل من رامهرمز وكان أبوه دهقانها وسيدها قال ابن إسحاق وغيره ما معناه: مرّ سلمان على النصارى المجاورين للفرس وهم في الكنائس فأعجبه دينهم فلزمهم فقيده أبوه على ذلك وطلب منه خدمة بيت النار ففكّ القيد وخرج إلى الشام فسأل عن عالم النصارى فدلّ عليه فخدمه واطلع منه على خيانة في دينه فأخبر النصارى بذلك فرجموه وأقاموا مكانه رجلا صالحا فصحبه سلمان حتى قارب الموت فسأله أن يوصيه فذكر له رجلا صالحا بالموصل فلما مات الأوّل أى هذا وصحبه فلما حضرته الوفاة قال له أوصنى فذكر له رجلا بعمورية فصحبه فلما أشرف على الوفاة سأله الوصية فقال لا أجد اليوم أحدا على مثل ما كنا عليه ولكن قد أطلّ زمان نبيّ يبعث بدين إبراهيم مهاجره بأرض ذات نخل له آيات وعلامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فلما مات مرّ به ركب من العراق من كلب فصحهم فباعوه بوادى القرى من يهودىّ ثم اشتراه يهودى آخر من بنى قريظة وقدم به إلى المدينة فأقام بها إلى أن قدم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأسلم بعد أن رأى الصفات التى وصفت له وكان من خيار الصحابة (قال فيه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سلمان منا أهل البيت) رواه الطبرانى والحاكم عن عمرو بن عوف وقال سنده ضعيف وفى حديث آخر (سلمان سابق فارس) أخرجه ابن سعد عن الحسن مرسلا وعن بريدة (أن النبى صلى الله تعالى علية وعلى آله وسلم قال إن الله أمرنى بحب أربعة وأخبرنى أنه يحبهم قيل يا رسول الله من هم قال علىّ منهم يقول ذلك ثلاثا وأبو ذرّ وسلمان والمقداد) أخرجه الترمذى وابن ماجه. وعن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال (تلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذه الآية وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم فقالوا من يستبدل بنا فضرب صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على منكب سلمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ثم قال هذا وقومه والذى نفسى بيده لو كان الإيمان منوطا بالثريا لناله رجال من فارس) أخرجه الترمذى، قال
الحسن كان سلمان أميرا على ثلاثين ألفا يخطب فيهم في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها وقال سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال (آخى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بين أبى الدرداء وسلمان وقال لأبى الدّرداء سلمان أفقه منك) وكان سلمان إذا خرج عطاؤه تصدّق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده. له ستون حديثا اتفق الشيخان على ثلاثة وانفرد البخارى بواحد ومسلم بثلاثة. روى عنه ابن عباس وأنس وعقبة بن عامر وأبو سعيد وغيرهم. قال ابن الأثير صحّ أنه أدرك وصىّ عيسى وقرأ الكتابين وذكر البغوىّ أن سلمان لما حضره الموت بكى وقال (إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عهد إلينا عهدا فتركنا عهده أن تكون بلغة أحدنا كزاد الراكب) فلما مات نظر فيما ترك فإذا هو نحو ثلاثين درهما. توفى سنة خمس أو ست وثلاثين عن مائتين وخمسين سنة وقيل ثلاثمائة وخمسين
(قوله قال) أى عبد الرحمن بن يزيد
(قوله قيل له) أى لسلمان والقائل المشركون ففى رواية لمسلم قال يعنى سلمان قال لنا المشركون وفى ابن ماجه (قال قال له بعض المشركين وهم يستهزئون به إنى أرى صاحبكم يعلمكم كل شئ حتى الخراءة الخ)
(قوله الخراءه) بالكسر والمدّ التخلى والقعود للحاجة، قال الخطابى وأكثر الرواة يفتحون الخاء، وقال الجوهرى إنها بالفتح والمدّ يقال خرئَ خراءة مثل كره كراهة. ويحتمل أن يكون بالفتح المصدر وبالكسر الاسم. اهـ نهاية
(قوله أجل) بسكون اللام مثل نعم وزنا ومعنى يعنى نعم علمنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل شئ نحتاج إليه في ديننا، قال الطيبى جواب سلمان من باب أسلوب الحكيم لأن المشرك لما استهزأ كان من حقه أن يهدّد أو يسكت عن جوابه لكن ما التفت سلمان إلى استهزائه وأجاب جواب المرشد للسائل المجدّ اهـ ويحتمل أنه ردّ له بأن ما زعمه سببا للاستهزاء ليس بسبب له بل المسلم يصرّح به عند الأعداء لأنه أمر يحسنه العقل عند معرفة تفصيله فلا عبرة بالاستهزاء به لإضافته إلى أمر مستقبح ذكره والجواب بالردّ لا يسمى أسلوب الحكيم
(قوله أن نستقبل القبلة) أى بفروجنا كما في الموطأ، لا تستقبلوا القبلة بفروجكم. وأل في القبلة للعهد والمعهود الكعبة كما فسرها حديث أبى أيوب في قوله فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف ونستغفر الله اهـ
(قوله بغائط) قال العراقى ضبطناه في سنن أبى داود بالباء الموحدة وفي مسلم باللام اهـ ومثله للنووى في شرح مسلم وزاد وروى للغائط باللام والباء وهما بمعنى اهـ والغائط في الأصل المكان المنخفض من الأرض ثم صار اسما للخارج المعروف من دبر الآدمى
(قوله أو بول) هو في الأصل مصدر بال من باب قال ثم استعمل في الخارج المعروف من القبل
وقد اختلف العلماء في علة النهى عن استقبال القبلة بما ذكر. فمنهم من قال إنه لإظهار احترام وتعظيم
القبلة وهو الظاهر لما روى من حديث سراقة بن مالك (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا آتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة الله عز وجل ولا يستقبلها) أخرجه الدارمى وغيره بسند ضعيف مرسلا. ومنهم من علله بأنه لا يخلو من أن يراه مصلّ. فعن عيسى الحناط عن نافع عن ابن عمر قال (رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في كنيفه مستقبل القبلة) قال عيسى فقلت للشعبى عجبت لقول ابن عمر هذا وقول أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها فقال الشعبى أما قول أبى هريرة ففي الصحراء لأن لله خلقا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم وأما بيوتكم هذه التى تتخذونها للنتن فإنة لا قبلة لها. وذكر الدارقطنى أن عيسى الحناط ضعيف. وينبنى على الخلاف في التعليل خلافهم فيما إذا كان في الصحراء فاستتر بشئ هل يجوز الاستقبال والاستدبار فالتعليل باحترام القبلة يقتضى المنع والتعليل برؤية المصلين يقتضى الجواز، وقد اختلفوا أيضا في محل العلة. فمنهم من قال المنع للخارج المستقذر. ومنهم من قال المنع لكشف العورة. وينبنى على هذا الخلاف خلافهم في جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة. فمن علل بالخارج أباحه إذ لا خارج ومن علل بالعورة منعه. أفاده ابن دقيق العيد
(قوله وأن لا نستنجى باليمين) يحتمل أن لا زائدة لما في رواية مسلم والنسائى أو أن نستنجى باليمين بإسقاط لا. وعليه فالمعنى ونهانا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نستنجى باليمين، ويحتمل أن لا أصلية ويقدّر عامل مناسب أى أمرنا أن لا نستنجى كما في رواية ابن ماجه أمرنا أن لا نستقبل القبلة ولا نستنجى بأيماننا. والاستنجاء في الأصل إزالة الأذى بالماء أو الحجارة، يقال استنجيت غسلت موضع النجو أو مسحته، وفى العرف إزالة الخارج النجس من الفرج بماء أو حجر أو مدر، والأول مأخوذ من استنجيت الشجر إذا قطعته من أصله لأن الغسل يزيل الأثر، والثانى من استنجيت النخلة إذا التقطت رطبها لأن المسح لا يقطع النجاسة بل يبقي أثرها
(قوله وأن لا يستنجى أحدنا الخ) بإثبات لا والذى في مسلم أو أن نستنجى بأقلّ من ثلاثة أحجار بإسقاطها فيقال هنا ما قيل في سابقه
(قوله أو أن نستنجى) أو بمعنى الواو أى ونهانا أن نستنجى
(قوله برجيع أو عظم) أو ليست للشك بل لأحد الشيئين أى نهانا عن الاستنجاء بأحدهما أو بهما، والرجيع الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا، والروث رجيع ذوات الحافر
(فقه الحديث) دل الحديث على المنع من استقبال القبلة مطلقا عند قضاء الحاجة وقد اختلف الفقهاء في هذا على أقوال (أحدها) أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء عند قضاء الحاجة ولا يحرم ذلك في البنيان وهو قول العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبى وإسحاق ابن راهويه ومالك والشافعى وأحمد في رواية واستدلوا علي جوازه في البنيان بحديث ابن عمر
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما وحديث جابر الآتيين في الباب الآتى وبحديث مروان الأصفر الآتى آخر هذا الباب وبحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا الذى أخرجه ابن ماجة قال حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وعلى ابن محمد قالا حدثنا وكيع عن حماد بن سلمة عن خالد الحذّاء عن خالد بن أبى الصلت عن عراك ابن مالك عن عائشة قالت (ذكر عند رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا بفروجهم القبلة فقال أراهم قد فعلوها استقبلوا بمقعدتى القبلة) ورواه أحمد أيضا وقوله استقبلوا الخ أى حوّلوا موضع قضاء حاجتى إلى جهة القبلة، قالوا فهذه أحاديث صحيحة مصرّحة بالجواز في البنيان (ثانيها) أنه لا يجوز ذلك لا في البنيان ولا في الصحراء وهو قول أبى أيوب الأنصارى ومجاهد وإبراهيم النخعى وسفيان الثورى وعطاء وأبى حنيفة وأحمد في رواية وبعض السلف من الصحابة والتابعين ورجحه من المالكية ابن العربى، واستدلوا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهى مطلقا كحديث سلمان المذكور وأحاديث أبى هريرة وأبى أيوب الأنصارى ومعقل بن أبى معقل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم الآتية بعده وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدى (قال أنا أول من سمع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول لا يبولنّ أحدكم مستقبل القبلة وأنا أول من حدّث الناس بذلك) رواه ابن ماجه وابن حبان وصححه وفى الزوائد إسناده صحيح وأصله في الصحيحين فلا التفات إلى قول ابن يونس هو حديث معلول قالوا لأن النهى عام ولأن المنع ليس إلا لتعظيم القبلة وهو موجود في الصحراء والبنيان ولو جاز في البنيان لوجود الحائل لجاز في الصحراء النائية عن الكعبة لوجود الحائل أيضا لأن بينها وبين الكعبة جبالا وأودية وأبنية ولا سيما عند من يقول بكرّيّة الأرض فإنه لا موازاة إذ ذاك بالكلية وما ورد عن الشعبى من أنه علل الجواز في البنيان بأن لله خلقا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم وأما بيوتكم هذه التى تتخذونها للنتن فإنه لا قبلة لها فهو تعليل في مقابلة النص. وأجابوا عن أحاديث مروان الأصفر وابن عمر وجابر بأجوبة يأتى ذكرها إن شاء الله تعالى في الكلام عليها، وعن حديث عائشة بأنه من طريق خالد بن أبى الصلت وهو مجهول لا ندرى من هو قاله ابن حزم، وقال الذهبي هذا الحديث منكر، وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبى داود إن هذا حديث لا يصح وإنما هو موقوف على عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا حكاه الترمذى في كتاب العلل عن البخارى. ومن هذا تعلم ما في قول النووى في شرح مسلم إسناده حسن (ثالثها) جواز ذلك في البنيان والصحراء جميعا وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعة بن عبد الرحمن شيخ مالك وداود الظاهرى واستدلوا بحديث ابن عمر (أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستقبلا بيت المقدس مستدبرا القبلة) رواه الجماعة. وبحديث عائشة المتقدم في أدلة القول الأول ورأى هؤلاء أن حديث أبى أيوب منسوخ وزعموا أن ناسخه
حديث جابر قال رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُنهانا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أن نستقبل القبلة ببول ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستدبرها رواه الترمذى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والدارقطنى والحاكم وقال إنه صحيح علي شرط مسلم وسيأتى في الباب بعد هذا وقال الترمذى حديث حسن غريب وصححه البخارى لما سأله الترمذى عنه فقال حديث صحيح وعليه فالطعن فيه غير مسلم لما سيأتى في الكلام عليه إن شاء الله تعالى. وفيما استدلوا به نظر. أما حديث ابن عمر فهو أخص من الدعوى، وأما حديث عائشة فهو ضعيف كما علمت فلا يصلح للاحتجاج به، وأما دعوى النسخ فليست بظاهرة لأنه لا يصار إليه إلا عند تعذّر الجمع وهو ممكن هنا لأن ما في حديث جابر حكاية فعل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو لا يصلح لنسخ التشريع القولي لجواز الخصوصية وقد تقرّر في الأصول أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض قوله الخاص بنا. وأيضا فإنه يمكن حمل حديثى جابر وابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم على أنهما رأياه في ساتر لأن ذلك هو المعهود من حال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لمالغته في التستر وحمل النهى في حديث أبى أيوب ونحوه على الصحراء، وأما تنحيه هو في البنيان عن القبلة فيحتمل أنه اجتهاد منه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، على أنا لو سلمنا عدم إمكان الجمع فلا نسلم النسخ أيضا لأن الناسخ لا بدّ أن يكون في قوّة المنسوخ وحديث جابر وإن صح لا يقاوم حديث أبى أيوب وغيره مما اتفق عليه الستة (رابعها) أنه لا يجوز الاستقبال مطلقا لا في البنيان ولا في الصحراء ويجوز الاستدبار فيهما وهو رواية عن أبى حنيفة وأحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما ودليله حديث سلمان المذكور لاقتصاره على النهي عن الاستقبال. وردّ بأن النهى عن الاستدبار ثابت في الأحاديث الصحيحة وهو زيادة يتعين الأخذ بها (خامسها) جواز الاستدبار في البنيان فقط تمسكا بظاهر حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قاعدا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة رواه الجماعة واللفظ لمسلم وهو مروى عن أبى يوسف وهو مردود بورود النهي عن الاستقبال والاستدبار على السواء وبما تقدم من أن فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا (سادسها) تحريم الاستقبال والاستدبار للكعبة ولبيت المقدس عملا بحديث معقل الأسدىّ الآتى آخر الباب وهو محكيّ عن إبراهيم وابن سيرين وسيأتى ردّه في الكلام على حديث معقل إن شاء الله تعالى (سابعها) أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتها بخلاف من كانت قبلته إلى الشرق أو الغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا لعموم قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام شرّقوا أو غرّبوا، وهو قول أبى عوانة صاحب المزنى، واستدلاله في غاية الرّكة والضعف لأن المراد من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرّقوا أو غرّبوا التحوّل عن استقبال الكعبة
واستدبارها لا فرق بين أهل المدينة وغيرهم (ثامنها) أن النهي للتنزيه فيكون ما ذكر مكروها وإليه ذهب القاسم بن إبراهيم ونسبه في البحر إلى المؤيّد بالله وأبى طالب والناصر والنخعى وهو رواية عن أبى حنيفة وأحمد وأبى ثور وأبى أيوب الأنصارى واستدلّ له بأحاديث عائشة وجابر وابن عمر المتقدم ذكرها قالوا إنها صارفة للنهى عن التحريم إلى الكراهة وهو لا يتمّ في حديث ابن عمر وجابر لأنه ليس فيهما إلا مجرّد الفعل وهو لا يعارض القول الخاص بنا كما تقدّم، نعم إن صحّ حديث عائشة صلح لذلك، وأقرب هذه الأقوال أولها وثانيها، أما الأول فلأن أحاديث الإباحة وردت في العمران فحملت عليه وأحاديث النهي عامة خص خص منها العمران بأحاديث الإباحة فبقيت الصحارى على التحريم قال الحافظ في الفتح وهو أعدل الأقوال لإعماله جمع الأدلة ويؤيّده من جهة النظر ما قاله ابن المنير من أن الاستقبال في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا وأن الأمكنة المعدّة لذك مأوى الشياطين فليست صالحة لكونها قبلة بخلاف الصحراء فيهما اهـ وأما الثانى فسيأتى وجه اختياره في الكلام على حديث أبى أيوب إن شاء الله تعالى، ودلّ الحديث أيضا علي النهى عن الاستنجاء باليمين لرفع قدرها وتنزيها لها عن مباشرة الأقذار لأنه لو باشر النجاسة بها ربما تذكر عند تناوله الطعام ما باشرت يمينه من الأقذار فيعاف الطعام فقد كان النبى عليه وعلى آله الصلاة والسلام يجعل اليمنى لطهوره وطعامه وشرابه ولباسه مصونة من مباشرة أسافل بدنه ومماسة الأعضاء التى هي مجارى النجاسات واليسرى لخدمة أسافل بدنه وإماطة ما هناك من الأقذار وتنظيف ما يحدث فيها من الأدناس، وهذا النهى للتنزيه عند الجمهور وحمله أهل الظاهر على التحريم حتى قال الحسين بن عبد الله الناصرى الظاهرى في كتابه البرهان ولو استنجى بيمينه لا يجزئه وهو وجه عند الحنابلة وطائفة من الشافعية وقال النووى وقد أجمع العلماء على أنه منهىّ عن الاستنجاء باليمين ثم الجماهير على أنه نهى تنزيه وأدب لا نهى تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم قال أصحابنا ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شئ من أمور الاستنجاء إلا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى وإذا استنجى بحجر فإن كان في الدّبر مسح بيساره وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر فإن لم يمكنه ذلك واضطرّ إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرّك اليمنى هذا هو الصواب، وقال بعض أصحابنا يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويمسح ويحرّك اليسرى وهذا ليس بصحيح لأنه يمس الذكر بيمينه بغير ضرورة وقد نهى عنه اهـ ودلّ الحديث أيضا على أن الاستنجاء بالأحجار. مطهر وعلى أنه لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار وقد ورد كيفية استعمال الثلاثة في حديث ابن عباس
أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حجر للصفحة اليمنى وحجر للصفحة اليسرى وحجر للوسط رواه الدارقطنى وحسنه العقيلى في الضعفاء والبيهقى وسيأتى تمام الكلام على إلاستنجاء بالحجارة في بابه. ودلّ الحديث أيضا على النهى عن الاستنجاء بالرجيع والعظم ويأتى الكلام عليه وافيا في باب ما ينهى عن الاستنجاء به
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه مسلم والنسائى وابن ماجه والدارقطنى والترمذى وقال حسن صحيح
(ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، قال ثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وَلَا يَسْتَطِبْ بِيَمِينِهِ، وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، وَيَنْهَى عَنِ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله عبد الله بن محمد) بن على بن نفيل أبو جعفر الحمرانى أحد الأئمة الحفاظ. روى عن مالك وزهير بن معاوية وعلي بن ثابت وابن المبارك وغيرهم وعنه أبو داود وأبو حاتم وأحمد وابن معين وأبو زرعة وآخرون وثقه النسائى وابن قانع وأبو حاتم وقال أبو داود ما رأيت أحفظ منه وقال الدارقطنى ثقة مأمون يحتج به. مات سنة أربع وثلاثين ومائتين
(قوله النفيلى) نسبة إلى نفيل جدّه الأعلى
(قوله ابن المبارك) هو عبد الله بن المبارك بن واضح أبو عبد الرحمن الحنظلى المروزى أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الإسلام. روى عن حميد وسليمان التيمى وهشام بن عروة وغيرهم. وعنه السفيانان من شيوخه وبقية وابن مهدى وسعيد بن منصور وآخرون قال ابن عيينة ابن المبارك عالم المشرق والمغرب وما بينهما وقال شعبة ما قدم علينا مثله وقال أبو إسحاق الفزارى ابن المبارك إمام وقال ابن معين ثقة صحيح الحديث ولد سنة ثمانى عشرة ومائة. ومات سنة إحدى وثمانين ومائة
(قوله محمد بن عجلان) هو أبو عبد الله القرشى المدنى أحد العلماء العاملين إمام صدوق مشهور، روى عن أنس وأبى حازم والأعرج وعكرمة وغيرهم. وعنه منصور وشعبة والثورى ومالك وآخرون، وثقه أحمد وابن معين وابن عيينة وأبو حاتم والنسائى وأبو زرعة وذكره البخارى في الضعفاء وروى له تعليقا وسلم متابعة ولم يحتج به وقال يحيى القطان كان مضطربا في حديث نافع وقال مالك لما بلغه أن ابن عجلان حدّث بحديث خلق الله آم على صورته لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ولم يكن عالما ولكن لابن عجلان فيه متابعون
وقال الذهبي كان ابن عجلان من الرفعاء والأئمة أولى الصلاح والتقوى ومن أهل الفتوى ومع كونه متوسطا في الحفظ فقد كان جيد الذكاء مجاب الدعوة. توفى سنة ثمان وأربعين ومائة
(قوله القعقاع بن حكيم) الكنانى المدنى. روى عن ابن عمر وجابر وعائشة وعلى بن الحسين وغيرهم. وعنه سعيد المقبرى وزيد بن أسلم وعمرو بن دينار ومحمد بن عجلان وكثيرون. وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم ليس بحديثه بأس
(قوله عن أبى صالح) هو ذكوان السمان المدنى. روى عن أبى سعيد وأبى الدرداء وعائشة وأبى هريرة وغيرهم وعنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعطاء بن أبي رباح والزهرى وسمع منه الأعمش ألف حديث قال أحمد ثقة من أجلّ الناس وأوثقهم ووثقه ابن معين وأبو حاتم وقال صالح الحديث يحتج بحديثه وقال أبو زرعة ثقة مستقيم الحديث توفى سنة إحدى ومائة. روى له الجماعة
(قوله عن أبى هريرة) الدوسى الصحابى الجليل اختلف في اسمه واسم أبيه على أقوال قال النووى اسم أبى هريرة عبد الرحمن بن صخر على الأصح من ثلاثين قولا. وقد أجمع أهل الحديث على أنه أكثر الصحابة حديثا قال ابن حزم إن مسند تقىّ بن مخلد احتوى من حديث أبى هريرة على خمسة آلاف وثلثمائة حديث وكسر وقال في الخلاصة له أربعة وسبعون وثلثمائة وخمسة آلاف حديث اتفقا على خمسة وعشرين وثلثمائة وانفرد البخارى بتسعة وسبعين ومسلم بثلاثة وتسعين. روى عنه إبراهيم بن حنين وأنس وبشر بن سعيد وابن المسيب وتمام ثمانمائة نفس ثقات اهـ. وقال وكيع كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأخرج البغوى بسند جيد أن ابن عمر قال لأبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأعلمنا بحديثه، وقال الشافعى أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره، وقال أبو الزعيزعة كاتب مروان أرسل مروان إلى أبى هريرة فجعل يحدّثه وكان أجلسنى خلف السرير أكتب ما يحدّث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرنى أن أنظر فما غير حرفا عن حرف، وفى البخارى عن أبى هريرة قال لم يكن من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أكثر حديثا منى إلا عبد الله بن عمر فإنه كان يكتب ولا أكتب، وفى مسلم عنه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال كنت أدعو أمى إلى الإسلام وهي مشركة فدعوتها يوما فأسمعتنى في رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما أكره فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأنا أبكي قلت يا رسول الله إني كنت أدعو أمى إلى الإسلام فتأبى علىّ فدعوتها اليوم فأسمعتنى فيك ما أكره فادع الله أن يهدى أمّ أبى هريرة فقال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم
اللهم اهد أمّ أبى هريرة فخرجت مستبشرا بدعوة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف "يعنى مغلقا" فسمعت أمى خشفة قدمى فقالت مكانك يا أبا هريرة وسمعت خضخضة الماء فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها وفتحت الباب ثم قالت يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال فرجعت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأتيته وأنا أبكي من الفرح قال قلت يا رسول الله أبشر فقد استجاب الله دعوتك وهدى أمّ أبى هريرة فحمد الله وأثنى عليه وقال خيرا قال قلت يا رسول الله ادع الله أن يحببنى وأمى إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين فما خلق الله مؤمنا سمع بى ولا يرانى إلا أحبنى، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم عنه قال يقولون إن أبا هريرة قد أكثر والله الموعد ويقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدّثون بمثل أحاديثه وسأخبركم عن ذلك إن إخوانى من المهاجرين والأنصار كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم علي ملء بطنى فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا ولقد قال لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوما أيكم يبسط ثوبه فيأخذ من حديثى هذا ثم يجمعه إلى صدره فإنه لم ينس شيئا سمعه فبسطت بردة كانت على جنبى حتى فرغ من حديثه ثم جمعتها إلى صدرى فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثنا به فلولا آيتان أنزلهما الله تعالى في كتابه ما حدّثت شيئا أبدا إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى إلى آخر الآيتين ومع ذلك فقد أمسك عن بعض ما أسمع خشية الفتنة وأن لا تبلغه الأفهام، وأخرج البخارى عنه قال حفظت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله ولسلم وعاءين فأما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو حدثتكم به لقطعتم هذا البلعوم. وأخرج الإمام أحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في الزهد بسند صحيح عن أبى عثمان النهدى قال تضيفت أبا هريرة سبعا فكان هو وامرأته وخادمه يقيمون الليل أثلاثا يصلى هذا ثم يوقظ هذا. وأخرج ابن سعد بسند صحيح عن عكرمة أن أبا هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كان يسبح كل يوم اثنى عشر ألف تسبيحة يقول أسبح بقدر ذنبى وأخرج ابن أبى الدنيا من طريق مالك عن سعيد المقبرى قال دخل مروان على أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في شكواه الذى مات فيها فقال شفاك الله فقال أبو هريرة اللهم إنى أحب لقاءك فأحبب لقائى فلما بلغ مروان يعني وسط السوق حتى مات رضي الله تعالى عنه، وكانت وفاته سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين
(قوله إنما أنا لكم بمنزلة الوالد) لفظ النسائي وابن ماجة إنما أنا لكم مثل الوالد وزاد ابن ماجة لولده أي في الشفقة والحنوّ لا في الرتبة والعلوّ لأنه
لا يماثل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيهما أحد
(قوله أعلمكم) أى كل ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ولا يمنعنى من ذلك التصرج بما يستهجن ولا أبالى بما يستحى من ذكره وهذا التمهيد لما يبين لهم من آداب الخلاء إذ الإنسان كثيرا ما يستحى من ذكرها ولا سيما في مجلس العظماء
(قوله الغائط) هو في الأصل اسم للمكان المطمئن من الأرض ثم اشتهر في نفس الخارج المعروف من دبر الآدمى كما تقدم والمراد هنا هو الأول إذ لا يحسن استعمال الإتيان في المعنى الثانى ولا يحسن النهى عن الاستقبال والاستدبار إلا قبل إخراج الخارج وذلك عند حضور المكان لا عند إخراج ذلك
(قوله ولا يستطب) بالجزم على أن لا ناهية أى يستنج والاستطابة الاستنجاء يقال استطاب وأطاب إطابة أيضا لأن المستنجى تطيب نفسه بإزالة الخبث عن المخرج، وفى نسخة ولا يستطيب بالرفع على أنه بلفظ الخبر كقوله تعالى (ولا تضارّ والدة بولدها) بالرفع على قراءة ابن كثير وأبى عمرو وكحديث ابن عمر عند البخارى مرفوعا (لا يبيع بعضكم على بيع أخيه) وهذا أبلغ في النهى لأن خبر الشارع محقق وقوعه وأمره قد يخالف فكأنه قال عامل هذا النهى معاملة الخبر المحقق وقوعه. ولفظ ابن ماجه ونهى أن يستطيب الرجل بيمينه. ولفظ البيهقي وإذا استطاب فلا يستطب بيمينه
(قوله وكان يأمر بثلاثة أحجار) أى كان النبى صلى الله تعالى عليه ولى آله وسلم يأمر بالاستنجاء بثلاثة أحجار كما سيأتى التصريح بذلك في حديث عائشة في باب الاستنجاء بالحجارة
(قوله وينهى عن الرّوث) بفتح فسكون رجيع ذوات الحافر والأشبه أن المراد هنا رجيع الحيوان مطلقا فيكون من إطلاق اسم الخاص على العام
(قوله والرّمة) بكسر الراء وتشديد الميم هي العظم البالى وتجمع على رمم مثل سدرة وسدر والرميم مثل الرّمة والمراد هنا مطلق العظم لما تقدم من عموم النهى عن الاستنجاء به، ونص على الرّمة بخصوصها لدفع توهم أن الجن لا ينتفعون بها فيجوز الاستنجاء بها حينئذ (فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب من الأبناء طاعة الآباء ومن الآباء إرشاد أولادهم وتعليمهم ما يحتاجون إليه من الدين. وعلى أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالنسبة لجميع الأمة كالأب كما أن أزواجه أمهاتهم لأن منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ومن أزواجه تعلم أحكام الدين فبرّه وبرّهنّ أوجب من برّ الوالدين لقوله تعالى (النبىّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) ولحديث أنس (أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه مسلم ودلّ على المنع من استقبال القبلة واستدبارها بالبول أو الغائط وقد تقدم بيانه. وقد استنبط ابن التين منه منع استقبال الشمس والقمر حال قضاء الحاجة. وكأنه قاسه على استقبال القبلة وقياسه غير ظاهر على ما لا يخفى ومردود بما يؤخذ من حديث أبى أيوب إلآتى فإن قوله فيه
ولكن شرّقوا أو غرّبوا صريح في جواز استقبال القمرين واستدبارهما إذ لا بدّ أن يكونا في الشرق أو الغرب غالبا. وبهذا تعلم أنه لا وجه لمن قال من الفقهاء بكراهة استقبال الشمس أو القمر أو استدبارهما عند قضاء الحاجة. وما رواه الترمذى عن الحسن قال حدثنى سبعة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهم أبو هريرة وجابر وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين ومعقل بن يسار وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك يزيد بعضهم على بعض في الحديث "أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يبال في المغتسل ونهى عن البول في الماء الرّاكد ونهى عن البول في الشارع ونهى أن يبول الرجل وفرجه باد إلى الشمس والقمر" قال الحافظ هو حديث باطل لا أصل له بل هو من اختلاق عباد بن كثير وذكر أن مداره عليه، وقال النووى في شرح المهذب هذا حديث باطل، وقال ابن الصلاح لا يعرف وهو ضعيف اهـ ودلّ الحديث أيضا على المنع من الاستنجاء باليمنى وتقدم بيانه. وفيه أيضا النهى عن الاستنجاء بالنجاسات والمطعومات فإنه نبه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرّوث على النجاسات وبالرّمة على المطعومات ويلتحق بهما المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم على ما سيأتى تفصيله
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى وابن ماجه وماجه وأحمد وليس في روايته الأمر بالأحجار وأخرجه مسلم بلفظ إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وأخرحه ابن حبان كلهم في الطهارة بألفاظ متقاربة وفيه محمد بن عجلان وفيه كلام وقد علمت ردّه في ترجمته
(ص) حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، رِوَايَةً قَالَ:«إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» فَقَدِمْنَا الشَّامَ، فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْكعبةِ، فَكُنَّا نَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
(ش)(رجال الحديث)
(قوله سفيان) بن عيينة بن أبى عمران الهلالى أبو محمد الكوفى أحد أئمة الإسلام. روى عن عمرو بن دينار وزيد بن أسلم وصفوان بن سليم والزهرى وآخرين، وعنه شعبة ومسعر من شيوخه وابن المبارك من أقرانه وأحمد وإسحاق وغيرهم. قال العجلى هو أثبتهم في الزهرى كان حديثه نحو سبعة آلاف وقال ابن وهب ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة وقال الشافعى لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز وقال العجلى ثقة ثبت في الحديث وكان
حسن الحديث يعدّ من حكماء أصحاب الحديث وقال ابن سعد كثير الحديث حجة وقال ابن حبان كان من الحفاظ المتقنين وأهل الورع والدين وقال الذهبى أجمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود فيه أنه لا يدلس إلا عن ثقة ولد سنة سبع ومائة ومات سنة ثمان وتسعين ومائة، روى له الجماعة
(قوله الزهرى) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله ابن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشى أبو بكر المدني الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه روى عن ابن عمر وسهل بن سعد وجابر وأنس وكثيرين، وعنه عمر بن عبد العزيز وابن جريج والليث ومالك وآخرون قال علي بن المدينى له نحو ألفي حديث وقال الليث ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب وقال أيوب ما رأيت أعلم من الزهرى وقال مالك كان ابن شهاب من أسخى الناس وأتقاهم ما له في الناس نظير وقال ابن سعد ثقة كثير الحديث والعلم والرواية فقيها جامعا وقال مكحول ما بقي على ظهرها أعلم بسنة ماضية من الزهرى، توفى سنة ثلاث أو أربع وعشرين ومائة
(قوله عطاء بن يزيد الليثى) أبو محمد المدنى نزيل الشام. روى عن تميم الدارى وأبى أيوب وأبى سعيد الخدرى وأبى هريرة وجماعة، وعنه أبو صالح السمان وسهيل بن أبى صالح وهلال بن ميمون والزهرى وكثيرون وثقه ابن المدينى والنسائى. مات سنة خمس ومائة. روى له الجماعة
(قوله عن أبي أيوب) هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة الأنصارىّ النجارىّ معروف باسمه وكنيته وهو من السابقين شهد العقبة الثانية وبدرا وما بعدها نزل عليه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده واستخلفه علىّ على المدينة لما خرج إلى العراق ثم لحق به وشهد معه قتال الخوارج، وعن أبى أيوب قال لما نزل علىّ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال قلت بأبى أنت وأمى إنى أكره أن أكون فوقك وتكون أسفل منى فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنى أرفق بى أن أكون في السفلى لما يغشانا من الناس قال فلقد رأيت جرّة لنا انكسرت فأهريق ماؤها فقمت أنا وأمّ أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء فرقا أن يصل إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شئ يؤذيه أخرجه الحاكم، وقال صحيح. وعن سعيد بن المسيب أن أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال له لا يصيبك السوء يا أبا أيوب أخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد. له مائة وخمسون حديثا اتفق الشيخان على سبعة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بخمسة. روى عنه البراء وابن عباس وجابر بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة والتابعين. توفى في غزاة الأستانة سنة اثنتين وخمسين
(قوله رواية) هي مصدر منصوب بفعل مقدر أى يروى رواية وهذا اللفظ يفيد أن الحديث مرفوع حكما لأنه
من الصيغ التى يكنى بها أصحاب الحديث عن قولهم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لكونه روى بالمعنى أو اختصر كما تقدم في المقدمة
(قوله الغائط) المراد به هنا المكان المطمئن من الأرض
(قوله بغائط) متعلق بمحذوف حال من فاعل تستقبلوا أى لا تستقبلوا الكعبة حال كونكم متلبسين بقضاء الحاجة فالمراد بالغائط هنا الخارج المعروف. وفى رواية البخارى ومسلم فلا تستقبلو االقبلة ولا تستدبروها
(قوله ولكن شرّقوا) أى توجهوا إلى ناحية المشرق أو المغرب حال قضاء حاجتكم لئلا تستقبلوا أو تستدبروا القبلة. وهذا خطاب لأهل المدينة ومن على هيئتهم من أهل كل جهة إذا شرّقوا أو غرّبوا لا يكونون مستقبلى القبلة ولا مستدبريها فلا يدخل معهم أهل ناحية يكونون مستقبلى القبلة ومستدبريها إذا شّرقوا أو غربوا
(قوله أو غرّبوا) هو في أكثر النسخ والكتب الستة ومختصر المنذرى بأو وفى بعض النسخ بالواو فتكون بمعنى أو
(قوله فقدمنا الشام) أى عام فتحها وهو من كلام أبى أيوب كما صرّح به مسلم والضمير له ولمن معه
(قوله مراحيض) بفتح الميم وبالحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم وهو في الأصل موضع الرحض أى الغسل ثم كنى به عن البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان من الغائط والبول لأنه موضع غسل النجاسة
(قوله قبل الكعبة) أى جهتها وفى نسخة قبل القبلة وقبل بكسر القاف وفتح الموحدة
(قوله ونستغفر الله) أى نسأله المغفرة أى محو الذنوب أو سترها عن أعين الملائكة فلا يؤاخذنا بها وفى شرح عمدة الأحكام ونستغفر الله قيل يراد به ونستغفر الله لمن بنى الكنف على هذه الصورة الممنوعة عنده وإنما حملهم علي هذا التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يفعل ممنوعا فلا يحتاج إلى الاستغفار. والأقرب أنه استغفار لنفسه ولعل ذلك لأنه استقبل واستدبر بسبب موافقته لمقتضى النهى غلطا أو سهوا فيتذكر فينحرف ويستغفر الله "فإن قلت" فالغالط والساهي لم يفعلا إثما فلا حاجة بهما إلى الاستغفار، "قلت" أهل الورع والمناصب العلية في التقوى قد يفعلون مثل هذا لنسبتهم النقص إلى أنفسهم في عدم التحفظ ابتداء اهـ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على تعظيم القبلة ومنع استقبالها ببول أو غائط. وعلى أنه تطلب المحافظة على الآداب ومراعاتها في كل حال بما يقدر عليه. وبظاهر الحديث أخذ أبو حنيفة ومجاهد وإبراهيم النخعى وسفيان الثورى وغيرهم من أصحاب القول الثانى المذكور في شرح حديث سلمان الفارسى القائلين بحرمة استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في الصحراء والبنيان قال الحافظ السيوطى قال القاضى أبو بكر بن العربى وهو المختار لأنا إذا نظرنا إلى المعانى فالحرمة للقبلة فلا يختلف في البنيان ولا في الصحراء وإن نظرنا إلى الآثار فحديث أبى أيوب عام وحديث ابن عمر لا يعارضه لأنه قول وهذا فعل ولا معارضة بين القول والفعل ولأن الفعل لا صيغة له وإنما هو حكاية حال وحكاية الأحوال معرّضة للأعذار والأسباب، والأقوال لا تحتمل ذلك اهـ بتصرف قال بن دقيق العيد في شرح العمدة إن حمل حديث أبى أيوب على الصحارى مخالف لما حمله عليه أبو أيوب من العموم فإنه قال فأتينا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فننحرف عنها فرأى النهى عاما وأبو أيوب من أهل
اللسان والشرع وقد استعمل قوله لا تستقبلوا ولا تستدبروا عاما في الأماكن وهو مطلق فيها لأنه إذا أخرج عنه بعض الأماكن فقد خالف صيغة العموم في النهي عن الإستقبال والاستدبار اهـ باختصار ويؤخذ من قول أبي أيوب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فننحرف ونستغفر الله الحث على طلب الاجتهاد في البعد عن المخالفات والإكثار من التوبة والاستغفار (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه الشيخان ومالك والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث أبي أيوب أحسن شيء في هذا الباب وأصح
(ص) حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا وُهَيْبٌ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِي زَيْدٍ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ» ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَأَبُو زَيْدٍ هُوَ مَوْلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ
(ش)(رجال الحديث)
(قوله وهيب) بن خالد بن عجلان
(قوله عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عبد الله بن زيد. وثقه أبو حاتم والنسائي والعجلي وابن سعد وقال كان كثير الحديث وقال يحيى بن معين ليس بقوي صويلح. روى عن أبيه وعباد بن تميم وعباس بن سهل وسعيد بن يسار وغيرهم، وعنه يحيى بن سعيد ويحيى بن أبي كثير من أقرانه وابن جريج ومالك وجماعة
(قوله عن أبي زيد) مولى بني ثعلبة كما في رواية ابن ماجة وسيأتي للمصنف واسمه الوليد روى عن معقل بن أبي معقل الأسدي. وعنه عمرو بن يحيى بن عمارة قال ابن المديني ليس بالمعروف وقال في التقريب مجهول من الرابعة
(قوله معقل بن أبي معقل) بفتح الميم وكسر القاف والأسدي بفتحتين أو بفتح فسكون ويقال معقل ابن أبي الهيثم ويقال معقل بن أم معقل يعدّ في أهل المدينة. توفي في أيام معاوية، وله ولأبيه صحبة وله في السنن حديثان
(قوله نهى) كمنع وزنا ومعنى يقال نهيته عن الشيء أنهاه نهيا فانتهى عنه ونهوته نهوا لغة ونهى الله تعالى أي حرّم
(قوله القبلتين) أي الكعبة وبيت المقدس
(فقه الحديث) فيه دلالة على طلب تعظيم القبلتين وبظاهره أخذ إبراهيم النخعي وابن سيرين فقالا بحرمة استقبال بيت المقدس ببول أو غائط. لكن الحديث ضعيف لأن فيه راويا مجهول الحال وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعلة في النهي استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس وقد ادّعى الخطابىّ والنووىّ الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر الكعبة إذا استقبله وفيه نظر لما ذكر عن إبراهيم وابن سيرين وبه قال بعض الشافعية أيضا أفاده الحافظ في الفتح، والجمهور على أن النهي للتحريم بالنسبة للكعبة وللتنزيه بالنسبة لبيت المقدس وإنما نهى عن استقباله احتراما له إذ كان قبلة لنا وقيل لعله نهي عن استقباله حين كان قبلة ثم عن استقبال الكعبة حين صارت قبلة فجمعهما الراوي ظنا منه أن النهي مستمرّ
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي وقد سكت عنه أبو داود
والمنذرى في تلخيصه فيؤخذ من السكوت عليه أنه صالح للاحتجاج به
(ص) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، ثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ: بَلَى إِنَّمَا «نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله محمد بن يحيى بن فارس) نسب يحيى إلى جدّ أبيه لشهرته به وإلا فهو يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الذهلى أبو عبد الله النيسابوري الحافظ أحد الأعلام الكبار روى عن ابن مهدى وعلى بن عاصم ويزيد بن هارون وعبد الصمد بن عبد الوارث، وعنه أبو داود والنسائى والترمذى وأبو حاتم وآخرون وله رحلة واسعة وهو الذى جمع حديث الزهرى في مجلدين قال أبو حاتم محمد بن يحيى إمام زمانه وقال النسائى ثقة مأمون وقال الخطيب كان أحد الأئمة العارفين والحفاظ المتقنين والثقات المأمونين وقال ابن خزيمة إمام أهل عصره بلا مدافعة. مات سنة ثمان وخمسين ومائتين
(قوله صفوان بن عيسى) الزهرى أبو محمد البصرى، روى عن يزيد بن أبى عبيد وهشام بن حسان وثور بن يزيد وابن عجلان، وعنه أحمد وإسحاق بن راهويه وعمرو بن على ومحمد بن بشار قال أبو حاتم صالح وقال ابن سعد ثقة مات سنة مائتين
(قوله الحسن بن ذكوان) البصرى أبو سلمة روى عن الحسن وعطاء وابن سيرين وأبى إسحاق السبيعى وطاوس. وعنه يحيى القطان وابن المبارك وصفوان بن عيسى ومحمد بن راشد وجماعة قال النسائى ليس بالقوى وضعفه ابن معين وأبو حاتم وابن المدينى وأحمد وقال أحاديثه أباطيل وقال ابن عدىّ يروى أحاديث لا يرويها غيره وقال الساجى في أحاديثه بعض المناكير وقال أبو داود كان قدريّا روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه وكذا البخارى حديثا واحدا في كتاب الرقاق من حديث عمران بن حصين يخرج قوم من النار الحديث ولكن له شواهد كثيرة
(قوله مروان الأصفر) البصرىّ أبو خلف يقال ابن خاقان. روى عن ابن عمر وأبى هريرة وأنس بن مالك وجماعة، وعنه الحسن بن ذكوان وخالد الحذّاء وشعبة وعوف الأعرابى وغيرهم، وثقه أبو داود وقال في التقريب ثقة من الرابعة وذكره ابن حبان في الثقات
(قوله ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل أبو عبد الرحمن القرشى المكي أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم وهاجر وعرض على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بدر ثم أحد فاستصغره ثم أجازه في الخندق وهو يومئذ ابن خمس عشرة سنة كما في البخارى، وهو من المكثرين عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له ثلاثون وستمائة وألف حديث اتفق الشيخان على سبعين ومائة وانفرد البخارى بأحد وثمانين ومسلم بأحد
وثلاثين وروى عن أبى بكر وعمر وعثمان وأبى ذرّ وعائشة وغيرهم، وعنه من الصحابة ابن عباس وجابر ومن التابعين بنوه سالم وعبد الله وحمزة وسعيد بن المسيب وكثيرون وله فضائل عدّة فعنه رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال رأيت كأن بيدى قطعة من إستبرق وليس مكان أريده من الجنة إلا طارت بى إليه قال فقصصتها على حفصة فقصتها على النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال إن أخاك رجل صالح لو كان يقوم من الليل قال فما تركت قيام الليل بعد ذلك رواه الشيخان والترمذى، وفى الزهد لأحمد عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إن من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا عبد الله بن عمر، وأخرج أبو سعيد بن الأعرابى بسند صحيح عن جابر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال ما منا من أحد أدرك الدنيا إلا مالت به ومال بها غير عبد الله بن عمر وكان كثير الاتباع لآثار رسول الله صلى الله تعالى علي وعلى آله وسلم حتى أنه لكان ينزل منازله ويصلى في كل مكان صلى فيه، ونزل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تحت شجرة فكان ابن عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس، قال مالك عن الزهرىّ قد أقام ابن عمر بعد النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ستين سنة يقدم عليه وفود الناس فلم يخف عليه شئ من أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا أصحابه، وقال أيضا كان ابن عمر من أئمة المسلمين وكان شديد الاحتياط والتوقى لدينه في الفتوى، قال أبو نعيم مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين
(قوله أناخ راحلته) أى أبركها يقال أنخت الجمل فاستناخ أى أبركته فبرك، والراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وبعضهم يقول الراحلة الناقة التى تصلح أن ترحل وجمعها رواحل
(قوله يبول إليها) أى إلى جهة راحلته وجعلها أمامه حائلا بينه وبين القبلة
(قوله أليس قد نهى الخ) أى أليس قد نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، ونهى يحتمل كونه مبنيا للمجهول وهو الأقرب أو أن يكون مبنيا للفاعل
(قوله قال بلى) أى قال ابن عمر مجيبا مروان بلى أى نهى عنه، وبلى حرف جواب يرفع حكم النفى ويوجب نقيضه وهو الإثبات فإذا قيل ما قام زيد وقلت في الجواب بلى فمعناه إثبات القيام وإذا قيل أليس قد قام زيد وقلت بلى فعناه التقرير والإثبات أيضا ولا تكون إلا بعد نفي وهذا النفى إما في أول الكلام كما تقدم وإما في أثنائه كقوله تعالى (أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه بلى) التقدير بلى نجمعها، وقد يكون مع النفى استفهام وقد لا يكون، فالمعنى هنا على تقرير النهى عن استقبال القبلة إلا أنه غير عام في الفضاء والبنيان كما فهم السائل ولذا أجابه ابن عمر بما يفيد قصر النهى على الفضاء حيث قال إنما نهى عن ذلك في الفضاء بلا ساتر، والفضاء بالمدّ المكان الواسع يقال فضا المكان فضوّا من باب قعد إذا اتسع فهو فضاء
(قوله بينك وبين القبلة) بين ظرف مبهم لا يتبين معناه إلا بإضافته إلى اثنين فصاعدا أو ما يقوم مقام ذلك كقوله تعالى (عوان بين ذلك) والمشهور في العطف بعدها أن يكون بالواو أنها للجمع المطلق ويقال جلست بين القوم أى وسطهم
(قوله فلا بأس) أى لا حرج في الاستقبال حينئذ
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يطلب ممن أشكل عليه شئ في أمر دينه أن يسأل عنه من هو أعلم