الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبله اهـ وأيضا فإن من كتب في معرفة الصحابة لم يخرج حديث الباب من طريق أبى سعيد الخير بل أخرجوا عنه أحاديث أخر فعلم أن المحفوظ هو رواية عيسى بن يونس وأبى عاصم. ولا يقال إن الحديث قد أخرجه أحمد والطحاوى في الآثار من طريق عيسى بن يونس عن ثور عن الحصين عن أبي سعيد الخير لأن هذا تحريف كما علمت. وقد أخرج البيهقى الحديث في سننه من طريق عيسى بن يونس وعمرو بن الوليد قالا ثنا ثور بن يزيد عن حصين الحبرانى عن أبى سعيد الخير عن أبى هريرة عن النبى صلي الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا كثيبا من رمل يجمعه تم يستدبره فإن الشياطين يلعبون بمقاعد بنى آدم من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، وفى سنده تصحيف وحذف إذ أصله عن أبى سعيد الحبرانى فحذفت الياء من سعيد وجعلت الحاء المهملة خاء والموحدة مثناة تحتية وحذفت الألف والنون والياء التحتية، ومما تقدم تعلم أنه وقع هنا اختلافات ثلاثة. الأول أهو أبو سعيد بالياء أو أبو سعد بحذفها. الثانى أهو صحابى أم تابعى. الثالث أهو ملقب بالخير أم لا. وقد علمت أن الذى في سند الحديث إنما هو أبو سعيد الحبرانى التابعى فأما أبو سعد أو أبو سعيد الخير الأنمارى فصحابى
(باب ما ينهى عنه أن يستنجى به)
أى في بيان الأشياء التى نهى الشارع عن الاستنجاء بها، وفى نسخة ما ينهى أن يستنجى به
(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ الْهَمْدَانِيُّ، ثَنَا الْمُفَضَّلُ يَعْنِي ابْنَ فَضَالَةَ الْمِصْرِيَّ، عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْقِتْبَانِيِّ، أَنَّ شِيَيْمَ بْنَ بَيْتَانَ، أَخْبَرَهُ عَنْ شَيْبَانَ الْقِتْبَانِيِّ، أنَّ مَسْلَمَةَ بْنَ مُخَلَّدٍ اسْتَعْمَلَ رُوَيْفِعَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى أَسْفَلِ الْأَرْضِ، قَالَ شَيْبَانُ: فَسِرْنَا مَعَهُ مِنْ كَوْمِ شَرِيكٍ، إِلَى عَلْقَمَاءَ أَوْ مِنْ عَلْقَمَاءَ إِلَى كَوْمِ شَرِيكٍ يُرِيدُ عَلْقَامَ فَقَالَ رُوَيْفِعٌ:«إِنْ كَانَ أَحَدُنَا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ لَيَأْخُذُ نِضْوَ أَخِيهِ عَلَى أَنَّ لَهُ النِّصْفَ مِمَّا يَغْنَمُ، وَلَنَا النِّصْفُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَطِيرُ لَهُ النَّصْلُ وَالرِّيشُ، وَلِلْآخَرِ الْقِدْحُ» ثُمَّ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ: «يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ،
أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ مِنْهُ بَرِيءٌ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله يزيد الخ) هو أبو طالب الرملى عابد زاهد. روى عن الليث بن سعد ويحيى بن حمزة وعبد الله بن وهب ويحيى بن زكريا وغيرهم. وعنه أبو داود وأحمد ابن إبراهيم وأبو زرعة وجعفر بن محمد الفريابى وآخرون، ذكره ابن حبان في الثقات قال أحمد ابن محمد بن السجزى ما رأيت أحدا من أهل الحديث أخشع لله من يزيد بن موهب وقال ابن قانع صالح وقال بقى بن مخلد كان ثقة جدا. مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. روى له أبو داود والنسائى وابن ماجه
(قوله الهمدانى) نسبة إلى همدان بوزن سكران قبيلة من حمير من عرب اليمن
(قوله المفضل الخ) بن عبيد بن ثمامة بن مرثد الرعينى ثم القتبانى قاضى مصر. روى عن يزيد بن أبى حبيب ومحمد بن عجلان وعقيل بن خالد وعبد الله بن عياش وغيرهم. وعنه الوليد ابن مسلم وحسان بن عبد الله الواسطى وزكرياء بن يحيى وقتيبة بن سعيد وجماعة، قال ابن سعد منكر الحديث وقال أبو زرعة لا بأس به وقال ابن معين ثقة صدوق وقال أبو حاتم وابن خراش صدوق في الحديث قال ابن يونس ولى القضاء بمصر مرتين وكان من أهل الفضل والدين والورع ثقة في الحديث ذكره أحمد بن شعيب يوما وأنا حاضر فأحسن الثناء عليه ووثقه وقال أبو داود كان مجاب الدعوة. ولد سنة سبع ومائة، ومات في شوال سنة إحدى أو اثنتين وثمانين ومائة وصلى عليه إسماعيل بن صالح أمير البلد، روى له الجماعة
(قوله عياش بن عباس) بن جابر بن يس أبو عبد الرحيم أو أبو عبد الرحمن الحميرى المصرى. روى عن أبى سلمة وأبى الخير اليزنى وأبى عبد الرحمن الحبلى والضحاك وغيرهم. وعنه سعيد بن أبى أيوب والليث بن سعد وحيوة ابن شريح وآخرون، وثقه أبو داود وابن معين وقال أبو حاتم صالح وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائى ليس به بأس وقال أبو بكر البزار مشهور. توفى سنة ثلاث وثلاثين ومائة. روى له الجماعة إلا البخارى، والقتبانى نسبة إلى قتبان بكسر فسكون بطن من رعين قبيلة باليمن
(قوله شييم) مصغر بياءين وفي التقريب بكسر الشين المعجمة وفتح التحتانية وسكون مثلها بعدها هو ابن بيتان مثنى بيت سمى به القتبانى المصرى. روى عن جنادة بن أبى أمية ورويفع بن ثابت وأبى سالم الجيشانى وغيرهم. وعنه خير بن نعيم وعياش بن عباس القتبانى، وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو بكر البزار شييم غير مشهور وقال في التقريب ثقة من الثالثة. روى له أبو داود والترمذى والنسائى
(قوله أخبره) أى أخبر شييم عياش بن عباس
(قوله شيبان) هو ابن أمية ويقال ابن قيس القتبانى أبو حذيفة المصرى. روى عن رويفع بن ثابت ومسلمة بن مخلد الزرقى. وعنه بكر بن سوادة وشييم القتبانى قال في التقريب مجهول من الثالثة. روى له أبو داود هذا الحديث فقط
(قوله
(ص) مسلمة بن مخلد) بفتح المعجمة على وزن محمد الأنصارى الزرقى، ولد حين قدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آلة وسلم المدينة مهاجرا وقيل كان له لما قدم النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم المدينة أربع سنين وشهد فتح مصر وكان واليا عليها من قبل معاوية ثم تحوّل إلى المدينة، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وعنه على بن رباح ومجاهد وشيبان بن أمية وعبد الرحمن بن شماسة قال أحمد وأبو حاتم ليست له صحبة وقال البخارى والذهبى له صحبة وقال العسكرى له رؤية وليست له صحبة. مات في ذى القعدة سنة اثنتين وستين بالمدينة وله ستون سنة وقيل مات بمصر
(قوله استعمل رويفع الخ) أى جعل مسلمة رويفعا عاملا، ورويفع بن ثابت بن السكن بن عدى ابن حارثة بن النجار الأنصارى صحابى يعدّ في المصريين أمره معاوية سنة ست وأربعين على طرابلس فغزا منها إفريقية سنة سبع وأربعين، له ثمانية أحاديث. روى عنه حنش الصنعانى ووفاء بن شريح وشيبان بن أمية القتبانى ومرثد بن عبد الله. قال ابن يونس توفى ببرقة سنة ست وخمسين وهو أمير عليها من قبل مسلمة بن مخلد. روى له أبو داود والترمذى والنسائى
(قوله على أسفل الأرض) يعنى به الوجه البحرى من أرض مصر، وقيل الغربى والمعنى أن مسلمة كان أميرا على بلاد مصر من جهة معاوية فاستعمل رويفعا على الجهة المذكورة
(قوله من كوم شريك) قال العراقى هو بضم الكاف على المشهور وقيل بفتحها وأصل الكوم الرمل المرتفع، وقال ابن شميل الكومة الرمل المجتمع ارتفاعه ذراعان ويكون من الحجارة والرمل والجمع كوم وهو اسم لمواضع بمصر تضاف إلى أربابها أو إلى ما عرفت به، منها كوم شريك قرب الاسكندرية كان عمرو بن العاص أنفذ فيه شريك بن سمى الغطيفى المرادى الصحابى علي مقدمة جيشه في فتح مصر فكثرت عليه الروم بهذا الموضع فخافهم على أصحابه فلجأ إلى هذا الكوم واعتصم به ودافعهم حتى أدركه عمرو بن العاص فاستنقذهم فسمى كوم شريك لذلك
(قوله إلى علقماء) بفتح العين المهملة وسكون اللام وفتح القاف والميم بعدها ألف ممدودة وقد تقصر بلدة في طريق الإسكندرية
(قوله أو من علقماء إلى كوم شريك) شك من شيبان أى من أى موضع كان ابتداء السير من الكوم أو من علقماء وعلى كلّ فمن أحد الموضعين كان ابتداء السير وإلى الآخر انتهاؤه
(قوله يريد علقام) أى يريد رويفع بسيره الذهاب إلى علقام، فعلقام غير علقماء كما يفهم من قوله يريد علقام وعلى أنهما موضعان جرى العينى، وفى النهاية كوم علقام وفى رواية كوم علقماء بضم الكاف موضع بأسفل ديار مصر اهـ ويؤخذ منه أن علقام وعلقماء موضع واحد
(قوله إن كان أحدنا الخ) إن مخففة من الثقيلة واجبة الإهمال لدخولها على الفعل بخلاف ما لو دخلت على الجملة الإسمية فيقلّ عملها
(قوله نضو أخيه) النضو بكسر النون وسكون المعجمة البعير المهزول يقال بعير نضو وناقة نضو ونضوة كذا في المصباح، وقال
في النهاية النضو الدابة التى أهزلتها الأسفار وأذهبت لحمها اهـ
(قوله مما يغنم) أى يصيبه في الجهاد، يقال غنمت الشئ أغنمه غنما من باب شرب أصبته غنيما والغنيمة ما نيل من أهل الشرك عنوة والحرب قائمة بخلاف الفئ فإنه ما أخذ منهم بعد أن تضع الحرب أوزارها
(قوله ولنا النصف) أى للآخذ والمستأجر النصف. قال العينى وفى هذا حجة لمن أجاز أن يعطى الرجل فرسه أو بعيره على شطر ما يصيبه المستأجر من الغنيمة وهو قول أحمد والأوزاعى ولم يجوّز ذلك أكثر العلماء وأوجبوا مثل هذا أجرة المثل اهـ ومثله للخطابى في معالم السنن
(قوله ليطير له) أى يحصل له في القسمة يقال طار لفلان النصف ولفلان الثلث إذا وقع له ذلك في القسمة
(قوله النصل) بفتح فسكون حديدة السهم والرمح والسيف ما لم يكن له مقبض وجمعه أنصل ونصال ونصول اهـ قاموس (قو له والريش) بكسر الراء سن السهم يركب في النصل يقال راش السهم يريشه ريشا إذا ركب عليه الريش وريشت السهم ألزقت عليه الريش فهو مريش كمبيع ومريش
(قوله وللآخر القدح) بكسر القاف وسكون الدال المهملة خشب السهم ويقال للسهم أول ما يقطع قطع بكسر القاف ثم ينحت ويبرى فيسمى بريا ثم يقوّم فيسمى قدحا ثم يراش ويركب نصله فيسمى سهما (وحاصل) الحديث أنه كان يقتسم الرجلان السهم فيقع لأحدهما نصله وريشه وللآخر قدحه قال الخطابى في هذا دليل على أن الشئ المشترك بين الجماعة إذا احتمل القسمة فطلب أحد الشركاء مقاسمته كان له ذلك ما دام ينتفع بالشئ الذى يخصه منه وإن قلّ وذلك أن القدح قد ينتفع به عريانا من الريش والنصل وكذلك قد ينتفع بالريش والنصل وإن لم يكونا مركبين في قدح فأما ما لا ينتفع بقسمته أحد من الشركاء وكان في ذلك الضرر والإفساد للمال كاللؤلؤة تكون بين الشركاء فإن المقاسمة تمنع فيه لأنها حينئذ من باب إضاعة المال فيبيعون الشئ ويقتسمون الثمن بينهم على قدر حقوقهم منه اهـ
(قوله لعلّ الحياة الخ) لعلّ للترجى والمعنى أرجو أن تطول بك الحياة بعدى فإذا طالت ورأيت الناس قد ارتكبوا أمورا من المخالفات فأخبرهم الخ وقد حقق الله تعالى رجائه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فطالت به الحياة حتى مات سنة ست وخمسين بإفريقية وهو آخر من مات بها من الصحابة، ويحتمل أن تكون لعل للتحقق ففيه إخبار بالغيب معجزة له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقد طالت به الحياة وما مات حتى رأى كثيرا من المخالفات
(قوله أنه من عقد لحيته) الضمير في أنه للشأن والعقد في الأصل الربط يقال عقدت الحبل عقدا فانعقد يعنى ربطته من باب ضرب، واللحية بكسر اللام شعر الخدين والذقن وتجمع على لحى بكسر اللام مثل سدرة وسدر وبضمها أيضا مثل حلية وحلى واللحى عظم الحنك الذى عليه الأسنان وهو من الإنسان حيث ينبت الشعر وهو أعلى وأسفل والمعنى كما قاله في النهاية من عالج
لحيته حتى تتعقد وتتجعد وقال في المرقاة قال الأكثرون هو معالجتها حتى تتعقد وتتجعد وهذا مخالف للسنة التى هي تسريح اللحية، وقيل كانوا يعقدونها في الحرب زمن الجاهلية فأمرهم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بإرسالها لما في عقدها من التشبه بالنساء، وقيل كان ذلك من دأب العجم أيضا فنهوا عنه لأنه تغيير لخلق الله عز وجل، وقال الأبهرى كان من عادة العرب أن من له زوجة واحدة عقد عقدة واحدة صغيرة ومن كان له زوجتان عقد عقدتين اهـ
(قوله أو تقلد وترا) أى جعل الوتر في عنقه كالقلادة، والوتر بفتحتين ما يشدّ به القوس أو مطلق الحبل، وقيل المراد به الخيط الذى يعلق فيه التمائم أو خرزات لدفع العين والحفظ من الآفات كانوا يعلقونها في رقاب الأولاد والخيل، وفى شرح العينى هي التمائم التى يشدّونها بالأوتار وكانوا يرون أنها تعصمهم من الآفات وتدفع عنهم المكاره فأبطل النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذلك اهـ وقال أبو عبيدة الأشبه أنه نهى عن تقليد الخيل أوتار القسىّ نهوا عن ذلك إما لاعتقادهم أن تقليدها بذلك يدفع عنها العين وإما لمخافة اختناقها به لا سيما عند شدة الركض بدليل ما روى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر بقطع الأوتار عن أعناق الخيل تنبيها على أنها لا تردّ القدر اهـ ملخصا
(قوله أو استنجى برجيع دابة) الرجيع الروث والعذرة سمى رجيعا لأنه رجع عن حالته الأولى من كونه طعاما أو علفا، ونهى عن الاستنجاء بروث الدابة لأنه نجس ولأنه طعام دواب الجن
(قوله أو عظم) عطف على رجيع، ونهى عنه لأنه زاد الجن والتنكير فيه للعموم فيشمل عظم الميتة والمذكى
(قوله فإن محمدا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه برئ) خبر من في قوله من عقد لحيته إن كانت موصولة أو جواب إن كانت شرطية. وهو وعيد شديد على فعل أىّ واحد مما ذكر نعوذ بالله تعالى من كل ما لا يرضى الله عز وجل ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، وإنما قال النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فإن محمدا دون فأنا أو فإنى لئلا يتوهم أن البراءة من الراوى المخبر مع الإشارة إلى أن المسمى بهذا الاسم المعظم الذى حمده الأولون والآخرون منه برئ فيكون دلالة على غاية ذمه وأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا يتبرأ إلا من مذموم
(فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز الاستعانة بالغير عند الحاجة لا سيما في مهمات الأعمال، وعلى جواز إجارة الدابة بجزء مما ينتج من عملها، وعلى أن الشئ المشترك المحتمل للقسمة يصح قسمته بطلب أحد الشركاء، وعلى أن الله تعالى يكرم نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بتحقيق رجائه، وعلى منع عقد اللحية والتقلد بالوتر، وعلى منع الاستنجاء بالرجيع والعظم، وعلى أن ارتكاب الجرائم سبب في هلاك مركبها وبراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منه
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه النسائى والبيهقى، قال في المرقاة سنده حسن
(ص) حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا مُفَضَّلٌ، عَنْ عَيَّاشٍ، أَنَّ شُيَيْمَ بْنَ بَيْتَانَ، أَخْبَرَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، يَذْكُرُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعَهُ مُرَابِطٌ بِحِصْنِ بَابِ أَلْيُونَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ:«حِصْنُ أَلْيُونَ بِالْفسْطَاطِ عَلَى جَبَلٍ»
(ش)(قوله أخبره بهذا الحديث إلخ) أى أخبر شييم عياشا بالحديث عن أبى سالم الجيشانى عن عبد الله بن عمرو كما أخبره به عن شيبان القتبانى عن مسلمه بن مخلد عن رويفع بن ثابت (وأبو سالم) هو سفيان بن هانئ بن جبر بن عمرو بن سعد المصرى تابعى شهد فتح مصر ووفد على علىّ بن أبى طالب وروى عنه وعن عقبة بن عامر وزيد بن خالد وأبى ذرّ وغيرهم. وعنه الحارث بن يزيد ووهب بن عبد الله وبكر بن سوادة وعبيد الله بن جعفر وكثيرون، ذكره ابن حبان في الثقات وقال العجلى تابعى ثقة وذكره ابن منده في الصحابة وقال اختلف في صحبته. مات بالإسكندرية زمن عبد العزيز بن مروان (والجيشانى) بفتح الجيم وسكون المثناة التحتية منسوب إلى جيشان ابن عبدان أبى قبيلة باليمن
(قوله عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمر وأبو محمد وقيل أبو عبد الرحمن صحابى جليل أسلم قبل أبيه ولم يكن بينه وبين أبيه في السن إلا إحدى عشرة سنة شهد فتح مصر روى له عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعمائة حديث اتفق الشيخان على سبعة عشر حديثا وانفرد البخارى بثمانية ومسلم بعشرين. روى عن أبى بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبى الدرداء وسراقة بن مالك، وعنه أنس بن مالك وعبد الله بن الحارث وجبير بن نفير وثابت بن عياض وغيرهم، كان من أكثر الصحابة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُم حديثا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وممن يقرأ التوراة والقرآن، فعنه قال رأيت فيما يرى النائم كأن في إحدى يدىّ عسلا وفي الأخرى سمنا وأنا ألعقهما فذكرت ذلك للنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال تقرأ الكتابين التوراة والقرآن وكان يقرؤهما رواه أحمد والبغوى، وأمره في انقطاعه للعبادة وتشديده على نفسه فيها ونهى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم له عن ذلك مشهور فعن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال زوّجنى أبى امرأة فجاء يزورها فقال كيف ترين بعلك فقالت نعم الرجل من رجل لا ينام الليل ولا يفطر النهار فوقع بى وقال زوّجتك امرأة من المسلمين فعضلتها قال فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما عندى من القوّة والاجتهاد فبلغ ذلك النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال لكنى أنا أقوم وأنام وأصوم وأفطر فقم ونم وصم وأفطر قال صم من كل شهر
ثلاثة أيام فقلت إنى أقوى من ذلك قال صم صوم داود عليه السلام صم يوما وأفطر يوما قلت أنا أقوى من ذلك قال اقرأ القرآن في كل شهر ثم انتهى إلى خمس عشرة وأنا أقول أنا أقوى من ذلك، رواه النسائى، وعن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل فقلت بلى يا رسول الله قال فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا وإن لزورك عليك حقا وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشرة أمثالها فإذاً ذلك صيام الدهر كله فشدّدت فشدّد علىّ قلت يا رسول الله إنى أجد قوّة قال فصم صيام نبى الله داود عليه السلام ولا تزد عليه قلت وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام قال نصف الدهر، وكان يقول بعد ما كبر يا ليتنى قبلت رخصة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رواه البخارى، وقال ابن عبد البر نازل رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في ختم القرآن فقال اختمه في شهر فقال إنى أطيق أفضل من ذك فلم يزل يراجعه حتى قال لا تقرأه في أقل من سبع. واعتذر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن شهوده صفين وأقسم أنه لم يرم فيها برمح ولا سهم وأنه إنما شهدها لعزمة أبيه عليه في ذلك وأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال له أطع أباك. فعن ابن أبى مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه كان يقول مالى ولصفين مالى ولقتال المسلمين والله لوددت أن مت قبل هذا بعشر سنين ثم يقول أما والله ما ضربت فيها بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم ولوددت أنى لم أحضر شيئًا منها وأستغفر الله عز وجل من ذلك وأتوب إليه، مات رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بمكة وقيل بالطائف وقيل بمصر سنة خمس وستين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، روى له الجماعة
(قوله يذكر ذلك وهو معه الخ) أى يذكر عبد الله بن عمرو الحديث لأبى سالم حال كونه معه مرابطا بحصن باب أليون، ومرابط اسم فاعل من رابط مرابطة إذا أقام في ثغر العدوّ وفى النهاية المرابطة أن يربط الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معدّ لصاحبه اهـ. والحصن المكان الذى لا يقدر على الارتقاء عليه لارتفاعه وجمعه حصون. والمراد به هنا الحصن الذى أقامه الفرس على ضفة النيل الشرقية مقابل الأهرام وفى مكانه الآن دير النصارى ويقال له قصر الشمع أو دير مارى جرجس. ومن حديثه أن الفرس لما اشتد ملكها وقويت على الروم حتى تملكت الشام ومصر أخذت في بناء هذا القصر وجعلت فيه هيكل لبيت النار ولكن لم يتمموا بناءه فلما ظهرت الروم تممت بناءه وحصنته فلم يزالوا فيه إلى أن نازلهم المسلمون مع عمرو بن العاص ففتحه وأليون بفتح الهمزة وسكون اللام وضم الياء اسم مدينة مصر قديما فتحها المسلمون وسموه الفسطاط بضم الفاء وكسرها وسكون السين المهملة وهو في الأصل المدينة التى فيها مجتمع الناس وكل مدينة
فسطاط، وقال الزمخشرى هو ضرب من الأبنية وبه سميت المدينة ويقال لمصر والبصرة الفسطاط اهـ وقول أبى داود حصن أليون بالفسطاط على جبل لا ينافى ما ذكر لأن الذى على جبل هو الحصن لا نفس أليون. وفى شرح العينى قوله حصن أليون بالفسطاط الفسطاط مدينة مصر وفى الأصل الفسطاط بيت من شعر ولكن سميت بها مدينة مصر لأن عمرو بن العاص لما فتحها ضرب فسطاطه على موضع الجامع المعروف باسمه فبنى الجامع وبنى المسلمون حواليه دورا ومساجد وأسواقا ولم تزل مصر وهي الفسطاط كرسى المملكة حتى تولى مصر أحمد بن طولون من جهة المعتز بالله سنة أربع وخمسين ومائتين فبنى له ولعسكره القطائع في شمالى مصر وبنى عند القطائع جامعه المعروف به سنة تسع وخمسين ومائتين ثم لم يزل الأمر كذلك حتى بنيت القاهرة سنة ثمان وخمسين وثلثمائة على يد جوهر القائد المعزى اهـ. والذى يؤخذ من كتب التاريخ أنه لم يزل الفسطاط مقرّ الولاة حتى تولى مصر صالح بن على من قبل ابن أخيه أبى العباس سنة ثلاث وثلاثين ومائة هجرية فأقام بالفسطاط سبعة أشهر ثم انتقل إلى مدينة بناها شمال الفسطاط سماها العسكر ومحلها الآن أبنية خط فم الخليج وأبى السعود والماوردى وزينهم والبغالة إلى طولون تجاه جبل قلعة الكبش فكانت العسكر مقراً لولاة العباسيين حتى بنى أحمد بن طولون القطائع شرقى العسكر سنة ثمان وخمسين ومائتين وهي تمتدّ من قلعة الكبش إلى المقطم وبنى مسجده المشهور سنة أربع وستين ومائتين فصارت القطائع مقراً للمملكة حتى بنى جوهر الصقلى القائد لجيوش المعز لدين الله الفاطمى القاهرة سنة ثمان وخمسين وثلثمائة وبنى بها الأزهر سنة تسع وخمسين وثلثمائة
(ص) قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهُوَ شَيْبَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُكْنَى أَبَا حُذَيْفَةَ»
(ش) أى أن شيبان المذكور في السند السابق هو ابن أمية وكنيته أبو حذيفة. وغرض المصنف بهذا بيان كنيته واسم أبيه وكان المناسب ذكر هذه العبارة عقب الحديث السابق
(ص) حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، ثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، يَقُولُ:«نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله روح بن عبادة) بن العلاء بن حسان بن عمرو ابن مرثد القيسى أبو محمد البصرى الحافظ أحد الرؤساء الأشراف روى عن حسين المعلم وشعبة والأوزاعي ومالك بن أنس وجماعة. وعنه أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن منيع
وعبد بن حميد، وثقه الخطيب وقال يعقوب بن شيبة كان كثير الحديث صدوقا وقال ابن معين ليس به بأس صدوق وقال أبو مسعر الرازى طعن على روح بن عبادة ثلاثة عشر أو اثنا عشر فلم ينفذ قولهم فيه. مات سنة خمس أو سبع ومائتين. روى له الجماعة
(قوله زكريا بن إسحاق) المكي. روى عن عمرو بن دينار وعطاء بن أبى رباح ويحيى بن عبد الله وعنه وكيع وأبو عاصم النبيل وابن المبارك وجماعة، وثقه أحمد والبخارى ومسلم وأبو داود وابن معين وقال كان يرى القدر وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث، روى له الجماعة
(قوله أبو الزبير) محمد بن مسلم
(قوله أن نتمسح) التمسح إمرار اليد على الشيء والمراد به هنا الاستنجاء كما تقدم، وجاء من باب التفعل إشارة إلى أن لا نتكلف المسح بالعظم والبعر، وإيماء إلى أن ارتكاب غير المشروع طريق شاق لا يسهل سلوكه عند العقلاء
(قوله أو بعر) بفتحتين معروف والسكون لغة، واحده بعرة وهو من كل ذى ظلف وخف وجمعه أبعار مثل سبب وأسباب
(فقه الحديث) فيه دليل على حرمة الاستنجاء بالعظم والبعر
(من روى الحديث أيضا) رواه أحمد ومسلم والبيهقى
(ص) حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْحِمْصِيُّ، ثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ: انْهَ أُمَّتَكَ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا، قَالَ:«فَنَهَى النبي صَلَّى اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ»
(ش)(رجال الحديث)
(قوله الحمصى) نسبة إلى حمص بلد بالشام
(قوله ابن عياش) هو إسماعيل بن عياش بن سليم أبو عتبة الحمصى عالم الشام وأحد مشايخ الإسلام. روى عن ثور بن يزيد والأوزاعى وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد وآخرين. وعنه الثورى والأعمش من شيوخه وأبو اليمان ويحيى بن معين وكثيرون، وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخارى وابن عدى في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين قال يزيد بن هارون ما رأيت أحفظ من إسماعيل وقال أحمد ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم وقال يعقوب ابن سفيان تكلم قوم في إسماعيل وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشاميين وقال على ابن المدينى كان يوثق فيما روى عن أصحابه أهل الشام فأما ما رواه عن غيرهم ففيه ضعف وهو في الجملة
ممن يكتب حديثه ويحتج به في حديث الشاميين خاصة وقال أبو حاتم لين يكتب حديثه وقال الجوزجانى فما أشبه حديثه بثياب نيسابور يرقم على الثوب المائة وأقلّ وشراؤه دون عشرة وكان أروى الناس عن الكذابين وهو في حديث الثقات من الشاميين أحمد منه في حديث غيرهم. روى له الترمذى والنسائى وابن ماجه. مات سنة إحدى وثمانين ومائة
(قوله يحيى بن أبى عمرو) أبو زرعة الحمصى. روى عن عبد الله بن الديلمى وعبد الرحمن بن خالد والوليد بن سفيان وغيرهم، وعنه الأوزاعي وضمرة بن ربيعة وعاصم بن حكيم وابن المبارك وطائفة، وثقه أحمد ودحيم وابن خراش والعجلى. توفى سنة ثمان وأربعين أو خمسين ومائة، روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه
(قوله السيبانى) بفتح السين المهملة والموحدة بينهما مثناة تحتية ساكنة نسبة إلى سيبان بن الغوث بن سعد الشامى أو إلى سيبان بطن من حمير
(قوله عبد الله بن الديلمي) بن فيروز المقدسى أبو بسر بسين مهملة أو شين معجمة. روى عن حذيفة وعبد الله بن مسعود وأبى سعيد الخدرى وأبىّ بن كعب ومعاذ بن جبل وغيرهم وعنه أبو إدريس الخولانى وربيعة بن يزيد ومحمد بن سيرين وعروة بن رويم وجماعة. وثقه ابن معين والعجلى وابن حبان. روى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه، والديلمى نسبة إلى ديلم اسم ماء لبنى عبس وقيل اسم جبل سموا باسم أرضهم
(قوله عبد الله بن مسعود) ابن غافل، بن حبيب بن شمخ بن مخزوم أبو عبد الرحمن الهذلى أحد السابقين في الإسلام، فعنه قال لقد رأيتنى سادس ستة وما على الأرض مسلم غيرنا رواه الحاكم والبغوى، شهد بدرا والمشاهد بعدها وهاجر الهجرتين. روى ثمانية وأربعين وثمانمائة حديث اتفق البخارى ومسلم منها على أربعة وستين وانفرد البخارى بأحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين. روى عنه من الصحابة. أبو موسى وأبو رافع وجابر وأنس وأبو سعيد وغيرهم، ومن التابعين علقمة ومسروق والأسود وقيس بن أبى حازم، تلقن من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سبعين سورة وهو أول من جهر بالقرآن بمكة وفى الحديث من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد رواه الحاكم عن عليّ. قال علقمة كان يشبه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في هديه ودله وسمته، فعن حذيفة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال ما نعلم أحدا أقرب سمتا ولا هديا ولا دلا من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ابن أم عبد رواه البخارى والترمذى، وكان أعلم الصحابة بكتاب الله تعالى، فعنه والذى لا إله غيره ما نزلت سورة من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم أين أنزلت وما أنزلت آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ولو أعلم أحداً أعلم منى بكتاب الله تعالى تبلغه الإبل لركبت إليه رواه الشيخان والنسائى وكان من الملازمين لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخادم نعله. فعن أبي موسى
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال قدمت أنا وأخى من اليمن فمكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من كثرة دخولهم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولزومهم له رواه الشيخان والترمذى، شهد له النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالإيمان والتقوى. فعنه قال لما نزل قوله تعالى "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا" الآية قال لى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنت منهم رواه مسلم والترمذى. توفي رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه عثمان بن عفان ودفن بالبقيع، وقيل نزل الكوفة ومات بها سنة ثلاث وثلاثين، روى له الجماعة
(قوله قدم وفد الجن) الوفد قوم يجتمعون ويردون البلاد، الواحد وافد وكذا من يقصد الأمراء لزيارة أو طلب عطاء وانتجاع أى طلب الكلأ في موضعه أو غير ذلك، يقال وفد يفد فهو وافد وأوفدته فوفد وأوفد على الشئ فهو موفد إذا أشرف، والجن خلاف الإنس الواحد جني سموا بذلك لاستتارهم عن أعين الناس وتجوز رؤيتهم يثاب الطائع منهم ويعذب العاصى وهم مكلفون من حين الخلقة، وقد تقدم الكلام عليهم والخلاف فيهم، وهذا الوفد تسع أو سبع من جن نصيبين مدينة في الشمال الغربى للموصل على منبع نهر الفرات جنها سادات الجن وأكثرهم عددا وهم أول بعث بعثه إبليس حين بعث جنوده ليتعرفوا له الأخبار عن سبب منعهم من استراق السمع فلما سمعوا قراءة النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم آمنوا وولوا إلى قومهم منذرين فقص الله تعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خبرهم فقال "وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن" الآية وكان حضورهم بوادى نخلة على نحو ليلة من مكة، فعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما قال ما قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجن ولا رآهم انطلق رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسل عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إلا من شئ حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فمرّ النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وهو يصلى بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا هذا الذى حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم وقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا، فأنزل الله تعالى على نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، قل أوحى إلىّ أنه استمع نفر من الجن، أخرجه الشيخان والترمذى، وقد وردت أحاديث أخر تدلّ على تكرر اجتماعهم بالنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. فعن علقمة قلت لابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هل صحب النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم منكم أحد ليلة الجن قال ما صحبه أحد منا ولكنا كنا معه
ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فلما أصبحنا فإذا هو جاء من قبل حراء فقلنا يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فقال أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن قال فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وسألوه الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله تعالى عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة علف لدوابكم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم أخرجه مسلم والمصنف والترمذى، ورواية ابن مسعود مثبتة قراءته صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على الجن فهى مقدّمة على رواية ابن عباس السابقة النافية لها لأن المثبت مقدّم على النافى
(قوله انه أمتك إلخ) بفتح الهاء أمر من النهى يقال نهيته عن الشئ أنهاه نهيا فانتهى ونهوته نهوا لغة ونهى الله تعالى أى حرّم، أى امنع أتباعك من الإنس من الاستنجاء بعظم أو روث أو لحم. والأمة جمعها أمم كغرفة وغرف، والحممة بضم الحاء المهملة وميمين مفتوحتين على وزن رطبة ما أحرق من خشب ونحوه والجمع حمم كرطب قال الخطابى الحمم والفحم ما أحرق من الخشب والعظام ونحوهما والاستنجاء به منهىّ عنه لأنه رزق الجن فلا يجوز إفساده عليهم اهـ
(قوله جعل لنا فيها) أى في العظم وما بعده. وظاهره أنهم يرزقون من هذه الأشياء فلذلك منع النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الاستنجاء بها ولا ينحصر الرزق في الأكل فلعلهم ينتفعون بالحممة ونحوها بوجه آخر
(فقه الحديث) دلّ الحديث على أنه يسوغ للشخص أن يسعى إلى تحصيل ما ينفعه ودفع ما يضره، وعلى أنه يجوز لمن هضم حقه أن يسعى لدى الولاة للحصول على حقه، وعلى أنه يطلب من الرئيس مساعدة المظلوم حتى يحصل على حقه. وعلى أن للجن حقوقا يقضى بها كالإنس، وعلى أنه يطلب البعد عما يؤذيهم كغيرهم، ودلت أحاديث الباب على منع الاستنجاء بالنجاسات والعظم ومثل العظم ما في معناه من المطعومات ومثل الفحم غيره مما يلوّث ولا ينقى (واختلف) العلماء في ذلك فقال الثورى والشافعى وأحمد وإسحاق والظاهرية لا يصح الاستنجاء بها، واستدلوا بظاهر أحاديث الباب وحديث سلمان المتقدم في باب كراهية استقبال القبلة عند الحاجة، وبما رواه البخارى عن أبى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال اتبعت النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخرج لحاجته فكان لا يلتفت فدنوت منه فقال له ابغنى أحجارا أستنفض بها ولا تأتنى بعظم ولا روث "الحديث" وأستنفض بالنون والفاء المكسورة يعنى أنظف بها نفسى من الحدث، وفى رواية رزين عن أبى هريرة قلت ما بال العظم والروثة قال هما من طعام الجن وإنه أتانى وفد جن نصيبين ونعم الجن فسألونى عن الزاد فدعوت الله تعالى لهم أن لا يمرّوا بعظم ولا بروث إلا وجدوا عليها طعاما، وبما رواه البخارى أيضا عن ابن مسعود
قال أتى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغائط فأمرنى أن آتيه بثلاثة أحجار فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيته بها فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال هذا ركس. يعنى نجسا كما فسره الترمذى. قال النووى في شرح مسلم نبه النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرجيع على جنس النجس فإن الرجيع هو الروث، وأما العظم فلكونه طعاما للجن فنبه به على جميع المطعومات وتلحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم ولا فرق في النجس بين المائع والجامد فإن استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسا بنجاسة أجنبية ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك إن لم يكن نقل النجاسة من موضعها، وقيل إن استنجاءه الأول يجزئُ مع المعصية اهـ وقالت المالكية لا يجوز الاستنجاء بالنجس كأرواث الخيل والحمير وعظم الميتة والعذرة ولا بمحترم لكونه مطعوما لآدمى كخبز أو مكتوبا لحرمة الحروف ولو بخط غير عربى أو مشرّفا لذاته كذهب وفضة أو حقا للغير كجدار مملوك للغير ولو وقفا، وأجزأ الاستنجاء بما ذكر مع الحرمة إن حصل الإنقاء قالوا ويكره الاستنجاء بعظم وروث طاهرين. قال العينى وذهب بعض البغداديين إلى جواز ذلك وهو قول أبى حنيفة، وفى البدائع فإن فعل ذلك يعنى الاستنجاء بالعظم يعتدّ به عندنا فيكون مقيما سنة ومرتكبا كراهية، وشذ ابن جرير فأجاز الاستنجاء بكل طاهر ونجس اهـ ويكره بالذهب والفضة عند أبى حنيفة، وقال في الهداية ولا يستنجى بعظم ولا بروث لأن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن ذلك ولو فعل يجزئه لحصول المقصود ومعنى النهى في الروث النجاسة وفى العظم كونه زاد الجن، ولا يستنجى بطعام لأنه إسراف وإهانة اهـ وقال في فتح القدير واذا كرهوا وضع المملحة على الخبز للإهانة فهذا أولى فلو فعل فأنقى أثم وطهر المحل على إحدى الروايتين اهـ وقال الحافظ في الفتح من قال علة النهى عن الروث كونه نجسا الحق به كل نجس ومتنجس وعن العظم كونه لزجا فلا يزيل إزالة تامة ألحق به ما في معناه كالزجاج الأملس، ويؤيده ما رواه الدارقطنى وصححه من حديث أبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يستنجى بروث أو بعظم وقال إنهما لا يطهران، وفى هذا ردّ على من زعم أن الاستنجاء بهما يجزئُ وإن كان منهيا عنه اهـ وفى سبل السلام شرح بلوغ المرام في الكلام على حديث أبى هريرة قال إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى أن يستنجى بعظم أو روث وقال إنهما لا يطهران رواه الدارقطنى وصححه ما نصه وعلل هنا بأنهما لا يطهران وعلل بأنهما طعام الجن وعللت الروثة بأنها ركس والتعليل بعدم التطهير فيها عائد إلى كونها ركسا وأما عدم تطهير العظم فلأنه لزج لا يكاد يتماسك فلا ينشف النجاسة ولا يقطع البلة، ولما علل صلى