المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في البول في المستحم) - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود - جـ ١

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمةتشتمل على مبادى علم الحديث، وشذرات من علم المصطلح

- ‌الحديث المقبول

- ‌(الخبر المردود)

- ‌ المعلق)

- ‌ المرسل)

- ‌ المعضل)

- ‌ المنقطع)

- ‌المرسل الخفيّ

- ‌المردود للطعن)

- ‌ الموضوع)

- ‌ المتروك)

- ‌ المعلّ)

- ‌ مدرج الإسناد)

- ‌ مدرج المتن)

- ‌ المقلوب)

- ‌ المزيد في متصل الأسانيد)

- ‌ المضطرب)

- ‌ المصحف)

- ‌ المحرف)

- ‌ المبهم)

- ‌التقسيم الثانى للخبر باعتبار نهاية السند

- ‌ المرفوع)

- ‌ الموقوف)

- ‌ المقطوع)

- ‌(فائدة) إذا قال الصحابى كنا نقول أو نفعل كذا

- ‌(أقسام السند)

- ‌العلوّ النسبىّ

- ‌ الموافقة

- ‌ البدل

- ‌ المساواة

- ‌ المصافحة

- ‌(أنواع الرواية)

- ‌ رواية الأقران

- ‌ رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌ رواية الأصاغر عن الأكابر

- ‌ المتفق والمفترق)

- ‌ المتشابه

- ‌ المسلسل)

- ‌(طرق تحمل الحديث)

- ‌ السماع

- ‌ القراءة

- ‌ الإجازة

- ‌ المناولة

- ‌ الإعلام

- ‌ الوجادة

- ‌صيغ الأداء

- ‌(فوائد)

- ‌(ترجمة الإمام الحافظ أبي داود)

- ‌ التعريف بكتاب السنن لأبى داود

- ‌ شرط أبى داود وطريقته في سننه

- ‌ ما سكت عليه أبو داود

- ‌ النسخ المروية عن أبى داود وتراجم رواتها

- ‌(أسانيد الكتاب منى إلى المؤلف رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ)

- ‌(كتاب الطهارة)

- ‌(باب التخلي عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرجل يتبوّأ لبوله)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء)

- ‌ التسمية قبل التعوذ

- ‌(باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)

- ‌(باب كيف التكشف عند الحاجة)

- ‌(باب كراهية الكلام عند الخلاء)

- ‌(باب أيردّ السلام وهو يبول)

- ‌(باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر)

- ‌(باب الخاتم يكون فيه ذكر الله تعالى يدخل به الخلاء)

- ‌(باب الاستبراء من البول)

- ‌(باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده)

- ‌(باب المواضع التى نهى عن البول فيها)

- ‌(باب في البول في المستحم)

- ‌(باب النهى عن البول في الجحر)

- ‌(باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء)

- ‌(باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء)

- ‌لا يشرب نفسا واحدا

- ‌(باب الاستتار في الخلاء)

- ‌(باب ما ينهى عنه أن يستنجى به)

- ‌(باب الاستنجاء بالأحجار)

- ‌(باب في الاستبراء)

- ‌(باب في الاستنجاء بالماء)

- ‌(باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى)

- ‌(باب السواك)

- ‌ الاستياك للصائم بعد الزوال

- ‌(باب كيف يستاك)

- ‌(باب في الرجل يستاك بسواك غيره)

- ‌(باب غسل السواك)

- ‌(باب السواك من الفطرة)

- ‌الاستنشاق)

- ‌قص الأظفار)

- ‌نتف الإبط)

- ‌حلق العانة)

- ‌ اختتان الخنثى

- ‌(باب السواك لمن قام من الليل)

- ‌(باب فرض الوضوء)

- ‌ متي فرضت الطهارة

- ‌ سبب وجوب الطهارة

- ‌(باب الرجل يجدد الوضوء من غير حدث)

- ‌(باب ما ينجس الماء)

- ‌(من أخرج هذه الرواية أيضا)

- ‌(باب ما جاء في بئر بضاعة)

- ‌ بيان أن ماء بئر بضاعة كان كثيرا لا يتغير

- ‌(باب الماء لا يُجنِب)

- ‌(باب البول في الماء الراكد)

- ‌(باب الوضوء بسؤر الكلب)

- ‌(باب سؤر الهرّة)

- ‌(باب الوضوء بفضل طهور المرأة)

- ‌(باب النهى عن ذلك)

- ‌(باب الوضوء بماء البحر)

- ‌ جواز التطهر بماء البحر الملح

- ‌(باب الوضوء بالنبيذ)

- ‌(باب الرجل أيصلى وهو حاقن)

- ‌(باب ما يجزى من الماء في الوضوء)

- ‌(باب الإسراف في الوضوء)

- ‌(باب في إسباغ الوضوء)

- ‌(باب الوضوء في آنية الصفر)

- ‌(باب في التسمية على الوضوء)

- ‌لفظها الوارد

- ‌(باب في الرجل يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها)

- ‌ استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به

الفصل: ‌(باب في البول في المستحم)

الماء الذى ترد عليه اهـ من النهاية وقال الخطابى هي طرق الماء واحدها موردة اهـ وقال الطيبى المورد هو الماء الذى ترد عليه الناس من عين أو نهر اهـ ويؤيده ما في رواية أحمد أو نقع ماء بدل الموارد والنقع الماء المجتمع وقيل الموارد الأمكنة التى تأتيها الناس كالأندية ولا مانع من إرادة جميعها

(قوله وقارعة الطريق) بالجر عطفا على الموارد أى والبراز في قارعة الطريق أى وسطه وقيل أعلاه والمراد بها هنا نفس الطريق وقارعة مشتقة من القرع وهو الضرب فهى قارعة بمعنى مقروعة فاعلة بمعنى مفعولة سميت بذلك لقرعها وضربها بالنعال والحوافر فالإضافة فيه من إضافة الصفة للموصوف أى الطريق المقروعة

(قوله والظلّ) بالجر عطفا على الموارد أيضا وتقدم بيانه والمراد منه

(فقه الحديث) دلّ الحديث على تحريم قضاء الحاجة في مجارى الماء والطرق التى تمرّ فيها الناس والأمكنة التى يؤخذ منها الماء لما فيه من الإيذاء للناس بالتقذير ونحوه وتقدمت بقية الفوائد في الحديث الذى قبله

(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن ماجه، وقال هو مرسل والحاكم وابن السكن والطبرانى والبيهقى. ثم قيل إن الحديث ضعيف لأنه من رواية أبى سعيد الحميرى وهو لم يدرك معاذا فهو منقطع ولا يعرف بغير هذا الإسناد كما قاله الحافظ ابن حجر وبه ردّ تصحيح الحاكم وابن السكن له، وقال العراقى ارتقى إلى درجة الحسن بوجود الشواهد اهـ فمن الشواهد ما رواه أحمد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اتقوا الملاعن الثلاث أن يقعد أحدكم في ظلّ يستظلّ به أو في طريق أو نقع ماء وقوْله أن يقعد أحدكم أى لحاجته كما في بعض الروايات وفيه ضعف لأجل ابن لهيعة والراوى عن ابن عباس مبهم، وما رواه ابن ماجه عن جابر بإسناد حسن مرفوعا إياكم والتعريس على جواد الطريق فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن، وما روى عن ابن عمر نهى أن يصلى على قارعة الطريق أو يضرب عليها الخلاء أو يبال فيها وفى إسناده ابن لهيعة إلى غير ذلك مما تقدّم من الأحاديث

(باب في البول في المستحم)

أى في بيان حكم البول في المستحم وهو بضم الميم وفتح الحاء المهملة في الأصل الموضع الذى يغتسل فيه بالحميم وهو الماء الحارّ ثم أطلق على مكان الاغتسال بأى ماء كان وهو المراد بالمغتسل المصرحّ به في رواية الطبرانى في الأوسط بإسناد حسن وفي رواية الحاكم بإسناد صحيح بلفظ ولا تبولن في مغتسلك وفى رواية المصنف الآتية بعد وفى بعض النسخ إسقاط هذه الترجمة

ص: 103

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَا: ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: " لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ: ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ "

(ش)(رجال الحديث)

(قوله أحمد بن محمد بن حنبل) هو الإمام الجليل أبو عبد الله الشيبانى المروزى البغدادى الحافظ الحجة الفقيه المجتهد إمام أهل السنة والجماعة قال فيه الشافعى خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم من أحمد وقال إبراهيم الحربى رأيت أحمد كأن الله جمع له علم الأولين والآخرين وقال قتيبة خير أهل زماننا هذا الشاب يعنى أحمد بن حنبل وقال لولا أحمد لأحدثوا في الدين وقال أو مسهر لما قيل له هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا أعلمه إلا شابا في ناحية المشرق يعنى أحمد ابن حنبل وعن إسحاق أحمد حجة بين الله وخلقه. وكان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يقول لا تكتبوا العلم عمن يأخذ عليه عرضا من الدنيا وكان يضرب به المثل في اتباع السنة واجتناب البدعة وكان لا يدع قيام الليل قط وله في كل يوم وليلة ختمة وقال أبو عصمة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بتّ ليلة عند أحمد بن حنبل فجاء بماء فوضعه فلما أصبح نظر إلى الماء كما هو فقال يا سبحان الله رجل يطلب العلم ولا يكون له ورد. وكان مجلسه خاصا بالآخرة لا يذكر فيه شئ من أمر الدنيا وتعرّت أمه من الثياب فجاءته زكاة فردّها وقال العرى لهم خير من أوساخ الناس وإنها أيام قلائل ثم نرحل من هذه الدار. وكان إذا جاع أخذ الكسرة اليابسة فنفضها من الغبار ثم صبّ عليها الماء حتى تبتلّ ثم يأكلها بالملح. وكان أكثر إدامه الخلّ. وكان من أصبر الناس على الوحدة لا يراه أحد إلا في المسجد أو جنازة أو عيادة. وكان ورده في كل يوم وليلة ثلثمائة ركعة فلما ضرب بالسياط ضعف فكان يصلى مائة وخمسين ركعة. وكان سبب ضربه بالسياط امتناعه عن القول بخلق القرآن وسبب هذه الفتنة أن القاضى أحمد بن أبى دؤاد كان ممن نشأ في العلم وتضلع بعلم الكلام وصحب فيه هياج بن العلاء السلمى صاحب واصل بن عطاء أحد رءوس المعتزلة وكان ابن أبى دؤاد رجلا فصيحا معظما عند المأمون يقبل شفاعاته ويصغى إلى كلامه فدسّ له القول بخلق القرآن وحسنه عنده وصيره يعتقده حقا مبينا فجمع رأيه سنة ثمان عشرة ومائتين على الدعاء إليه فكتب إلى نائبه على بغداد كتابا يقول فيه سل العلماء عن القرآن

ص: 104

أهو مخلوق أم غير مخلوق فمن أجاب بخلقه فخلّ سبيله ومن لم يجب فاحمله إلينا فأجاب إلى خلقه جماعة وامتنع آخرون وكان ممن امتنع أحمد بن حنبل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فحمل إلى المأمون مسلسلا بالقيود قال أحمد بن عسان لما حملت مع أحمد بن حنبل إلى المأمون تلقانا الخادم وهو يبكي ويقول عزّ علىّ يا أبا عبد الله ما نزل بك قد جرّد أمير المؤمنين سيفا لم يجرّده قط وبسط نطعا لم يبسطه قط ثم قال وقرابتى من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لارفعت السيف عن أحمد وصاحبة حتى يقولا القرآن مخلوق فجثا أحمد على ركبتيه ولحظ السماء بعينيه ودعا فما مضى الثلث الأول من الليل إلا ونحن بصيحة وضجة فأقبل علينا خادمه وهو يقول صدقت يا أحمد القرآن كلام الله غير مخلوق قد مات والله أمير المؤمنين. وكان قد لقيه قبل أن يدخل المدينة رجل من العباد فقال احذر يا أحمد أن يكون قدومك مشئوما على المسلمين فإن الله تعالى قد رضى بك لهم وافدا والناس إنما ينظرون إلى ما تقول فيقولون به فقال أحمد حسبنا الله ونعم الوكيل. وقال الربيع بن سليمان إن الشافعى قال يا ربيع خذ كتابى هذا فامض به وسلمه إلى أبى عبد الله وأتنى بالجواب قال الربيع فدخلت بغداد ومعى الكتاب فصادفت أحمد في حنبل في صلاة الصبح فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت هذا كتاب أخيك الشافعى من مصر فقال لى أحمد نظرت فية فقلت لا فكسر الختم فقرأ وتغرغرت عيناه فقلت (إيش) فيه أبا عبد الله فقال يذكر فيه أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في النوم فقال له اكتب إلى أبى عبد الله فاقرأ عليه السلام وقل له إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم فيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت له البشارة يا أبا عبد الله فخلع أحد قميصيه الذى يلى جسده فأعطانيه فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى الشافعى فقال (إيش) الذى أعطاك فقلت قميصه فقال لست أفجعك فيه ولكن بله وادفع إليّ الماء أتبرّك به. ولما سجنوه وضعوا في رجليه أربعة قيود. وكان ابن أبى دؤاد هو الذى تولى جدال أحمد عن الخليفة وقال للخليفة إن أحمد ضال مبتدع ثم يلتفت إلى أحمد ويقول له قد حلف الخليفة أن لا يقتلك بالسيف وإنما هو ضرب بعد ضرب إلى أن تموت فما زالوا بأحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يناظرونه بالليل والنهار إلى أن ضجر الخليفة فلما طال بهم الحال قال ابن أبى دؤاد يا أمير المؤمنين اقتله ودمه في أعناقنا فرفع الخليفة يده ولطم بها وجه أحمد فخرّ مغشيا عليه فخاف الخليفة على نفسه ممن كان من الشيعة مع أحمد فدعا بماء فرش منه على وجه أحمد ولما قدم إلى السياط أغاثه الله تعالى برجل يقال له أبو الهيثم العيار فوقف عنده وقال يا أحمد أنا فلان اللص ضربت ثمانية عشر ألف سوط لأقرّ فما أقررت وأنا أعرف أنى على الباطل فاحذر أن تتقلق وأنت على الحق من حرارة السوط فكان أحمد كلما أوجعه الضرب تذكر كلام اللص. وقال الفضيل بن عياض حبس الإمام

ص: 105

أحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ثمانية وعشرين شهرا وكان فيها يضرب كلّ قليل إلى أن يغمى عليه وينخس بالسيف ويرمى بالأرض ويداس عليه ولم يزل كذلك إلى أن مات المعتصم وتولى بعده الواثق فاشتد الأمر على أحمد حتى مات الواثق وتولى المتوكل فرفع المحنة عن أحمد وأمر بإحضاره وإكرامه وإعزازه وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وإظهار السنة وأن القرآن غير مخلوق وخمدت المعتزلة (وبالجملة) ففضائله كثيرة. روى عن إبراهيم بن سعد وعبد الرزاق ووكيع ويحيى بن سعيد القطان وكثيرين. وعنه الشافعى من شيوخه والشيخان وأبو داود وأكثر عنه في كتابه هذا وابن معين وآخرون. ولد ببغداد ونشأ بها ومات فيها ودخل الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة. ولما مرض رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اجتمع الناس على بابه لعيادته حتى امتلأت الشوارع. ولما قبض صاح الناس وعلت الأصوات بالبكاء وارتجت الدنيا لموته وخرج أهل بغداد إلى الصحراء يصلون عليه فحزروا من حضر جنازته من الرجال ثمانمائة ألف ومن النساء ستين ألفا سوى من كان في الأطراف والسفن والأسطحة فإنهم بذلك يكونون أكثر من ألف ألف. وأسلم يوم وفاته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس. وكانت وفاته رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ سنة إحدى وأربعين ومائتين وقد استكمل سبعا وسبعين سنة

(قوله الحسن بن علي) بن محمد الهذلى أبو على الخلال المكي الحافظ. روى عن عبد الصمد ووكيع وعبد الرّزاق بن همام وأبى أسامة وآخرين. وعنه إبراهيم الحربى والبخارى ومسلم والترمذى وابن ماجه وكثيرون، قال يعقوب بن شيبة كان ثقة ثبتا متقنا ووثقه النسائى والخطيب وابن حبان وقال الترمذى كان حافظا. مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين

(قوله عبد الرزاق) بن همام ابن نافع أبو بكر الحميرى مولاهم الصنعاني أحد الحفاظ الأثبات صاحب التصانيف. روى عن ابن جريج والأوزاعي ومالك وسعيد بن مسلم وكثيرين. وعنه ابن عيينة وإسحاق وأحمد ابن حنبل وابن معين وغيرهم .. ووثقه الأئمة كلهم إلا العباس بن عبد العظيم العنبرى وحده فتكلم بكلام أفرط فيه ولم يوافقه عليه أحد وقال ابن معين كان عبد الرزّاق أثبت في حديث معمر من هشام بن يوسف وقال هشام بن يوسف كان عبد الرزاق أعلمنا وأحفظنا وقال الذهلى كان أيقظهم في الحديث وكان يحفظ وقال ابن عدىّ رحل إليه ثقات المسلمين وكتبوا عنه إلا أنهم نسبوه إلى التشيع وهو أعظم ما رموه به وقال إبراهيم بن عباد كان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث وقال الأثرم عن أحمد من سمع منه بعد ما عمى فليس بشئ. روى له الجماعة. مات سنة إحدى عشرة ومائتين

(قوله قال أحمد حدثنا معمر الخ) فيه إشارة إلى بيان الاختلاف في السندين بأن رواية أحمد فيها التصريح بتحديث عبد الرزاق عن معمر وبإخبار معمر عن أشعث بخلاف رواية الحسن فإنها بالعنعنة فيهما وبأن الأشعث في رواية الحسن منسوب إلى أبيه بخلاف رواية

ص: 106

أحمد. أما ما في النسائى من قوله عن الأشعث بن عبد الملك فهو خطأ أو سهو من النساخ والصحيح ما في المصنف وكتب الرجال من أنه ابن عبد الله (ومعمر) هو ابن راشد الأزدى أبو عروة البصرى ثم اليماني أحدا الأئمة الأعلام. روى عن الزهرى وهمام بن منبه وقتادة وعمر وبن دينار وغيرهم. وعنه سفيان الثورى من أقرانه وأيوب من شيوخه وشعبة وابن عيينة وآخرون، قال العجلى ثقه صالح وقال النسائى ثقة مأمون وقال أبو حاتم حدّث من حفظه بالبصرة بأحاديث غلط فيها وقال يحيى بن معين حديث معمر عن ثابت البنانى ضعيف. مات سنة ثلاث أو أربع وخمسين ومائة وله ثمان وخمسون سنة. روى له الجماعة

(قوله عن أشعث بن عبد الله) بن جابر الأعمى أبى عبد الله البصرى. روى عن أنس وشهر بن حوشب والحسن بن أبى الحسن ومحمد بن سيرين وغيرهم. وعنه معمر وشعبة ونصر بن على ويحيى القطان وطائفة. روى له أبو داود والترمذى وابن ماجه. وثقه النسائى وابن معين وقال الدارقطنى يعتبر به وقال البزار ليس به بأس مستقيم الحديث وأورده العقيلى في الضعفاء وقال في حديثه وهم لكن قال الذهبى في الميزان قول العقيلى في حديثه وهم ليس بمسلم وأنا أتعجب كيف لم يخرج له الشيخان

(قوله الحسن) بن يسار البصرى

(قوله عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء المشددة ابن عبد نهم بن عفيف المزنى أبو سعيد كان من أصحاب بيعة الشجرة قال الحسن البصرى كان أحد العشرة الذين بعثهم إلينا عمر يفقهون الناس وكان من البكائين في غزوة تبوك الذين أنزل الله تعالى فيهم، ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم إلى قوله تعالى وأعينهم تفيض من الدمع حزنا. وفضائله كثيرة. روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثلاثة وأربعون حديثا اتفق الشيخان منها على أربعة وانفرد البخارى بحديث ومسلم بآخر وروى عن أبى بكر وعثمان وعبد الله بن سالم، وعنع أبو العالية وسعيد بن جبير والحسن البصرى وثابت البنانى وغيرهم. سكن المدينة ثم تحوّل إلى البصرة وابتنى بها دارا ومات بها سنة تسع وخمسين أو ستين. روى له الجماعة

(قوله لا يبولنّ أحدكم) النهى فيه متوجه لجميع الأمة وإن كان ظاهر الخطاب لمن كان حاضرا من الصحابة

(قوله في مستحمه) الإضافة فيه لأدنى ملابسة لأن المراد مكان الاغتسال ولو غير مملوك

(قوله ثم يغتسل فيه) ثم استبعادية يعنى يستبعد من العاقل أن يغتسل أو يتوضأ في محل بال فيه لما يترتب على ذلك من الوسوسة ونظيره قوله تعالى (الحمد لله الذى خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون) أى يستبعد كفر من كفر بعد قيام الأدلة على وحدانية الله تعالى ويغتسل الرواية فيه بالرفع فيكون خبرا لمبتدإ محذوف أى ثم هو يغتسل فيه والمعنى عليه لينته أحدكم عن البول في المستحم وله أن يغتسل فيه وإن لم ينته فليس له أن يغتسل فيه، ويجوز نصبه

ص: 107

في جواب النهى على أن ثم بمعنى الواو، وقول النووى لا يجوز النصب لأنه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بينهما دون إفراد أحدهما وهذا لم يقل به أحد بل البول منهيّ عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا غير مسلم فإن النهى عن الجمع بين البول والاغتسال في مكان واحد لا مانع من إرادته في الحديث بدليل التعليل الآتى وكونه يترتب عليه جواز البول في المستحم ولم يقل به أحد هذا وإن كان مسلما إلا أنه جاء من طريق المفهوم وهو معارض بالتعليل المذكور في الحديث فإنه لو بال في المغتسل أحد واغتسل فيه آخر أورثه ذلك الوسوسة ومعارض أيضا بنحو قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا ضرر ولا ضرار رواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس، وقال ابن دقيق العيد النهى عن الجمع بينهما يؤخذ من هذا الحديث إن ثبتت رواية النصب ويؤخذ النهى عن الإفراد من حديث آخر اهـ وأما لو بال في المستحم وهجره من الاغتسال فيه جاز له ذلك، ويجوز جزم يغتسل عطفا على يبولنّ والمعنى عليه النهى عن البول في المستحم وهو ظاهر وعن الاغتسال فيه على معنى الانغماس فيه لما يترتب عليه من قذارة الماء وعليه فالنهى للتنزيه

(قوله قال أحمد ثم يتوضأ) أى قال أحمد بن محمد بن حنبل في روايته ثم يتوضأ بدل يغتسل في رواية الحسن وهذا ظاهر كلام المصنف والذى في رواية البيهقى من طريق أحمد ثم يغتسل فيه ثم يتوضأ

(قوله فإن عامة الوسواس منه) أى من الغسل أو الوضوء في محل البول، وهو علة للنهى وعامة الشئ جميعه أو أكثره وهو المراد هنا والوسواس حديث النفس بما لا خير فيه أو بما فيه شرّ وهو مصدر وسوس يقال وسوس يوسوس وسوسة ووسواسا بكسر الواو ووسواسا بفتحها والوسواس بالفتح اسم للشيطان أيضا وكل منهما يصح إرادته هنا أما الأول ظاهر وأما الثانى فعلى تقدير مضاف أى فإن عامة فعل الوسواس منه والمراد بفعل الوسواس وسوسته. قال العراقى علل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هذا النهى بأن هذا الفعل يورث الوسواس ومعناه أن المغتسل يتوهم أنه أصابه شئ من رشاشه فيحصل له وسواس. وروى ابن أبى شيبة في مصنفه عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أنه قال إنما يكره البول في المغتسل مخافة اللمم، وذكر صاحب الصحاح وغيره أن اللمم طرف من الجنون وهذا يقتضى أن العلة في النهى عن البول في المغتسل خشية أن يصيبه شئ من الجن وهو معنى مناسب لأن المغتسل محل حضور الشياطين لما فيه من كشف العورة فهو في معنى البول في الجحر. لكن المعنى الذى علل به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أولى بالاتباع قال ويمكن جعله موافقا لقول أنس بأن يكون المراد بالوسواس في الحديث الشيطان وفيه حذف تقديره فإن عامة فعل الوسواس أى الشيطان منه وفعل الوسواس هنا اللمم لكنه خلاف ما فهمه العلماء من الحديث ولا مانع من التعليل بهما فكل منهما علة مستقلة اهـ وقال السيوطي هما علة واحدة ولا منافاة فإن اللمم الذى ذكره أنس هو الوسواس بعينه وذلك طرف من الجنون فإنه قد كثر في الحديث والآثار وأشعار العرب إطلاق الوسواس مرادا به الجنون فمن ذلك حديث أحمد عن عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُقال لما توفى النبى صلى

ص: 108

الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حزن أصحابه حتى كاد بعضهم يوسوس أى يجنّ، وقيل لولا مخافة الوسواس لكنت بأرض ليس فيها ناس، فالذى قاله أنس هو عين الذى قاله النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم اهـ قال الشيخ العراقى حمل جماعة من العلماء هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض واستقرّ فيها فإن كان صلبا ببلاط ونحوه بحيث يجرى عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ كالبالوعة فلا نهى. فقد روى ابن أبى شيبة عن عطاء قال إذا كان يسيل فلا بأس، وقال ابن المبارك فيما نقله عنه الترمذي قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء، وقال النووى إنما نهى عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف منه إصابة رشاشه فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة اه ونحوه لابن الأثير والخطابى. قال الشيخ ولى الدين وهو عكس ما ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهى على الأرض اللينة وحمله هو على الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقرّ موضعه وفى الصلبة بحرى ولا يستقرّ فإذا صب عليه الماء ذهب أثره بالكلية، والحديث ليس مقيدا بشئ مما ذكر بل الظاهر إبقاؤه على عمومه ما بقى أثر النجاسة لينقطع سبيل الوسواس فلا فرق في المستحم بين أن يكون صلبا أو رخوا له منفذ أو لا. أما إذا زال أثرها فلا نهى (واعلم) أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان أحرص الناس على هداية الأمة وإرشادهم إلى ما فيه فلاحهم دنيا وأخرى فلم يدع سبيلا يرشد إلى الخير إلا وقد أمر به ولا طريقا يوصل إلى الشرّ إلا وقد نهى عنه كما قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما تركت شيئا يقربكم إلى الله تعالى إلا وقد أمرتكم به ولا شيئا يبعدكم عن الله تعالى إلا وقد نهيتكم عنه رواه الطبرانى في الكبير عن زيد بن أرقم، وقد امتن الله سبحانه وتعالى على أمته ببعثته فقال تعالى (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين) فهو صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رحمة عامة ونعمة تامة فمن هدايته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وشفقته علينا نهيه لنا عن البول في محل الطهارة وإعلامه أن عامة الوسواس منه ذلك الأمر الذى يترتب عليه الخروج عن هدى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واستحواذ الشيطان على من قام به حتى يوقعه في المشقة والعناء فيخيل لمن رآه أن به جنونا وحسبك أن فحول العلماء المحققين قد ألفوا في ذم الوسواس كتبا مستقلة وأطالوا الكلام بما يشفى ويكفي، فمن ذلك ما ذكره ابن قدامة المقدسى في كتابه ذمّ الموسوسين قال إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان حيث اتصفوا بوسوسته وقبلوا قوله وأطاعوه ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وصحابته حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو صلى كصلاته فوضوؤه باطل وصلاته غير صحيحة ويرى أنه إذا فعل مثل فعل

ص: 109

رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في مؤاكلة الصبيان وأكل طعام عامة المسلمين أنه قد صار نجسا يجب عليه تسبيع يده وفمه كما لو ولغ فيهما كلب، ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلى ما يشبه الجنون ويقارب مذهب السوفسطائية الذين ينكرون حقائق الموجودات والأمور المحسوسات وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلا يشاهده ببصره ويكبر ويقرأ بلسانه بحيث تسمعه أذناه ويعلمه قلبه بل يعلمه غيره منه ويتيقنه ثم يشك هل فعل ذلك، وكذلك يشككه الشيطان في نيته التى يعلمها من نفسه يقينا بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله ومع هذا يقبل قول إبليس له إنه ما نوى الصلاة ولا أرادها مكابرة منه لعيانه وجحدا ليقين نفسه حتى تراه متردّدا متحيرا كأنه يعالج شيئا يجتذبه أو يجد شيئا في باطنه يستخرجه كل ذلك مبالغة في طاعة إبليس وقبول وسوسته، ومن انتهت طاعته لإبليس إلى هذا الحد فقد بلغ النهاية في طاعته، ثم إنه يقبل قوله في تعذيب نفسه ويطيعه في الإضرار بجسده تارة بالغوص في الماء البارد وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك وربما فتح عينيه في الماء البارد وغسل داخلهما حتى يضرّ ببصره وربما أفضى إلى كشف عورته للناس وربما صار إلى حال يسخر منه الشيطان ويستهزئُ به من يراه (وذكر) أبو الفرج بن الجوزى عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلا قال له أنغمس في الماء مرارا كثيرة وأشك هل صح لى الغسل فما ترى في ذلك فقال له الشيخ اذهب فقد سقطت عنك الصلاة قال وكيف قال لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ والنائم حتى يستيقظ والصبى حتى يبلغ رواه أحمد وأبو داود عن على وعمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما، ومن ينغمس في الماء مرارا وشك هل أصابه الماء فهو مجنون، قال وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة وربما فاته الوقت ويشغله بوسوسته في النية حتى تفوته التكبيرة الأولى وربما فوّت عليه ركعة أو أكثر، ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذه ويكذب، وحكى لى من أثق به عن موسوس عظيم رأيته أنا يكرر عقد النية مرارا فيشق على المأمومين مشقة كبيرة فعرض له أن حلف بالطلاق أنه لا يزيد على تلك المرة فلم يدعه إبليس حتى زاد ففرّق بينه وبين امرأته فأصابه لذلك غمّ شديد وأقاما متفرقين دهرا طويلا حتى تزوجت تلك المرأة برجل آخر وجاءه منها ولد ثم إنه حنث في يمين حلفها ففرّق بينهما وردّت إلى الأول بعد أن كاد يتلف لمفارقتها، وبلغنى عن آخر كان شديد التنطع في التلفظ بالنية فاشتدّ به التنطع والتشديد يوما إلى أن قال أصلى أصلى مرارا صلاة كذا وكذا وأراد أن يقول أداء فأعجم الدال وقال أذاء لله فقطع الصلاة رجل إلى جانبه فقال ولرسوله وملائكته وجماعة المصلين. قال ومنهم من يتوسوس في إخراج الحرف حتى يكرّره مرارا قال فرأيت منهم من يقول لله أكككبر. قال

ص: 110

وقال لى إنسان منهم قد عجزت عن قولى السلام عليكم فقلت له قل مثل ما قد قلت الآن وقد استرحت، وقد بلغ الشيطان منهم أن عذبهم في الدنيا والآخرة وأخرجهم عن اتباع الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأدخلم في جملة أهل التنطع والغلوّ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في قوله وفعله وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم وأن ما سوى ذلك فهو من تسويل إبليس ووسوسته ويوقن أنه عدوّ له لا يدعوه إلى خير إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير وليترك التعرج على كل ما خالف طريقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كائنا ما كان فإنه لا شك أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان على الصراط المستقيم ومن شك في هذا فليس بمسلم اهـ ملخصا وقد أطال البحث في هذا المقام

(فقه الحديث) دل الحديث على منع البول في محل التطهير، وعلى أنه يطلب ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يبين السبب ليقع كلامه عند المأمور والمنهى موقع القبول وعلى أنه يطلب من الإنسان البعد عما يضرّه، وعلى أنه يطلب إيقاع الغسل والوضوء في محل طاهر، وعلى أنه يطلب من الرئيس أن يرشد رعيته إلى ما فيه صلاحهم وترك ما لا خير فيه (من أخرج الحديث أيضا) أخرجه أحمد والنسائى وابن ماجه وابن حبان والحاكم وعبد الرزاق في الجامع والعقيلى والضياء المقدسى وأخرجه البيهقى من عدّة طرق مرفوعا وموقوفا وأخرجه الترمذى وقال حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث بن عبد الله، وذكر في العلل أنه سأل عنه البخارى فقال لا أعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، وقال ابن سيد الناس وهو مع غرابته يحتمل أن يكون من قسم الحسن لأن أشعث مستور اهـ وقال المناوى في شرحه الكبير جزم النووى بأنه حسن وقال المنذرى إسناده صحيح متصل وأشعث بن عبد الله ثقة صدوق وكذا بقية رواته

(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ»

ص: 111

(ش)(رجال الحديث)

(قوله أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله بن قيس التميمى الكوفى الحافظ. روى عن ابن أبي ذئب وابن أبى ليلى والثورى وهشام بن عروة وغيرهم وعنه الشيخان وأبو داود وأبو زرعة وابن أبى حاتم الرازى وطائفة، قال أحمد هو شيخ الإسلام وقال الدارقطنى صدوق ثقة وقال عثمان بن أبى شيبة كان ثقة وليس بحجة وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا صاحب سنة وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو حاتم كان ثقة متقنا. مات سنة سبع وعشرين ومائتين

(قوله زهير) بن معاوية بن حديج بالحاء المهملة مصغرا أبو خيثمة الكوفى أحد الحفاظ. روى عن سماك بن حرب والأسود بن قيس وموسى بن عقبة وأبى إسحاق السبيعى وغيرهم. وعنه ابن مهدى وأبو داود الطيالسى ويحيى بن يحيى النيسابورى وعمرو بن خالد وآخرون. قال ابن معين ثقة وقال أبو زرعة ثقة إلا أنه سمع من أبى إسحاق بعد الاختلاط وقال أبو حاتم ثقة متقن صاحب سنة وقال العجلى ثقة مأمون وقال النسائى ثبت وقال ابن سعد كان ثقة ثبتا مأمونا كثير الحديث، روى له الجماعة، مات سنة ثلاث وسبعين ومائة

(قوله داود ابن عبد الله) الأودى بفتح فسكون الزعافرى أبو العلاء الكوفى. ووى عن أبيه وحميد بن عبد الرحمن الحميرى والشعبى وغيرهم. وعنه أبو عوانة ومحمد بن فضيل وأبو خالد الدالانى ووكيع وكثيرون. وثقه أحمد وأبو داود وابن معين وقال مرة ليس بشئ وقال النسائى ليس به بأس

(قوله حميد) بالتصغير ابن عبد الرحمن البصرى الفقيه. روى عن أبى هريرة وأبي بكرة وابن عمر وابن عباس وكثيرين. وعنه ابنه عبيد الله وعبد الله بن بريدة وأبو التياح وابن سيرين وغيرهم وثقه العجلى وابن سعد وقال ابن سيرين هو أفقه أهل البصرة وقال أحمد بن عبد الله تابعى ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان فقيها عالما روى له الجماعة إلا البخارى، والحميرى بكسر فسكون نسبة إلى حمير قبيلة باليمن

(قوله لقيت رجلا) لم يعرف ذلك الرجل وهذا لا يضرّ لأن الصحابة كلهم عدول لثناء الله تعالى عليهم ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وقيل هو حكم بن عمرو الغفارى وقيل عبد الله بن سرجس وقيل عبد الله ابن مغفل

(قوله كما صحبه أبو هريرة) يعنى صحبه مدّة طويلة، وفى رواية النسائى لقيت رجلا صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أربع سنين

(قوله نهى) النهى ضدّ الأمر وهو الكفّ يقال نهاه ينهاه نهيا أى كفه، وفى العرف اقتضاء كف عن فعل لا بقول كف والأداة الموضوعة له لا الجازمة، والنهى في حديث الباب محمول على الكراهة عند العلماء

(قوله أن يمتشط أحدنا) أى معشر الرجال، والفعل في تأويل مصدر مجرور بعن مقدرة أى نهى عن امتشاط أحدنا، والامتشاط تسريح الشعر بالمشط لتحسينه يقال مشطت الشعر مشطا من بابي قتل وضرب سرحته والتثقيل مبالغة والمشط الذى يمتشط به بضم الميم، وتميم كسرها وهو القياس لأنه آلة

ص: 112